يظن الكثيرون أن الصراع حول كتابة الأمازيغية في المغرب والجزائر بين مساندي الحرف اللاتيني أو تيفيناغ من جهة ومساندي الحرف العربي من جهة أخرى هي معركة بين الأمازيغية والعربية. هذا غير صحيح. إنها في الحقيقة معركة خفية (وغير مباشرة) بين الأمازيغية والفرنسية. فالعروبيون والإسلاميون الذين يطالبون بمنع الحرف اللاتيني عن الأمازيغية ويريدون فرض كتابتها بالحرف العربي ليسوا في الحقيقة سوى جنود يقاتلون بالنيابة عن الفرنسية، وينفذون (من دون وعي) أجندة تصب في مصلحة الفرنسية بالمغرب والجزائر. أما اللغة العربية فهي في الحقيقة غير معنية بهذا الصراع من قريب ولا من بعيد، وإنما يقحمها العروبيون والإسلاميون في هذا الصراع إقحاما، لأسباب أيديولوجية وسياسية معروفة. والعربية لن تستفيد شيئا من فرض كتابة الأمازيغية بحرف دون الآخر. إلا أنه من المحتمل أن يتسبب استخدام الحرف العربي في كتابة الأمازيغية بشكل واسع النطاق في الإضرار بالمجال الثقافي للعربية بالمغرب، لأن الأمازيغية ستزاحم العربية حينئذ بالحرف العربي مزاحمة شديدة في كل المجالات. كما أن تبني الحرف العربي في كتابة الأمازيغية رسميا سيفتح الباب على مصراعيه لكتابة الدارجة بالحرف العربي أيضا، وهو شيء يرفضه المدافعون عن اللغة العربية أشد الرفض ويعتبرونه إلى الطاعون الأسود أقرب. هناك إذن تناقض عجيب في موقف العروبيين والإسلاميين المغاربة والجزائريين من الحرف العربي. فهم يريدون فرضه على الأمازيغية (غير واعين ولا مبالين بإمكانية مزاحمة الأمازيغية للعربية به) وفي نفس الوقت يرفضون كتابة الدارجات المغربية والجزائرية بالحرف العربي لأنهم يخافون على العربية من مزاحمة الدارجة لها به! الدولة تتبنى سياسة احتكار الفرنسية للحرف اللاتيني بالمغرب في المغرب، حينما يرى الناس شيئا مكتوبا بحروف لاتينية في الشارع مثلا فإنهم يسلّمون أتوماتيكيا وفوريا بأنه "شيء فرنسي مكتوب بالفرنسية". لهذا السبب يستخدم الصحفيون والكتاب المغاربة عبارة "الحروف الفرنسية" بشكل تلقائي عوض عبارة "الحروف اللاتينية". فبسبب أن الفرنسية هي اللغة الوحيدة التي تستخدمها الدولة بالحرف اللاتيني في المجال العمومي (إدارات، مدارس، شوارع، إعلام...) يصبح الشعب متعودا على الإعتقاد بأن "كل ما هو مكتوب بحرف لاتيني لابد أن يكون فرنسيا". وهكذا يتم "التطبيع" الرسمي والشعبي مع الإحتكار الفرنسي للحرف اللاتيني بالمغرب وقبوله كحقيقة من حقائق الحياة كالماء والهواء والشمس والليل والنهار. وهذا "التطبيع" الرسمي والشعبي مع الفكرة الخاطئة التي تعتبر الحرف اللاتيني "حرفا فرنسيا حصريا" ينتج سلوكات "تطبيعية" أخرى لدى المغاربة تتمثل في: - القبول بالحرف اللاتيني ك"مِلكية فرنسية" وك"احتكار فرنسي" دائم بالمغرب. - القبول بالفرنسية كلغة طبيعية ودائمة في التعليم والإعلام والإدارة والإقتصاد. - القبول بالهرمية/الطبقية اللغوية الحالية التي تعطي المكانة العليا للفرنسية والمكانة الوسطى للعربية والدارجة والمكانة الدنيا للأمازيغية. - القبول بالفرنسية كأمر واقع لا يمكن تغييره، وأنها المنفذ الوحيد إلى الحداثة والتقدم. - القبول بتبعية المغرب الدائمة لفرنسا والفرنكوفونية، سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتعليميا وإعلاميا. لماذا يسخر بعض المغاربة من حرف تيفيناغ؟ نلاحظ، ومنذ سنوات، العديد من المعلقين والكتاب وحتى بعض السياسيين وهم يعبرون عن سخريتهم من حرف تيفيناغ أو استغرابهم تجاهه. ويعبر آخرون عن رأيهم بأنه حرف مخترع أو مدسوس أو أجنبي. والبعض الآخر يرى بأن حرف تيفيناغ مجهول لدى غالبية المغاربة والجزائريين (وهذا صحيح) وأن استخدامه بدل الحرفين الآخرين يبطئ انتشار الأمازيغية (وهذا صحيح أيضا). بل إن هناك عددا كبيرا من الناشطين والمثقفين الأمازيغيين بالمغرب والجزائر الذي يتبنون هذا الرأي. ولكن الفرق بين خصوم الأمازيغية والمدافعين عنها هو أن الخصوم يقترحون كتابة الأمازيغية بالحرف العربي (لدوافع أيديولوجية أو سياسية لا علاقة لها بمصلحة الأمازيغية). أما المدافعون عن الأمازيغية فيقترحون كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني سيرا على نهج وتوصيات اللغويين المغاربة والجزائريين الذين اشتغلوا على الأمازيغية طيلة القرن العشرين، ولأن الحرف اللاتيني يضمن للأمازيغية تطورا أكبر وانتشارا أسرع وطنيا ودوليا. وبجانب تدوين الأمازيغية بالحرف اللاتيني في المجال العلمي والتقني، يقترح العديد من الناشطين الأمازيغيين المغاربة والجزائريين استعمال تيفيناغ كحرف رمزي في المجال العمومي والفني والثقافي. سبب سخرية بعض المغاربة من حرف تيفيناغ ورفضهم له يأتي من كونه حرفا حديثا على المشهد الإعلامي ومجهولا من طرف الغالبية. وحينما يكون أي شيء جديدا ومجهولا من طرف الغالبية فإنه غالبا ما يُرفَض خصوصا إذا كانت هناك بدائل منافسة جد قوية وجد محمية. هل يجرؤ أحد على السخرية من الحرف اللاتيني؟ وأمام نفس القدر الذي يتعرض به حرف تيفيناغ للسخرية والرفض، يتمتع الحرف اللاتيني بقدر مضاد من الإحترام والتوقير والتبجيل من طرف الجميع. بل إن أكثر المثقفين والكتاب والسياسيين المغاربة امتعاضا من الفرنكوفونية وهجوما على هيمنة اللغة الفرنسية يكثرون من الإستشهاد بالكلمات الفرنسية والأمثال الفرنسية والمؤلفات الفرنسية، بل ويتباهون بإتقانهم للفرنسية. ولا يجدون أدنى حرج في حشو مقالاتهم وكتبهم وتصريحاتهم بالعبارات الفرنسية وبما يسمونه ب"الحرف الفرنسي" (أي: اللاتيني) الذي يحاربونه! طبعا لا يجب أن ننسى أن أكبر "فرسان التعريب" و"أبطال الحرب على الفرنسية" بالمغرب يرسلون أبناءهم للدراسة في المدارس الإبتدائية الخصوصية المفرنسة والبعثات الفرنسية والمدارس العليا المغربية المفرنسة والجامعات الفرنسية والأوروبية، بينما يتركون التعليم المعرّب لأبناء الشعب الفقراء، ويريدون أن تكتب الأمازيغية بالحرف العربي (بعد أن اعترف بعضهم مؤخرا بأنها لغة). الحرف اللاتيني واللغة الفرنسية (واللغات الأوروبية الأخرى) تفرض نفسها على الجميع فرضا. والأسباب واضحة: المكانة القوية للفرنسية في المغرب إدارةً وتعليماً وإعلاماً واقتصاداً، والتفوق العالمي للحرف اللاتيني، وسيطرة اللغة الإنجليزية على الإنترنت والإعلام والتكنولوجيا عالميا، والفقر العلمي والتكنولوجي الذي تقبع فيه اللغات الأمازيغية والعربية والدارجة. وحتى لو ابتعدنا للحظة عن اللغات الأوروبية، فما علينا إلا أن نلاحظ كيف ينظر المغاربة والعرب في الشرق الأدنى إلى اللغة التركية مثلا، وهي لغة مكتوبة بالحرف اللاتيني. هل يجرؤون على السخرية منها؟ لا. هل ينعتونها بالتخلف؟ لا. هل يسخرون من حرفها اللاتيني والرموز الإضافية المستعملة فيه لملاءمة النطق التركي؟ لا. إذن فالمغاربة لا يجرؤون أبدا على السخرية من الحرف اللاتيني ومن أية لغة مكتوبة به، بل إنهم ينظرون إليه باحترام وتوقير. أما كل من يحاول السخرية أو الإستهزاء بالحرف اللاتيني (أو من أية لغة مكتوبة به) فيعلم علم اليقين أنه لن يجلب السخرية والإستهزاء إلا على نفسه. الفرنكوفونيون المغاربة يخافون من الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني يظن كثير من المغاربة أن كل فرنكوفوني مغربي هو بالضرورة كاره للعربية. هذه فكرة خاطئة تماما. فالغالبية العظمى من الفرنكوفونيين المغاربة يحبون الفرنسية والعربية معا. يحبون الفرنسية لأنهم ترعرعوا معها في المدرسة ولأنها تضمن لهم المال والجاه والسمعة والمناصب بالمملكة الشريفة وتربطهم بفرنسا وتعطيهم إحساسا بالحداثة. ويحبون العربية أيضا لأنهم ترعرعوا معها في المدرسة والمسجد وتعطيهم إحساسا بالأصالة. أما ما يشيع لدى كثير من الناس عبر وسائل الإعلام حول أن "الفرنكوفونيين المغاربة هم جماعة من الكارهين للعربية يتآمرون عليها" فهو كاريكاتور مضحك لا يعبر في أحسن الأحوال إلا عن عدد صغير من المراهقين المتفرنسين الذين يكيلون بضعة شتائم للعربية وقواعدها الإملائية والنحوية على منتديات الإنترنت، أو عن بضعة كتاب يشككون في قدرة العربية على مسايرة التقدم العلمي في بضعة مقالات هنا أو هناك! الفرنكوفونيون المغاربة مرتاحون تماما إزاء الإزدواجية اللغوية الحالية الممأسسة بالمغرب (فرنسية/عربية)، ويحبون القراءة والكتابة والتعبير باللغتين. وهم مستعدون للدفاع عن اللغتين. إلا أنهم يفضلون عدم إظهار دفاعهم عن شرعية وجود الفرنسية بالمغرب بسبب ارتباطها بتاريخ فرنسا الأسود بالمغرب والجزائر، وبسبب تخوفهم من أن ينعتهم الناس بالخونة وعملاء فرنسا. كما أن الفرنسية لا تحتاج إلى من يدافع عنها لأن الدولة تحميها بقوة وحماس، مثل العربية بالضبط، وتتبنى سياسة الإزدواجية اللغوية منذ 1912 (سنة تأسيس الدولة المغربية الحالية) وإلى يومنا هذا. ولكن يمكننا أن نستشف الكثير من الدفاع غير المباشر عن الفرنسية ووجودها بالمغرب من مقالات وإبداعات وتصريحات الكثير من الفرنكوفونيين المغاربة، وذلك حينما يتعلق الأمر بقضايا لا ترتبط بالفرنكوفونية بشكل مباشر أو واضح، كقضايا التعدد الثقافي والحداثة والنقاشات الأدبية والفنية والسينمائية مثلا. وكثيرون من المثقفين والكتاب الفرنكوفونيين المغاربة يكتبون ويؤلفون بالعربية والفرنسية معا، وبعضهم يعتنق أيديولوجيا القومية العربية. ولا يوجد تعارض على الإطلاق بين أن يحب مغربي اللغتين الفرنسية والعربية معا وأن يعتنق أفكار القومية العربية. ويعبر كثير من الفرنكوفونيين المغاربة عن رفضهم لكتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني ودعوتهم إلى كتابتها بالحرف العربي. ويأتي ذلك الموقف بسبب توجسهم من فقدان الفرنسية (وهي رأسمالهم الذي يضمن لهم ولذويهم المناصب والجاه) لجزء من قيمتها وقوتها بالمغرب أمام صعود الأمازيغية بالحرف اللاتيني العالمي. فهم يشعرون بالتهديد من الأمازيغية التي لا يمتلكون ناصيتها ولا يقدرون على الإستفادة منها ماديا أو معنويا. لذلك يفضل هؤلاء الفرنكوفونيون المغاربة "طمر" الأمازيغية بالحرف العربي الذي لم يهدد أبدا مكانة الفرنسية بالمغرب طيلة القرن العشرين، أو "تشفيرها" بحرف تيفيناغ الذي لا يضايق الفرنسية أبدا. ولكن أخوف ما يخافه كثير من الفرنكوفونيون المغاربة هو انهيار "الطبقية اللغوية" الحالية بالمغرب وانكسار الإحتكار الفرنسي للحرف اللاتيني في حالة ما إذا تمكنت الأمازيغية من مزاحمة الفرنسية بنفس الحرف. إنهم يعرفون جيدا أنه إذا حصلت الأمازيغية على فرص متكافئة للتنافس مع الفرنسية بالحرف اللاتيني، فإنها ستكون بداية النهاية للفرنسية بالمغرب، وبالتالي بداية النهاية لإمتيازاتهم الطبقية. ماهي الحروف الأمازيغية اللاتينية؟ هذه هي الحروف الأمازيغية اللاتينية ال 34 التي تعبر عن كل تنوعات ولهجات اللغة الأمازيغية بالمغرب والجزائر وتونس وليبيا: abcčdḍeɛfgǧɣhḥijklmnqrřṛsṣtṭuwxyzẓ وهناك علامة الواو الخفيفة المختلسة (w) التي قد تضاف في بعض الحالات إلى أحد الحروف الأمازيغية الصامتة كالتالي: bw، gw، ɣw، kw، nw، qw، xw. وخلافا لما يردده بعض كتاب الرأي بكثرة حول أن "استعمال الحرف اللاتيني يجعل الأمازيغية مكتوبة بالنطق الفرنسي ويجعلها تابعة للفرنسية" سنبين بتبسيط شديد وبتوضيح مساعد بالحرف العربي كيف أن كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني لا تخضع للنطق الفرنسي ولا الإنجليزي ولا لغيرهما. فنلاحظ كيفية نطق الحروف والكلمات الأمازيغية التالية: الحرف 1: A a (أ/ا). مثال: Tamalla (تامالاّ): اليمامة. الحرف 2: B b (ب). مثال: Abrid (أبريد): الطريق. الحرف 3: C c (ش). مثال: Acal (أشال): التراب، الأرض. الحرف 4: Č č (تش). مثال: Wečma (وتشما): أختي. الحرف 5: D d (د / ذ). مثال: Tadamsa (تادامسا / ثاذامسا): الإقتصاد. الحرف 6: Ḍ ḍ (ض). مثال: Aḍṛis (أضريس): النص المكتوب. الحرف 7: E e. مثال: Ajjed (أجّد): الدين، الديانة. الحرف 8: Ɛ ɛ (ع). مثال: Aɛrur (أعرور): الظهر. الحرف 9: F f (ف). مثال: Tafellawt (تافلاّوت): النتيجة، المحصلة. الحرف 10: G g (گ). مثال: Agafa (أگافا): الشمال، عكس الجنوب. الحرف 11: Ǧ ǧ (دج). مثال: Taǧǧalt (ثادّجالث): الأرملة. الحرف 12: Ɣ ɣ (غ). مثال: Aɣelluy (أغلُّوي): الغروب. الحرف 13: H h (ه). مثال: Tahert (تاهرت): اللبؤة، أنثى الأسد. الحرف 14: Ḥ ḥ (ح). مثال: Afedjaḥ (أفدجاح): الفلاّح. الحرف 15: I i. مثال: (ئ / ي / ي): Asif (أسيف): النهر. الحرف 16: J j (ج). مثال: Ajris (أجريس): الجليد. الحرف 17: K k (ك). مثال: Akalalyus (أكالاليوس): طائر الكناري. الحرف 18: L l (ل). مثال: Awlawal (أولاوال): وحيد، وحداني. الحرف 19: M m (م). مثال: Agwerram (أگُرّام): الناسك، المعتكف. الحرف 20: N n (ن). مثال: Aminun (أمينون): المجنون، الأحمق. الحرف 21: Q q (ق). مثال: Ameqqṛan (أمقّران): كبير. الحرف 22: R r (ر). مثال: Tudert (تودرت / ثوذرث): الحياة. الحرف 23: Ř ř ("ر" خفيفة). مثال: Awař (أوار): الكلام، الكلمة. الحرف 24: Ṛ ṛ ("ر" غليظة). مثال: Awṛaɣ (أوراغ): أصفر. الحرف 25: S s (س). مثال: Asiḍen (أسيضن): الحساب، العدّ. الحرف 26: Ṣ ṣ (ص). مثال: Taḍṣa (تاضصا): الضحك. الحرف 27: T t ( ت / ث). مثال: Nettat (نتّاث / نتّات): هِيَ. الحرف 28: Ṭ ṭ (ط). مثال: Uṭṭun (ؤطّون): العدد، الرقم. الحرف 29: U u (ؤ / و). مثال: Uddur (ؤدّور): المجد، الجاه. الحرف 30: W w (و). مثال: Azwawaɣ (أزواواغ): وردي اللون. الحرف 31: X x (خ). مثال: Axsay (أخساي): الإنطفاء، الموت. الحرف 32: Y y (ي). مثال: Afellay (أفلاّي): الأعلى، الأقصى. الحرف 33: Z z (ز). مثال: Azemmur (أزمّور): الزيتون. الحرف 34: Ẓ ẓ (ژ). مثال: Anubeẓ (أنوبژ): الكسوف، كسوف الشمس. الحرف اللاتيني وسيلة الأمازيغية لمنافسة الفرنسية ثم طردها من المغرب المغاربة خصوصا والأمازيغ عموما يريدون تطوير الأمازيغية لذاتها وفي حد ذاتها وليس لتصفية حسابات مع لغات أخرى. وكثير من المغاربة ومعظم الجزائريين يفضلون كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني (المعدل على مقاس الأمازيغية) لأن تلك مصلحة أمازيغية أولا وأخيرا. ولكن ما أقصده ب"منافسة الفرنسية" و"طرد الفرنسية" هو أن صعود الأمازيغية بالحرف اللاتيني في مجالات التعليم والإعلام والإدارة والإقتصاد والثقافة والتكنولوجيا سيجعلها في موقع قوة تجاه الفرنسية التي تبقى دائما لغة أجنبية بالمغرب. وحينئذ ستكون الفرنسية أمام غريمة عنيدة تزاحمها في كل المجالات وتهدد وجودها بالمغرب بشكل جدي لأول مرة. وبمجرد توطيد الأمازيغية لوجودها في التعليم والإقتصاد والإدارة والإعلام وقدرتها على الإستجابة لحاجات التنمية والبحث العلمي والتكنولوجي سيصبح وجود الفرنسية بالمغرب مثار تساؤل جدي وقد يبدأ في التضاؤل بسرعة. ولن يمضي وقت طويل حتى تتمكن الأمازيغية من "طرد" الفرنسية من المغرب لانقطاع حاجة المغاربة حينئذ إلى "لغة أجنبية متطورة". فاللغة الأمازيغية ستصبح "لغة وطنية متطورة" وستملأ مكانة الفرنسية في كل مجالات العلوم والإقتصاد بالمغرب، ربما بجانب العربية والدارجة إذا تطورتا بما يكفي. وهناك تجارب لدى العديد من بلدان العالم التي نجحت في طرد لغات المستعمر (أو تحجيم وجودها) عبر تطوير لغاتها الوطنية. فإندونيسيا مثلا نجحت في التخلص من اللغة الهولندية تماما بفضل اهتمام الإندونيسيين بلغتهم الوطنية وكتابتها بالحرف اللاتيني. فأصبحت اللغة الإندونيسية ممعيرة ومستخدمة في كل مدارس وجامعات ومؤسسات إندونيسيا. وبجانب ذلك تتبنى إندونيسيا اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى للإنفتاح على العالم. أما الهولندية فقد تم "طردها" من إندونيسيا إلى غير رجعة. الأمازيغية لن "تبيع الماتش" للفرنسية في النهاية، ما يهم معظم المغاربة والجزائريين هي مصلحة الأمازيغية وليست مصلحة الفرنسية. ولا يمكن أن يتخلى الأمازيغ عن استخدام الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية فقط حتى لا يزعجوا اللغة الفرنسية بالمغرب والجزائر ويفسدوا عليها خلوتها ويعكروا عليها صفو احتكارها لهذا الحرف العالمي. والأمازيغ لم يعبروا يوما عن رغبتهم في السماح للفرنسية باحتكارها للحرف اللاتيني أو بتواجدها الأبدي على الأرض الأمازيغية. وكل من لديه وعي عميق بمصلحة اللغة الأمازيغية يعلم جيدا أن التخلي عن الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية يعني ببساطة: الإستسلام للهيمنة الفرنسية و"بيع الماتش". وكما أن الأمازيغية لن تتخلى عن رمزية حرف تيفيناغ لعراقته وحمولته التاريخية وقيمته الهوياتية، فكذلك لن تتخلى عن الحرف اللاتيني. إنه غنيمة الحرب التي أخذتها الأمازيغية من الفرنسيين والإسبان والطليان، وستستخدمه الأمازيغية سُلّما ستبلغ به مراتب الرقي والتقدم والإنتشارية، لكي تستقل الشعوب الأمازيغية عن الهيمنة الأجنبية استقلالا كاملا.