حجم النقاش حول أداء الحكومة بعد مئة يوم على تنصيبها، مؤشر دال على الاهتمام بها، وعلى أدائها كفعل سياسي يستحق المتابعة والاهتمام نقدا، تحليلا، دفاعا وتدافعا. تقييم الحكومات بعد مئة يوم تقليد سياسي متعارف عليه، رسخه الرئيس الأمريكي 32 للولايات المتحدةالأمريكية فرانكلين روزفلت، حين صرح في شهر مارس 1933 عن "استعداده للقيام بواجبه الدستوري، من أجل الإجراءات التي ربما تحتاجها دولة منكوبة في عالم منكوب"، وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية في هذا الوقت. وأشار في حديثه الإذاعي إلى أن بداية رئاسته تشكل "فرصة لاستيعاب بصورة عقلية الأحداث المزدحمة للمائة يوم التي تم تخصيصها لبدء عجلات الصفقة الجديدة". وكان يقصد بالصفقة الجديدة مجموعة المبادرات الاقتصادية لإغاثة الشعب الأمريكي. بلا شك، تقليد المئة يوم مؤشر مهم لقياس حرارة التفاعل مع الحكومة من جهة، ولقياس مدى جاهزيتها للعمل وإدارة شؤون البلاد، ومدى استعدادها لبناء المناعة التدبيرية في ظل إكراهات الواقع ومطالب الناخبين. والعمل على تنفيذ البرنامج الحكومي المعلن عنه كتعاقد سياسي وأخلاقي مع الناخبين، لا سيما تلك التي رفعت خلال السباق الانتخابي. كل تقييم نهائي لعمل الحكومة خلال المئة يوم، وإعطاء أحكام نهائية وقطعية هو سلوك غير منطقي. ويعتبر أحكاما سابقة لأوانها تندرج في إطار الدفاع العاطفي عن الحكومة، أو في إطار الخصومة السياسية والأيديولوجية لها، غير مسندة الى إسنادات فعلية وواقعية. لكن، المئة يوم بعد تنصيب أي حكومة يشكل أداة لقياس حرارة وجدية الحكومة، ومدى قدرتها على الفعل لصالح المواطن والتنمية، في ظل سياقات معقدة وتحولات شديدة التعقيد إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا. بناء على ما سبق وتأسيسا عليه يمكن استخلاص مجموعة من المؤشرات حول الأداء الحكومي ندرجها كالتالي: أولا: حكومة لمواجهة الجائحة تقييم أي تجربة يشترط موضوعيا مراعاة سياقاتها، كشرط قبلي لإنجاز تقييم موضوعي، إغفال الشروط الموضوعية المرتبطة بحكومة عزيز أخنوش وتداعيات الجائحة سيكون بلا شك عنصر تشكيك في مصداقية أي تحليل أو أية أحكام. يمكن الدفع بتسمية حكومة مواجهة كورونا، أو الحرب ضد كورونا مما يقوي الاستنتاج أنها حكومة حرب من أجل توفير الأمن وحماية الصحة العامة للمغاربة، لذا فأي تقييم لا يستحضر هذا الشرط يعد تقييما غير محايد، وبالتالي غير منصف. المفكر الألماني كارل شميد يؤكد في تصوراته أن الحكومة القوية تظهر في أوقات الأزمة، وهو تصور يناسب مبدئيا شروط تقييم أولي وجزئي، من أجل معرفة مدى جاهزية الحكومة الحالية في تدبير الأزمة ومحاصرة تداعياتها، من خلال الاستعداد لخوض معركة قاسية ضد عدو غير مرئي، لكنه عدو شرس ومدمر. الحكومة مطالبة بمنح الثقة للفضاءات العامة وتحرير الناس من تجربة الخوف، فالرهان الأصلي هو العمل على استعادة الإطار الطبيعي للحياة والاقتصاد، وضمان حركية المجتمع أو على الأقل التعايش مع الجائحة كواقع جديد. يمكن اعتبار أن الحكومة الحالية مثل الحكومة السابقة اختارت