في خطابه مساء الأربعاء 2.12.2020، وهو ذات اليوم الذي صادقت فيه الكنيست بالقراءة التمهيدية على اقتراح قانون بحلها والذهاب الى انتخابات مبكرة، كشف نتنياهو عن حجم الوهم بخصوص فرص التعاون معه في ملفات مصيرية، ضمن "رؤية!!" سياسية جديدة، تتجاوز ما درجت عليه الأحزاب العربية في تعاملها مع كل الحكومات بغض النظر عن هويتها الأيديولوجية على اعتبارها مسؤولة قانونا عن كل "مواطنيها!"، حيث اثبت نتنياهو من جديد ان عنصريته لا حدود لها، وأنها ثابتة وغير قابلة للتغيير او حتى التعديل ابدا.. (1) نتنياهو يتبرأ من "المشتركة" بما في ذلك القائمة العربية الموحدة – – تماما كما فعل غانتس ولبيد في أكثر من مناسبة – ويؤكد انه لم يعتمد عليها يوما، ولن يعتمد عليها يوما من اجل اقامة حكومته.. السبب لا يكمن – كما قال – في انها عربية، ولكن لانها ليست صهيونية.. بكلمات اخرى، يمكنه ان يفكر في الاعتماد عليها في حال أصبحت صهيونية!!!! أضافة الى ذلك، "تقزز" نتنياهو من سؤال حول اتفاق بينه وبين القائمة العربية الموحدة (الدكتور منصور عباس)، مقابل قرار نوابها الامتناع عن التصويت على مشروع قانون حل الكنيست ظهيرة هذا اليوم، مؤكدا على ان اتفاقا من هذا النوع لن يكون.. الحقيقة انه لم يكن هنالك اتفاق فعلا بين "الموحدة" ونتنياهو، حيث جاء القرار بناء على قناعات قد يُتفق عليها وقد يُختلف، إلا ان المفردات وحركات الجسد التي استعملها نتنياهو في انكار هذا الامر، دلت بوضوح على انه يعتبر أية إشارة تصريحا او تلميحا لمثل هكذا علاقة، هي خدش ل – "صفائه" الصهيوني، و – "إهانة" ل – "نقائه!!" اليميني المتطرف والفاشي.. لكنه لم ينس ان يؤكد على انه بصفته رئيس الوزراء يشعر بالمسؤولية عن المجتمع العربي، والتزامه بحل أزماته في جميع المجالات بما في ذلك موضوع العنف.. يعني، أنه ليس بحاجة ل "معروف!!" أحدٍ من اجل ان يقوم ب – "واجبه!!" تجاه المجتمع العربي!! طبعا، الرجل كاذب فيما زعمه من حرصٍ على مصالح المجتمع العربي، وهو من هو عنصرية في تعامله مع هذا المجتمع، وخطابه بشأنهم وبشأن ممثليهم، إلا ان قفزه من فوق رؤوس النواب العرب ليخاطب المجتمع العربي مباشرة، وكأني به يقول: "أيها العرب، لستم بحاجة الى النواب العرب، فانا هنا، تعالوا الي وسأكون في خدمتكم!!!!"… نفس اللامنطق الذي اتبعه العديد من وزراء حزب العمل الذي كانون يرددون دائما تفضيلهم لتقديم الخدمة مباشرة بعيدا عن "واسطة" النواب العرب، لأن في ذاك مكسبا قد يمنحهم بعض النقاط، بدل ان تذهب الى النواب العرب واحزابهم.. منطق اقل ما يُقال فيها انه عنصري بامتياز.. (2) يمكن الإشارة هنا في عجالة الى عدد من النقاط التي تستحق الوقوف عندها في خطاب نتنياهو والتي قد تزيل بعض الأوهام، وتكشف بعض الزوايا الخفية/غير الخفية في شخصيته ونوعية تفكيره: اولا- نتنياهو هو نتنياهو الذي لا يمكن الاعتماد عليه، واي "وهم" في هذا الاتجاه تم "القضاء!" عليه هذه الليلة.. ثانيا – من اجل انتزاع حقوقنا من اية حكومة اسرائيلية، خصوصا