مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    إقليم بني ملال: إنهاء الشكل الاحتجاجي لشخص اعتصم فوق خزان مياه بجماعة أولاد يوسف    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    حادثة اصطدام مروعة بين دراجتين ناريتين تخلف قتيلين ومصابين بتطوان    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    لبؤات الأطلس في لقاء مصيري أمام منتخب السنغال للحسم في سباق التأهل    برشلونة يخطط لافتتاح "كامب نو" بحضور وتكريم النجم ليونيل ميسي    جلالة الملك يهنئ رئيس الجمهورية الديموقراطية لساو طومي وبرانسيبي بمناسبة ذكرى استقلال بلاده        غزة.. مفاوضات وقف إطلاق النار تواجه "تعثرا نتيجة إصرار إسرائيل على الإبقاء على سيطرتها على 40 في المائة من القطاع"    ليفربول الإنجليزي يعلن سحب القميص رقم 20 تكريما للاعبه الراحل ديوغو جوتا    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"            "البام": مسيرة آيت بوكماز تؤكد الحاجة إلى مكافحة هشاشة الجماعات القروية    عائلات المختطفين مجهولي المصير تحتج بالبيضاء للمطالبة بالحقيقة كاملة في ملف ضحايا الاختفاء القسري    أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    شركات مغربية تفوز بصفقة تهيئة طريق ملعب بنسليمان استعدادا لمونديال 2030    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    الجزائر وباريس .. من وهم الذاكرة إلى صدمة الصحراء    الصين- أمريكا .. قراءة في خيارات الحرب والسلم    تونس في عهد سعيّد .. دولة تُدار بالولاء وتُكمّم حتى أنفاس المساجين    إيران تنفذ حكم الإعدام العلني ضد "بيدوفيل قاتل"    تواصل الانتقادات لزيارة "أئمة الخيانة والعار" للكيان الصهيوني    فرنسا تدين طالبًا مغربيًا استبدل صور طلاب يهود بعلم فلسطين    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    الركراكي يترقب انتقالات لاعبي المنتخب المغربي خلال "الميركاتو" قبيل مباراتي النيجر والكونغو    اجتماع بمراكش لاستعراض سير المشاريع المبرمجة في أفق تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030    "البيجيدي" يطلب رأي المؤسسات الدستورية بشأن مشروع قانون مجلس الصحافة    57 ألفا و823 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 95 عالميا في جودة الحياة والمرتبة 59 في الفرص الاقتصادية    عقوبات أميركية تطال قضاة ومحامين بالمحكمة الجنائية لإسقاط مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    أولاد يوسف.. تدخل أمني ناجح لتحييد شخص اعتدى على عنصر من الوقاية المدنية وتحصن ببرج مائي    بعد تزايد حالات التسمم.. أونسا يؤكد أن "الدلاح" آمن    انتحار معتصم أولاد يوسف "شنقا" بإلقاء نفسه من فوق الشاطو    كيوسك الجمعة | عملية مرحبا.. إسبانيا تشيد ب"التنسيق المثالي" مع المغرب    حكمة جزائرية تثير الجدل في كأس أفريقيا للسيدات بعد نزع شعار "لارام"..    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    البرلمانية عزيزة بوجريدة تسائل العرايشي حول معايير طلبات عروض التلفزة    انقلاب سيارة بطنجة يُسفر عن 7 إصابات    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    المغرب يفتح باب المنافسة لمنح تراخيص الجيل الخامس "5G"        بورصة البيضاء تنهي جلسة الجمعة بارتفاع    الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى تعلن تأسيس شبكة وطنية لتعزيز التعاون بين الهيئات والجمعيات المهنية    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية
نشر في هسبريس يوم 19 - 12 - 2012

الثامن عشر من ديسمبر من كل عام هو موعد اليوم العالمي للغة العربية بحسب اليونسكو وهي إحدى أكبر مؤسسات منظمة الأمم المتحدة ( منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ) وذلك بحسبانها إحدى اللغات الست المعتمدة رسميا في تلك المنظمة.
اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي لا تشترط لعضويتها سوى اللسان.
