سئلت اليوم هذا السؤال: لماذا أخذ الله روح هذا الطفل البريء الذي لم تكتب له سيئة بعد رغم دعاء ملايين المسلمين له بالحفظ والنجاة؟ ✓ وللإجابة عليه سأبدأ أولا بتثبيت أصل كبير ينساه كثير من الناس، وهو أن الله عادل ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ لا يظلم أحدا من عباده ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، بل ولا يظلم مثقال ذرة ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾، بل وقد حرم الظلم على نفسه كما في الحديث القدسي، فلو كان الإنسان مؤمنا ورعا تقيا لكفته هذه القاعدة العظيمة التي هي لب الإيمان. ✓ ثم أَمُرُّ على أصل ثان لأثبته وأذكر به أيضا، وهو بدوره من صلب الإيمان، وملخصه أننا نحن البشر عبيد لله، ملك لله، تحت مشيئة الله، يفعل بنا ما يشاء ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، ونحن نسأل وهو لا يسأل ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾، وهو العليم الحكيم، يعلم ما يصلح لنا وما لا يصلح ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، وبحكمته يقضي بما ينفعنا أفرادا وجماعات. ✓ ثم نُذَكِّرُ الجميع بمسألة استجابة الدعاء، فالله لا يخيب دعاء من يدعوه، بل ويستحي أن يرد كفا من يدعوه صفرا خائبتين كما في حديث: ((إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ))، طبعا بشرط أن يستوفي الداعي الشروط وعلى رأسها اجتناب أكل المال الحرام، وبعد ذلك نقول أن ما قرره أهل العلم في المسألة أن الله يستجيب للدعاء إما بالاستجابة له مباشرة، أو بصرف سوء وشر كان سيصيب الداعي أو المدعو له، أو بادخار الإجابة إلى يوم القيامة، وفي جميع الأحوال فالله هو من يقرر ويقدر الأنفع لعباده، ولا يسع هؤلاء إلا الرضا والانقياد التام. ✓ وبناء على كل ما ذكر وتقرر نقول: أن الله قضى بإماتة ريان لأنه أعلم وأحكم وأعدل وأولى بمصائر عباده، وهو المتصرف في خلقه وعبيده كيف يشاء، ولا يسأل عما يفعل ونحن مسؤولون، ولو اتبعنا كلام من لم يستسغ وفاة ريان نحاججهم بأسئلة مماثلة: ولماذا قبض الله روح فلان وهو في ريعان شبابه، أو فلان وقد ترك خمسة أطفال صغار، أو فلان وقد كان متكفلا باليتامى، أو فلان وقد أكل جسده السرطان في سن مبكرة، أو أو.. فإذا اتبعنا هذا المنطق المنحرف فلن تسلم لنا وفاة.. بل وكيف يأمر الله الخضر عليه السلام بقتل غلام صغير لم يكلف بعد وليست له أي جريرة؟.. آه.. سيقولون لأن الله علل الحكم بكون ذلك الغلام إذا كبر كان سيرهق أبويه طغيانا وكفرا.. إذن فكذلك أمر ريان وغيره ممن يتوفاهم الله صغارا او شبابا، الله عليم حكيم بحالهم يعلم بحكمته ما ينفعهم وما لا ينفعهم، وما يدريك إن بقي ريان رحمه الله حيا فإنه سيلاقي عذابا أليما إما بشلل تام أو ضمور دماغي أو قصور وفشل كلوي أو بها مجتمعة فكان قدر الله أرحم وأعدل!! وما يدريك لعل الله بقبض روح ريان فإنه يبتلي الصابرين ويفتن آخرين!! وما يدريك لعل الله بقبض روحه يريد منفعة أعظم للأمة لا ندركها نحن الآن!! ومسألة اخرى في غاية الأهمية لا ننتبه إليها: كثير من الناس عند الغضب يدعون على أبنائهم بالهلاك والمصائب ويظنون أن الأمر لا يزيد أن يكون كلاما عابرا.. والله ينفذ دعاءهم إذا وافق ساعة إجابة لحديث: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ». ✓ هذا كله جوابا عن تساؤلات عوام الناس، أما دسائس الملىحدين وتشكيكاتهم بهذا الخصوص فنجيبهم بالتالي: إن كنتم لا تؤمنون بوجود الله فلماذا تزعزعون عقيدة الناس بسؤالكم التافه: (ما ذنب الطفل البريء ريان سلب الله روحه ولم يمنح له الحق في الحياة!!) أنتم من الأصل لا تؤمنون بوجود الله فكيف تزعمون أن الله سلبه روحه؟؟ أليست الطبيعة وقوانينها هي التي سلبت ريان روحه؟؟ ✓ ومسألة اخيرة متعلقة بالرضا والصبر والاحتساب: لو ان أحدنا مات له ابن صغير أو شاب يافع ماذا تراه يفعل؟ في الغالب يصبر ويحتسب.. لكن إذا مات له ثلاثة أو اربعة أبناء واحدا تلو الآخر ماذا يفعل؟ قد يصبر ويحتسب أيضا وهذا هو الأصل، لكن بعض منا في هذه الحالة قد يسخطون ويضجرون ويبدؤون في طرح مثل هذه الأسئلة الإبليسية: لماذا أنا بالضبط؟.. ماذا فعلت حتى أجازى بهذا؟.. أي عدل في وفاة كل أبنائي؟.. لا أستحق هذه المأساة.. لماذا يا رب!! طيب.. من وهبك أولئك الأبناء؟ من احياهم ورزقهم وصورهم وخلق أجسادهم؟ أنت أم الله؟ أليس الله هو أحكم الحاكمين؟.. بلى، أليس الله هو العليم الحكيم؟.. بلى، أليس الله هو الوهاب الرزاق؟.. بلى، أليس الله هو مالك الملك الفعال لما يريد؟.. بلى، إذن فلم الاعتراض والسخط والضجر؟ وهل انتم أَكْلَمُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نبينا صلى الله عليه وسلم مات له في حياته ستة أبناء (القاسم وعبدالله وزينب ورقية وأم كلثوم وإبراهيم)، ولم يزد أن حزن عليهم وأدمعت عيناه على فراقهم، لكنه رضي بقضاء الله وصبر واحتسب وحمد وشكر الله وأثنى عليه.. ولم يعترض او يضجر أو يسخط، وحاشاه أن يفعل وهو خير الخلق. فالله متصرف في ملكه وخلقه، يدبر الامر، يقضي بما يشاء، ويفعل ما يشاء، ومشيئته من حكمه وعدله وعلمه وحكمته. قال تعالى: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)). ورب العالمين أي صاحب ومالك العالمين.