الأربعاء 17 شتنبر 2014 لا شك أن ترك الإنسان لبلده ووطنه أمر ليس بالهين والسهل على النفس البشرية، فقد جبل الإنسان على حبّ المكان الذي ولد وترعرع فيه، والأرض التي فيها أهله وأحبابه، إلا أن هناك بعض الأسباب التي قد تدفع الإنسان دفعا إلى الهجرة. وإذا كانت هجرة المسلم من بلده إلى أي بلد إسلامي آخر أمر مشروع مطلقا، حيث لا ينظر إلى الدافع في ذلك، فبلاد المسلمين سواء في الإسلام، فإن هجرته من بلده الإسلامي إلى بلد غير مسلم ليس كذلك، فالأصل في هذه الهجرة عند فقهاء الإسلام المنع والحظر، إلا لبعض الأسباب والأعذار المبيحة للهجرة وهي: 1- الخوف على النفس والمال من ظالم في بلده أو بلاد المسلمين وهو يجد الأمان في بلاد الكفر. 2- تحصيل علم نافع غير موجود في بلاد المسلمين. 3- ممارسة الدعوة إلى الله لإدخال غير المسلمين في الإسلام. 4- الهجرة لغرض التداوي والعلاج من الأمراض التي لا علاج لها في بلاد الإسلام. 5- الهجرة لغرض التجارة المباحة. وإن الناظر إلى مسألة هجرة المسلمين إلى بلاد الغرب يلاحظ أنها تمثل ظاهرة منذ تسعينيات القرن الماضي، وهي آخذة في الازدياد عاما بعد عام، لتصل إلى ذروتها في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد اندلاع الحرب الشرسة على المسلمين في كل من سورية والعراق. واللافت في هذه الظاهرة مؤخرا هو ارتفاع نسبة الخطورة على حياة المهاجرين، حيث لا يكاد يخلو أسبوع أو شهر من خبر أو نبأ عن وفاة مجموعة من المهاجرين المسلمين غير الشرعيين إلى أوربا. وقد أعلنت منظمة الهجرة الدولية اليوم أن قرابة ثلاثة آلاف شخص من المهاجرين السريين لقوا حتفهم خلال العام الجاري، مشيرة إلى أن نحو خمسمائة شخص اعتبروا في عداد المفقودين يرجح أن مهربين أغرقوا السفينة التي كانت تقلهم الأسبوع الماضي. وقالت المنظمة: إن هذا العدد من المهاجرين قضوا في عرض البحر الأبيض المتوسط وهم في طريقهم إلى الشواطئ الأوروبية. وغالبا ما يستغل المهاجرون قوارب صغيرة بدائية الصنع عمرها عشرات السنين ويقعون ضحية مهربين يتركونهم في معظم الأحيان في عرض البحر ليواجهوا مصيرهم وحدهم. وتقول المنظمة: إن نحو خمسمائة شخص اعتبروا في عداد المفقودين الأسبوع الماضي بعد إغراق المهربين السفينة التي كانت تقلهم لأن الركاب رفضوا تغيير الزوارق أكثر من مرة. وأضافت أن هذه الحادثة تعد الأبشع وترقى لأن تكون جريمة جماعية إذا تأكدت صحة هذه المعلومات. وكان المركب غادر ميناء الإسكندرية فجر الخميس الماضي نحو الشواطئ الإيطالية ومن بين ركابه عائلات فلسطينية كاملة كانت تقيم في العريش وسوريون وسودانيون ومصريون، وانطلق لكنه تعرض -حسب أحد الناجين- لاصطدام متعمد من سفينة يرجّحُ أنها سفينة مهربين. وأكد فلسطينيان انتشلتهما سفينة شحن إيطالية الخميس بعد انقلاب المركب قرب مالطا، أن المركب كان ينقل حوالي خمسمائة شخص، وأن المهربين أغرقوه عمدا. وفي كارثة أخرى تضاف إلى السجل الأسود لمآسي الهجرة السرية، قال متحدث باسم البحرية الليبية إن مركبا يحمل قرابة 250 مهاجرا كان يحاول الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، غرق قبالة ساحل ليبيا أول أمس الأحد. إن إصرار بعض المسلمين على الهجرة إلى بلاد الغرب رغم هذه المخاطر الجسيمة التي تهدد حياتهم وحياة من معهم، ورغم بيان الحكم الشرعي في هذه الهجرة، يشير إلى مدى البؤس والشقاء الذي وصل إليه المسلم في بلاده ودياره، وإلى الهوة السحيقة بين ما يفتقده من جميع أسباب الحياة الكريمة في بلاده، وما يرجوه من تلك الأسباب في ديار الغرب، والتي جعلته يتجاهل الحكم الشرعي المانع، ويغامر بحياته لعله ينعم بواقع ومستقبل أفضل. فهل ستقف الدول العربية والإسلامية مكتوفة اليدين تجاه هذه الظاهرة الخطيرة؟! أم ستسارع إلى محاولة حلّ الأسباب والمشكلات التي دفعت هؤلاء إلى هذه المغامرة؟!