حلّت أول أمس الجمعة، الذكرى الثانية لتعيين عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيسا للحكومة المغربية ليصبح أول رئيس حكومة إسلامي في تاريخ البلاد. يأتي هذا بعد أقل من شهرين على تنصيب النسخة الثانية من حكومته يوم 10 أكتوبر الماضي، حيث تنتظره اختبارات عدة، أهمها إقرار الإصلاحات، فيما يبدي الرجل ثقته في قدرة حكومته على تحقيق هذه الإصلاحات. فبعد ظهر يوم الثلاثاء 29 نوفمبر2011 استقبل الملك محمد السادس، عبد الإله بنكيران، بمدينة ميدلت وعينه رئيسا للحكومة وكلفه بتشكيل حكومة جديدة. وكان "الإصلاح" و"محاربة الفساد" أكثر المفاهيم والعبارات حضورا في الخطاب السياسي المغربي خلال السنة الأولى من ولاية بنكيران؛ إذ حرص بنكيران، في جميع لقاءاته وخطبه وتصريحاته، على تأكيد إرادته القوية في إقرار الإصلاح المطلوب عبر تفعيل مقتضيات الدستور الجديد موازاة مع محاربة الفساد. وإقرار الإصلاح ومحاربة الفساد مطلبان رئيسيان تم التعبير عنهما بقوة، خلال الاحتجاجات التي عرفها المغرب ربيع العام 2011 بعد تأسيس حركة "20 فبراير" في سياق ما صار يعرف ب"الربيع العربي"، قبل أن تخفت تلك الاحتجاجات عقب إلقاء العاهل المغربي خطابا مساء 9 مارسمن العام نفسه أطلق فيه عملية صياغة دستور جديد للبلاد. وواصل الائتلاف الحكومي، بقيادة بنكيران، تدبير شؤون البلاد طيلة السنة الأولى من عمر حكومة زعيم العدالة والتنمية، غير أن حميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال، اختار الذكرى الأولى لتعيين الحكومة، وتحديدا 3 يناير الماضي، ليسلم بنكيران مذكرة بشأن اختلالات التحالف ونقائص الحكومة، مطالبا بإقرار تعديل وزاري موسع. غير أن بنكيران رفض هذه المطالب واستمر الصراع بين بنكيران وشباط زهاء 5 أشهر إلى أن قرر المجلس الوطني لحزب الاستقلال، يوم 11 مايو الماضي، الانسحاب من الحكومة. ومساء اليوم نفسه، طلب العاهل المغربي، الذي كان وقتها يقوم بزيارة خاصة خارج المغرب، من وزراء الاستقلال مواصلة أعمالهم. وفي 15 الماضي، أعلن الديوان الملكي المغربي، في بيان، قبول الملك محمد السادس استقالات الوزراء سالفي الذكر، داعيا بنكيران إلى بدء مشاورات مع أحزابا أخرى لضمها إلى الحكومة وتشكيل ائتلاف حكومي جديد. وبدأ رئيس الحكومة المغربية مشاورات مع صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ثالث قوة سياسية للبلاد، حيث يمتلك 54 مقعدا بمجلس النواب، واستمرت هذه المشاورات أسابيع عديدة قبل أن يعين ملك المغرب، يوم 10 أكتوبر الماضي، حكومة جديدة باتت تعرف ب"حكومة بنكيران الثانية"، ضمت ضمت 38 وزيرا، بينهم 15 وزيرا جديدا، إضافة إلى رئيسها. وقد اعتبر متباعون للشان المغربي أن حزب "العدالة والتنمية"، أكبر الخاسرين من هذا التعديل، ففي حين ارتفع عدد الحقائب الوزراية للحكومة إلى 38 بدلا من 31 في الحكومة السابقة، دون احتساب رئيس الحكومة، ظل رصيد حزب بنكيران من المقاعد بلا تغيير، وهو 11 وزيرا إضافة إلى بنكيران، دون إغفال خسارته الثقيلة لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون إثر إعفاء سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للحزب، من هذا المنصب. كما علقت صحف مغربية على تشكيلة النسخة الثانية من حكومة بنكيران، معتبرة أن العدالة والتنمية أكبر الخاسرين، وأن حزب التجمع الوطني للأحرار الوافد الجديد على الحكومة، أكبر رابح من حكومة بنكيران الثانية، إضافة إلى "التقنوقراط". وبعد تعيين حكومته الثانية، جدد بنكيران، أكثر من مرة، التأكيد على عزمه إقرار الإصلاحات المطلوبة، خصوصا إصلاح نظام دعم السلع الاستهلاكية المعروف محليا باسم "صندوق المقاصة"، الذي بات يشكل عبئا حقيقيا على الميزانية العامة للدولة المغربية، رغم توقعات انخفاض ميزانية هذا الصندوق خلال العام الجاري إلى 42 مليار درهم مقابل 54 مليار درهم عام 2012. وأعلن مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مساء الخميس المُنصرم، أن 2014 سيكون عام إصلاح هذا النظام. كما ينتظر بنكيران إصلاح آخر لا يقل أهمية عن "صندوق المقاصة"، ويتعلق الأمر بإصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس، والتي يعتبر رئيس الحكومة المغربية إصلاحها وإنقاذها "مسألة استعجالية"، دون إغفال اختبار تنظيم الانتخابات البلدية المتوقع إجراؤها بالبلاد عام 2015، ومعالجة أزمة عجز الميزانية العامة للدولة التي فاقت العام الماضي 7% من الناتج الداخلي الخام، حيث يلح صندوق النقد الدولي على تخفيض هذه النسبة إلى 5,5% بنهاية العام الجاري قبل تقليصها إلى 3% فقط عام 2016. وبحسب تصريحات أدلى بها مؤخرا، يبدي بنكيران تفاؤلا كبيرا بشأن قدرة حكومته على الوفاء بهذا الالتزام رغم الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد المغربي جراء الأزمة التي تضرب اقتصاد الاتحاد الأوربي، الذي يعتبر الشريك الرئيس للمغرب. كذلك، يظهر رئيس الحكومة المغربية، بحسب تصريحاته ذاتها، ثقة كبيرة في إمكانية نجاح حكومته في إقرار الإصلاحات المستعجلة، خاصة "صندوق المقاصة" وأنظمة التقاعد. * وكالة أنباء الأناضول