أصل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : „ من تكلم العربية فهو عربي ". أي أن إكتساب الجنسية العربية لا يتطلب سوى تعلم اللغة العربية فمن إستطاع الحديث بها فهو عربي. هل تجد هذا في أي لغة فوق ظهر الأرض؟ طبعا لا. ولا وجود لأي كلمة أخرى تمنح حق الإنتماء إلى أي جنسية لغوية فوق الأرض. لا وجود لذلك دينا ( المسيحية واليهودية وغيرهما ) ولا وجود لذلك وطنا. ولو كانت النظم الأروبية مبناها الديمقراطية الحقيقية والتعارف الإنساني العام لعدلت قوانين إكتساب الجنسية فأصبحت تقتصر على اللغة فحسب وليس على معايير أخرى منها الحالة المادية. أيهما أرحب للإنسان وأكرم له : من يقول ( من تكلم العربية فهو عربي ) أم من يشترط للحصول على الجنسية ( جنسية بلد أروبي ما فحسب وليس جنسية أوربية أو غربية ) شروطا أخرى مجحفة ليكون اللسان آخرها إعتبارا؟ لك أن تقول : الحديث هنا عن جنسية عربية وليس في أرضنا جنسية عربية ولكنها جنسيات قطرية. أقول لك : مؤسس الأمة الإسلامية جمعاء قاطبة أي محمد عليه الصلاة والسلام وهو عربي قح إبن عربي قح بل معجزته العظمى هي البيان العربي السليقي لكتابه أن يأتي أحد بعشر معشار أقصر سورة منه ..
ذلك المؤسس هو الذي شرع ذلك القانون الإداري القاضي بإكتساب الجنسية العربية. وبذلك نكون نحن عرب اليوم مخطئين مرتين : مرة عندما تجزأنا فتشظينا ومرة عندما لم نعمل بذلك التشريع الإداري المتعلق بإكتساب الجنسية حتى القطرية منها . ألا ما أروع أن تعمل على تكثير نسلك بتلك الطريقة الميسرة لتصبح أمة يحسب لها ألف ألف حساب. الهند اليوم دولة عظمى دون ريب ومن أبرز عوامل عظمتها كثرة نسلها حتى وهم يسجدون للبقر الذي ننحره نحن ونأكل لحمه. أبعاد التشجيع على إكتساب الجنسية العربية بذلك اليسر لا تكاد تحصى فهي أبعاد سياسية وإقتصادية ولكن وفق التفكير بأن الساعد الجديد هو ساعد منتج وليس فاها يستهلك فحسب ليكون كلاّ وهي أبعاد إجتماعية تيسر التعارف ذلك المقصد الإسلامي الأول وهل ينشأ تعارف بين لسانين يرطن كل واحد منهما بلغة مختلفة.
هل يراجع الرئيس أردوغان جريمة مصطفى كمال؟
معلوم أن اللغة التركية كانت تكتب زمن الخلافة العثمانية بالأحرف العربية مثلها مثل اللغة الفارسية واللغة الأوردية اللتين ترسمان بالحرف العربي إلى يوم الناس هذا. فلما جاء مصطفى كمال بإنقلابه المشؤوم ضد الخلافة العثمانية أكره الأتراك على أمور كثيرة منها إستبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي. عشت في تركيا عاما كاملا في طريق البحث عن مأمن من إستبداد المخلوع التونسي ورأيت بعيني مجلدات كثيرة في مختلف المعارف مرسومة بالحرف العربي يحتفظ بها بعض مساعدي المرحوم أربكان. لو تسنى للرئيس أردوغان أن يغرس لبنة على درب إستعادة الحق لأهدى لدينه الإسلامي أغلى هدية ولإقتلع جدارا آخر يفصل بين شعبه الذي يعد بعشرات الملايين وبين الأمة العربية. الحقيقة أنه ليس هناك لغة يمكن أن تطلق عليها بإطمئنان عقدي كبير أنها لغة إسلامية