"20 بالمائة من النساء فقط يستفدن من جهود تعزيز حضور المرأة والتمكين لها في مختلف المجالات، والنساء اللواتي يصلن لمواقع القرار لا ينبغي أن يتم الاحتفاء بإنجازهن بانفجارات إعلامية تجعلنا نعتقد أن المغربيات لا يعانين من التهميش ومن الإقصاء"؛ خلاصة قدمها وزير العدل عبد اللطيف وهبي خلال مائدة مستديرة حول موضوع "المرأة، من موضوع في منظومة العدالة إلى فاعلة في التغيير والتطوير"، مؤكدا أن الدولة مسؤولة عن وجود فئة عريضة من النساء في وضعية سلبية. وقال وهبي إن ولوج المرأة على مستوى مؤسسات العدالة ضعيف جدا، مؤكدا أنه "بعد 70 سنة من الاستقلال لا يمكن أن يظل الجميع مشدوهين أمام القضايا التي تواجهها النساء بالمحاكم". ونبه الوزير إلى تداعيات زواج القاصرات على النساء والأسر، مؤكدا أن أكبر نسبة لزواج القاصرات موجودة على مستوى مدينة الدارالبيضاء، في وقت يعتقد فيه الجميع أن النسبة الأكبر تسجل على مستوى القرى حيث مستويات التعليم متدنية. وأرجع الوزير معظم المشاكل الأسرية، كالطلاق والصراعات العائلية، ومشاكل الهدر المدرسي، إلى هذا الزواج، موردا أن "عنصري الزواج والإنجاب لا يعنيان انتقال المرأة من وضعية طفلة إلى امرأة". ورفض وهبي الاحتفاء بما تحصله النساء من مكتسبات على أساس أنها إكراميات، وإنما كحق مشروع، مشيرا إلى أن "الإنجازات والنجاحات التي تحققها فئة من النساء لا ينبغي أن نجعلها محط مبالغة وانفجارات إعلامية، كي لا نقع في تناقض مع واقع يؤكد وجود نساء على الهامش". وأشار المسؤول الحكومي إلى أن "الكوطا" تم اعتمادها منذ سنوات عدة من أجل تأهيل المجتمع لتقبل النساء في المشهد السياسي، إلا أنه "كم من النساء اليوم يملكن القرار فعلا ويؤثرن فيه؟ الجواب يعني أننا لم نستطع أن نوظف طاقات هؤلاء النسوة كما يجب على المستوى السياسي". واعتبرت وزارة العدل لقاء اليوم وقفة للنظر في التحديات التي تعيق تمكين النساء، سواء على مستوى التشريعات أو الجانب المتعلق بالتكفل بالنساء ضحايا العنف أو الخدمات المتاحة من قبيل صندوق التكافل العائلي ودور الإعلام والمجتمع المدني والبحث العلمي، من أجل تشخيص واضح يمكن من إعداد خارطة طريق لتسهيل ولوج النساء إلى منظومة العدالة والاستجابة للحاجيات الفعلية لهن، بمن فيهن نساء المناطق القروية، بحسب فاطمة بركان، مستشارة وزير العدل. وقالت بركان في تصريح لهسبريس: "هناك توجه جديد لوزارة العدل من أجل إدماج مقاربة النوع في جميع المجالات، وأول فرصة في هذا الإطار هي إطلاق منصة تشاورية لإبداء الرأي حول ولوج المرأة للعدالة وتقديم الاقتراحات البناءة التي ستغني مجالات تدخل الوزارة في هذا المجال، وهي منصة من المقرر إطلاقها خلال هذا اللقاء". أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، نبهت إلى أن القوانين تكون أحيانا عائقا أمام التحولات المجتمعية المتقدمة، لذلك على الأطراف المعنية، سواء السلطة التشريعية أو التنفيذية، أن تكون واعية بهذا الأمر. وصرحت بوعياش لهسبريس، على هامش اللقاء، بأن "القانون أحيانا يعطينا تحولات اجتماعية، كما حدث في مدونة الأسرة سنة 2004، لكن بعد مدة يعيق ويمنع التحولات الاجتماعية، كما حدث في موضوع زواج القاصرات". وأكدت أن تزويج القاصرات من بين القضايا التي يعيق القانون تحقيق تحولات متقدمة بشأنها، وبالتالي تواجد المرأة وحضورها ومساهمتها