لقد بادرت دول إسلامية كثيرة بفتح المساجد وبعض هذه الدول عرفت انتشارا للمرض بنسب أكبر مما عليه الحال عندنا، بل فتحت المساجد في أوربا التي يتصور فيها عدم الحرص على المقاصد و المصالح الشرعية، وهي في الوقت نفسه أكثر حرصا منا على تطبيق قواعد الحجر الصحي، ومما يجدر ذكره أن هذه البلدان بعد فتحها للمساجد لم تظهر فيها تلك المفاسد التي يدندن حولها من يبرر إغلاق المساجد مع أنها قد فتحت فيها قبل مدة ليست باليسيرة. ومما يزيدنا اطمئنانا إلى صواب المبادرة بفتح المساجد أن الناس والحمد لله في هذه الجائحة قد أظهروا التزاما كبيرا بالتدابير الوقائية، ولن يختلف الوضع – إن شاء الله – في المساجد مع شيء من التنظيم من المسؤولين على هذا القطاع. وهذا الرهاب الذي يثار حول المساجد دون غيرها غير مبرر. والله نعحب لماذا هذا التخوف في شأن المساجد فقط دون غيرها من المرافق التي تشهد تجمعات بشرية. فاتخاذ بعض التدابير كحمل كل مصل لسجاده والمباعدة وعدم فتح محلات الوضوء والانتشار بعد الصلاة مباشرة، نضمن معها – بإذن الله – الوقاية المطلوبة. واما من يتعذر بمخالفة هيئة الصلاة، ففي المسألة فسحة والتقارب في الصف سنة، الاخلال بها لحاجة لا يخل بالصلاة، وهذا مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو قول الأئمة الأربعة. فالصلاة مع تباعد المصلين في الصف صحيحة، ولو لم تكن هناك حاجة للتباعد، فكيف إذا كانت هناك حاجة معتبرة شرعا كما هي الحال في هذه النازلة. إن صلاة الجماعة في المساجد من الشعائر الظاهرة والحفاظ عليها من فروض الكفاية، والجمعة فرض عين لا ينبغي التفريط في الأخذ بالممكن لإقامتهما وهذا التساهل الذي نراه يأباه الشرع وإن أظهره البعض في صورة التعقل والحكمة، فالامكانية موجودة و قد سبقتنا دول لا نختلف معهم في شيء وبمدة ليست باليسيرة ولم نر أثرا لتلك المخاوف والمفاسد التي يتحدثون عنها. و إظهار من ينادي بفتح المساجد في صورة المتسرع و المتعجل مغالطة فإن سلمنا انه تعجل فهو تعجل يحمد ولا يذم، وكم هي المواقف التي يزعم أصحابها التعقل والحكمة أسهمت في تضييع الشريعة وتقويضها في المجتمع. وأخيرا أؤكد أننا لا نتهم أحدا بتقصد إغلاق المساجد أو محاربتها كما يحاول البعض تصوير كل من يطالب بفتحها، لكننا نطالب المسؤولين بإعادة النظر في الامر فالخطأ في تقدير الأمور وارد عليهم لا سيما أنهم فرقوا بين النظائر من جهة تقدير المفاسد في التجمعات البشرية، كما أنه يظهر أيضا عدم اعتبار للممكن – وهو متحقق- الذي يجب معه أداء هذا الواجب الشرعي. نسأل الله أن يعيد علينا نعمة فتح المساجد و أداء الجمعة والجماعات..