من حكومة يقف على راسها نتنياهو، لا يمكن ان يكون الا برأس مرفوع وبندية كاملة.. ثالثا – أية محاولة للمس بالمبدأ الذي تمسكنا به دائما، ان حقوقنا كمجتمع عربي هي حق أصيل بصفتنا مواطنين في هذه الدولة، وان الحكومة قانونا ملزمة بخدمة مجتمعنا أسوة بكل المواطنين اليهود، ومن غير ان يقدم شيئا مهما كان نوعه في المقابل، محاولة المس بهذا المبدأ خطره كبير وأثُره مدمر على المديين المتوسط والبعيد.. الاصل ان حقوقنا اصيلة بدون اية علاقة مع "الواجبات"، ناهيك عن ان تكون رهينة "مساومات!!" سياسية، و/أو "صفقات" أشبه بالتجارية.. رابعا – من الواضح ان الفرص التي اتاحتها ظروف محددة للأحزاب العربية ونوابها لتحقيق انجازات بسبب حاجة الحكومة حينها ابتداء مساواة مخصصات الاولاد وتمرير اتفاق أوسلو، مرورا بإلغاء ضريبة الاملاك والغرامات المتراكمة عليها عبر عقود، والانسحاب من قطاع غزة، لم تعد "ممكنة!!" في زمن الانهيار العربي وسيطرة اليمين بأنواعه المختلفة، وطغيان التطبيع بين الدول العربية والاحتلال الصهيوني.. لذلك لا بديل امام المجتمع العربي واحزابه وهيئاته الوطنية، الا ان يعزز بشموخ القاعدة: حقوقنا أصيلة والحصول عليها ليس معروفا ولا مِنَّةً من أحد، ويجب ان تؤدى دون المطالبة بمقابل مهما كان شكله.. خامسا – العرب في نظر نتنياهو نسيج واحد: داعمون للإرهاب، اعداء للدولة، ولا يمكن "صهيونيا" الاعتماد عليهم في تشكيل حكومة او دعم حكومة!!.. لذلك لا مكان للوهم ان نتنياهو يمكن ان "يحترم!!" احدا من الاحزاب العربية او ان يعقد معهم صفقات يأخذ منها لنفسه أكثر مما يعطي، هذا ان اعطى اصلا.. (3) بعد خطاب نتنياهو، لا بديل امام الاحزاب العربية الا ان تعود لرشدها وتعزز وحدتها في إطار القائمة المشتركة، وتتحرر من كل مشاكلها الداخلية، وان توجه بوصلتها من جديد نحو الهدف وذلك على أربعة مستويات. الأول – تمثيل المجتمع العربي بكل المهنية والحنكة السياسية دون تقديم تنازلات مهما كان نوعها خصوصا إن كانت تمس ثوابتنا الدينية والوطنية.. الثاني – التأكيد على ان المجتمع العربي واحزابه جسمٌ سياسيٌّ مستقل، لم يكن ولن يكون جزءا من نسيح سياسي إسرائيلي – صهيوني، وإن التقى مع اليسار في بعض الرؤى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وشاركه في عدد من النضالات التي لا تتعارض مع الثوابت.. الثالث – الوحدة الوطنية هي الأصل والأساس، وكل التكتيكات السياسية يجب ان تخدم هذا الأصل، ولا تعرضه للخطر، مع الاحتفاظ بمساحة مريحة للتعبير عن خصوصيات كل فريق خصوصا فيما له علاقة بشؤون دينية وغيرها.. المستوى الرابع – الحوار الداخلي هو الحل للاختلافات الطبيعية في كل جسم سياسي، والحسم الديموقراطي هو المخرج في حسم أي خلاف في وجهات النظر ما لم يكن مخالفا لشرع او قانون، ولا مكان ل – الحروب" البينية مهما كان شكلها او نوعها او سببها، وكما لا مكان لتصديرها الى وسائل الاعلام التي تعمل في العادة على تأجيجها خدمة لأجندات تخدم غالبا من لا يريدون لمجتمع