في مختلف المجالات. وتساءلت بوعياش: "هل جميع الفرقاء، بمن فيهم وزارة العدل والسلطة التشريعية، يوجدون في وضع يسمح لنا بأن لا تظل الدعوة والتوصية إلى مراجعة عدد من القوانين معيقا للتحول والتغيير والتطور؟". وأشار النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، إلى أن التمكين القانوني للنساء غير منفصل عن التمكين متعدد الأوجه، وخاصة الاقتصادي والسياسي. وأوضح أن التمكين السياسي للمرأة لا يرتبط فقط بفتح باب مشاركتها وولوجها إلى المؤسسات السياسية، بل بتمكينها الفعلي من اتخاذ القرارات، وهو ما يصطدم بعدد من الإكراهات المرتبطة من جهة بالثقافة، ومن جهة أخرى بالبنيات والمجتمعية. ودعا ميارة إلى التعاطي مع الإجراءات المنصوص عليها دستوريا أو قانونيا أو تنظيميا ليس كهدف في حد ذاتها، وإنما كوسيلة من أجل تيسير سبل تكافؤ الفرص لتولي مراكز القرار وتغيير الصورة النمطية المترسخة عن أدوار النساء وإبراز قدراتهن في قيادة قاطرة التغيير المنشودة في كل أبعادها المؤسساتية، بما فيها مجال العدالة. وذكر في هذا السياق نتائج دراسة أصدرها صندوق الأممالمتحدة للسكان حول عدالة النوع الاجتماعي والقانون بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي وهيئة الأممالمتحدة للمرأة واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، تضمنت تقييمًا شاملًا للقوانين والسياسات في ثماني عشرة دولة عربية. وخلصت الدراسة إلى أنه "لا تزال الفجوات القانونية في العديد من البلدان تحرم المرأة من المساواة أمام القانون، ولا تمنح قوانين الأسرة في جميع البلدان الثمانية عشر المرأة حقوقا متساوية في جميع جوانب الزواج والطلاق والوصاية وحضانة الأطفال". ومن بين جميع القوانين التي تم تحليلها، تحقق القوانين الخاصة بالعمل القدر الأكبر من المساواة، بما في ذلك كفالة حق النساء في الأجر المتساوي مع الرجل عن العمل نفسه، وفي إجازة الأمومة المدفوعة. ودعا ميارة إلى العمل على ضمان التوازن بين حق النساء في الولوج إلى الفضاء العام، بما فيه أماكن التقاضي، وعدم تقييد حركتهن كأساس لتمكينهن الاجتماعي، مشيرا في هذا السياق إلى برنامج رقمنة الوصول إلى مرافق العدالة. من جانبه، قال رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه نائبه الأول، إن البرلمان المغربي عمل على إقرار تشريعات ذات الصلة بهذا المجال، وعلى رأسها القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي نص في بابه الثاني المعنون ب"انتخاب ممثلي القضاة"، خاصة المادة 23 منه، على ما يلي: "يحدد بقرار للمجلس: ... عدد المقاعد المخصصة للنساء القاضيات، من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي بالنسبة لكل هيئة؛ ...."، و أخذ هذا المقتضى نقاشا واسعا وحيزا كبيرا فيما يتعلق بعدد المترشحات النساء المنتميات للجسم القضائي. وأضاف الطالبي العلمي أن المغرب قطع أشواطا كبيرة لتقليص الفوارق والتمييز المبني على النوع الاجتماعي، وذلك بفضل الإصلاحات الدستورية والتشريعية والقانونية، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى انسجام هذه الإصلاحات مع الاتفاقيات الدولية، باعتبارها إطارا مرجعيا وتشريعيا، تتعهد بموجبها الدول الأطراف المصادقة عليها بالالتزام بها واحترام مبادئها. وتابع بأنه "في هذا الصدد حظيت المرأة ضمن المنظومة العالمية الحقوقية بمساحة واسعة (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، والتي انضم إليها المغرب سنة 1993 حيث وافق البرلمان المغربي عليها بموجب القانون رقم 125.12". وبموازاة ذلك، يقول رئيس الغرفة الأولى، "اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، ومن بينها المملكة المغربية، سنة 2015، أهداف التنمية المستدامة باعتبارها أهدافا عالمية في أفق 2030، حيث خصص الهدف الخامس منها للمساواة بين الجنسين، كعامل حاسم لتحقيق التنمية الشاملة، كما يسعى نفس الهدف إلى الحد من التمييز ضد المرأة وتوفير سبل وصول المرأة إلى مناصب المسؤولية". وقال حسن الداكي، رئيس النيابة العامة، إن الاخيرة تعمل على تسهيل ولوج النساء ضحايا العنف إلى العدالة، وذلك انسجاماً مع المعايير الدولية ذات الصلة والمقتضيات القانونية الوطنية، حيث بادرت إلى إصدار عدة دوريات في هذا الشأن، كما عملت منذ إنشائها، إلى جانب باقي الشركاء والمتدخلين، على تكريس حماية قضائية ناجعة للمرأة، وتسهيل ولوجها إلى هذه الحماية عبر جملة من الآليات، من بينها تعزيز دور خلايا التكفل بالنساء لدى النيابات العامة بالمحاكم، سواء محليا أو جهويا، بالنظر لدورها في تأطير وضمان ولوج النساء إلى هذه الحماية وذلك إعمالا وتنزيلا للمقتضيات المنصوص عليها في أحكام القانون رقم 13-103 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء. وفي السياق نفسه، يضيف المسؤول ذاته، "انخرطت رئاسة النيابة العامة كشريك أساسي في مجموعة من المبادرات الرامية إلى تعزيز الحماية القانونية للمرأة، في مقدمتها منصة (كلنا معك) التي أحدثت بناء على أمر الأميرة لالة مريم رئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب من أجل تلقي شكايات النساء ضحايا العنف". وانطلق العمل بهذه المنصة منذ يناير 2020، وشهدت تفاعلا متميزا من قبل النيابة العامة ومن قبل مصالح الشرطة القضائية والدرك الملكي التي تعمل تحت إشرافها، علما أن هذه المنصة تتلقى الشكايات طيلة 24 ساعة على مدار أيام الأسبوع. وفي هذا الإطار، أشار الداكي إلى جعل الاحتفال باليوم العالمي للمرأة مناسبة سنوية للوقوف على المجهودات التي تم تحقيقها، حيث أطلقت الأميرة لالة مريم في 8 مارس 2020 إعلان مراكش للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يستهدف تحقيق التقائية فعلية لمختلف التدخلات القطاعية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، وكذا لكافة المبادرات الرامية إلى الوقاية من العنف ضد المرأة. ولهذه الغاية، تضمن إعلان مراكش التزامات على الموقعين عليه من قطاعات حكومية متعددة ومؤسسات وطنية كان من ضمنها إعداد بروتوكول ترابي على المستوى الجهوي والمحلي لتعزيز التكفل بالنساء ضحايا العنف، أسند تنسيقه لرئاسة النيابة العامة انسجاما مع الصلاحيات القانونية الملقاة على عاتق النيابات العامة بمقتضى القانون 13-103 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء، حيث تم إطلاقه بجهة طنجةتطوانالحسيمة في تجربة نموذجية أولى قبل تعميمه على كافة المحاكم بجهات المملكة. وفي هذا الإطار، عملت رئاسة النيابة العامة على حث قضاة النيابة العامة على تفعيل مقتضياته، وتسخير كل الإمكانيات المتاحة لتحقيق أهدافه بتنسيق مع كافة المتدخلين في الموضوع من مؤسسات وقطاعات حكومية وغير حكومية.