الحل الأسهل، عبر منطق الحراسة المشددة وإغلاق المنافذ لمحاصرة الوباء والتحكم في وثيرة انتشاره حماية للصحة العامة. وهو سبب كان كافيا لإثارة موجات سخط واحتجاج الكثير من المتضررين لا سيما الفئات الاجتماعية التي تعيش وضع الهشاشة أو تلك التي توقف فيها العمل بسبب الجائحة. الحكومة تعمل جاهدة على حماية الفضاءات العامة، عبر سلة إجراءات متعددة الجوانب والأبعاد منها العمل على بناء المناعة الجماعية، وإنجاح مسلسل التلقيح الجماعي والذي تجاوز نسبة 80 في المئة، هو مؤشر مطمئن لتخفيف من الصرامة وفتح المجالات واستعادة الوضع الطبيعي. حان الوقت للخروج من ثقافة الخوف لبناء ثقافة الفعل والمواجهة مع وباء، لا أحد يعرف متى ينتهي وحتى إن انتهي لا نعرف متى يعود، وقد يأتي فيروس آخر، ما دمت هناك بيئة مناسبة لإنتاج الفيروسات نتيجة الخطر البيئي الذي يهدد الجميع. الوباء واقع، ومواجهته ممكنة عبر وعي المواطن الصحي والرفع من منسوب عقلانيته، ربما الدولة وعبر مؤسساتها حاولت أن تقوم بدور جهاز المناعة للمواطنين، والنتيجة كسل وتراخي عدم تقدير وتحمل المسؤولية، لعل الحركات الاحتجاجية الرافضة للتلقيح لا سيما ممثلو بعض الأحزاب اليسارية أو بعض الهيئات المهنية يشكل عقبة في اكتساب المناعة الجماعية وتحصين الفضاءات العمومية. لكن مواجهة الوباء والتعامل الحربي مع الجائحة يستدعي جهدا جماعيا، وليس إجراء تنظيميا من طرف الحكومة وفق الاعتبارات التالية: أولا: إضعاف الدولة، لأن تواجد الدولة في كل الزوايا والمساحات والفضاءات من شأنه أن يضعفها ويشتت جهودها. ثانيا: إنهاك عناصر السلطات العمومية، حالة عياء تعم الجميع بما فيها تبديد المخزون النفسي والعضلي والفكري لهذه القوات، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع منسوب الاخطاء المرتبطة نتيجة الإرهاق والتعب وعدم الراحة. ثالثا: الاستمرار في الحجر على المواطن والحجر عليه، مما يرسخ منطق عدم تحمل المسؤولية. رابعا: ترسيخ ثقافة الجبر والإلزام القسري بدل ثقافة الالتزام النابع من وعي شخصي وقناعة ذاتية لمواجهة الأزمة وهو ما يجعل تكلفة المواجهة خفيفة على الدولة وغير مكلفة. خامسا: بناء شرعية رجال السلطة ينبغي أن تتم في إطار فلسفة العهد الجديد لرجال السلطة بعيدا عن منطق العنف والصراع مع أو ضد المواطن. سادسا: مواجهة الوباء من طرف الدولة يكون من خلال الاهتمام بالقضايا الكبرى وليس بمطاردة المواطنين من خلال إعادة قراءة جديدة للواقع المغربي كما كشفته الجائحة. سابعا: الجامعات ومراكز البحث مطالبة بالخروج من عزلتها والخروج إلى الواقع من أجل دراسة الواقع الجديد لإعادة ترتيب الأولويات. ما نحتاجه، اليوم هو حكومة قوية ومتفاعلة مع المواطنين ترسخ منطق الشراكة الإيجابية وليس منطق الانتصار لفئة أو حزب أو ائتلاف حزبي وإنما الانحياز للوطن والمجتمع والدولة ومقدساتها. الحاجة اليوم إلى حكومة بمفهومها السبينوزي (نسبة إلى سبينوزا، أي حكومة العقل)، أي أن مشروعية الحكومة تتحدد في تحرير المواطنين من الخوف، وليس إدخالهم عإلى عوالم الخوف، وهو إجراء