دخلت ندى ذات الاثنى عشر ربيعا إلى مصحة قصد إجراء عملية على قلبها بعدما انتابها شعور بألم على مستوى الصدر وهي تمارس تمارينها الرياضية.. الجراحة بدت بسيطة، لا يتطلب غير تخدير موضعي ومدة تدخل لا تتجاوز ال45 دقيقة حسب شرح الأطباء لأسرة الطفلة. جراح فرنسي خبير، هو من تقرّر أن يجري العملية لندى، بعث بكل مؤشرات الطمأنة.. بعدها تحول الأمر إلى تراجيديا جعلت الطفلة، وهي الوالجة لمصحّة خاصّة بنشاط، تتحوّل إلى جثّة هامدة نتيجة "مضاعفات طالت الدّماغ".. وهذه باقي التفاصيل كما تحكيها فكرية عزيزي، أم ندى، والدة "قطرة الماء التي جفت على سرير جراح". بين الألم و الأمل تحكي فكرية عزيزي أن ابنتها، ذات ال12 ربيعا، أحست بألم في صدرها شهر أكتوبر الماضي حين كانت تمارس تمارينها الرياضية بالمدرسة.. وبعد عرضها على طبيب مختص تمّ اكتشاف ثقب بين أذيني القلب auricule ، وهو مرض خلقي لا يعالج إلا بإجراء جراحة تختلف طبيعتها بمقدار حجم الثقب، حيث يتم اللجوء إلى عملية بقلب مفتوح أو أخرى ترتق ذات الثقب بتقنية حديثة وبسيطة تستلزم الانطلاق من الفخذ وتدوم ل45 دقيقة قبل أن يتمكن الخاضع لها العودة لحياته الطبيعية بعد 48 ساعة. الأمّ اقترحت على الطبيب المعالج نقل ندى للخارج قصد إجراء الخيار الجراحيّ الثاني .. خصوصا وأنّه مستجدّ ويتمّ على أيدي جراحين أجانب.. غير أنّ ذات الطبيب أقنعها بقرب حلول جراح فرنسي بالمغرب، ما يعفي من ضرورة الانتقال خارج البلاد، اعتبارا لكون ذات المتدخّل مختصا في الجراحة المرغوب إنجازها، ومواظبا على عيادة مصحّة خاصّة بشكل دوري يتكرّر كل شهرين. فحوصات و تطمينات نهاية شهر اكتوبر حضر الطبيب الفرنسي المذكرو إلى المغرب، حينها أكد لعائلة ندى بساطة الجراحة وحدد يوم ال29 نونبر الماضي موعدا للعمليّة قبل أن تغادر الطفلة المصحّة في اليوم الموالي.. هذه الشروحات زادت في الباعث على الأمل برؤية ندى دون ألم.. وزيادة في الاحتراز طالبت فكرية عزيزي أن تبقى ابنتها بالمشفى ل3 أيّام كاملة، وألاّ تغادره في الوقت المحدّد لذلك، اعتبارا لتزامنه مع عطلة نهاية الأسبوع وخوف الأم من أي مضاعفات لاحقة قد لا تواجه بالإحاطة الصحّية السريعة التي تستلزمها. الجراح الفرنسي أكد لفكرية أن الظروف التي ستجرى ضمنها العملية بباريس هي نفسها الموجودة بالمغرب، بنفس لوجيستيك الجراحة والخبرة.. "أجريَت كافة الفحوصات على ندَى، بما فيها الأكثر دقة، حيث تبين أن الثقب الذي طال قلب طفلتي يصل قطره إلى 22,5 مليمترات، ما يسمح بإجراء الجراحة اعتمادا على التقنية الجديدة بعيدا عن شقّ القفص الصدري الذي يغدو لازما إذا ما تخطّى الثقب ال30 ميليمترا" تقول الأمّ لهسبريس. مؤشرات القلق في ذات التاريخ المحدد أنزلت ندى إلى غرفة العمليات، على الساعة السابعة و عشرين دقيقة صباحا.. مر الوقت المفترض للعملية دون أن يظهر أي أثر للطفلة وسط غياب كلي لأي تواصل مفترض مع الطاقم الطبي.. وهذا ما أذكى قلق الأمّ وأحمد زمان، أب ندى. بحلول التاسعة و النصف اضطرت فكرية لكشف استفساراتها علنا، حينها أخبرت من لدن ممرضات أنّ العملية مرت وسط ضروف جيدة وأن ندى ستُنقل إلى غرفتها بعد ربُع ساعة.. الخبر أبهج الأبوين إلى حدّ الاتصال بكافة العائلة لإخبارهم بالنبأ السعيد الذي يعني أقرباء طفلة متفوقة دراسيا وماهرة في الرياضة والعزف على القيثار. ال15 دقيقة الموالية لم تحمل أيّا من الجديد الذي بشّرت به الممرضات، وبحلول الواحدة من بعد الزوال كانت ندى ما زالت بغرفة الجراحة.. الساعة كانت تشير الى الواحدة زوالا و ندى لا تزال في غرفة العمليات، حينها نفذ صبر المنتظرَين.. إصرار الأم على معرفت ما يجري مكنها من اكتشاف بث تفاصيل الجراحة، بالصوت والصورة، ليتمكن من متابعتها طلبة أطبّاء ومتخصّصون بكل من سويسرا وفرنسا والمغرب، كما عُرف بأنّ الطاقم الحاضر