إنه لمن دواعي الغبطة والسرور أن نشهد على تدشين مركز ثقافي بمدينة ابن أحمد. المشروع شيد على مساحة 2.800 متر مربع، وبلغت تكاليف إنجازه 22 000 000,00 درهم. وجميع مرافقه مجهزة بآليات وتقنيات "الأوديوفزيال" من الجيل الجديد، ويتوفر على قاعات مختصة للعروض والاستقبال والتدريب، كلها مراقبة بكاميرات عالية الدقة. هذا المركز الذي طال انتظار افتتاحه في وجه العموم بسبب حالة الطوارئ التي فرضتها جائحة كورونا. إن المدينة والمنطقة بكاملها في حاجة ماسة إلى مثل هذه المؤسسة لاحتضان واستقطاب الشباب والأطفال وكذا الكبار، ممن لهم اهتمام بالثقافة بمفهومها الواسع من مطالعة وتقديم عروض ومحاضرات ومعارض فنية ومسرح وسينما وموسيقى. هذه المؤسسة سيكون لها أيضا دور في إعداد الورشات الثقافية والفنية والتدريب على الكتابة بالنسبة للأطفال والشباب. والحال أن شباب مدينتنا في حاجة لسد الفراغ بما هو مثمر ومفيد. كما أن هذا المركز يتطلب عقد شراكات مع الجمعيات الفاعلة في المدينة والمنطقة المهتمة بالشأن الثقافي وتوجيه العاملين بها بتوفير التكوين والتكوين المستمر والمتابعة في إطار التشجيع على الإبداع، وأيضا العمل على التحفيز على الاستفادة من كتب الخزانة، وجلب الفنانين والمبدعين من جهة أخرى. والمنتظر من إدارة المركز القيام بوضع برنامج شامل ومتكامل للنهوض بالقطاع في المدينة، وكسر الجمود والفراغ الثقافي، وجلب الطاقات الواعدة، وتحبيب الثقافة المتفتحة والمنفتحة للناشئة بقصد المساهمة الفعالة في التحضر والتمدن لمنطقة لا يزال يغلب عليها الطابع القروي، والذي يحتاج إلى قفزة تحديثية للحاق بركب التطور الذي يعرفه المغرب. إن التحفيز على القراءة من شأنه أن لا يدع مجالا واسعا لاستحواذ شبكات التواصل الاجتماعي على اهتمام وعقول الشباب والأطفال. ومن هنا ينبغي توعيتهم بكيفية الاستفادة منها والتعامل مع معطياتها بحذر. هذه الشبكات أبعدتهم عن مطالعة الكتاب والمجلة، وهي وسائل صالحة لكل زمان ومكان، ولولاها لما تم اختراع هذه التكنولوجيات التي سلبت منا خصوصياتنا، وأبعدتنا عن مقومات التثقيف والتثقيف الذاتي. فهي وسائل جذابة ونافعة، ولكن الإدمان عليها يحدث أضرارا للناشئة قد يصعب علاجها. ويتطلب الأمر من المشرفين على المركز استقطاب الرواد بطرق جذابة تنافس وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يصبحوا هم أنفسهم فاعلين بتقديم إنتاجاتهم داخل فضاء هذا المركز. ولا بد من التفكير في وسائل جديدة وخلاقة للاستقطاب، فيصبح مدى نجاح هذا المركز بعدد رواده، بالإضافة طبعا للأنشطة المعروضة داخله. وتنتظر المدينة من وجود مركز ثقافي محلي الاهتمام بكل ما يمت للثقافة المحلية وإشعاعها إقليميا وجهويا ووطنيا. وخاصة وأن المدينة مقبلة على استقبال نواة جامعية، والتي ينبغي أن يكون الغرض منها ليس مجرد تلقين دروس للطلاب قصد الحصول على شهادة تؤهل لولوج سوق الشغل، وإن كان هذا هو الأساس، ولكن من الممكن السير قدما لتجاوز هذا المفهوم باستمرار طلاب الحاضر في التطلع إلى تحصيل العلم والارتقاء بما اكتسبوه من معارف. فلا بد للمركز الثقافي من ربط الصلة وفتح باب التعاون مع المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها. وهذا الانفتاح هو المحرك الديناميكي لبث الروح في أنشطته، من أجل صقل المواهب، واستثمار كل ما هو متاح. إن الإبداع لا يأتي من فراغ، فإن كانت الموهبة عطاء طبيعي، فإن تفتقها ونموها يتطلب العمل الدؤوب والتوجيه، والمتابعة المستمرة. كانت مدينة ابن أحمد دائما نقطة نشاط ثقافي حقيقية قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. فكان الأطفال والشباب يملؤون أوقات الفراغ بالمطالعة انطلاقا من إمكانيات بسيطة. كانت مكتبة السي أحمد بلعواشي تقرض الكتب والمجلات مقابل مبلغ زهيد سنوات الستينيات والسبعينيات. وكان