بالنسبة للمواطن البسيط مثلي، الذي لا ناقة له ولا جمل بالأرقام المعلنة، و لا بالإرباح السّنوية، ولا بالرّيادة القارية ولا بالفوائد الاقتصاديّة المعلنة منها و"الخفيّة". مادام لا يطوله منها سنتيم. وكلّ ما يهمّه، ويشغل باله هو أن يمتّع ناظريه بمنظر طبيعي، كان إلى حدّ قريب الأجمل بالعالم بنظره. كان متعة بسيطة.. لا تكلّفه سوى ثمن بنزين الرّحلة من وسط المدينة، إلى أحد أجمل شواطئها. بالضّبط إلى القصر الصّغير الذي كان إلى وقت قريب جنّة الله في الأرض. طبيعة خلاّبة تجمع ما بين الغابة الخضراء، والبحر الأزرق الصّافي. و تنساب على جوانبها الوديان، وتتهادى فيها الأشجار، راسمة لوحة انطباعية رائعة تستعص على مانييه نفسه. إلى أن جاء بضعة عباقرة، قرّروا أن لا مكان في هذه البلاد السّعيدة يصلح ميناءا، إلا تلك البقعة السّاحرة. فاختفى السّحر في لحظات.. ابتلعه وحش إسمنتي ضخم، أتى على الأخضر واليابس. أتى على الشّواطئ والوديان والأشجار..و تحوّلت إلى اسمنت مسلح، وخرسانة صمّاء. لا أكاد أبلع حسرتي والسيارة تبتلع الطريق، بجانب الوحش الإسمنتي المسمّى "الميناء المتوسطّي". وعيناي ترقبان مراتع الصّبا، ومناطق التّخييم التي لطالما احتضنت طفولتنا.. ما أجمل تلك الرّبوع في تلك الأيّام، كانت مسرح مرحنا ولعبنا. الشّجرة العملاقة، التي كانت تحوي أرجوحتنا العزيزة. وذلك الوادي، الذي كنت أجاهد على ضفافه لأمسك سمكة مكروسكوبية سيّئة الحظ. وذلك الشّاطئ الناعمة رماله كالحرير، حيث كنت أتخبّط في أمواجه ،أحاول تعلّم أبجديات السّباحة دون جدوى .. كلّ تلك الأمكنة، وغيرها ابتلعها الميناء المتوسطي، ورديفه الجزء الثاني الذي يوشك على ابتلاع ما تبقى منها... قد يجادلني البعض بالفائدة الاقتصاديّة العظيمة، والمداخيل الوفيرة، التي سيجلبها الميناء. خصوصا حين يشغل كل طاقته الاستيعابيّة الضّخمة. حيث يعتبر مشروع ميناء طنجة المتوسطّي، من أبرز المشاريع بالمغرب. وأكبر الموانئ بالقارة الإفريقية، ويضاهي الموانئ العالمية مثل روتردام وهونغ كونغ ونيو جيرسي.. وذلك نظرا لضخامته والآليات اللوجيستيكية ذات المواصفات العالميّة التي يتوّفر عليها، والموقع الإستراتيجي الذي شيّد فوقه. وهو إحدى أكبر الأوراش التي عرفها المغرب في القرن الواحد والعشرين. وذلك بتزويد منطقة الشمال بقطب اقتصادي هام، و بنية تحتية جيدة، وخلق فرص شغل عديدة .. لكني كغيري من سكّان المدينة قلّما أراعي هذه المبرّرات، فنحن لم ننل من هذه المداخيل، لا أبيض ولا أصفر. كل ربحناه ..هو خسارة أهم المناطق التي ،كنا نلجأ إليها، لتنشق هواء لم تلوثه "الحضارة"، وغصّة بالحلق على الجنة المفقودة.. (شاعرة وصحفية) http://www.facebook.com/pages/Aicha-Belhaj-%C3%89crivaine/416153878433542?ref=hl