بحلول شهر المحرم تدخل الأمة الإسلامية العام الخامس والثلاثين بعد ألف وأربعمائة من هجرة الرسول محمد عليه السلام، والهجرة في تاريخ الدعوة الإسلامية تشكل نقطة تحول كبرى، في مسار انتشار نور الإيمان والهداية، وانقشاع ظلام الكفر والضلال، فبالهجرة انطلق الرسول عليه السلام إلى موقع جديد ومتقدم، لبناء أسس حضارة جديدة، وتواصل قافلة الأنبياء والرسل مسارها الخاتم، لتعلن للناس أن مرحلة الوحي والنبوة قد انتهت، وأن العقل الإنساني قد بلغ من النضوج مرحلة استلهام أصول الإيمان والأخلاق والفضيلة من فيض الرسالة الخاتمة، وأن الرسول محمد قد جاء بكتاب مصدق لما تقدم من كتب ويدعو للإيمان بمن سبقه من الرسل والأنبياء، وأنه ليس بدعا من الرسل وليس ملَكًا من الملائكة وإنما هو بشر يوحى إليه، فيبلغ هذا الوحي نقيا صادقا طاهرا، صادعا بأنه لا إله إلا الله وأن الناس سواسية وأن الألوان والأنساب والألسن ليس كل ذلك إلا دليلا على قدرة الخالق وآية من آياته. إن معاني الاحتفاء بالهجرة كثيرة جدا، ولا يمكن استيعابها في مقال أو سطور، لأن هذه المعاني مستمرة، ليس في الحدث ذاته، ولكنه فيما يحدثه في نفوس الناس من أثر، وما يدفع إليه من عمل، فقد أعلن الرسول نفسه أنه لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وهذا الجهاد الأكبر الذي هو جهاد الكلمة والنية في الجهاد الأصغر إذا فرض بقوانينه وضوابطه الشرعية هو ما يستمر في الهجرة بعد الفتح. وفي سياق هذا الجهاد الأكبر، والجهاد الذي دعا إليه القرآن في قوله (وجاهدهم به جهادا كبير)، أي بالقرآن نود أن نستعرض بعضا من جهاد شخصية فكرية مومنة دفاعا عنه محمد وعن رسالته وعن القرآن. لقد دأب الكثير من المعادين للأديان وللإسلام بصفة خاصة على توجيه سهام النقد والتشويه إلى الإسلام والى نبي الإسلام، ليس عن طريق الرسوم الكاريكاتورية العابرة والتي قد لا يراها إلا الأقل من الناس وتمر كما يمر غيرها من الصور، ولا تحدث أثرا لأنها ساقطة من الأساس، ولكن ما يكتبه باحثون ومفكرون ولاسيما إذا كان لهم صيت علمي أو مكانة في الفكر هو ما يستدعي الرد والمواجهة، وهذا ما يقوم به الكثير من العلماء والباحثين في كتب الجدل والمناظرة مباشرة أو غير مباشرة. وإذا كان الصراع الذي عرفه التاريخ بين الشرق المنتمي في أكثره إلى الإسلام والغرب الذي تبنى الدفاع عن النصرانية استمر ولا يزال مستمر إلى الآن، يستوجب الوقوف في وجه ما ينشره وما يكتبه من شبهات ويثيره من ادعاءات ليبعد الناس عن الإسلام، والتأثير في أبنائه حتى يبطل مفعول هذا التأثير ويرى الناس الأمر على حقيقة من وجهة نظر محايدة او حتى متعاطفة وإحياء لذكرى الهجرة نستعرض بعض ما جاء في كتاب ألفه مفكر وفيلسوف متمكن استفزه ما أطلع عليه من قدح ومطاعن في القرآن والرسول محمد، فكتب (دفاع عن القرآن) كتابا مستقلا بهذا العنوان كما كتب كتابا آخر في الدفاع عن محمد "ص" ضد المنتقصين