بمجرد انتصار الإخوان المسلمين ووصولهم إلى سدة الحكم في مصر، تكوّن حلف واسع من الشخصيات والهيآت مدعومة من قبل عدد لا يستهان به من الأقلام ووسائل الإعلام لتشويه – وليس لمعارضة – هذه التجربة التي إن قدر لها النجاح فسيكون لها من الآثار ما يهدد مصالح أولئك المستفيدين من شيوع الاستبداد والفساد. وأهم ما يلاحظ على هؤلاء المناوئين هو تبنيهم لمبدأ الكيل بمكيالين وابتعادهم عن الموضوعية والإنصاف ما وسعهم الأمر، فتراهم ينسبون الإخوان إلى مجموعة من الخصال ويسفهونهم من أجلها، مع العلم أنهم لا ينفكون عن الدفاع عن بعض الأنظمة والهيآت رغم اتصافهم بنفس الخصال وتبنيهم لنفس القيم المنتقَدة، أضف إلى ذلك أن أغلب هؤلاء المعارضين تجاوز حدود اللياقة والأدب، مما جعل معارضتهم جميعا مذبحة للقيم ومجزرة حقيقية للمبادئ والمثل. أولا : السياسيون : حاول بعض السياسيين تبيان سلبيات نظام الإخوان وقرارات الرئيس محمد مرسي، وعملوا جاهدين للتمسح بأدبيات الديمقراطية ولَوك مفرداتها في محاولة منهم لغسل أدمغة المتتبعين، بغية إقناعهم بأنهم حماة الديمقراطية ومبادئها، فطفا على السطح عمرو موسى الذي أضحى يقود المظاهرات في الشوارع العامة تنديدا بالنكوص الديمقراطي في مصر، وضدا على قرارات الرئيس التي جمعت السلطات الثلاث بين يديه، ونسي أنه وبالأمس القريب كان رئيس ديبلوماسية أكبر ديكتاتور ومستبد بالشرق الأوسط. أما من يستمع إلى البرادعي اليوم وهو ينتقد السيد محمد مرسي ويصفه بأنه نصب نفسه فرعونا فيخاله ذا ماضي نضالي طويل، يزكي هذا التخيل أن قناة العربية الممولة سعوديا لا تصفه إلا بالمعارض المصري، أما قناة العالم الإيرانية فتسوقه إعلاميا بوصف "المعارض المصري البارز"، والعرب في الحقيقة لم ينسوا أمسه القريب، حيث كان أداة من أدوات قوى الاستكبار من أجل تقزيم إيران، ونظرا لطول مقامه في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعامله مع أمريكا ودول أوربا، فإنه لم ينس أياديهم البيضاء عليه، وطالبهم اليوم بإصدار مواقف للتنديد والضغط على الرئيس محمد مرسي. الدكتور البرادعي يستقوي بالخارج ويؤْثر مصلحته الخاصة والضيقة وإن تعارضت مع مبدأ السيادة. الدكتور البرادعي يندد بالمس باستقلال القضاء ويدعو إلى المس باستقلال البلاد. إنها مفارقات عجيبة ومعادلات عصية لا يدرك حل أقفالها إلا الراسخون في العبث. وليس الأمر مقتصرا على الساسة المصريين فحسب، بل تعداه إلى سياسيين عرب آخرين منهم السيد ناصر قنديل - الموالي لنظام بشار الأسد والمقرب من حزب الله اللبناني - الذي كتب مقالا بعنوان "نصر غزة وتلاعب مشعل" خصصه للحديث عما اعتبره "جرائم" السيد خالد مشعل، منها ارتباطه في العدوان الأخير على غزة بمصر وقطر وتركيا، وهي دول مرتبطة دبلوماسيا وتجاريا بإسرائيل، وإعراضه عن دول الممانعة الممثلة في سوريا وإيران، وادعى أن "مشعل أراد قتل المروءة عند العرب والمسلمين وكل الأحرار"، ولم ينس في مقاله المرجعية الإخوانية لحركة حماس، ليتحدث عن توظيف مصر مرسي لانتصار غزة وتحويله رصيدا إخوانيا يصرف لدى الأمريكيين بمزيد من الدعم