فقدت الجامعة المغربية أخيرا أحد مؤسسيها ورجالاتها الأبرار. فقد اقترن اسم المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الوهاب التازي سعود بجامعة القرويين التي ترأسها لعدة سنوات، وقبل ذلك بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، التي يعتبر أحد مؤسسيها ومؤطريها لعقود. وفي كلتا الحقبتين تخرجت على يده أفواج عديدة من الأساتذة الباحثين. وكم يشعر الإنسان بالحزن وهو يودع واحدا من جيل المربين والأساتذة الأفاضل المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة. كان الدكتور عبد الوهاب التازي سعود عميدا للكلية لما التحقت بها، وكنت ضمن الأساتذة الأوائل الذين ساعدهم على استكمال دراستهم العليا بالخارج وفتح لهم آفاقا أثرت على مسارهم المهني والعلمي. كان المرحوم منفتحا على العلوم الإنسانية كلها، مشجعا ومدعما للباحثين فيها، شرطه الوحيد في ذلك الجودة والإتقان، ولعل هذه الصفات والمزايا ما جعلت منه مصدر إلهام لنا جميعا. وبالإضافة إلى هذه المزايا، كان الدكتور عبد الوهاب التازي سعود عالما متمكنا، نجح في الجمع بين الثقافتين الشرقية والغربية وأصبح بالفعل مدرسة على جميع المستويات، أغنت الخزانة المغربية بمؤلفات ومنشورات تهم الأدب المغربي والدراسات الإسلامية. وللمرحوم أيضا منشورات أصيلة وهامة ورائدة في مجالاتها ومنها الدراسات اللغوية وتحديدا حول اللغة العربية وتعدد اللغات والتعليم والعلاقة بين اللغة والفكر. وكعميد لكلية الآداب والعلوم الإنسانية، شمل برعايته الدراسات والأبحاث حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين ومختلف الدراسات المتخصصة. وكان أيضا حريصا على دعم التعددية الثقافية ومحترما للخصوصيات الثقافية لكل فئة من الباحثين، وبذلك استطاع أن يفتح المجال للعديد من الأطر الشابة. وقد ساعده انفتاحه الواسع على اكتساب ثقافة واسعة مكنته أن يصبح رمزا من رموز الثقافة المغربية وهرما من أهرام الجامعة المغربية ونموذجا حقيقيا للتنوع الثقافي، وشخصية رئيسية في المشهد المغربي، وحتى الذين يختلفون معه في ترتيب أولويات العمل الجامعي يحتفظون له دائما بالود والمحبة في قلوبهم والتقدير في نفوسهم، لاعتزازه المعلن بالانتماء للوطن وتشبثه بالثقافة المغربية وتفتحه على الثقافة الفرنسية. كان الدكتور عبد الوهاب التازي سعود رافضا لتقوقع الجامعة المغربية، مدافعا عن استقلاليتها وانفتاحها على محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولم يتردد لحظة في النهوض بها وحمايتها من الفكر الظلامي وكل أشكال التطرف، غيورا على مكتسباتها وحافظا لإرثها العلمي. ولن تفوتني الفرصة في هذه الشهادة القصيرة أن أشير إلى فضله الكبير على المرأة الباحثة تشجيعه لها في وقت كنا فيه بحاجة إلى هذا التشجيع، فما أكثر المرات التي قصدناه فيها كمجموعات بحث في الدراسات اللسانية والنسائية ووجدنا فيه السند الداعم والمحفز لنا. رحم الله الدكتور عبد الوهاب التازي سعود رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.