من قدره) ذلكم هو عبد الرحمان بدوي رحمه الله. وألفت نظر القارئ إلى أنني نقلت من الكتاب فقرات مما سمي «أسطورة محمد» رغم ما فيها من ترهات وسوء أدب مع الله ومع الرسول وذلك ليطلع القارئ الذي لا يتأتى له قراءة الكتاب على البذاءة والجهل التي تمثل أساس الأساطير التي يستقي منها أعداء الإسلام. الدواعي وزلة لسان الإسلام والغرب أو الإسلام وأوربا أو الإسلام الأمريكاني أو غيرها من الكتابات التي تحاول معالجة علاقة العالم الغربي الذي تحكمه الكنيسة مباشرة فيما مضى أو بطرق أخرى حاليا سواء كانت كنيسة (كاثوليكية) أو (بروستاتينية) أو (ارثودوكسية) فهي على أي حال تستقى من معين واحد فيما يرجع للإسلام ونبي الإسلام هو الصورة التي كونها الغرب المسيحي عن الإسلام والمسلمين، من خلال الدراسات التبشيرية أو الكنسية أو الاستشراقية والتي مؤداها واحد، هو ما عبر عنه (غوستاف لبون) ذات مرة وهو أن الحقد على الإسلام والمسلمين دفين في الغربيين دائما، وهو ما أفرزته التصرفات والأقوال التي تلاحظ عند الغربيين مهما تمت محاولة التغطية بادعاء زلة لسان أو الاعتذارات المكذوبة، فالحرب دائما بين الهلال والصليب كما عبر وزير خارجية فرنسا في الخمسينات من القرن الماضي وكما بين ذلك زلة لسان الرئيس الأمريكي (بوش الابن) حيث قال أنه بصدد حملة صليبية، وكما قال القائد الانجليزي (ألَنبي) عند دخول مدينة القدس ها نحن عدنا يا صلاح الدين. توطنة لازمة هذه التوطئة كانت لازمة ونحن بصدد تقديم عرض حول كتاب تصدى للدفاع عن محمد ضد المنتقصين من قدره، بمناسبة ذكرى هجرة الرسول عليه السلام، والكتاب خصصه صاحبه للكشف عن الشبهات التي يثيرها الغرب التنصيري الصليبي وهي في الواقع تشكل فضائح لأصحابها وجهلهم، أكثر مما تشكل شبهات وإشكالات للإسلام والمسلمين والكتاب الذي نعرضه اليوم يتصدى لكشف منابع ثقافة الإنسان الأوربي من الوجهة التاريخية والحضارية عن الإسلام والمسلمين. موروث يتحكم ولا يمكن ان يغطي عن هذا الموروث الثقافي بعض الكتابات التي تدعي الإنصاف، أو تلبس رداء الموضوعية أو العلمية المزعومة، إذ سرعان ما يتطاير هذا الرداء فمع هبة نسيم رقيق، لخلاف ما، أو حادث ما، وتظهر الحقيقة والنوايا ويبرز الموقف الحقيقي للغرب، والذي يرى في الإسلام والمسلمين رغم ضعفهم تهديدا لحضارة الغرب، أو إن شئت الدقة فقل هيمنة الغرب وسيطرته على الموارد الطبيعية في العالم الإسلامي، وتسخيره لأرصدة المسؤولين والمتمولين في هذا العالم للتنمية الاقتصادية في الغرب، مع حجب كل أنواع التكنولوجية التي من شأنها تقوية إمكانيات العالم الإسلامي. التحذير من الصحوة وطالما حذر الغربيون من صحوة الإسلام والمسلمين نحو ما جاء في كتاب (باول شيمنز) الألماني بعنوان (الإسلام قوة الغد العالمية) إذ قال «أن انتفاضة العالم الإسلامي صوت نذير لأوروبا وهتاف يجوب آفاقها يدعو إلى التجمع والتساند الأوروبي لمواجهة هذا العملاق الذي بدأ يصحو وينفض النوم عن عينه هل يسمعه احد؟ إلا من مجيب» )ص 324 النص العربي( وهي آخر فقرة في الكتاب ليكون هذا النداء هو ما يخرج به كل من وقع الكتاب بين يديه وهي صرخة أرسلها قبل الحرب العالمية الثانية عندما بدأت الحركات الوطنية تتحرك لتحرير العالم الإسلامي من الاستعمار الأوروبي. وصحوة مرفوضة ولاشك ان الصحوة الإسلامية الجديدة والتي هدفها تحرير العالم الإسلامي من هيمنة القوانين الكنسية الأوروبية وتحرير اقتصادياته من هيمنة الشركات الاحتكارية الكبرى أو ما أصبح يسمى العولمة، أثارت كذلك كثيرا من النداءات والتحذيرات عبرت عنها عشرات الكتب التي صدرت في أوروبا وأمريكا. وحيث لا تنفع الكتب والمقالات يتم التدخل مباشرة. وعلى أي فربما أطلت في هذه المقدمة التي دفعتني إليها إيحاءات ما جاء في الكتاب الذي أحاول تقديمه بشيء من الإيجاز للقارئ الكريم كتاب (دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد المنتقصين من قدره) للدكتور عبد الرحمان بدوي وفيما يلي تحليل لبعض فصول الكتاب. الصدفة يقول بصدفة أتيت هذا العالم (وبالصدفة سأغادر هذا العالم) بهذه الجملة افتتح المفكر والباحث الموسوعي عبد الرحمان بدوي سيرته الذاتية التي نشرها في جزأين والدكتور عبد الرحمان بدوي معلمة في تاريخ الفكر العربي والإسلامي في القرن العشرين فهو مفكر غزير الإنتاج وباحث متضلع ومترجم من عدة لغات أوروبية وتناول جوانب مختلفة من تاريخ الفكر بل لا يكاد يترك فرعا من فروع الثقافة الإسلامية دون بحث أو تناول سواء في العقائد أو الفرق أو التصوف أو التاريخ وبجانب ذلك تناول أعلاما في الفلسفة الغربية بالترجمة والتأليف وكان ذا توجه وجودي في منحاه الفلسفي ولست أريد في هذه الحروف التي اكتبها تناول شخصية عبد الرحمان بدوي أو إنتاجه الفكري والعلمي غير أنه وبمناسبة ذكرى دينية قرأت كتابه الذي ألفه بالفرنسية وترجم إلى العربية تحت عنوان (دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد المنتقصين من قدره). تساؤل ولست ادري هل هذا الكتاب جاء وليد الصدفة كذلك كما جاء المؤلف نفسه إلى الدنيا صدفة كما جاءت الفقرة أعلاه وعلى أي حال فالكتاب متوسط الحجم في الطبعة العربية جاء في مائتين وست صفحات ولا شك أن كتابا يؤلفه الدكتور عبد الرحمان بدوي للدفاع عن الرسول عليه السلام يثير فضول القارئ لمعرفة الموقف الذي تبناه في الدفاع وأسلوبه المتميز في هذا الدفاع لاسيما وهو موجه في الأساس إلى المثقف الغربي أكثر مما هو موجه إلى المثقف العربي أو المسلم. ضعف الاطلاع ولكنه مع ذلك فان كثيرا من المثقفين المحسوبين على العرب والمسلمين يصنفون اليوم في كثير من الأحيان ضمن المثقفين الغربيين باعتبار ضعف اطلاعهم على الثقافة الإسلامية وعلى الإسلام وأحكامه بالذات ومع ذلك فان الكتاب يطلع كذلك الدعاة والباحثين على روح الحقد والكراهية والجهل، التي تناول بها