العربي ان يتوحد ويتفق، ويرون في وحدته واتفاقه تهديدا ل "حصتهم!!!" في هذا المجتمع.. (4) منذ خاضت الحركة الاسلامية الانتخابات عام 1996، وحتى يومنا هذا كانت جزءا من العمل السياسي عموما، والعمل البرلماني خصوصا، حيث لم يعلن احدٌ من الاحزاب العربية انه في جيب أحد، بدليل ان هذه الاحزاب لم توصي يوما على مرشح لرئاسة الوزراء لا من اليمين ولا من اليسار.. كانت الاحزاب العربية منحازة على الدوام لمصالح جماهيرنا العربية في الداخل، ومصالح شعبنا الفلسطيني الذي يخوض معركته الشرسة من اجل تحرره الوطني.. وقفت احزابنا ضد كل سياسيات الحكومات يمينية او يسارية، او خليطا منهما، التي تمس بمصالح جماهيرنا وشعبنا، ولم يعننا ابدا هوية الحكومة في معركتنا هذه.. تعي الأحزاب العربية تماما وهي تخوض نضالها ضد الصهيونية، دور احزاب المركز واليسار قبل احزاب اليمين في نكبة فلسطين، والتمييز العنصري تجاهنا، وتعزيز الاحتلال وتهويد القدس، وعليه فلا يُتصور ابدا ان يسمح حزب عربي لنفسه ان يكون في جيب أحد من هؤلاء! الحقيقة ان الاحزاب العربية كلها ليست في جيب أحد، لكنها ليست في جيب اليمين على وجه التحديد، وتعاملها مع الحكومات تعامل رسمي يستهدف خدمة المجتمع العربي وشعبنا الفلسطيني قدر المستطاع دون انحناء، ومن غير ان نخلق انطباعا خاطئا وكأننا في جيب اليمين، من حيث أردنا الا نكون في جيب أحد، وهو تحصيل حاصل.. من هنا بدا الخلل والتدهور الخطير، والذي كان أخطر فصوله – في رأيي المتواضع – تحول النقاش في البديهيات الى "حرب" غابت فيه الحقائق، وطفى على السطح بدلا منها غثاء جر المشتركة والمجتمع العربي الى جدل عقيم لا يمكن الا ان يخدم الاحزاب الصهيونية يمينها ومركزها ويسارها، والتي ترى في قوة المشتركة تهديدا لوجودها، وتفويتا لفرص وصولها الى الحكم بسلاسة وسهولة.. الخلاف الحاصل في "المشتركة" اليوم له علاقة بالشكل لا بالمضمون.. لذلك من العدل والانصاف والعقل والسياسة، الا نضحي بالمشروع "المضمون" وهو الاصل الثابت، من اجل عيون "الشكل" او الخطاب، وهو المتغير، والذي فيه تتجلى عبقرية القيادي.. من الخطورة بمكان ان يتحول الانسان الى عبد للشكل وهو الفرع، فيضيع المشروع وهو الاصل.. التحرر من الشكل غير المقدس، وعدم التمسك به والذي قد يصل درجة "المكابرة"، هو المطلوب، وليس ذلك عيبا ابدا.. في هذه الأجواء تحديدا يصبح فريضة على جميع مكونات القائمة المشتركة التحرر قد المستطاع من طغيان العاطفة والانحيازات التنظيمية والشخصية وحتى الأيديولوجية.. ما احوجنا في هذا الوقت بالذات الى ان نلجم نزوات العواطف بنظرات العقول، وننير العقول بلهب العواطف، ونُلزم الخيال صدق الحقيقة والواقع، وألا نميل – في آرائنا – كل الميل فنذرها كالمعلقة، والا نصادم نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن أن نغالبها ونستخدمها ونحول تيارها ونستعين ببعضها على بعض، وان نرقب ساعة الخلاص وما هي منا ببعيد… **** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني