مع بداية كل دخول مدرسي بالمغرب، تُثير العديد من الفعاليات الوطنية النقاش العمومي بشأن حصيلة تدريس اللغة الأمازيغية بالأسلاك التعليمية الثلاثة، حيث تلفت إلى "تأخر" الدولة في تعميم تدريسها بالمؤسسات التعليمية العمومية بعد مرور قرابة 18 سنة على إدماج الأمازيغية بالمدرسة المغربية. وتُعلل الحركة الأمازيغية ما تعتبره "تأخرا" في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في البلد ب"الضبابية" التي تسمُ مخطط إدماج اللغة في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، خاصة مجال التعليم، ضاربة المثال بالنقص العددي في المدرسين وتكليف أساتذة الأمازيغية بتدريس مواد أخرى لا علاقة لها بالتخصص الأصلي. مخططات وزارية اعتمدت وزارة التربية الوطنية رسميا ما أسمته "المخطط العشري 2021-2030 للأمازيغية" بغية تسريع تنزيل الأمازيغية في قطاع التربية والتكوين؛ وذلك بناء على توجيهات رئيس الحكومة بخصوص إعطاء الاهتمام للأوراش الإستراتيجية ذات الصلة بالأمازيغية في المستقبل. وتفيد المعطيات التي توصلت بها هسبريس من طرف القطاع الوزاري بأن الحكومة عملت على الرفع التدريجي من عدد أساتذة اللغة الأمازيغية بالمؤسسات التعليمية، حيث سيتم توظيف 400 أستاذ جديد في الموسم الدراسي المقبل (2021-2022)، ثم سينتقل العدد إلى ألف أستاذ في موسم 2022-2023. وتطمح الوزارة الوصية على قطاع التعليم إلى أن يصل مجموع عدد الأساتذة المكلفين بتدريس الأمازيغية إلى 5000 إطار تعليمي وتربوي في أفق سنة 2030. وفي السياق نفسه، تعمل الوزارة على تحيين المنهاج الخاص بالسلك الابتدائي، وسيتم مواصلة ذلك على مستوى السلكين الإعدادي والتأهيلي. غياب الإرادة وبالنسبة إلى عبد الله بوشطارت، الباحث في التاريخ الأمازيغي والفاعل الإعلامي، فإن "الدولة تأخرت في تفعيل الدستور في شقه المتعلقة بالأمازيغية؛ لأنها لا تملك الإرادة السياسية الحقيقية لذلك"، موردا أن "مخطط تدريس الأمازيغية بالمدرسة العمومية بدأ منذ سنة 2003، ولم تفلح بعد في تعميم اللغة بجميع المسالك التعليمية". وأوضح بوشطارت، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الحركة الأمازيغية سجلت انتكاسة خطيرة بشأن تطور مسار تدريس الأمازيغية بالمدرسة العمومية الوطنية، ولا أدل على ذلك سوى القانون الإطار للتربية والتكوين 51.17 الذي لم يُلزم الدولة بتدريس الأمازيغية لجميع المغاربة". وشدد المتحدث على أن "ملف تدريس الأمازيغية ما زال يراوح مكانه بالمغرب منذ عشرين سنة، حيث أصبحت اللغة الأمازيغية منحصرة في بعض المدارس الابتدائية فقط على الصعيد الوطني، إلى جانب العدد الهزيل من الأساتذة، نظرا إلى تعمد الحكومة توظيف أعداد قليلة من المدرسين في مباريات التعاقد". وخلص الباحث الجامعي إلى أن "الدولة تلعب على الوقت من أجل تأخير تفعيل الأمازيغية بالمغرب، في مقابل تشجيع تدريس اللغات الأجنبية ضدا في الأمازيغية فقط، نظرا إلى الميزانية الهزيلة المخصصة للأمازيغية"، معتبرا أن "الهوية الحقيقية للدولة المغربية هي دولة عربية-إسلامية، وبالتالي، فهي ترى في الأمازيغية شأنا ثقافيا ثانويا لا غير". انتظارية حزبية من جانبه، يرى أحمد عصيد، الناشط الأمازيغي البارز، أن "الجديد، هذه السنة، هو إعلان الحكومة عن مخططها لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكذا تشكيل لجنة وزارية لمتابعة هذا الشأن طبقا لما ينص عليه القانون التنظيمي الصادر منذ فاتح أكتوبر 2019". ومع ذلك، فإن "هذا المخطط جاء أخيرا بعد ضياع عشر سنوات على إقرار الأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011 دون أن يتم عمل شيء على مستوى تفعيل الفصل الخامس من الدستور"، حسب عصيد، الذي أشار إلى "ضياع عشر سنوات "في انتظار كودو" كما يقال بسبب المماطلة والتسويف". وقال الباحث عينه، في تصريح لهسبريس، إن "التسويف عائد إلى أن الحكومتين المتعاقبتين على تدبير الشأن العام لم تضعا هذا الموضوع ضمن أولوياتهما، واستعملتا تنصيص الدستور على ضرورة صياغة قانون تنظيمي للتباطؤ في القيام بالواجب؛ ما أدى إلى تراجعات كبيرة في قطاعيْ التعليم والإعلام بشكل خاص". وأضاف عصيد أن "وجود حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومتين لعب دورا كبيرا في هذا التباطؤ، حيث تتنافى الإيديولوجيا "الإخوانية" الشرقانية للحزب مع العناية بما هو وطني وخصوصي مغربي، إلى جانب عامل الانتظارية الذي طبع السلوك الحزبي عامة تجاه قضية الأمازيغية، التي ظل البعض يعتبرها ملفا ملكيا بامتياز، ولا يجرؤ على البت فيها واتخاذ القرارات المناسبة". وختم المتحدث تصريحه بإيراده أن "الحكومة المقبلة مطالبة بتسريع وتيرة تفعيل الطابع الرسمي، حيث يلزمها القانون التنظيمي، وكذا المخطط الذي تقرر بأن تقوم بتعميم الأمازيغية في مختلف القطاعات الحيوية للدولة، ولا يجوز خرق القانون ولا الاستمرار في إضاعة مزيد من الوقت؛ لأن المرتكزات القانونية المتوفرة حاليا تسمح بمتابعة ومحاسبة المؤسسات التي لم تلتزم بتفعيل قرارات الدولة".