الباحثون والمنصرون والمستشرقون الإسلام ونبي الإسلام في مختلف عصور الصراع بين الإسلام ودعاة النصرانية والمدافعين عنها. عشرة قرون من الادعاء وقد جاء الكتاب موزعا على مقدمة وستة فصول والمقدمة أطول فصول الكتاب 44 صفحة وهي بعنوان (أسطورة محمد في أوربا) عشرة قرون من الادعاء الباطل والافتراء. وافتتح المؤلف كتابه بمدخل صغير استهله بالمقولة التالية: نادرا ما يصدق الناس الحقائق لاسيما إذا تعارضت مع مصالحهم ويعلق قائلا: وهذا يفسر ذلك العدد الرهيب من الأكاذيب التي ساقها الكتاب البيزنطيون والأوربيون منذ اثني عشر قرنا في موضوع النبي محمد الذي أصبح اكبر أعداء الأوربيين كما كان الهجوم عليه هدفا للإمبراطورية البيزنطية وأوربا (ص 3). وكانت ثمره هذه الحملة الدعائية هي ما اصطلح على تسميته منذ ثلاثة قرون في أوروبا باسم (أسطورة محمد). الأسطورة أسطورة محمد في أوروبا حيث ينقل عن كتاب صدر في القرن السادس عشر عن حياة محمد كما ينظر إليها الأوروبيون آنذاك وننقل هذا النص مع الاعتذار للقارئ عن البذاءة الواردة في النص، وقبل إيراد النص أود تكرير الاعتذار للقارئ الكريم وحاكي الكفر ليس بكافر. لقد ولد محمد هذا في الجزيرة العربية، وكان في البداية لصا وقائد إبل في بلاد الإمبراطورية وسافر كثيرا بعد ذلك ووصل إلى مصر بصحبة تاجر مسيحي وقد كانت مصر مسيحية في ذلك الوقت وكانت هناك كنيسة صغيرة في الجزيرة العربية حيث يعيش راهب واحد، وعندما دخل محمد الدير الذي لم يكن سوى منزل صغير ذا باب منخفض وعندئذ بدأ الباب يتسع وأصبح أكبر من باب القصر وعندئذ قال المسلمون أن هذه كانت أول معجزة لمحمد في شبابه. وبعد ذلك أصبح محمد ساحرا حقيقيا فيما بعد وكان منجما عظيما وكان يقول أنه حارس ذهب أمراء قريظه، وكان يحرسه بعناية وعندما مات أمير قريظه تزوج محمد أرملته والتي كانت تسمى خديجة. وقد أصبح هذا الكاذب محمد مريضا بالصرع وذلك لأن الملك جبريل كلمه ولذلك خر مغشيا عليه نتيجة لنور جبريل الرهيب. وقد حكم هذا التاجر الجزيرة العربية في عام 620 من ميلاد السيد المسيح وكان من ذرية إسماعيل الذي كان بدوره ابنا لإبراهيم من جاريته هاجر. ولذلك فإن العرب يسمون أنفسهم الاسماعيليين وأبناء هاجر، وكان بعضهم يسمى المؤابين والبعض الآخر يسمى العمونين نسبة لابن لوط. وقد تحالف هذا الكاذب محمد مع رجل تقي كان يعيش راهبا في دير على بعد ميل من طور سيناء. ولأن الناس كان من عادتهم أن يذهبوا من الجزيرة العربية إلى كالداس Caldas وكانت الرحلة تستغرق يوما بمحاذاة البحر حين كان التجار يصلون من البندقية وقد جاء محمد أحيانا إلى تلك الصومعة مما أثار حفيظة أصحابه واستفزهم، لأنه كان يطرب لسماع هذا الراهب الداعية تاركا قومه يمشون طوال الليل، ولذلك أراد قومه أن يموت هذا الراهب. وقد حدث ذات ليلة أن شرب محمد كثيرا وغط في نوم عميق فأخذ أصحابه سيفه من جرابه بينما كان يغط هو في نوم عميق