الإقبال على الكتب المستعملة التي تعرض في السوق الأسبوعي القديم يوم الاثنين، حيث نحصل على كتب نادرة نشتريها بأقل من درهم، ونتبادلها فيما بيننا. وقد أشار إلى ذلك الكاتب والشاعر – ابن مدينة ابن أحمد والمقيم بفرنسا – مصطفى خرمودي وهو من جيلي، في مجموعته القصصية، السيرة الذاتية: "موسم التين – La Saison des Figues" حين كان يبحث عن مسرحية البخيل لموليير. وقد أصبح عدد ممن كانوا يطالعون هذه الكتب المستعملة كتابا وشعراء ومفكرين مرموقين، أذكر من بينهم: الميلودي شغموم – حسن نجمي – عبد الرحمن غانمي – محمد حركات – مصطفى خلال – فاطنة لبيه – محمد عيناني – مليكة عسال... وغيرهم. نريد أن تعود مدينة ابن أحمد إلى زمن القراءة والمطالعة وبطريقة موجهة بإشراف مختصين بكيفية منظمة وبأساليب متطورة تتلاءم مع العصر، لكي تعم الفائدة وسط الأجيال الصاعدة. وتتمكن من منافسة "السمارت فون" و"التابلويد"، وبعض فيديوهات "اليوتيوب" المفبركة، والتي تكرس الجهل لدى الناشئة. لذا ينبغي الاستفادة من هذا المركز ليكون قيمة مضافة تجعله يساهم في الدفع بالحركة الثقافية، ويكون جسرا حقيقيا لإقامة دعامات التواصل بتنظيم ندوات تثقيفية، وورشات علمية وإبداعية. إن كان من بين أبناء المنطقة من اشتهر في مجال الثقافة المكتوبة، فهناك آخرون ترعرعوا في رحابها، وارتووا من معينها، وشقوا طريقهم في فنون أخرى، رغم ضعف البنيات المؤهلة للإبداع، نذكر منهم على سبيل المثل رائد الأغنية الشعبية، أحمد ولد قدور، المشهور بأداء أغنية "العلوة"، والثنائي بوشعيب العوني وعبد الله البهلول، أغنية "النجمة "، والثنائي قرزز ومحراش اللذين برعا في التراث البهلولي، وفي فن العيطة، الحاجة الحمداوية. وفي مجال الأغنية العصرية نجد لمياء الزايدي، وفي التمثيل، هدى الريحاني ومحمد نظيف، والثنائي الكوميدي التهامي وعبد الهادي التيقار. وفي الفن التشكيلي المبدع الواعد، الحسين روال، وغيرهم. وتجدر الإشارة إلى أن مدينة ابن أحمد والدائرة، تتوفر على تراث بدأ يطاله الإهمال، وهو في حاجة إلى الحفظ والصيانة باعتباره ذاكرة المدينة والمنطقة، وخاصة التراث المعماري الكولونيالي، مثل بناية الدائرة – بيرو عرب، ودار المراقب، ولاسكام، ومستشفى الأمراض الصدرية، ودار العجزة التي كانت تسمى "جورج أورتليب" نسبة إلى حاكم جهة الدارالبيضاء الشاوية الذي أسسها سنة 1930، وأوبيرج مدام فيني بثلاثاء لولاد، وأيضا الزاوية التاغية، والمنابع المائية من العيون، التي جف أغلبها ولكنها كانت ولا تزال تعد كنقط استدلال بالمنطقة. كما أن هناك العديد من الأضرحة بالمنطقة ينبغي التعريف بها، ليس لتقديسها، ولكن لإعطاء نظرة عن وجودها من حيث أصلها وتاريخها، وهي جزء لا يتجزأ من موروث المنطقة. وأشير بالمناسبة إلى نقطة لها علاقة وثيقة بموضوع الحفاظ على الذاكرة، ألا وهي محاولة استثمار الأرشيف الإداري بابن أحمد للمرحلة السابقة الممتدة منذ بداية الاستقلال إلى بداية السبعينيات، والذي رفعت عنه السرية قانونيا، لتسليط الضوء عليه واستغلاله في تدوين جزء من تاريخ المنطقة. والأمل معقود على الإدارة المحلية من سلطات ومجالس منتخبة، ومؤسسات تعليمية، وقطاع الفلاحة والصحة التابعة لهذه الدائرة، لدعم هذه المبادرة للنبش في الذاكرة المحلية، إحياء لقيم الثقافة المساعدة على تحقيق تنمية مجالية مستدامة في إطار ما أصبح يعرف باقتصاد المعرفة. وهو نداء أوجهه من هذا المنبر وأنتظر مدى الاستجابة التي سيحققها وكيفية التفاعل معه. إن انتظارات مثقفي ومتعلمي المدينة والمنطقة ككل من هذا المركز، تتطلب من مسيريه العمل على خلق إشعاع ثقافي في مختلف المجالات الإبداعية، والتشجيع على القراءة للناشئة، وفتح باب المعارف في وجههم، ذلك أن الشأن الثقافي ليس ترفا كما يعتقد البعض، بل يعد ضرورة مجتمعية لمواجهة مشاكل الحياة العامة.