وأن لغة أخرى هي لغة غير إسلامية إلا ما تعلق باللغات المتدينة بطبيعتها والمتسترة وراء عنصرية فجة من مثل اللغة العبرية التي هي لغة قومية عنصرية دينية خاصة أو كذلك أرادها أهلها. أما دون ذلك فإنه ليس لنا سوى أن ننفذ الميزان ذاته الذي علمنا إياه محمد عليه الصلاة والسلام. ( من تكلم العربية فهو عربي ) تعني أن ( اللغة التي يتكلمها المسلم هي لغة إسلامية بالضرورة). هل يمكن أن تقول للألماني المسلم : لغتك ليست لغة إسلامية أو أن لسانك لسان غير إسلامي؟ طبعا لا. تلك هي العنصرية الدينية الفجة بعينها. سوى أن ذلك ما ينبغي له إلا أن يتكافل مع حقيقة أخرى وهي أن الإسلام لم يختر اللغة العربية صدفة ولا حبا لأهلها ولكن إختارها لأمر عبر عنه مرات ومرات وهو : قدرتها الفائقة العجيبة على البيان بيسر شديد والبلاغ بسلاسة كبيرة ولو لم تكن اللغة العربية كذلك لما وقع الإختيار عليها ولما إتخذها وعاء يبث بها هديه. تانك حقيقتان مؤكدتان : كل لغة يتكلمها مسلم هي لغة إسلامية من جهة ومن جهة أخرى كل لغة يتكلمها بشر فوق الأرض هي لغة محترمة حرمة صاحبها المكرم إبتداء لبشريته ولكن اللغة العربية هي الأجدر بالبيان والبلاغ وهما مقصودا الشارع الحكيم.
القرآن الكريم منهاج واللغة العربية وعاؤه.
لا أظن أن تعهده سبحانه بحفظ كتابه في سورة الحجر ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) لا يقتضي بالضرورة حفظ الوعاء اللغوي لذلك الكتاب. لو طلب منك أبوك حفظ زيت الزيتون فلا تحملنك الحماقة على تحطيم القارورة التي إنسكب فيها ذلك الزيت لأنك لو حطمت الوعاء أهرق الذي فيه. بلغة المناطقة فإن المبنى حافظ للمعنى ولا حياة لمعنى لا يحفظه وعاؤه. إحتفى القرآن الكريم في نظمه العجيب إحدى عشرة مرة باللغة العربية بل رهن العقل ( أي التعقل بلهجتنا المعاصرة) وهو صحة الفقه ودقته وعمقه وتكامله بإلتزام اللغة العربية لحسن فهم الكتاب العزيز وذلك في بداية سورة يوسف عليه السلام : „ قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ". أي جعلنا العربية له حاضنا رجاء منا أن تعقلوه. رجاء القوي تحقيق كما يقولون وكذا رجاء الغني. فالرجاء هنا منه ومن أشد منه قوة أو غنى معناه : تحقيق الرشد والفهم والفقه والوعي. وهي أمور لا تتم بغير إستخدام اللغة العربية سيما للمجددين والمحدثين والمجتهدين والمعلمين وليس لعامة الناس الذين لا يسألون سوى عن أنفسهم بسبب فقرهم العلمي. بل ذهب أهل الرأي إلى إقتضاء حفظ السنة النبوية كذلك فهي مشمولة بالذكر وعللوا ذلك تعليلا جميلا في قولهم : حفظ المبين المبين هنا إسم مفعول والمقصود منه الكتاب العزيز يقتضي بالضرورة حفظ المبين المبين هنا إسم فاعل والمقصود به السنة التي حدد الكتاب العزيز نفسه دورها في مهمة البيان. فإذا تعدى الحفظ إلى المبين ( إسم فاعل ) فإن تعديه إلى الوعاء الذي يحفظ المبين والمبين معا أولى وأحرى وأجدر وأقمن وأدنى إلى الفهم الصحيح.
الحرب على اللغة العربية هي حرب على الإسلام بالضرورة.