وقتلوا الراهب بذلك السيف ثم أعادوا السيف مخضبا بالدماء إلى جرابه. وفي الصباح حين اكتشف محمد موت الراهب غضب وكان على وشك قتل رجاله. ولكنهم كانوا قد اتفقوا على أن محمدا هو نفسه الذي قتل الراهب بينما كان ثملا. ثم توسلوا إلى محمد أن ينظر إلى سيفه الذي كان مخضبا بالدم. وحينما رأى محمد السيف تأكد من صدق قولهم. وكانت هذه ثاني معجزة يفعلها محمد، وقد لعن الخمر ومن يشربونها. وهذا يفسر أن المسلمين لا يجرؤن على معاقره الخمر ولكن البعض منهم يشربها خلسه كما انهم يتعاطون أشربة جيدة ومغذية مصنوعة من الأعشاب، والسكر. وقد حدث أن أصبح بعض المسيحيين مسلمين إما بسبب الفقر أو نتيجة لضلالهم وعندما كانوا يتنكرون لعقيدة المسيحية كان المسلمون يعلمونهم عقائدهم الفاسدة ويأمرونهم عندما يستقبلونهم أن يقولوا: «لا إله إلا الله محمد رسول الله». هنا تنتهي الأسطورة التي ولاشك هي مصدر صاحب الرسول الكاريكاتورية المشهور. ذهول واستغراب هذه الأسطورة هي التي تناولها الكاتب في مقدمة الكتاب تحت العنوان المشار إليه سابقا. وفي البداية عبر عن ذهوله أمام تناول الأوروبيين سيرة الرسول عليه السلام فقال: (خلال تتبعي للمفاهيم التي تبناها الأوربيون حول نبي الإسلام محمد انتابني الذهول من جهلهم المطبق وعدوانيتهم الواضحة وأحكامهم المسبقة المتأصلة وتحزبهم الطاغي ضد خصومهم ص 5 ويستدل الكاتب على هذه الخلاصة بقول رينان: تاريخ غريب لقد كتب المسيحيون تاريخا غربيا عن محمد... انه تاريخ يمتلئ بالحقد والكراهية له، لقد ادعوا بان محمد كان يسجد لتمثال من الذهب كانت تخبئه الشياطين به، ولقد وصفه دانتي بالإلحاد في روايته الجحيم وأصبح محمدا عنده وعند غيره مرادفا لكلمة كافرا أو زنديق، ولقد كان محمد في نظر كتاب العصور الوسطى تارة ساحرا وتارة أخرى فاجرا شنيعا ولصا يسرق الإبل وكاردينالا لم يفلح في ان يصبح بابا فاخترع دينا جديدا اسماه الإسلام ليتفرد به من أعدائه وصارت سيرته رمزا لكل الموبقات وموضوعا لكل الحكايات الفظيعة ص 5-6 نقلا عن كتاب دراسات في التاريخ الديني لرينان. تلخص وتتبع إن هذه الفقرة تلخص التهم والأوصاف الكاذبة التي دأب أعداء محمد عليه السلام ورسالته الركوب عليها لصد الناس عن الإسلام والنبي عليه السلام وقد ذكر القرآن الكثير منها ولذلك فان ما يدعيه المنصرون والباحثون المفترون لم يزد على ما كان يردده مشركو قريش في مكة ولقد تعقب المؤلف هذه الافتراءات منذ البداية قرنا فقرنا فاختار في كل مرحلة باحثا أو أكثر وقد استمرت هذه الادعاءات الزائفة إلى يوم الناس هذا ولذلك فقد يصعب تتبعها كلها وإلا كنا نشرنا الكتاب بكامله ومع ذلك فان تصدي المؤلف لهذه الترهات والأباطيل يفرض إعطاء بعض النماذج من هذا الركام السابح في التيه حتى من قبل رجال من المفروض فيهم من الناحية العلمية النزاهة الفكرية والموضوعية العلمية مثل (فرنسيس بيكون) داعية المذهب التجريبي وفي هذا