من العجائب والعجائب جمة، ومن المصائب العظام التي ألمت بالأمة، ومن مظاهر الغربة التي تزيد القلب لوعة وحرقة ألا تبقى للملة في عقر دارها حرمة، وأن تتوانى العشيرة عن المسارعة للذود عن حياض الشريعة. فقد صرنا نسمع الفينة بعد الفينة أن طغمة عفنة، وشرذمة مأفونة، وزمرة مأبونة، وعصبة مأجورة خائنة غير أمينة تُحسب علينا وتعيش بين أظهرنا تتجاسر على رفع العقيرة للاستهزاء بكل شعيرة. فمنهم من يفتات على الفقهاء ويُفسح له المجال في بعض وسائل الإعلام لإضلال الأنام بتحريف الكلام وتغيير الأحكام، فلمثله يقال: (عهدي بك سفيها، فمتى صرت فقيها؟). وتارة يتقمصون لباس الباحثين والعلماء والمنظرين لتشكيك عوام المسلمين في عقائدهم والطعن في مصادرهم، فإذا حققت ودققت فلن تجد للبحث والعلم عينا ولا أثرا، بل لا ترى إلا السم الزعاف يقطر من ألفاظهم، والموت الذؤاف تلفظه أفواههم، كما هو حال أسلافهم الذين أخبر عنهم الباري بقوله: (فَإِذَا ذَهَبَ 0لۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى 0لۡخَيۡرِۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَمۡ يُؤۡمِنُواْ فَأَحۡبَطَ 0للَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى 0للَّهِ يَسِيرٗا)، وقوله:( يَٰٓأَيُّهَا 0لَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ 0لۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ 0لۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ)، وعليه فاجعل نصب عينيك قوله جل وعلا: (وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ 0لۡعَدُوُّ فَ0حۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ 0للَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ). وبعض الأراذل والنكرات ممن لا يُعرفون إلا بالخلاعة والمجانة، وممن يرون الفضيلة رذيلة، ولم يرزقوا من الدين ما يرفع الخسيسة، ولا من المروءة ما يتمم النقيصة تجاوزوا كل حد وارتقوا المرتقى الصعب فتطاولوا على خير البرية بالثلب، وولغوا في عرضه كالكلب، وصرحوا باللعن والسب، وهم باللعن أحق، والخزي بهم ألصق، وهذه والله معرة لا تغسل، وسوءة لا تستر، وعثرة لا تقال، ومنكر تنشق له الأرض وتنهد له الجبال. وحسبي في هذا المقام أن أذكر بأبيات حسان: أتَهجوهُ، ولستَ لهُ بكفءٍ فشرُّكما لخيركما الفداءُ هجوتَ مباركًا، برًا، حنيفًا أمينَ الله، شيمتهُ الوفاءُ فمنْ يهجو رسولَ اللهِ منكمْ ويَمدحهُ، وينصرهُ سواءُ وليُعلم أن الواحد من هؤلاء لا يعدو أن يكون: إما طالب شهرة، أو مقلدا في الزندقة يزعم أن عنده شبهة. فيقال لمن خال أنه يكسب بتطاوله الشهرة: إنك يا لكع تحز في غير مفصل، وتفزع إلى غير معقل؛ فهذه سبيل تقصم الظهور وليست طريقا سالكة لمن يحب الظهور، واعلم أن الترفع بالباطل ضعة، والتشبث بأذيال أعداء الملة مضيعة، ومن ناصب بالعداوة النبي الأطهر صلى الله عليه وسلم، فقد تُوعد بأنه الأبتر، ووعد الله لا يتأخر، قال تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ 0لۡأَبۡتَرُ). وأما الصنف الآخر (فقد قال أهل الفطن: إنّ محض العمى التقليد في الزندقة؛ لأنّها إذا رسخت في قلب امرىء تقليدا أطالت جرأته، واستغلق على أهل الجدل إفهامه). ورحم الله عياضا إذ يقول: (قد علم من عادة المنافقين، ومعاندي المشركين، وضعفة القلوب، والجهلة من المسلمين، نفورهم لأول وهلة، وتخليط العدو على النبي صلى الله عليه وسلم لأقل فتنة، وتعييرهم المسلمين، والشماتة بهم الفينة بعد الفينة)، ولكن بصِرف الكذب ومحض الافتراء يدفع إليه سوء القصد وخبث الطوية، جمعا بين حشف التمر وسوء كيلة، قال تعالى: (إِنَّمَا يَفۡتَرِي 0لۡكَذِبَ 0لَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بَِٔايَٰتِ 0للَّهِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ 0لۡكَٰذِبُونَ). أرى كل ريح سوف تسكن مرة وكلَّ سحاب عن قليل تقشع وختاما: أقول لكل من لم يغر لعرض النبي المختار صلى الله عليه وسلم: هذه وصمة عار لا يغسل دنسها ماء البحار، وستتناقلها الأجيال على مر الأعصار، فوالهفاه على من يزعم المحبة ثم يتخاذل عن واجب النصرة فتجده لا ينكر هذا المنكر إلا همسا ولا يكاد يرفع بالإنكار صوتا، قال تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ 0للَّهُ).