رهين برؤية شمولية بعيدا عن تدبير الأزمة بحس أمني ضيق. ثانيا: استعادة دور الدولة الاجتماعية إن البرنامج الحكومي تأسس على فكرة الدولة الاجتماعية التي ترعى كافة جوانب الفعل العمومي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي. الكثير من المؤشرات تؤكد أن بداية عمل الحكومة مطمئنة، مما يكشف أنها حكومة واقع وليست حكومة مواقع وتصريحات وحضور إعلامي ما يكشف هذه الدينامية المؤشرات التالية: إن الائتلاف الحكومي المؤسس على أغلبية مريحة مسنودة بدعم برلماني كبير وبسند شعبي واسع، منح الحكومة فرصة لترجمة الالتزامات المتضمنة بالبرنامج الحكومي ومنها: 1- بداية التنزيل توجهات النموذج التنموي الجديد عبر سياسة الدولة من الأسفل، والاهتمام بالمواطن أولا؛ 2- مواصلة زخم الانتصارات الدبلوماسية من أجل وحدتنا الوطنية؛ 3- التدبير الفعال للحكومة مع توقف تدفق الغاز من الجزائري العابر للتراب المغربي في اتجاه إسبانيا، وسرعة إيجاد البدائل الناجعة التي ضمنت الاستقرار في تزويد السوق المغربية من الحاجيات؛ 4- ترسيخ منطق الانسجام بين مكونات الحكومة من خلال التوقيع على ميثاق الأغلبية؛ 5- فتح باب الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية؛ 6- التنزيل السريع للمراسيم التطبيقية الخاصة بتعميم التغطية الصحية والمعاشات؛ 7- الاستمرار في مواجهة الجائحة وحماية الصحة العامة وبناء المناعة الجماعية عبر مسلسل التلقيح الجماعي؛ 8- الاستمرار في تدعيم مشروع الدولة الاجتماعية لا سيما في مجال التشغيل وإيجاد حلول للتخفيف من الأزمة مثل مشروع أوراش؛ 9- دعم المقاولات والشركات المغربية للحفاظ على مناصب الشغل؛ 10- العمل على الحفاظ على سعر المواد الاستهلاكية ذات الاستعمال الاجتماعي رغم تقلبات سلاسل التوريد؛ 11- التفكير الاستراتيجي من خلال الاستمرار في مسلسل التصنيع لا سيما قطاع السيارات والطائرات؛ 12- دعم القطاع السياحي بملياريْ درهم؛ 13- الاستعجالية في التعامل مع قضايا حساسة مثل ندرة الماء والعمل على إيجاد حلول بديلة في حالة الخطورة مراكش نموذجا وحفر ثلاث نقط لتأمين مدينة مراكش؛ 14- دعم شغيلة القطاع السياحي وتوسع المستفيدين من الحماية الاجتماعية؛ 15- فتح نقاش عمومي وجهوي حول قضايا تهم القضايا المحلية والجهوية: الداخلة الراشيدية مراكش؛ 16- الشروع في تسوية الملفات العالقة والمرتبطة بمنح الجمعيات والمقاولات؛ 17- الشروع في تسوية مستحقات الموظفين وترقياتهم المتوقفة لأكثر من سنتين ونصف؛ 18- العمل على بلورة استراتيجية فلاحية بالعالم القروي عبر مخطط الجيل الأخضر ورهانات بناء الطبقة المتوسطة بالعالم القروي؛ 19- بداية تنزيل البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي بما فيها إنجاز 120 سدا تليا، وتثمين مياه الفيضانات والإسراع بمشروع تحلية مياه البحر، لسد العجز المائي؛ 20- الاهتمام بالبنيات التحتية بالعالم القروي وصيانة الطرق القروية؛ 21- البدايات السريعة لتنزيل السياسات القطاعية في كل المجالات الوزارية لا سيما التعليم والصحة والسكنى والتعمير