إلى متى سيبقى الغباء معشش في عمق عقولنا والرذالة والنذالة تلازم نفوسنا وجوارحنا ؟ "" وإلى متى سيبقى نظرنا ضعيف لا يتجاوز مداه عمق بطوننا ؟ وإلى متى ستبقى قلوبنا وبصيرتنا عمياء ؟ هل القدر كتب لنا التخلف مدى الحياة ؟؟ حاش لله ، أستغفره وأعوذ به من الوسواس الخناس . الله رزقنا نور العقل لنفكر ونميز به دون باقي الكائنات الحية ، ووضعنا بين دفتي النور والظلام وبين ذراعي الخير والشر ومنحنا حرية الاختيار . فمن يحسن ينال حب الله والبشر وينقذ نفسه من بين مخالب الشيطان ، ومن يسيء يخسر نفسه وأهله وينال غضب ربه في الدارين ويتخلى عنه حتى حبيبه الشيطان . كلما توهمنا أننا سنخطو خطوة إلى الأمام إلا وصدمنا بالعشرات إلى الوراء : قبل سنوات – العهد البائد كما يطيب للبعض أن يعبر عن صدق وطنيته أكثر من غيره – كنا لانعرف من لغتنا غير " نعم" ، كنا نجرجر إلى الصناديق كما تجرجر النعاج العجاف إلى المذابح . فكانت نتائج الاستفتاءات لا تنزل عن تسعة وتسعين في المائة ، ونسبة المشاركة في الإقتراعات لا تقل عن تسعين في المائة ونسبة الإلغاءات لا تزيد عن واحد في المائة ، وكل حزب مبرمج لا يقبل بأقل من ثلاثين في المائة من الاصوات المعبر عنها . وبعد توزيع النتائج كانت السلطات وأحزابها تكافؤنا فتغدق علينا من كل أصناف الثناء والمديح حتى توهمنا أننا تخطينا شعوب الشرق والغرب وبلغنا من درجات الوعي ما لم يبلغه غيرنا ، وكانت الأحزاب "الوطنية " تبقى على الهامش لا حول لها ولا قوة غير رثائنا في موت شخصيتنا واتهام السلطة وأحزابها باغتيالنا . فيشكل على أنقاضنا برلمان وحكومة لا يعرفان من العربية غير تقديم الولاء والإخلاص ومن العلم غير الركوع وتقبيل الأعتاب الشريفة ومن السياسة غير النوم والتصفيق، وتوضع فوق أحلامنا معارضة لم تأخذ من العلم والسياسة غير النفاق والفساد ولا تحمل في عقولها وقلوبها غير الكيد والضغينة . وهكذا كان الشعب يصوت والملك يحكم والأحزاب تنهب ، والوطن يئن تحت أقدام دينصورات العالم واليوم ، العهد " الجديد" – كما يرى الوطنيون قبل الإداريون- بعدما رضي عنا الأمركيون والأروبيون ومنحونا هبة حرية التعبير والتصويت والعلمنة والارتداد اكتسبنا جرعة من الجرأة وعبرنا في صمت عن تذمرنا وسخطنا على من يستغلنا حيث رفضنا الانسياق إلى صناديق الاقتراع وأضربنا عن التصويت ، فكانت ضربة موجعة لو وقعت في الغرب لزلزلت الأرض تحت أقدام سياسييه ومفكريه . وما أن أعلنت وزارة الداخلية عن الحصيلة العامة للانتخابات – التي نشك في مصداقيتها كعادتنا – حتى توالت الردود والتعليقات والتحليلات ، فجحظت العيون وسال اللعاب واتسعت البطون وألقي بالشعب في سلة المهملات كما جرت العادة بل أدين بشتى الأساليب ومن كل من اعتاد الركوب على ظهره . فعوض أن يظهر المسؤولون الحكوميون والحزبيون ألحد الأدنى من الوعي السياسي وشيء ما من التغيير الفكري والتحول السلطوي ويأخذن موقف الشعب مأخذ الجد فيدينون سياستهم الشاذة ويعترفون بأخطائهم الكارثية في حق الوطن والمواطنين فيعلنون عن إلغاء نتائج هذه الإنتخابات ، تكريما لهذا الشعب الذي عانى الكثير من الإهمال وجرد من إنسانيته على امتداد عقود وعقود ، كما يفعل كل السلطويون والسياسيون الذين يحترمون شعوبهم في البلدان التي فيها الكلمة الأولى والأخيرة للشعب .. بدؤوا يمدحون – كعادتهم – نجاح مشروعهم السياسي ويتبجحون بنظافة العملية الانتخابية شكلا ومضمونا وأنها خبطة تحولية تاريخية على كل دول العالم أن تتخذها عنوانا لمقرراتها السياسية والدراسية ... فالسلطات وصفت العملية من أولها إلى آخرها بالتحول الجذري التاريخي في المسار الديمقراطي للبلاد وأن المغرب قفز قفزة عملاقة ليتربع على عرش الديمقراطيات العالمية ، وأن الغنى السياسي والاقتصادي والاجتماعي قد عم البلاد والعباد والويل لمن يشك ... فبدأت تبحث عن المديح عنوان شرعيتها بين الإسبانيين والفرنسيين والأمريكيين ، وأما الشعب فليشرب من البحر. والمنافقون الحزبيون والنقابيون وصفوا الرافضين بالجاهلين والعدميين وصبوا على الشعب جام غضبهم وقذفوه بوابل من الشتائم ، بل العديد منهم من طالب برأس المضربين وسلب حرية التصويت من كل الشعب وإرغامه على تزكيتهم وتنصيبهم ، كل هذا على مرأى ومسمع السلطات التي يمول فاتورة وجودها هذا الشعب الضعيف . ورغم هذه النقمة الشديدة سارع المنافقون إلى البحث في قواميس كل لغات العالم عن أغرب أساليب التملق والمفردات المعسولة ليحضوا بالثقة المولوية ويحتلوا خزائن الوطن باسم ثلاثين في المائة من أهله رغما عن أنف الشعب وأجداده ،، وهكذا يتبع المسلسل الهزيل اللامنتهي ... الشعب يصوت والملك يحكم والأحزابتنهب