الخميس 23 أبريل 2015 قال البروفيسور "يشار كوب" -عضو هيئة التدريس بكلية التربية فرع التاريخ، التابعة لجامعة القوقاز-: "إن الأرشيف العثماني لدى رئاسة الوزراء التركية، يوثّق مقتل قرابة 47 ألف شخصاً، قتلوا في الفظائع التي ارتكبتها العصابات الأرمنية -شهدتها مدينة قارص- أوائل القرن العشرين". وأوضح "كوب" في حديثه للأناضول، أن العصابات الأرمنية جمعت 286 من وجهاء المدينة، في المسجد الكبير، وقتلتهم بواسطة صب الزيت المغلي على أجسادهم، مبيناً أن حجارة المدينة ما زالت شاهدة على تلك المجازر، كما أشار إلى أن الدماء التي سالت على أحجار الجامع مازالت دليلاً واضحاً، يمكن رؤيته بسهولة، مبيناً أن الأراضي الواقعة في المنطقة التي شهدت المجازر، تم بيعها من قبل عصمت إينونو -ثاني رؤساء الجمهورية التركية- إلى 11 شخصاً عام 1938، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تم حفرها بواسطة الجرافات، كما استخرجت الرفات من تحت الأرض. وأوضح كوب أنه تم إجراء اختبارات وفحوصات متنوعة، لآثار الدماء الموجودة على حجارة محراب المسجد، والمنطقة اليسرى من المدخل، وأنها أثبتت أن الدماء تعود لأولئك الأشخاص الذين تم قتلهم في المكان، مبيناً أنه تم إحاطة تلك الآثار -للحفاظ عليها- لدى عملية ترميم المسجد في السابق. ولفت "كوب" إلى أن الحديث يدور عن وجود نحو 200 مقبرة جماعية، في ولايات قارص، وأرضاهان، واغدير، مؤكداً عثورهم على 3 مقابر في قارص حتى الآن. وقال كوب: " إن المحزن في الأمر، أن يقول البرلمان الأوروبي، و 20 دولة أخرى، وبلغاريا، وبولونيا؛ أن الأتراك ارتكبوا إبادة عرقية ضد الأرمن، ونحن نقول لهم دائماً، إن أرشيفنا مفتوح، والمباني ما زالت شاهدة، والأدلة ما زالت موجودة، فليأتوا ولينظروا، يوجد هنا مقابر جماعية مفتوحة، منها مقبرتين، إحداها اكتشفت عام 1991 بقرية سوباط، تضم رفات 570، قتلوا وحرقوا وتم التمثيل بجثثهم بواسطة الحراب، بعد أن سرقت مقتنياتهم الشخصية الثمينة، كما اكتشفت المقبرة الأخرى في قرية درجيك عام 2003 ". وأوضح كوب أنه تم اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة في قرية "كوتشوك تشاتمه" -التي شهدت مجازراً أرمنية بحق المسلمين- مبيناً أنه تم العثور على رفات 30 شخصاً، من أصل 183 قتلوا في المكان. بدوره قال نائب مدير كلية الرياضة العليا في جامعة القوقاز صاريكاميش للرياضة البدنية "كمال أراس": إنه "ينبغي على الإعلام الأوروبي، والبرلمانات الأوروبية، وبابا الفاتيكان -الذين تبنوا مزاعم الأرمن بوجود مجازر بحقهم- أن ينظروا إلى يريفان (عاصمة أرمينيا)"، مبيناً أن رسالة الماجستير التي أعدها كانت بعنوان "مهاجرو يريفان في القرن التاسع عشر"، وأن الحقيقة هي هجرة الأتراك والمسلمين من يريفان إلى الأناضول، ودول المنطقة الأخرى، وهذا تماما على عكس ما يدّعيه الأرمن. وأوضح أراس أن عمليات تهجير ونفي للأتراك والمسلمين من القوقاز؛ بدأت على نطاق واسع إبان الاحتلال الروسي، في الفترة ما بين 1828-1829، وأن الأرمن بدأوا بتهجير المسلمين بالقوة من المنطقة إلى الأناضول، مبيناً أن الأرمن قتلوا عشرات الآلاف من المسلمين في منطقة يريفان، وهجّروا مئات الآلاف منهم إلى تركياوأذربيجان وإيران. وأشار أراس إلى أن الجميع يعرف مجازر الأرمن، التي قاموا فيها بجمع الآلاف من المواطنين في مستودعات التبن وحرقهم، في قرى "قره حمزه"، و"قاترانلي" بمدينة سليم بولاية قارص، وقرية "أودالار"، وقرى أخرى بقضاء مدينة "صاريكاميش". من جانبه قال "أونال تشيتشيك" -مختار قرية "قره حمزه"- إنه علم من جده وجدته عن الفظائع التي ارتكبها الأرمن في القرية عام 1915، مبيناً أن الأرمن كانوا يجمعون الناس في الإسطبلات ومستودعات التبن وحرقهم فيها، كما أفاد تشيتشيك أنه حيثما يتم الحفر في القرية يمكن العثور على عظام بشرية. ما الذي حدث في 1915؟ تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914. وعندما احتل الجيش الروسي، شرقي الأناضول، لقي دعمًا كبيرًا من المتطوعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي. وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي. وسعيًا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 أبريل من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادة العرقية" المزعومة، في كل عام. وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 ماي، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية. ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الانسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة. وتؤكد الوثائق التاريخية، عدم تعمد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأساوية، بل على العكس، لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى إعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، رغم عدم وضع الحرب أوزارها. وعقب انسحاب روسيا من الحرب جراء الثورة البلشفية عام 1917 تركت المنطقة للعصابات الأرمنية، التي حصلت على الأسلحة والعتاد الذي خلفه الجيش الروسي وراءه، واستخدمتها في احتلال العديد من التجمعات السكنية العثمانية. وبموجب معاهدة سيفر التي اضطرت الدولة العثمانية على توقيعها، تم فرض تأسيس دولة أرمنية شرقي الأناضول، إلا أن المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ، ما دفع الوحدات الأرمنية إلى إعادة احتلال شرقي الأناضول، وفي ديسمبر 1920 جرى دحر تلك الوحدات، ورسم الحدود الحالية بين تركياوأرمينيا لاحقًا، بموجب معاهدة غومرو، إلا أنه تعذر تطبيق المعاهدة بسبب كون أرمينيا جزءًا من روسيا في تلك الفترة، ومن ثم جرى قبول المواد الواردة في المعاهدة عبر معاهدة موسكو الموقعة 1921، واتفاقية قارص الموقعة مع أذربيجانوأرمينيا، وجورجيا، لكن أرمينيا أعلنت عدم اعترافها باتفاقية قارص، عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، عام 1991. الحاجة إلى ذاكرة عادلة والتفهم المتبادل وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، تركيا بالاعتراف بأن ما جرى خلال عملية التهجير على أنه "إبادة عرقية"، وبالتالي دفع تعويضات. وبحسب اتفاقية 1948، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع جريمة الإبادة العرقية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح الإبادة العرقية، يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية. وتؤكد تركيا عدم إمكانية اطلاق صفة الإبادة العرقية على أحداث 1915، بل تصفها ب"المأساة" لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيدًا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة" الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الطرف الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف. كما تقترح تركيا القيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراك وأرمن، وخبراء دوليين. وكان رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو"، زار أرمينيا عام في ديسمبر 2013 بصفته وزيرًا للخارجية في تلك الفترة، وأكد في تصريح صحفي، عقب الزيارة، ضرورة حل القضية عبر تبني موقف عادل وإنساني، بعيدًا عن المقاربات أحادية الجانب، والتقييمات الظرفية، منوهًا أنه لا يمكن صياغة التاريخ إلا عبر ذاكرة عادلة. بدوره أعرب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، عن تعازيه لكافة مواطني الدولة العثمانية الذي فقدوا حياتهم إبان الحرب العالمية الأولى، وعلى رأسهم الأرمن، ووجه دعوة من أجل السلام والتصالح، في رسالة بتاريخ 23 أبريل 2014، عندما كان رئيسًا للوزراء.