تعتبر أحابيل عيوش ومن معه الملقاة على الساحة الثقافية والإعلامية والسياسية والتعليمية مثل أحابيل السحرة، تبهر من لا ثقافة له ولا ثقة له في تاريخه وحضارته وقيمه وهويته. حيث استطاع عيوش ومن معه خوض معركة بمنهجية واضحة وبتكتلات وأحلاف إعلامية لا تُعطى إلا إلى أولي العزم من أصحاب النفوذ والمال. ففكرة فرض الدارجة المغربية على المغاربة فكرة أرقت القائلين بها أولا، وأرقت أيضا المستعمرين من قبل، ولو استطاع مردة الاستعمار فرضها لفعلوا، ولكن مقاومي الاستعمار والاستغراب والتخريب الثقافي واللغوي والاجتماعي صدوا هذه الهجمات بسلاح فتك بأفكار الغلاة والمتطرفين من المستعمر الغاصب. واليوم يخرج فريق عيوش المنظم عبر قنوات تلفزية وبرامج إذاعية بقوة لا تضاهيها حتى قوة الأحزاب التقليدية في المغرب، ليدافع وبهجوم شرس عن الفكرة، وليعرض تفاعل أعضاء فريقه معها، وليقدم للوزارة الوصية عن التعليم طرق حل مشكلاتها بالتقليص من الهدر، وسهولة التواصل مع التلاميذ، وليقدم نتائج موهومة بعد تجربة طبقها على أرض الواقع، ونسي أن الموضوع لا زال فكرة قد تجد فاعلا أو متفاعلا وقد تجد أيضا معارضا ومقبرا لها. الفكرة تبدو تنفيذا لمخطط دبر من طرف "عقول نيرة" لهدم بناء صرح الدولة المغربية التي يبرز دستورها قدسية العربية في حياتها. ويبرز تاريخ المجتمع المغربي كيف صان أجدادنا وآباؤنا هذا الوطن كيانه بلغة عربية هي لسان أقلامهم التي خطوا بها تراثا ما زال أغلبه مخطوطا في المكتبات الوطنية والدولية. لكن عقلاء المغرب من طينة الأجداد تصدوا لمخطط (قديم جديد)، مخطط غايته تفتيت الوطن وقطع حبال التواصل مع جذور المغرب العربية والإسلامية. إذ اللغة العربية – لمن يجهل قيمتها حاليا - لغة حية متينة تتبوأ مراتب عليا في تصنيف اللغات، فهي تحتل الرتبة الخامسة عالميا، ولو كان يقام مونديال للغات في العالم لتصدرت اللغة العربية إحدى المجموعات الثمانية. والغريب أن اللغة الفرنسية التي ينتمي إلى ثقافتها بعض المدافعين عن هذا المشروع المخرب، لا توجد بين العشر لغات الأكثر استخداما في العالم، بل هناك دارسين فرنسيين يتنبئون بانقراض اللغة الفرنسية مع نهاية القرن الحالي، ليس استهدافا لها، بل لأن عمرها وعمر غيرها قصير، وأن المستقبل هو للغات المعمرة طويلا. لقد كان على أصحاب هذا المشروع التفكير في حقيقة الأزمة التعليمية، فالطفل المغربي يدرس لغتين اثنتين في آن واحد (العربية والفرنسية)، وبعض المدارس الخاصة تضيف لغة ثالثة كي يرى نور العالم من حوله من خلال تلاقح اللغات في نظامه التعليمي، وبالتالي فالطفل يضيع بين اللغات في مقتبل العمر. على خلاف ما هو موجود في الدول المتقدمة، التي لا يدرس فيها الطفل إلا بلغة واحدة، لغة البلاد الرسمية التي تساعده على فهم المضامين التي تقدم إليه بسهولة ويسر. فيحصل على شواهد عليا لا ينتقص من قيمتها أحد في الكون. لقد قامت الدنيا ولم تقعد في فرنسا عندما فكر أحد "البراكماتيين" بإدماج الإنكليزية كوسيلة أخرى للتدريس في بعض التخصصات في الجامعات الفرنسية، فرفض الجاهل قبل المثقف فكرة التغريب هاته. والحال في المغرب معكوس حيث لم يتذوق بصدق المدافعون عن الدارجة اللغة العربية في حياتهم كلها، لأنهم أُبهروا بكتابات بالدارجة، ولو أنهم قرأوا "المقامات" أو "البيان والتبيين" أو "وحي القلم" أو كتابات المنفلوطي أو روايات عبد المجيد بن جلون أو رواد الرواية المغربية الجديدة لتذوقوا عسلا حرا، يشفيهم من أمراضهم الكثيرة، عوض تذوق عسل السكر الذي لا يشبع ولا يشفي. لقد ألقى عيوش ومن معه حبال مشروعهم "الكبير"، فوجدوا من يتلقف ما صنعوا، فخرجوا منهزمين في مناظرتهم وفي طريقة طرح مشروعهم. لقد دق العقلاء والوجهاء والعلماء الذين يحبون هذا البلد بصدق ناقوس الخطر الذي يطرق باب المغرب الحبيب. فالمغاربة بحاجة إلى أفكار توحدهم وتدفع بعجلة تقدمهم إلى الأمام لا إلى مشاريع تشبه في "قوتها" الأسود، ولكنها في حقيقتها أسود من ورق تطير مع أول زوبعة في أيام الخريف.