والثقافة والرياضة والتعليم الأولي والصناعة التقليدية والاقتصاد التضامني والتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار؛ 22- بناء الاستدامة الطاقية والانتقال نحو الطاقات النظيفة في أفق تحقيق 40 في المئة من الاحتياجات الوطنية من الطاقة. ثالثا: وجهات نظر حول اختلالات الحكومة حكومة أخنوش هي حكومة سياسية، الأمر يقتضي وجود معارضة لها وهو أمر طبيعي وإيجابي، على اعتبار أن النظام الديمقراطي لا ينتعش إلا بوجود سلطة تحكم، ومعارضة تعارض. من بين أهم النقط التي اعتبرت مجالات تقصير في عمل الحكومة، رغم ان اصدار حكم نهائي في ظرف زمني قصير ليس مؤشرا موضوعيا على جودة الحكم. من بين هذه الاختلالات حسب المعارضين للحكومة نتوقف عند الملاحظات التالية: 1- ضعف التواصل لا سيما في ما يتعلق بالقضايا التي تهم المواطن مثلا جواز التلقيح وإغلاق الحدود؛ 2- التعديل الحكومي السريع لوزيرة الصحة و الحماية الاجتماعية؛ 3- الاحتجاجات التي رافقت سن التوظيف و غياب التشاور مع الفرقاء؛ 4- سحب مشروع القانون الجنائي الخاص بالإثراء لغير المشروع. بناء على ما سبق وبناء على المؤشرات الخاصة بأداء الحكومة والسياقات الصعبة لانشغالها في ظل تداعيات الجائحة والتحولات المناخية وغياب تساقط الأمطار، يكمن الانحياز إلى فكرة أن حكومة عزيز أخنوش تشكل لحظة تعاقد سياسي بسند شعبي من أجل منح جرعة أمل واستعادة الثقة لمواجهة الأزمات المعقدة بنفس إصلاحي، وهو إنجاز يتحقق للانتصار لقيم الحياة والصمود في زمن الأزمات، وليس الاختباء والتخفي. الأزمة المعقدة تحتاج إلى حكومة قوية بإنجازاتها وقدرتها على اختراق الواقع وإحداث الأثر الإيجابي. فالانتصار على الوباء يتحقق بالانتصار على الخوف والانتصار لقيم اقتصاد الحياة وفق رؤية، جاك أتالي، المستشار الخاص للرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران. الحكومة ستنجح في تحقيق برنامجها الاجتماعي والاقتصادي والمجتمعي من خلال الانتصار لاقتصاد الحياة والإنصات إلى المواطن والعمل على تلبية مطالبه البسيطة، في إطار تعاقدات أخلاقية وتقوية المشترك وتغليب الالتزامات الأخلاقية والإنسانية على منطق الأرباح. الخروج من الأزمة رهين بتقوية اقتصاد الحياة وليس اقتصاد الموت والاختباء، أي دعم وتقوية كل القطاعات المرتبطة بحياة المواطن واحتياجاته الأساسية، مثل الصحة والتعليم والأدوية والبحث العلمي والاتصالات والفلاحة والقطاعات الإنتاجية ذات الصلة بمتطلبات المواطنين، وبالمقابل تقليل الاهتمام بالمجالات التي تستهلك أموالا ضخمة وتتطلب استثمارات ضخمة لا تلامس احتياجات المواطن، أو أنها موجهة ضد المواطن مثل صناعة الأسلحة وصناعة التجميل والترفيه والموضة وغيرها. مواجهة كورونا لا تتطلب الانتظار والاختباء في انتظار التلقيح واكتساب المناعة الجماعية، وإنما بامتلاك القدرة على المواجهة وتدبير المخاطر والانتصار لقيم الحياة واقتصاد الحياة، وهي شروط نجدها متوفرة في الحكومة التي يترأسها عزيز أخنوش كحكومة حرب ضد الجائحة وضد الهشاشة من أجل بناء الدولة الاجتماعية.