قديما دعا سلامة موسى كاتب مصري متأورب حتى الثمالة إلى إعتماد اللهجة العامية في المقررات المدرسية والإعلامية والتربوية. ثم ماتت تلك الدعوى لعقود قصيرات وهي اليوم تتجدد وتبعث من جديد على أيدي حثالة القوم ممن يرطنون بلساننا متلعثمين لفرط تغربهم وإستلابهم الحضاري. في تونس اليوم فضائية تبث أخبارها الرسمية بلهجة تونسية محلية. لا مانع من وجود اللهجات المحلية بله اللغات فهي من التعدد المسنون في الكون ( ومن آياته خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين). إختلاف الألسنة معناه إختلاف اللهجات واللغات. ولكن القومي العربي القح الوفي لقوميته العربية ومثله المؤمن برسالة الإسلام وليس بينهما تعارض فلا مانع أن يكون ذاك هو هذا أو هذا هو ذاك لا يرضى بغير اللغة العربية الفصيحة القحة الأصلية السليقية لغة رسمية أي لغة الإدارة والإعلام والتربية والثقافة والسياسة أي لغة الدولة والمجالس الموقرة. إذا تنكر القومي العربي للسانه العربي السليقي القح فأي خرقة يستر بها عورته وأي إفك يفتريه على نفسه وعلى الناس؟
اللغة العربية لغة تعايش سلمي بين الناس.
إتخاذ اللغة العربية لغة رسمية لا يعني وأد اللغات الأخرى التي يتكلم بها الناس من أبناء الوطن الواحد. اللغة الأمازيغية مثلا في المغرب الأقصى والجزائر وتونس وليبيا هي لغة وطنية إسلامية أصيلة ولأهلها الحق في التواصل بها بينهم وبناء مرافقهم المحلية على أساسها. والحقيقة أنه ليس كالنظام الفدرالي نظاما إداريا ييسر تعايش الناس بمختلف ألسنتهم وأديانهم ولهجاتهم وألوانهم ومذاهبهم ومدارسهم الأصولية والفكرية والسياسية وغير ذلك من تعددياتهم المودعة في الكون والخلق وإجتماع الناس قصدا من الباري سبحانه. مشكلتنا السياسية اليوم هي أن خوفنا من مزيد من التشظي والتشرذم يذهب بنا بعيدا إلى حد إستبعاد النظام الفدرالي الناجح جدا في أروبا وفي مقابل ذلك نخفق في تحقيق الوحدة الوطنية اللازمة بين أديان مختلفة ومذاهب مختلفة وألسنة مختلفة وغير ذلك. النظام الفدرالي ومعناه الأصلي الحقيقي هو تحقيق الوحدة السياسية والعسكرية ووحدة العلاقات الخارجية والوحدة السيادية ووحدة الهوية الحضارية الجامعة من جهة ومن جهة أخرى إجراء تقسيمات إدارية محلية تتيح للناس تنظيم شؤونهم البلدية والمحلية وغيرها وهو كثير بما توافقت عليه شوراهم وتدبيراتهم .. النظام الفدرالي بذلك المعنى المحدد .. هل تعرف من أبوه؟ أبوه يا سيدي هو محمد صلى الله عليه وسلم.
ولك أن ترجع إلى أول دستور سياسي مكتوب في التاريخ لتدرك أن صانع النظام الفدرالي هو محمد عليه الصلاة والسلام. ليس ذلك ملزما بطبيعة الحال لأنه ينتمي إلى السياسة الشرعية التي هي إجتهاد وتحديث وتجديد بحسب معطيات الزمان والمكان. ولكن إذا تعلل بعضنا اليوم بعدم إمكانية ذلك لضيق المساحة الجغرافية فأخبره أن المساحة الجغرافية للمدينة المنورة التي نفذ فيها صلى الله عليه وسلم ذلك النظام الفدرالي الإداري هي أضيق مساحة من أي دولة عربية أو إسلامية في تاريخنا المعاصر. علة النظام الفدرالي الإداري ليست هي المساحة الجغرافية ولا حتى المساحة السكانية ولا كثافتها ولكنها : الطبيعة التعددية للمجتمع دينا أو مذهبا أو لسانا أو غير ذلك. يرى بعضنا جهلا وحماقة أو إستلحاقا ثقافيا أن العالمانية هي الحل الإداري والسياسي لتلك الطبيعة التعددية ولكن الحل الإسلامي يختار النظام الفدرالي الإداري.