الصدد يقول المؤلف: بيكون والافتراء (ونصل الآن إلى القرن السابع عشر. ونبدأ بإلقاء الضوء على مضحكمة مخترعة وعلى الأقل مكررة من قبل (فرنسيس يبكون) وهو داعية المذهب التجريبي الشهير وهو يحكي في احد مقالاته والمسمى (الخدعة) يحكي مثلا أن محمدا قال للعرب ذات يوم انه يستطيع أن ينادي الجبل ليأتي إليه وقد كان الجبل بعيدا ولكن بعد أن ناداه محمد لم يأت ولم يتحرك وهنا قال لهم محمد إذا كان الجبل لم يأت إلى محمد فان محمدا يذهب إلى الجبل) وأنني أتساءل يقول المؤلف: كيف يمكن لرجل يدعي انه يقيم أسس المنهج التجريبي وقواعده أن يعتقد في حقيقة تلك الفرية المختلفة.وللأسف فان بعض السفهاء يرددون تلك الأسطورة حتى يومنا هذا ص 21-22. منصف مغرض ويواصل المؤلف استعراض كتابات مختلف الباحثين الحاقدين ويختار من بين هذه الكتابات كتابا لباحث يدعى(أدريان رولان) المولود في 17 يوليوز 1616 في شمال هولندا. وكان عالما متبحرا في معرفة اللغات الشرقية العبرية والعربية والفارسية والملاوية وقد كتب كتابه عن دين محمد أو الدين المحمدي وقد اهتم الباحثون بالكتاب ويستعرض الدكتور بدوي مضمون الكتاب وفصوله وكيف تصدى لدحض الكثير من المقولات والافتراءات ولكن ليس إنصافا للإسلام والمسلمين لوجه الحقيقة بل لهدف صريح وواضح هو ما أعلنه في المقدمة ويورده الدكتور بدوي حيث قال: العالم المخدوع إن هدفي لم يكن إخفاء ولا حتى تلفيق حقائق عن دين أكراهه ولا حتى ان اتصل به بشكل عدائي أو ودي.فمن يحكم علي هكذا يخطئ ولكن الهدف هو شيء من العدل والنزاهة، فقد رأيتني مضطرا للدفاع عن هذا الدين خاصة في الأشياء التي نسبت زورا وبهتانا إليه والتي تخجل وجه الحقيقة حين تعتمد على الأكاذيب والافتراءات والهدف هو إيجاد شخص يجب أن يعكس هذه الأكاذيب التي لا تستند على أي شيء من الشرعية وقد ألحقت بالمسلمين أوصافا كثيرة..أفظاظ...مجانين مغفلين وحتى شياطين أريد أن يرددوا معي الحقائق المضادة التي اعري هذه الأكاذيب التي جعلتني ألاحظ ان هذا العالم يريد ان يعيش مخدوعا ومحكوما بالأحكام المسبقة. إعلان النوايا ويعلق الدكتور بدوي على إعلان النوايا هذا كما اسماه بما يلي: أ أن رولاند لا يقصد بهذا الكتاب الدفاع عن محمد وعقائد المسلمين فهو ابعد من ذلك. ب ولكنه يريد أن يصحح الأكاذيب والأحكام المسبقة التي نسجها الكتاب الأوربيون في موضوع محمد والقران والإسلام حتى يستطيع مهاجمة الإسلام آخذا من المسلمين فرصة الدفاع بإنكار هذه الافتراءات التي اختلقها المسيحيون في موضوع المسلمين والإسلام. فهو يقول: هجوم واضح «حتى نكون في حالة جيدة ووضع سليم نحن المسيحيين في حوارنا مع المسلمين بطريقة منطقية ومقنعة حتى نهاجمهم من الآن فصاعدا بشكل أكثر وضوحا وثقلا بعدد من الحجج والأدلة 184-185 من كتاب رولاند. ج باختصار لم يكن لزولاند من وراء كتابه هذا وكل أعماله سوى نصرة الحقيقة والعقيدة الانجيلية لو شيء مشابه