بكلمات مُنْسَابة بعفوية لا هي مصطنعة ولا هي متكلفة ، تناولت لطيفة أحرار تدخلها مهووسة بحبها للوطن وللإنسان أيا كان المعتقد أو المذهب أو الحزب ، فالوطن للجميع ويسع الجميع .كلمة أحرار أثارت بصدقها السؤال المقلق والمحرج لكل من يشغله حب الوطن : إلى أين يسير المغرب ؟ وبواعث هذا السؤال كثيرة لمست أحرار بعضها وعانت من أخرى بشكل أنكى وأمر ، خصوصا بعد أدائها لدور فني أغضب من نصبوا أنفسهم، ضدا على الدولة وقوانينها ومؤسساتها ، "حماة الأخلاق" . أدركت أحرار أن ما تراكم من مكاسب ، على محدوديتها ، ليس مضمونا ، بل يمكن التراجع عنه في أية لحظة أو نكسة . وما يعطي لصرخة الفنانة صدقيتها ومداها ، أن 83 في المائة من المغاربة ، حسب دراسة أمريكية حديثة ، مع تطبيق الشريعة . ومعنى هذا أن التقهقر الحقوقي والحضاري يتهدد التجربة الديمقراطية الفتية في المغرب ، ويعصف بكل الإيجابيات التي تحققت في مجال الحريات وحقوق الإنسان . وما يزيد من مخاطر التقهقر ، حالة التردد التي تطبع موقف الدولة والنظام من المشروع الحداثي . وقد جسد هذه الحالة دستور 2011 ؛ إذ في الوقت الذي يتبنى فيه المغرب دستوريا حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ، تصدر فيه فتوى قتل المرتد عن المجلس العلمي الأعلى الذي تناط به وحده مهمة الإفتاء ، كما يدين القضاء المغربي مواطنا لاعتناقه المسيحية . وبمقتضى هذه الفتوى والقوانين التي أدانت هذا المواطن ، لم يعد المغرب وطنا لجميع المواطنين يضمن لهم حرية الاعتقاد والاختلاف إلى جانب الكرامة والديمقراطية . وما تريده أحرار ويريده الغيورون هو مغرب يقطع مع التردد في اختيار الحداثة على مستوى مؤسساته الدستورية وبنايته الاجتماعية وترسانته التشريعية . مغرب يعيش حاضره ويتطلع إلى مستقبله في تناغم مع المكتسبات الحضارية والحقوقية التي تراكمها البشرية دون مركب نقص أو عقدة نكوص . عبرت ، إذن ، الفنانة أحرار عن هواجس الخوف على مستقبل المغرب الذي تتهدده التيارات الأصولية والقوى المحافظة ولوبيات النهب والفساد والاستبداد . هواجس تريد أحرار أن يتقاسمها التيار الحداثي الذي هو الطرف المؤهل لتحقيق حلم المواطنين في المغرب الذي نريد . بلا شك أن القوى الأصولية والمحافظة والفاسدة المفسدة تريد مغربا بلا كرامة ولا حرية ، مغربا تستباح فيه الكرامة والحرية والطبيعة حتى ، وتصادر فيه الحقوق والأرزاق والأعناق . ذلك أن تغول الأصولية والفساد والاستبداد بات يتهدد المجتمع والدولة وحتى النظام بعد أن استشرى واستفحل في مفاصل الدولة ونسيج المجتمع . إلا أن المثير والمؤثر في كلمة الفنانة أحرار ، ليس تمدد الأصولية بكل أطيافها ، ولا حتى استقالة المثقفين والمفكرين وعموم النخبة على اختلاف مشاربها الفكرية والإيديولوجية ؛ بل الطعن من الخلف وابتلاع الألسن حين تعرضت الفنانة للتشهير والتهديد بالقتل . لا أحد من دعاة الحداثة تضامن مع أحرار وانتصر لقضيتها ودافع عن كرامتها . بل التضامن جاء ممن لم تنتظره منهم ، جاء من السادة بنكيران وبوليف والعنصر .أما من كانت أحرار تنتظر تحركهم وتتوقع التضامن منهم وتتوق إلى مساندة مبدئية منهم ، فقد خيبوا ظنها وصدموها بسكوتهم واستقالتهم ،وفي ذلك معنى وعبرة . فالعبرة من كل هذا أن حملة شعار الحداثة ألقوا بحملهم خلف ظهورهم وراحوا يبحثون لهم عن مواقع النقد والتفرج تنأى بهم عن خندق المواجهة . فالحداثة ما كانت يوما إطارات حزبية تذبج قانونها الأساسي بعبارات التغني بقيمها وتمجيدها ، ولا هيئات حقوقية ترصع أدبياتها جمل صماء في تبني منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا . كان السؤال المؤرق الذي طرحته أحرار بكل حرقة وجرأة :من سيحمي المشروع الحداثي من هجمات القوى المحافظة والأصولية ؟ إن المخاطر التي تتهدد المشروع المجتمعي الحداثي لا تكمن في اختلال ميزان القوى لصالح القوى المحافظة والأصولية التي تتميز بالتنظيم والتماسك ، بل أيضا في تشرذم القوى الديمقراطية ومكونات التيار الحداثي التي إما استقالت أو شغلها الاقتتال الداخلي أو الصراع ضد باقي مكونات نفس التيار .إذن ضعف التيار الحداثي ناتج عن هذا التشرذم مما يجعله عاجزا عن الانخراط الفعلي في معركة الحداثة بما تقتضيه من تعبئة عامة لكل قطاعاته التنظيمية والفكرية والإبداعية ،فضلا عن حشد أو سع فئات المجتمع وإقناعها بأن خوض معركة الحداثة وإنجاحها هو تحقيق لكرامة الشعب وقطع لدابر الفساد والاستبداد . وقد ظهر ضعف التيار الحداثي في معركة الدستور ومعارك سياسية أخرى أخلف موعده معها مانحا الفرصة للقوى الأصولية وتاركا لها الساحة فارغة لفرض معركة القيم وإلهاء الشعب بها قصد تمرير ما عجزت عنه الحكومات السابقة في مجال التشريع والمقاصة والحريات الفردية والعامة . ولعل أولى النتائج : رفع أسعار المحروقات ، إلغاء الترقية ، الإجهاز على صندوق المقاصة ،التضييق على الحريات ، والبقية ستأتي .