اللغة العربية أخصب لغة فوق الأرض.
إندلقت أقتاب المقال تحت قلمي ولكن لا بد من كلمة حول خصوبة اللغة العربية وهي الخصوبة التي بوأتها منزلة تكون بها وعاء لخير الكلام. ليس هناك حرف يمكن أن يرطنه اللسان البشري إلا واللغة العربية تستخدمه وليس ذلك في اللغات التي أعرفها من مثل الفرنسية والإنجليزية والتركية والألمانية. من مظاهر ذلك الثراء كذلك أن العربية تخاطب الناس مستقلين بعضهم عن بعض. تقول للمخاطب الفرد المذكر ( أنت ) وتقول للمخاطب الفرد المؤنت ( أنت ) وتجمع بين المذكر والمؤنث في ضمير واحد لخطاب المثنى ( أنتما ) ولكنها تستدرك ذلك عندما تستقر الجملة ليدرك القارئ جنس المخاطب وبمثل ذلك تميز بين المذكر والمؤنث في ضمائر الغائب وتميز بين المثنى والجمع بضميرين منفصلين خطابا حاضرا وإخبارا عنهم بالغيب. لا تجد ذلك في تلك اللغات الأربع التي ذكرت : الفرنسية مثلا لا تميز بين مذكر ومؤنث في ضمير المخاطب المفرد الحاضر كما أنها لا تميز بين المثنى والجمع في ضمير المخاطب. الإنجليزية مثلها في عدم التمييز بين المذكر والمؤنث في ضمير المخاطب المفرد الحاضر. الألمانية مثلهما في عدم التمييز بين المذكر والمؤنث في ضمير المخاطب المفرد الحاضر ولا تميز بين المثنى والجمع في ضمير المخاطب وغير ذلك كثير. وبذلك كان عدد الضمائر في اللغة العربية 12 ضميرا في حين أنه لا يكاد يتجاوز نصف ذلك العدد في اللغات الأخرى إلا بقليل. من مظاهر اليسر في اللغة العربية كذلك أنها اللغة الوحيدة فوق الأرض التي تستخدم التنقيط بكثرة مقارنة مع بقية اللغات من جهة ومن جهة أخرى وهذا أكثر أهمية فإنها تستخدم الحركات من ضم للرفع ونصب للفتح وجر للكسر وسكون للتسكين وتنوين متعدد الحركات لإختراع المصادر والمفعولات والأسماء وغيرها. ذلك يعفيها من الإضطرار إلى إستخدام حروف أخرى أو كلمات أخرى في حالة التعبير بالمضاف والمضاف إليه مثلا. حركة المضاف كافية في حين أن اللغات الأخرى تضطر لإستخدام ما لا يقل عن حرفين ليصح التركيب.
ذلك يعني أن اللغة العربية لغة ميسرة الكتابة والنطق تقتصد الحروف والكلمات وفي ذلك إقتصاد للطاقة لدى الإنسان وللمساحة عند الكتابة وإبداع في سرعة التعبير وسلاسته. أما عن الجانب العروضي مظهرا من مظاهر ثراء اللغة العربية وخصوبتها فلا تحدث لأن إقحام ذلك في المنافسة يلغيها بالكلية. ليس هناك لغة فوق الأرض فيها شعر أفقي موزون بستة عشر بحرا لتغطي الأغراض البشرية كلها في الكلام أي المدح والرثاء والهجاء والحماسة والغزل. هل تجد غرضا آخر لم يذكر هنا؟ لذلك تحدى القرآن الكريم العرب بنظم عذب جميل سحر المشركين وهم عرب أقحاح فلا هو سجع مثل سجعهم ولا هو شعر مثل شعرهم ولا هو نثر مثل نثرهم ولا هو شيء ألفوه أو سمعوه ولكنه مركب من الحروف العربية ذاتها التي ركبوا منها كلامهم الذي يعقدون لأجله مؤتمرا سنويا للتباري في عكاظ. تحداهم بنظم فيه من الموسيقى الإيقاعية ما لا قبل لهم به فأذعن من أذعن وآمن وأعرض من أعرض ولكنه بات محموما لفرط عناده وكبره.