لجراحة ندى قد ارتفع إلى 5 بعدما كان محدّدا في 3، إذ التحق به طبيب أجنبي ومساهم في رأسمال المصحّة المستعان بخماتها بعدما كان محدّدا، بادئ الأمر، في الجراح الفرنسي والطبيب المواكب للحالة وطبيب مختص في التخدير.. كل هذا دون علم الأسرة وفقا لرواية الأبوين. ندى.. فأر تجارب الأم قالت إن الأسرة لم يُطلب إذنها كي يتمّ نقل العملية عبر الفيديو، "لو طلب منّا ذلك لرفضنا، لن نقبل أن تتحول ابنتنا القاصر إلى فأر تجارب.." تقول أمّ ندى التي كانت تأمل في "عمليّة مستورة"، وبعدها تساءلت: "لا أدري السبب الكامن وراء عدم تمكيني من وثيقة كان يتوجب أن توافيني بها إدارة المصحّة لتبيان نسبة نجاح التدخل الجراحي ومخاطره.. كان ينبغي أن أوقع هذه الوثيقة، وهذا ما لم يتمّ". ثلاث روايات متناقضة توجّه منتم لفريق الجراحة إلى حيث تواجد أسرة ندى فأخبرها أن ثقب القلب كان أكبر من حجم ال"Prothèse" الذي كان قد أعدّ لسدّه، ما استدعى إخراجه من قلب الطفلة و إدخال آخر بالحجم الحقيقي للثقب.. بعد ذلك صعد الطبيب الثاني فقال إن قلب الصغيرة قد توقف عن النبض إبان الجراحة لمدّة دقائق وأنه تم إنعاشها قبل تبيّن إصابة الدماغ نتيجة جلطة تسببت فيها الواقعة غير المنتظرة.. الجراح الفرنسي قال، بعد أن قصد الأسرة عقب سابقَيه، إنّ جسم الفتاة لم يستطع تحمل كمية المخدر التي تلقاها.. لتكتمل بذلك الروايات المتضاربة والمتناقضة، ما حذا بالأسرة إلى البحث عن حقيقة ما جرى رغما عن تسليمها بكون الوفاة قضاء وقدرا. طالبت الأسرة بالتقرير الطبي الخاص بجراحة ابنتها، فوقفت أمام مفاجئتين إضافيتين، الأولى متمثلة في حمله توقيع جراح غير الفرنسي الذي اتفق معه على إجراء العملية، أما الثانية فقد برزت بكون جسد الطفلة قد تلقى حقنة ثانية من المخدّر حين إخضاعها للعمليّة.. ما جعل الأم تتساءل عن جدوى جرعتين من التخدير وسط جراحة قيل إن التبنيج ضمنها يتم بطريقة شبيهة بتلك التي تتم خلال عمليات الختان. مرحلة ال "كُومَا".. وضعت الطفلة ندى رهن العناية المركزة ل48 ساعة كي "يستريح دماغها" وفقا لرأي المختصين.. بعدها حملت على متن سيارة إسعاف صوب مختبر فحوص لإجراء تشخيص بالرنين المغناطيسي.. النتيجة اقترنت بسكتة دماغية نالت من الفتاة، وهو ما لم تقبله إدارة المصحّة التي رجحت أن المعطى يقترن ب"إيسكيميا" ischémie، والمقصود بها تخثر الدماء في إحدى شرايين الدماغ، غير أن جراحا مختصا أحضرته المصحة، أمام إصرار عائلة ندى، أعطى للحالة تأويلا ثالثا مفاده أن الفتاة تعاني من اعتلال دماغي خلفي، أو ما يصطلح عليه طبيا ب"encéphalopathie postérieur réversible"، وهو لا يتأتّى إلا بمكروب ينال من مركز الجهاز العصبي.. ما دفع الأسرة للتساؤل عن الظروف التي أجريت فيها العملية ومدى احترام معايير النظافة والتعقيم ضمنها. حتى ترتاح ندى وسط قبرها توفيت الطفلة البريئة، "الله اختار ابنتي الى جواره، ولا راد لقضاء الله، لكني أبحث عن الحقيقة لأرتاح و ترتاح ابنتي في قبرها.." هكذا تحدثت الأم المكلومة وهي تسرد السيناريوهات التي قد تكون سببا في وفاة فلذة كبدها ضمن لقاء لها مع هسبريس. السيناريو الأول، وفقا للأمّ، يفترض أن يكون الجراح ضمنه، إبان شرحه لتفاصيل العملية الجراحية المنقولة مباشرة إلى عدد من العواصم العالمية، اضطر إلى إضافة جرعة تخدير ثانية حتى تبقى ندى فاقدة لويعيها وتمنحه الوقت الكافي ل "التواصل مع مشاهديه".. أمّا ثاني السيناريوهات فيرتبط باحتمال صعود كمية من ال "Prothèse" صوب الدماغ.. في حين يبقى أحمد زمان و فكرية عزيزي، المكلومَين في ندى، راضيين بما أصابهما باعتباره ربّانيا، دون أن يمنعهما ذلك من القول بأنّ دفن جثمان بنتيهما و الترحم عليها ليسا إلا بداية مشوار طويل نحو معرفة الحقيقة.. مشوار تسلحت فيه الأسرة بكثير من العزيمة و الصبر و الأناة.