يواصل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران "مقاطعة" صحافة بلاده ليتواصل بكل أريحية مع الصحافة الأجنبية، إذ خص جريدة "الأخبار" اللبنانية بحوار صحفي نشرته في عددها اليوم الاثنين، وذلك بعد أن سبق له أن أفرد حيزا هاما من وقته لإجراء مقابلات مع عدد من الجرائد والمنابر العربية، ليُتوج "كرمه" التواصلي قبل أيام خلت بحوار إعلامي مع قناة تي في 5 الفرنسية. ووصفت الصحيفة اللبنانية بنكيران بأنه شخصية "فريدة" لا يتوانى عن الانفعال بوجه معارضيه في جلسات المساءلة البرلمانية الشهرية"، معتبرة إياه "النموذج الجديد لتعايش الملك محمد السادس مع رئيس حكومة بصلاحيات جنّبت المغرب انقلاباً كاملاً على طريقة ثورات "الربيع العربي"، بحسب تعبير "الأخبار". تقييم أداء الحكومة وتطرق حوار "الأخبار" اللبنانية مع رئيس الحكومة المغربية إلى مواضيع سياسية ذات طابع محلي وأخرى عربية ودولية، إذ حاول بنكيران تقييم عمل الحكومة بعد أزيد من عام على تأليفها، فأكد على أنه "لا يمكن ادعاء أنها نجحت نجاحا كاملا، حيث ما تزال الطريق أمام الحكومة طويلة". وأردف بنكيران للصحيفة اللبنانية بأن "الذي يميز المغرب في هذه المرحلة هو الخيار الذي اخترناه كأبناء للربيع العربي، حيث قررنا ألا نخرج إلى الشارع على اعتبار أن الخروج لا يحقق الاستقرار، لكن في الوقت نفسه قررنا الاستمرار في الإصلاحات، وهو ما استجاب له الملك". وتابع رئيس الحكومة رؤيته للأوضاع بالقول "إننا اليوم في امتحان كدولة وحكومة وحزب، ورغم إشكاليات الفقر، فإن منطق الإصلاح يسير شيئاً فشيئاً. والأهم أن منطق الانتهازية والرشوة لم يعد صالحاً كمعايير للتوظيف بعد اليوم في المغرب، حيث يجري تصحيح المفاهيم وسلك الطرق الطبيعية المبنية على الكفاءة والأحقية والنزاهة والشفافية". وحاول بنكيران أن يردم "الهوة" السياسية مع بعض الجهات من داخل الأغلبية الحكومية، حيث قال إن حزب "الاستقلال" هو الحزب الذي لم تقع بيننا وبينه أي مشكلة على الإطلاق منذ علال الفاسي رحمه الله، مشيرا إلى أنه "في المراحل الصعبة، كانت كثير من الجهات تهاجم "العدالة والتنمية" باستثناء "الاستقلال". الصحراء قضية شعب وتناول حوار "الأخبار" اللبنانية مع بنكيران أيضا قضية الصحراء المتنازع حولها، حيث أبرز بأن "قضية الصحراء لا تزال من القضايا التي تنتظرنا، وهي قضية لا أساس لها من الصحة، وأبطالها كانوا مجموعة من الطلاب المغرر بهم وتأخرت عودتهم إلى وطنهم". وسرد بنكيران تطورات السياق التاريخي والسياسي الذي اكتنف قضية الصحراء، إذ لفت إلى أنه كان للرئيس الليبي "القذافي" وكان خصما عنيدا للمغرب دور في إذكاء الفتنة لدى الشباب الذين كانوا في البداية يطالبون بأفكار تحررية، وتلقفهم بدعم من الجزائر، التي لا تزال تتبناهم بطريقة تشوش كثيراً على الوطن". وذهب بنكيران إلى أن "قضية الصحراء بالنسبة إلى المغرب قضية شعب، بخلاف الإخوة في الجزائر، الذين يعدّونها قضية دولة وقضية نظام"، مردفا بأن "الأحداث التي تقع في المنطقة تدفع الجميع إلى إعادة