لحروب الإخوان في سوريا والأردن وشيطنة المشروع الشيعي المتمثل في إيران وحزب الله. ثانيا : القضاة : الغريب في أمر بعض قضاة مصر أنهم يمارسون السياسة اليوم أكثر من السياسيين أنفسهم، فبعد الفخ الذي نصبه النائب العام السابق للرئيس مرسي، نجد طائفة منهم اليوم تتباكى على مبدأ الاستقلالية "الذي ذبحه الرئيس بإعلانه الدستوري الجديد"، واستقلال القضاء - كما يفهمه القضاة المبتدئون - هو الحياد التام واستقلال القضاة عن كل المؤثرات، سواء كانت بشرية أو مالية ... والواقع أن أغلب هؤلاء القضاة الذين يدافعون على استقلالهم عن مؤسسة الرئاسة تجدهم يرتمون في أحضان الفلول، ويتأثرون بهم، ولا يطالبون بالاستقلال عنهم، وقد حضر كثير من أعضاء الحزب الوطني والبلطجية الملتفون حولهم للجمعية العامة الأخيرة لنادي قضاة مصر. ثالثا : الإعلاميون : يحكى أن بعض دول الخليج رصدت ميزانيات ضخمة لخلخلة دول الربيع العربي وتشويه صورتها لكيلا ينتشر بريقها وتقوى جاذبيتها في بلدانهم، ولعل رجال الإعلام هم أول المستفيدين من هذه الميزانيات، يظهر ذلك جليا في جماعة من الإعلاميين المصريين، أو في بعض وسائل الإعلام المرتبطة بالمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، والتي تجاوز بعض كتابها حدود اللياقة والأدب في الكتابة، مثل الكاتب السعودي محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ الذي كتب مقالا بعنوان "الإخوان بغال إيران، الهلباوي مثالا"، طعن من خلاله في تنظيم الإخوان وفي القيادي كمال الهلباوي الذي اعتبره كائنا مشوها عقيدة وشكلا وفكرا وخلقا. أما الأستاذ عبد الرحمن الراشد مدير قناة العربية فكتب مقالا "تحليليا" في جريدة الشرق الأوسط بعنوان "مرسي أنهى الربيع المصري"، وبقراءة المقال نجده أمنية للسيد الراشد أكثر منه تحليلا، ولأنه يمتح من مبدأ الكيل بمكيالين، فإنه تحدث عن الرئيس محمد مرسي باعتباره "فوق الجميع وأعلى من كل السلطات، وأن إعلانه الدستوري إيذان ببداية حقبة حكم الإخوان الفردي". وعلى فرض صحة ما قاله الأستاذ عبد الرحمن الراشد، ألا يحق له أن ينتقد حكام السعودية أيضا ؟ على اعتبار أن ما فعله مرسي ما هو إلا تقليد لما عليه حكام السعودية سواء بسواء. أليس في السعودية حكم فردي ؟ أليس الملك فوق الجميع وأعلى من كل السلطات ؟ وهل من الإنصاف نقد مرسي والتغاضي عن آل سعود ؟ أم أن المبادئ الصحفية تفرض على الكاتب أن يكتب لمن يدفع أكثر ؟ خرج مؤخرا مفتي السعودية بتصريح لا مثيل له ولا نظير، حيث أعلن أن "نقد ولاة الأمر علنا لا يصدر إلا من مريض فاسد الأخلاق والعقيدة"، لنفرض أن صاحب هذا التصريح هو مفتي مصر، كيف سيعلق السيد عبد الرحمن الراشد وغيره ؟. وإذا تجاوزنا الإعلاميين والكتاب المرتبطين بالمملكة العربية السعودية، فإن الإعلام المرتبط بالنظام السوري ليس أحسن حالا منهم، خصوصا بعد أن صدرت من الرئيس مرسي كثير من التصريحات المناوئة لنظام بشار الأسد، ومن ذلك أن صحيفة تشرين الرسمية نشرت عدة تغطيات صحفية للأحداث الأخيرة، ولم تذكر فيها إلا مواقف وآراء وفعاليات معارضي الإخوان، مع أن أبجديات