هوية بريس – الخميس 27 نونبر 2014 الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديهم، واتبع سبيلهم إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الاستهزاء بالأنبياء والمرسلين، والصالحين من أتباعهم ليس أمرا جديدا، بل ما من نبي بعثه الله -عز وجل- إلا وقد استهزئ به، وأوذي في سبيل الله، كما قال -جل في علاه-: {يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن} [يس:30]. وقال -عز وجل- مسليا لنبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون} [الأنعام:10]. فنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام لم يسلم من الاستهزاء والسخرية منذ أن بعثه الله -عز وجل- إلى يومنا هذا، فقد اتهموه صلى الله عليه وسلم بالكذب، والسحر، والجنون، بل واتهموه في عرضه الطاهر الشريف، ولكن الله-تبارك وتعالى- تولى حفظه ونصره وتأييده، فقال: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين} [الحجر:95]، وقال- جل جلاله-: {والله يعصمك من الناس} [المائدة:67]. وروى البخاري (3533) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؛ يشتمون مذممًا ويلعنون مذممًا وأنا محمد". وفيه أيضا (3617) عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رجلا نصرانيًا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانيًا، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبتُ له، فأماته الله. فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له وأعمقوا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه". قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في "الصارم المسلول" (ص:233): "فهذا الملعون الذي افترى على النبي أنه ما كان يدري إلا ما كتب له قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مرارا وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله وأنه كان كاذبا.. إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه ومظهر لدينه ولكذب الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد" اه. قلت: ونظير هذه القصة ما ذكره القاضي عياض -رحمه الله- عن بعض الشعراء الزنادقة ممن يستهزئ بالله وأنبيائه، ونبينا صلى الله عليه وسلم فأمر الفقهاء بقتله وصلبه… وحكى بعض المؤرخين أنه لما رفعت خشبته، وزالت عنها الأيدي استدارت وحولته عن القبلة، فكان آية للجميع، وكبر الناس، وجاء كلب فولغ في دمه"اه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (218/2)، باختصار وتصرف. فهذه عاقبة كل من آذى الله ورسوله، وعادى أولياءه، ففي صحيح البخاري (6502) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب…" الحديث. فاللهم انتقم لنبيك ورسولك من هؤلاء المجرمين المستهزئين، وعذبهم أشد العذاب في الدنيا والآخرة. ولا يسعني في الختام إلا أن أتمثل بقول الشاعر: إمام المرسلين فداك روحي ***وأرواح الأئمة والدعاة رسول العالمين فداك عرضي ***وأعراض الأحبة والتقاة ويا علم الهدى يفديك عمري***ومالي يا نبي المكرمات ويا تاج التقى تفديك نفسي***ونفس أولي الرئاسة والولاة