النظر في الكثير من قضايا المنطقة، فليس هناك بين الشعبين المغربي والجزائري أي إشكال، وإذا فُتحت الحدود وتحلحلت القضية، فسيلاحظ الجميع أن كل هذا كان مفتعلاً وليس شيئاً حقيقياً". وجوابا على سؤال يرتبط بتداعيات الأحداث في مالي على المغرب، أفاد بنكيران بأنه "لابد أن يكون لحرب في مالي تأثير على الوضع في الصحراء"، مضيفا بأنه "لا يمكن أن نتخيل أن دولاً جديدة ستُخلق، وأن أشخاصاً يستولون على السلاح والمشتقات النفطية بكميات لا ندري مصدرها، ويتحكّمون في الناس بأفكار جهادية، لأن هذا منطق ليس زمانه"، يقول بنكيران. تقييم الحكومات الإسلامية وحول تأثير الأوضاع في تونس على بلدان المغرب العربي، أجاب بنكيران بأن "الظروف في المغرب مختلفة عمّا يجري في تونس، حيث إن علاقة الأحزاب التي تتشكّل منها الحكومة المغربية تقوم على التوافق". وتابع بنكيران بأن "لديه ملاحظات عديدة على أداء الحكومات ذات المرجعية الإسلامية في العالم العربي، لكن المسؤولية تمنعنه من الحديث عنها"، قبل أن يشير إلى أنه "من غير الإنصاف أن تهاجم حكومات لا تزال في السنة الأولى أو الثانية من الحكم بهذه الشراسة، ونطالبها بحل مشاكل تراكمت عبر أكثر من 60 سنة". وأكد رئيس الحكومة المغربية، في الحوار الصحفي ذاته، على أن اختيار الشعوب للتيار الإسلامي "لم يكن خطأً"، مقدما نصيحته بعدم إعطاء المبررات لتقع احتجاجات شعبية تعطي الفرصة للتشويش على منهاج وطريق الإصلاح" وفق تعبير المسؤول الحكومي. وشدد بنكيران على "أهمية الإصلاح التدريجي في دول العالم العربي، وبالشكل الذي يتوافق عليه الجميع، سواء الفئات الحاكمة أو الأحزاب السياسية أو النقابات أو الجهات التي لها وزنها في المجتمع". العلاقة مع إيران اختصاص ملكي وانتقل حوار بنكيران مع "الأخبار" اللبنانية إلى موضوع العلاقات الدبلوماسية "المقطوعة" منذ سنوات بين الرباط وطهران، خاصة بعد اللقاء مع وزير الخارجية الإيرانية، حيث أوضح رئيس الحكومة بالقول "كنا في مؤتمر إسلامي، وطلب وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أن نلتقي، ونحن أخوة ومسلمون، وإيران دولة إسلامية كبيرة". واستدرك بنكيران بالقول " لنا مع إيران علاقات تاريخية، وقطع المغرب علاقته معها بسبب ما وقع في البحرين، لكن في ما يخص العلاقات الخارجية، وكل أمور السيادة، هي من اختصاص جلالة الملك وفق الدستور الجديد بالمغرب". وردا على سؤال يتعلق باقتراح ضم المغرب إلى دول مجلس التعاون الخليجي، قال بنكيران إن "علاقة المغرب مع دول الخليج تقوم على الأخوة، وهي علاقات وطيدة، فالمغرب حريص على تنمية هذه العلاقات وفق مسار قديم لن يتوقف، وإن لم يُفض إلى الوحدة بالمعنى الذي يتصوره البعض. وزاد بنكيران موضحا " البحث عن الوحدة بمفهومها القديم هو بحث عن سراب، ويمكن أن نتقارب بأشياء عملية، فأوروبا ليست موحدة بالمعنى السطحي، وهي ليست دولة واحدة، وإن كانت قد فتحت الحدود وسمحت بتنقل البضائع والأشخاص، ويقربون التشريعات وفق خطوات عملية نحن بحاجة إليها" يورد بنكيران للصحيفة اللبنانية.