الدين الحق لا ينفي ما يجده الناس من المتعة والفرح والهناء فيما يستحلونه من أمر دنياهم، سواء كان حلالاً في الدين الحق، أو كان حرامًا أو كان محل خلاف. المال حلاله وحرامه فيه متعة وسعادة. متعة النساء حلالها وحرامها فيها فرح وسعادة ولذة. الموسيقى والغناء والرقص والصداقات المنفتحة والرحلات فيها متعة وسعادة. الحفلات الصاخبة، ارتشاف الحياة لآخر قطرة، فيها متعة وسعادة. السلطة والنفوذ والقهر والغلبة فيها متعة وسعادة. الدين الحق يختار من كل ما تقدم حلاله ويدع حرامه ولا ينفي السعادة عن هذا الحرام لكنه يدعي شيئًا آخر، وهو أن له مفهومه الخاص للفرح والهناء والسعادة، ومفهومه الخاص للضيق والضنك كذلك. له مفهوم لسكينة النفس وطمأنينة القلب ونشوة الروح يختلف تمامًا عن ما عند غيره. وامتحان الإيمان إنما هو في فرق ما بين السعادتين. الدين الحق يملك حالًا يدعوك لها لا تكون طمأنينتها خاصة بالسراء فحسب بل هي طمأنينة وسكينة في السراء والضراء، عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير. الدين الحق يملك حالًا يدعوك لها تفرح الروح فيها بالقرب من ربها ومناجاته والخضوع بين يديه فرحًا لا تفقد معه شيئا ولا تبيعه بملك الدنيا كله فقط إن ذقته ووجدته نفسك. تحسن لمسكين ويتيم فتشعر أن روحك تُغسل غسلًا وأنك لو مت هذه اللحظة لما فاتك من الدنيا ما يُبكى عليه. تترك محرمًا استجابة لأمر الله فتحس قوة لا يضعف أمامها شيء. تسقط في الذنب فتقوم وترغم أنف الشيطان فلا يبقى في نفسك شك أنك استحققت تشريف الله لك بالأمانة التي حملها لك. تقضي هذه الدنيا تذوق السعادات كلها ولا تذوق سعادة هذا الدين= فإذا بالآخرة من ورائك تجد فيها ما توقن معه أنك ما ذقت هناء قط. تقضي هذه الدنيا قد ذقت سعادة هذا الدين صابرًا في الضراء شاكرًا في السراء= فإذا بالآخرة من ورائك تجد فيها ما توقن معه أن لم يفتك خير قط ولا ذقت شقاء قط. الدين ليس نارًا تشوي فيها روحك، وليس سوطًا تجلد به نفسك، الدين نعيم معجل يجده الساجدون بين يدي ربهم يتنفسون هواء بيت الله لا يحسبون أن في الدنيا من هو أسعد حالًا منهم.