لذلك حيث يضيف في الطبعة الثانية «الأب والابن والروح القدس» لهذا الثالوث يجب أم تكون العاقبة وكل كلامنا وجميع أفعالنا «المصدر السابق». عداوة الإسلام إذا، لا يمكن أن ينخدع أحد في نية رولاند وهي: أنه يتعشم أن يهاجم الإسلام بهدم الأساطير التي اخترعها الكتاب المسيحيون والأوربيون وذلك ليحض وتفنيد حياة محمد ودينه انه يضع نفسه في عداوة مع الإسلام ولكنها عداوة عالم ذكي بدلا من المنتقصين من قدر الإسلام وهم كاذبون وحمقى. وبعيدا عن نية رولاند فان كتابه قد ساهم بعد ذلك في تنوير الأوربيين في موضوع الإسلام. ولذلك لن يكون بمقدور أحد يجرؤ على ترديد الأساطير المتراكمة والأكاذيب التي نسجت في أوربا منذ عشرة قرون حول محمد دون أن يخاطر بأن يصبح أضحوكة المثقفين الأمناء. النية السيئة بعد المقدمة التي ناقش فيها الدكتور بدوي باستفاضة ما سمي في الغرب « أسطورة محمد» انتقل ليناقش الشبهات أو الافتراءات الأخرى حول نبي الإسلام ورسالته ويظهر سوء النية حتى عند ادعاء النزاهة والموضوعية فناقش في الفصل الأول موضوع «صدق محمد فيما يتعلق براؤه للملأ الأعلى» وقد حلل المؤلف في هذا الفصل ترجمة بلاشير لكلمة اقرأ بمعنى بشر أو أعلن ويقارنه بما ذهب إليه أبو عبيدة من تفسير اقرأ باسم ربك بمعنى أحمد أو مجد اسم ربك (ص51) وينبه بدوي إلى أن غاية الباحثين «فرانس بول» مثلا الوصول إلى هدفه غير المعلن وهو الموروث اليهودي والمسيحي ويعتبر بدوي هذا مثال واحد مطابق للنية السيئة عند دراسي الإسلاميات. شبهات الوحي والواقع أن هذا الفصل آثار فيه بدوي كثيرا من القضايا والشبهات المتعلقة بنزول الوحي وما يصاحب ذلك بالنسيبة للرسول عليه السلام والاستنتاجات التي حاول الكثيرون ترتيبها على تلك الحالة ويقارن بدوي بين مختلف الآراء ويرد ببعضها على البعض الآخر وكانت الخلاصة « إن محمدا عليه السلام كان يتلقى الوحي بالفعل وهو في قمة الوعي والإدراك وان القول بغير ذلك متناقض تماما مع سلوك محمد فقد كان دائما يسمى الصادق الأمين» ولم يتحدث عن تفاصيل حياته اليومية ولم يؤلف أو يتظاهر بشيء غير حقيقي أمام الناس ولذلك فقد اخبر إتباعه لفضل صدقه وحسن سيرته أجبرهم على طاعته كما لم يعط أي انطباع لمن حوله عن عدم صدقه وإلا لما كان من الممكن أن ينجح في وقت قصير «عشر سنوات» في تحويل الجزيرة العربية كلها إلى دين الإسلام (ص 66). محمد والتصوف ويختم بدوي الفصل في مناقشة موضوع تصوف محمد عليه السلام ويري أن أول من طرح الموضوع هو المستشرق ماسينيون في رسالته «مقال عن أصل المعجم الفني للتصوف الإسلامي» باريس 1922 ثم تبعه بعد ذلك بعض المستشرقين في هذا الطرح ونبه بدوي إلى انه «إذا كان متصوفة المسلمين قد حاولوا تتبع مظاهر التصوف عند النبي فليس ذلك لشيء سوى دعم قضيتهم في مواجهة الهجمات التي كانت تتوالى عليهم في معسكرات الفقهاء وعلماء التوحيد». ولنا عودة للموضوع. *أستاذ الفكر الإسلامي