في الصورة الفنانة نانسي عجرم التي خصص لها منظمو مهرجان موازين مرحاضا متنقلا قيمته 4آلاف دولار عندما تدلهم الخطوب،وتشتد الآفات السياسية،أو العاطفية،وتعجز الكلمة وحدها عن الترويح عن النفس ، يروم المرء إلى ثنائي الكلمة واللحن ليمتع النفس قليلا،بعدما يكون طبعا قد أدى واجباته الدينية،وجلا صدأ قلبه بما تيسر من القرآن الكريم، فساعة للرب وساعة للقلب وبينهما برزخ كما قال عباس محمود العقاد رحمه الله، لكن مع الأسف ،لو أراد أن يكون ابن الوقت كما يقال، وحداثي الذوق، يجد نفسه عاجزا عن الاختيار بين ركام من السخافات لاتنتهي، واستفزاز للمشاعر لا حدود له،والسبب في نظري هو اللهاث وراء الربح المادي، وتحقيق الشهرة الكمية، ومما يثير العجب حقا هو هذا الزخم من الإنتاج الفني بين قوسين،وتناسل الفنانين بطريقة طفيلية، واختلاق تيارات ليس بينها وبين الفن غير ترتيب الحروف على الشكل الذي عليه كلمة فن، وتزداد الغرابة أكثر عندما أسمع وأرى لتلك التيارات محبين،ومتعاطفين، وذواقيين،وآخر صيحة في مجال التيارات (الفنية) أحدها يعمد إلى كلمات الحديث اليومي ويكسوها صخبا من الإيقاعات ويخرجها للناس )ليشنفوا) أسماعهم بها،وقد سنحت لي الفرصة عرضا أن أنصت إلى ممثل لهذا التيار، وهو مغربي،يسمى باسم نطلب من الله أن يحفظ جيوبنا من منطوقه،ومفهومه،فتمكنت من إدراك أمر مهم وهو أن أي شخص يمكنه أن يردد ما يردده ذلك الشخص،لكن الآخرين تنقصهم جرأة إيذاء أذواق المستمعين بينما هو فتحت له أو عليه أبواب السطحية،والإسفاف الذوقي الرجيم،فراح يقول ما يحلو له،دون وازع ذوقي،أو ضوابط زاجرة تندد بالرديء والمبتذل. "" أما في الشرق العربي،فالمسألة،قد تجاوزت حدود المعقول في الإجهاز على الأذواق والقيم،وزادت الطين بلة،فضائيات أبت إلا أن تهبط بالذوق الفني إلى مستوى منحط، مميطة اللثام عن توجه غير مفهوم فاسحا المجال واسعا،ومتوحشا لمنتوج ما يسمى بالفيديو (كليب)، حيث أصبح المعول فيه على تفاصيل جسد المغنية والمغني، أما الكلمات فلا يهم أن تكون شخابيط ولخابيط، أو أي كلام آخر ذي مدلول أو لامدلول له،وقد وقع المستمع ضحية تتابع أشكال من القول والعزف خلط عليه أمر الفن الغنائي خلطا،وألقى به في دوامة من عدم القدرة على المسك بخيوط هذا الميدان،الذي لم يعد يتطلب سوى قامة ممشوقة،وشعر طويل،أو قصير،وألوان متنافرة من الماكياجات،وكشف السيقان،وأماكن أخرى حساسة من الجسم ،كل ذلك من أجل إثارة العين،والتمويه عن الأذن التي قد تعشق قبل العين أحيانا. نحن نتفق أن لكل زمن فنه،وربما إذا أردنا أن نستشهد بمن مضى من الفنانين،أو من لم يعد يسعفه سنه لمواصلة العطاء، سنتهم بالرجعية،والتشبث بالماضي ،لكن الفن الصادق بين،والمزيف بين، وبينهما أمور ترهات لا قيمة لها. لقد ظل المشرق العربي أحببنا أم كرهنا مناط الأسوة الحسنة في الفن الرفيع،والموسيقى الراقية،المؤسسة على الملكة (بفتح الميم)،والمصقولة بالدراسة والعلم،ومن تم جاء الإبداع الموسيقي والغنائي رفيعا جيدا، يسهم في تهذيب الذوق، ويلقي بظلال من الهيبة أمام كل من يريد أن يلج هذا الميدان حيث يجب عليه أن يعاني ويكابد إلى أن يصبح صوتا يسمعه الناس، وكانت الرقابة تلعب دورا أساسيا في الحفاظ على مستوى الذوق سواء في المشرق أو المغرب،فكم كنا نسمع أغاني على أشرطة تباع في الأسواق ونتساءل لماذا لم نكن نسمعها في الإذاعة، والسبب هو لجنة الكلمات أو الألحان التي عادة ما كانت تشكل من فنا نين مرموقين لايسمحون بتمرير الممجوج من الكلمات والألحان الساقطة فنيا أو أخلاقيا،وتبعا لذلك تكون مستوى نقدي ينتقد في بعض الأحيان حتى ما سمحت به تلك اللجنة من أغاني قد تكون أخلت بالمتفق عليه ذوقيا،وفنيا،وأخلاقيا. لقد أصبح الميدان الغنائي مشرقيا ومغاربيا في هذا الزمن المعايش عبارة عن حقل غير متعهد،تنبت فيه كل النبتات،ومنها من لها من القدرة ،رغم طفيليتها، على خنق النافع الآخر، ويعلم الجميع أن الطفيلي لايخزن ،ولايلتفت إليه إلا من جهة الإزعاج،والبحث عن الدواء الناجع لتحييده. لن يعلق في ذهنك من كثرة ما تسمع من الغناء لسخفه إلا القليل القليل ولن تحس بجمالية الكلمات أو الموسيقى،إذا عزلتها عن الصورة المتاجر بها قصدا،ولذلك لا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يغمض عينيه ويستمع في جمالية هادئة إلى أغاني عصرنا الحاضر،وإذا حاول فلن يظفر إلا بسخافات، تزيده غما على غم.