كما يعلم جل المتتبعين لمسار الحركة الأمازيغية، ف”العلم” الأمازيغي الذي تم اختياره وتبنيه من طرف جميع مكونات الحركات الأمازيغية في بلدان شمال افريقيا ودول اوروبا مند الكونغريس العالمي الأمازيغي الذي انعقد سنة 1998 بجزر الكناري، هو شعار حركي وهوياتي يرمز بصريا الى الأشخاص والجمعيات والأطراف المنتمية الى الحركة الأمازيغية، وعبره تبرز حضورها وتظاهرها واحتجاجها أو احتفالها في الفضاء العام وأماكن انعقاد لقاءاتها وندواتها وأنشطتها وسهراتها . وبهذا المعنى فهو إذن عالم وشعار يوحد ولا يفرق مادام حاضرا في كل دول افريقيا الشمالية وفي بعض المدن الأوروبية برمزيته المذكورة ودلالته الهوياتية والحركية. لكن، كيف يمكن تفسير الحملة المهينة التي باتت تطبع تعامل الدولة مع هذه الأعلام والشارات والرموز وحامليها خلال الشهور الأخيرة، سواء خلال التظاهر السلمي كما حصل في مسيرة توادا بإنزكان وأكادير، أو خلال مباراة الفرجة الرياضية كما حصل ببعض ملاعب كرة القدم، أو خلال الحفلات والمهرجانات كما حصل خلال مهرجان موازين بمنصة سلا تحديدا؟ وهل يرتبط الأمر بوصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة، أم أن للموضوع أبعاد أخرى؟ عندما يقمع المواطنون والمواطنات الأمازيغ الذين يقصدون احدى منصات فرجة "موازين" قصد الاحتفاء والتمتع بالموسيقى والغناء لمجرد حملهم رموزا أو أعلام تبرز هويتهم أو خيارهم الثقافي والفني الأمازيغي، فمن الواضح أن قرار القمع والإهانة الذي مورس على شباب أمازيغ وبشكل محط بالذوق وروح الفن والاستمتاع، ليس حدثا عابرا أو اجراء أمنيا روتينيا، بل هو قرار سياسي رافض لتنامي مظاهر وصور التعدد والانعتاق الثقافي والهوياتي من الخيارات الايديولوجية التي هيمنت على عقول ووجدان المغاربة لعشرات السنين. وهو قرار تتحمل فيه الحكومة المغلوبة على أمرها مسؤوليتها السياسية والإدارية، وإن كان يبدو الأمر أحيانا مرتبطا بعوامل وحسابات اخرى ستتضح مع توالي مناسبات القمع وانفضاح حسابات السياسيين. المعروف أنه ليس هناك قانون يمنع المواطنين والمواطنات المغاربة من حمل شارات أو رموز تعبر عن انتماءاتهم الثقافية والهوياتية والاجتماعي. فعلى مادا تعتمد الحكومة أو الدولة وسلطاتها وقواتها العمومية في تعنيف مواطنين ومواطنات مغاربة يعبرون عن انتمائهم الحركي والهوياتي الأمازيغي عبر حمل الشارات والأعلام والرموز التي تدل على ذلك في الفضاء العام، وخاصة خلال المناسبات الجماهيرية كالحفلات والمبارايات ؟ المؤكد أن العنف والقمع لا يولدان إلا المزيد من الاحتقان، وإذا انضافت إلى ذلك سلوكيات "الحكرة" والإهانة خاصة اتجاه الشباب التواق إلى التعبير عن خصوصياته وتميزه الهوياتي واحتفائيته أو احتجاجه السلمي، فلا يمكن سوى انتظار التصعيد والأسوء. فعلى ما يبدو قد تحول الحقل الأمازيغي بإطاره الجماهيري وتطورات حضوره الرمزي والحركي في الفضاء العام إلى مجال مزعج للعديد من المكونات السياسية والأطراف المهيمنة، فصار يتعامل معه بمنطق تجريب الضبط وتشغيل السلطة والآمن، واستعراض للعنف وقمع الحريات، بعد أن هب "نور الشرعية والرضى" على الحركة الإسلامية الرسمية! فتأكدوا، قمع التعدد الاجتماعي والثقافي بمظاهره ورمزياته وشحناته، خاصة الجسدية والبصرية، وفي العصر الراهن الذي صار فيه اعلان الحضور مرادفا لفعل الوجود، وبعد أن عوضت رحابة الفضاء الافتراضي والتواصلي ضيق الدروب والساحات وقمع السلطات، وأمام استحالة أكذوبة الاستيعاب والتوحيد، وخيار التعتيم و"التبريد"، هذا المسلسل لا يمكن أن ينتج سوى ثقافة الاختلاف الصارم التي تولد الرغبة في تقرير الوجود. فالأعلام والشارات التي تحمل حرف الزاي الأمازيغي، ليست بديلا لرايات البلدان ولا منافسا لشعارات ورموز الأوطان، بل هي شارات عابرة للحدود استطاعت أن تصحح تصورات وانتماءات قومية زائفة، كما تمكنت من ابراز مشترك هوياتي وثقافي ظل ضحية مكر التاريخ وصراعات الساسة و"صناعة" التحريف والهيمنة.