من الطبيعي جدا أن تكون هناك اختلافات مرجعية وتدافعات سياسية وأيديولوجية بين الأطياف المجتمعية، بل هو أمر محمود ومرغوب من شأنه الدفع بالنقاشات العمومية، وبالتالي بالشأن العام والخدمات وغيرها. لكن في هذا الإطار، يجب التقيد بمجموعة من القيم والأخلاقيات التي تحفظ لهذه "الخصومة" شرعيتها، وبذلك يظل تخليق الحياة السياسية رهانا مجتمعيا يفترض أن تعمل على تحقيقه وترسيخه كل القوى المجتمعية. سياق كلامنا ما ذهبت إليه إحدى الجرائد الإلكترونية التي قالت إن وزير التربية الوطنية السيد سعيد أمزازي "باشر بسرية تامة إجراءات الحصول على الجنسية الإسبانية، وبالفعل حصل على تطمينات لحصوله على الجنسية الإسبانية لضمان إخراج ما يمتلكه من أموال إلى الخارج"، كما أوردت جملة من الاتهامات الخطيرة التي لا يسع المقام للتفصيل فيها. ما يهمنا في هذا المقال، ليس الانتصار لهذا الطرف أو ذاك، بل التنبيه إلى هول ما وصلت إليه الصحافة في زمننا، التي يريد بعض المحسوبين عليها أن تنتقل من التطبيع مع التفاهة إلى تبني السفاهة، وتسخّر في تصفية الحسابات السياسوية أو الشخصية الضيقة وبدون حواجز أخلاقية. لقد أصبحت "الصحافة" في زمننا مهنة من لا مهنة له، فالمادة "الإعلامية" التي نحن بصدد الحديث عنها، بعيدا عن كل اصطفاف، خرجت عن كل الضوابط الأخلاقية قبل القانونية، ويمكن لأي كان أن يشتم فيها رائحة التجني والتشهير التي لن تنطلي خلفياتها على كل عاقل، وهو سلوك سيظل مرفوضا في كل الأحوال. قد نختلف مع السيد وزير التربية الوطنية-أو غيره من الوزراء-في تدبيره لملف من الملفات، وقد نتضرر من قرار من قرارته أو نتذمر منه، كلها أمور واردة وبشكل كبير. هنا، من حق، بل من واجب المواطن المغربي أن يمارس كل أشكال النقد والانتقاد التي يرى أن من شأنها أن تقوّم الانحرافات وتصحح الاختلالات المفترضة، ويجتهد في كشف الجوانب السلبية والاختيارات الخاطئة، دون أن يمنعه ذلك من الاعتراف والتنويه بالنجاحات والإنجازات أيضا. إن اللباقة والمروءة شرطان أساسيان في النقاش والمساءلة، والطريقة التي تناول بها صاحب المقال "مشكلته" مع السيد أمزازي-ومعه طبعا الجريدة التي نشرت ذلك-تنم عن تصفية حسابات ضيقة من خلال اختلاق ضجة لا تليق بالأقلام العاقلة ولا المواقع المسؤولة، خصوصا في هذا السياق الدقيق. في الختام، لنفترض جدلا أن الوزير المعني حصل فعلا على الجنسية الإسبانية، وهو الافتراض الباطل، خصوصا أنه أصدر بيان حقيقة ينفي فيه بشكل قاطع ادعاءات المدّعي(ن)، فمتى كان الحصول على جنسية أخرى جريمة يعاقب عليها القانون؟ إجمالا، قد نزعم أن ما ورد في المادة المذكورة ليس إساءة إلى شخص الوزير فحسب، بل إساءة إلى مصداقية الإعلام الوطني، إساءة إلى ذكاء المواطن المغربي، ومساس خطير بأخلاقيات العمل الصحفي.