دَأب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في خرجاته الإعلامية العديدة على الحديث عن "التشويش" الذي تتعرض له حكومته، إضافة إلى التقييم السلبي الذي يقيس به البعضُ عمل حكومته، مجيبا على ذلك في كلمة ألقاها أخيرا أمام شبيبة حزبه بالقول: "يكفي شرفا لهذه الحكومة أنه بعد شهر من تشكيلها هَدَأَ الشارع إلى اليوم، ورغم الصعوبات والاضطرابات فإن المغرب منطقة مستقرة في محيط مضطرب".. وزراء من حزب العدالة والتنمية انخرطوا كذلك في نهج خطاب أمينهم العام بنكيران، حيث حذَّر مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، مما اعتبرها "أفكارا قاتلة" ترُوج اليوم داخل المجتمع المغربي، وهدفها "تصفير" منجزات الحكومة، والقول إنها لم تنجز شيئا منذ تنصيبها، واصفا حصيلة الحكومة بكونها "مشرّفة جداً". وأما الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، فقد لفت بدوره إلى أن حكومة بنكيران "لم تستسلم في مناخ من المعارك التي تعيشها جميع القطاعات"، معتبرا أنها "استطاعت بمقاومتها كشف أدعياء الديمقراطية، وإخراج الكثير من العفاريت للتعبير الصريح عن مواقفها المستبطنة". وإذا كان التَّاريخ القريب، وبالتحديد إبان حكومة التناوب الأولى بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، قد أفرز تعبيرات جديدة في عالم السياسة من قبيل "جيوب مقاومة التغيير"، فإن عبد الإله بنكيران اليوم وهو على رأس حكومة "معارضة" يشير إلى مجموع التشويشات التي يتعرض لها من طرف "عفاريت وتماسيح" بَصَمَت تصريحات رئيس الحكومة والحقل السياسي الداخلي، وتداولها الرأي العام المغربي بشكل مثير. نموذج في الاستقرار وأكد محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، أن للحكومة الحالية فضل كبير في تجاوز العواصف التي أحدثتها التغيرات التي تعيشها المنطقة، والمساهمة في مرور "الربيع العربي" على البلاد بسلام، معتبرا المغرب نموذجا يُحتذى به في الاستقرار، وهي أمور "قد تغفر للحكومة زلات وقعت فيها" بحسب تعبير بوخبزة. وتابع المحلل بأن السياق الذي جاءت فيه الحكومة لم يكن لصالحها، ولم يسمح لها بأداء وظيفتها بالشكل المتوقع والمنتظر، وذلك نَظَرا لعدم انسِجام مكوناتها منذ البداية ما ترتب عنه خروج حزب الاستقلال إلى المعارضة، بالإضافة إلى نوعية المعارضة الحالية التي تؤثر على الأداء الحكومي، خاصة من طرف حزبي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي. الأستاذ الجامعي ربَطَ تصريحات بنكيران المتكررة حول "معاناته" مع التشويش، بالأداء الحكومي الذي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يستطيع إقناع الجميع بشكل كامل، مع ضرورة وجود نواقص، مشيرا إلى أن الحكومة تُعاني من وجود "مُشوِّشين"، وأن مجموع الانتقادات هي مجرد تشويش رغم وجود انتقادات بناءة لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفها ب"التشويش". تعثرات ومؤاخذات وأفاد بوخبزة، في تصريحات لهسبريس، بأن "الأداء الحكومي عليه مآخذ كثيرة"، لافتا إلى أن هذه الحكومة جاءت في سياق التوجه نحو التغيير الرامي إلى الإصلاح الذي سيضر بمصالح فئات أو أشخاص أو مؤسسات معينة، والتي بدورها لن تقف مكبلة الأيدي أمام ضياع مصالحها، لتنتج رد فعل تجاه الحكومة والأداء الحكومي عبر المنابر الإعلامية بالخصوص. " يجب الإقرار على أن الحكومة الحالية جاءت في وقتٍ الانتظارات فيه كبيرة جدا من قبل أطراف متعددة، والتي كانت تنتظر من الحكومة أداء بمستوى عال وبمردودية كبيرة، فضلا عن التميز والفاعلية في الأداء وبسرعة كبيرة، كأن حكومة المغرب تتوفر على عصا سحرية، وستحول المغرب من وضع إلى آخر جد متقدم في وقت وجيز" يورد أستاذ العلوم السياسية. واسترسل بأنه نظرا إلى حجم الإمكانيات المتوافرة حاليا، ومفهوم السلطة الجديد، وجو الحريات والحقوق والانتقال الديمقراطي، على اعتبار أن الحكومة جاءت من صناديق الاقتراع ولم يتم التشكيك في نتائجها كما كان الأمر عليه من قبل، بالإضافة إلى أن هناك رضا وضمانات ملكية لهاته الحكومة، علاوة على دستور جديد منح الحكومة اختصاصات وصلاحيات مهمة؛ يمكن القول أن الأداء الحكومي لم يكن مُقنِعا وبمستوى الانتظارات حيث أن هناك نقصا في العمل الحكومي، كالتباطؤ في تنزيل الدستور، وتأخر القوانين التنظيمية ومؤسسات الحكامة. ولفت بوخبزة إلى أن الحكومات السابقة كانت تغطي بخطابها السياسي على العديد من الاختلالات الماكرو اقتصادية بالخصوص كالتضخم وغيرها، كما أن الحكومة الحالية تتكون في غالبيتها من أطر ليست لها تجربة في تدبير الملفات والتسيير العمومي، مما جعل إطلاعها على الملفات يتسم بالصعوبة ومنع الشروع بشكل سريع في تنفيذ انتظارات المواطنين".