من مظاهر تلك الموسيقى الإيقاعية التي لا تجدها في أي لغة فوق الأرض هي حروف المد الثلاثة : و ا ي. تلك الحروف الثلاثة وهي حروف جوفية هوائية لا تعتمد عضلة من عضلات الفم أو اللسان .. تلك الحروف تضفي على اللغة العربية طابعها الغنائي والموسيقي إذ لا غناء دون مد ولا موسيقى دون حرفي الميم والنون سيما إذا مدتا أي الحروف الخيشومية نسبيا سيما لمن يرطن العربية سليقية قحة صحيحة. غير العرب عندما يغنون يمدون حروفا لا تمد لأنهم لا يتوفرون على حرف مد ولذلك لا يقع مدهم الغنائي وقعا جميلا في النفوس لأنه مد إصطناعي ثم إنه لا يقف على سكون ومن لا يقف على السكون من بعد مد طبيعي أصلي ليس بالمعنى الترتيلي يكون كمن يقرع في أذنك طبلا صاخبا ليؤذيك وليس ليطربك.
الإعلاميون العرب والجريمة في حق اللغة العربية.
جمعت ذات مرة الأخطاء التي يقع فيها الإعلاميون العرب سيما إعلاميي الفضائيات لفرط تأثيرهم في الناس في مقال وأرسلته إلى فضائية شهيرة لا أملك إلا أن أتسمر أمامها عندما يكون الخطب جللا في السياسة أو غيرها. ظننت أني أهديتهم شيئا كبيرا ولا شك أن غيري فعل أحسن مني ولكن صدقت قالة العرب : لا ينفع العقار فيما أفسده الدهر .. أو قول قائلهم : لقد أسمعت لو ناديت حيا. إلى يوم الناس هذا لا تكاد تلفى إعلاميا عربيا واحدا لا يلحن لحنا لغويا شنيعا وهو ينطق الممنوع من الصرف. لا يجعله ممنوعا من الصرف فيحركه بحركة ما قبله يعطفه عليه فتنعطف على آذاننا صخرة صلداء جلداء حتى لنكاد نصعق لفرط الذعر. أما عندما يضطرون إلى قراءة آية قرآنية أو حديث نبوي أو قالة عربية قديمة فإنك لا تصدق أنك أمام إعلامي عربي في فضائية عربية ذات شهرة طبقت الآفاق. أسأل نفسي أحيانا : هل تعلم هؤلاء شيئا ولو كان يسيرا من اللغة العربية نحوها وصرفها وتراكيبها. لا نطلب منهم بلاغة ولا بيانا ولا بديعا ولكن نطلب منهم صون ألسنتهم.
ألا يعلم هؤلاء أن كثيرا من العرب المسيحيين في لبنان يعلمون أبناءهم القرآن الكريم وهم به كافرون حرصا على تقويم ألسنة أبنائهم لتقترب من القحاحة والسليقية أو تتشبه بها؟ أما عندما تقرأ لكتابنا من الإعلاميين في الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية فإنك لا تملك إلا أن يقف شعرك. وأي قفافة تتجنبها عندما يتخبط الإعلاميون في رسم الهمز تخبطا شنيعا. كأن رسم الهمز لا يخضع لقواعد ذوقية قبل خضوعه لقواعد رسمية فنية معروفة. كأن تعلم ذلك يتطلب شهورا أو سنوات وهو لا يتطلب سوى دقائق معدودات. هناك كبر عجيب منهم يدفعهم لنبذ العلم باللغة العربية رسما ورطنا.
مثل هؤلاء يستجبيون بسرعة البرق إلى دعوات نبذ اللغة العربية رسما ونطقا ويهرعون إلى إستبدال اللهجات المحلية بها. إذا كانت عوامل كثيرة فرقت الصف العربي أفلا يكون اللسان العربي القح قمينا بجمع شعثنا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.