وحدها الدول الغارقة في الدكتاتورية العسكرية، والرازحة تحت حكم ألوية الجيش، التي تجد فيها رئيس أركان الجيش يغرد مباركا بفوز بلاده في مباراة عادية في كرة القدم. ووحدها الجزائر، المسرفة في حكم العسكر، التي لا تخجل من تحويل الفوز بركلات الترجيح في مباراة لكرة القدم إلى عيد وطني ترفع فيه الأعلام، وتردد فيه الأهازيج الشعبية، وتتعالى فيه تبريكات قصر المرادية وتغريدات سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش والحاكم الفعلي للجزائر الجديدة. ووحده النظام الجزائري الذي يربي الكذب مثلما يربي السجين والعاطل عن العمل الأمل، كما قال محمود درويش. فأذناب العسكر حولوا مباراة المغرب والجزائر إلى حرب صليبية جديدة، بنزوعات ونزعات فاشية، وكأنهم يبحثون عن أي فوز حتى لو كان رياضيا ليطفئوا جذوة خسائرهم الملتهبة والمتواترة في كل مجالات الحياة العامة. ولعل آخر ما اهتدى إليه النظام الجزائري، وهو يكذب ويكذب ويكذب على شعبه، متوهما أن الأكثرية تتغلب حتى على الحقيقة الموثقة بالصورة، هو نشره صورة قديمة للرئيس الفلسطيني وهو يحتفي بالمنتخب الجزائري، مع تذييلها بتعليق زائف بدعوى أن السلطة الفلسطينية تناصر الجزائر ضد المغرب. والمؤسف في ضحالة من نشر الصورة من الصحافة المقربة من قصر المرادية، ليس كونه نشر صورة قديمة تعود إلى سنة 2019، مع تقديمها بشكل مغلوط على أنها تتعلق بمباراة المغرب والجزائر التي جرت أمس السبت، فهذه مسألة مألوفة ومعتادة في صحافة العسكر وثكنات بنعكنون. ولكن المؤسف حقا هو تقديم النظام الجزائري كنظام مفلس يشتري تشجيع الرؤساء العرب لفريقه الوطني بمائة مليون دولار من الخزينة العمومية، كان من الأجدر منحها لشعب يواجه أزمة البطاطا ومقبل على مرحلة رفع الدعم العمومي عن جميع المواد الأساسية للعيش. والكذب علامة مميزة لنظام يتنفس البروباغندا في زمن المشاكل البنيوية، التي ستقوده إلى انفجار اجتماعي قريب. وآخر صيحات الكذب الجزائري نشره صورة فوتوغرافية قديمة للشاب بشار المنحدر من العيون، الذي كان قد تعرض لاعتداء جسدي في فبراير 2021 بمدينة العيون! ولأن هذا الشاب كان يرتدي وقتها قميصا رياضيا مثل قميص الفريق الجزائري، فقد تم تحريف هذه الصورة ونشرها على أنها اعتداءات راهنة تطال المتعاطفين مع منتخب الجزائر. إنه حال الجزائرالجديدة، التي يبشر بها عبد المجيد تبون وسعيد شنقريحة! حيث الكذب هو اللغة الرسمية للإعلام الممول من جيوب الجزائريين، وحيث نشر الأخبار الزائفة مسألة وطنية يتنافس فيها المتنافسون، ويجازى عليها البارعون في الكذب كلما كان المستهدف هو المغرب! فهم يربون شعوبهم على أن الكذب في حق العدو الكلاسيكي من مواطن الكذب الحلال، ناسين بأن حبل الكذب قصير، خصوصا في زمن الإعلام البديل.