ممارسة العمل الصحفي تقتضي نقل آراء الطرف الآخر بحيادية وتجرد، أما جريدة الأخبار اللبنانية الموالية لبشار الأسد والمقربة من حزب الله اللبناني فخصصت مانشيط الصفحة الأولى للعنوان الآتي : "محمد مرسي مبارك"، وهو عنوان يتضمن موقفا سلبيا من الرئيس مرسي ويدل على أن الإخوان ما هم إلى نسخة من مبارك في استبدادهم، يجلي ذلك ويوضحه أكثر بعض العناوين الفرعية التي ذيل بها المانشيط السابق، منها "مرسي يعيد صناعة الديكتاتورية" و"الرئيس المصري يمنح نفسه صلاحيات مطلقة" إلى أخره، ومعلوم أن الرئيس مرسي وإن كان صانعا للديكتاتورية فإنه لا يرقى إلى عُشر ديكتاتورية بشار وأبيه، ومع ذلك فإن جريدة الأخبار لم تنبس ببنت شفة عن استبداد وفساد وديكتاتورية حكام دمشق، وكأن مبدأهم وخط تحريرهم لا يعدو أن يكون تطبيقا حرفيا لمقولة "وعين الرضى عن كل عيب كليلة". وخوفا من تقوي التيار السني بنظام الإخوان في مصر، فإن النظام المذهبي في إيران لا يجد غضاضة في تشويه صورة النظام المصري الحالي والنيل منه، لذلك نشر موقع قناة العالم الإيرانية مقالا بعنوان "هل استهداف غزة من ضمن الخطة الإخوانية الغربية ؟"، وهو المقال الذي تؤطره أطروحة تآمرية ملخصها أن توافقا جرى بين الإخوان والغرب من أجل تليين مواقف حماس وترويضها وإدماجها في العملية السلمية، وهذه العملية لا تتم إلا بالتخلص من صقور الحركة، لذا تم التنسيق لقتل القائد الميداني أحمد الجعبري. ولم يسلم الرئيس مرسي وتنظيم الإخوان حتى من وسائل الإعلام الرسمية في مصر، ومما ورد ذكرته نيويورك تايمز في هذا الصدد أن الإعلام الرسمي المصري يعد اليوم رأس الحربة في محاولات تقويض رئيس الجمهورية. إنها سمفونية واحدة، يؤديها بتناغم تام كتاب وإعلاميون من مصر ومن غير مصر دون تعثر أو تلعثم، مما يدل على أن الملحن واحد، وأن البروفا أُنجزت في استوديو واحد أيضا. رابعا : رجال الأمن : لعل مواقف القيادات الأمنية في مصر من الإخوان المسلمين أشهر من نار على علم، فهم من كان يتتبعهم على مر السنين، وهم من أنجز التقارير عن قياداتهم، وهم من اعتقلهم، وهم من عذبهم ونكل بهم، لكن كل ذلك تم في صمت، ونادرا ما كانوا يتحدثون علنا عن الإخوان وأنشطتهم، أما اليوم فأطلق العنان لألسنة القادة الأمنيين ليعلنوا دون تحفظ مواقفهم من تنظيم الإخوان، ولو من القيادات الأمنية غير المصرية، فصدر عن ضاحي خلفان قائد شرطة دبي - الذي خرق كل القواعد والأعراف - التصريح تلو التصريح منذ ظهور النتائج الأولى لفوز الإخوان بمصر، ومن تصريحاته الفجة أن الإخوان هم خوارج العصر، وأن دول مجلس التعاون ستكون مقبرة لمخططات الإخوان، إلى غير ذلك من التصريحات المتكررة. خامسا : الأمراء : لعل آخر من يمكنه الحديث عن الإخوان وإعلان مناهضته لهم هم أمراء وأعضاء العائلات الحاكمة في الخليج، نظرا لما يفرضه عليهم انتماؤهم ومكانتهم الاعتبارية من واجب التحفظ تجاه الفرقاء السياسيين، خصوصا إذا كان التصريح يسيء إلى المصرِّح أكثر من الآخرين. في هذا الإطار، صرح الأمير السعودي عبد الرحمن بن مساعد أن تنظيم الإخوان المسلمين تنظيم مريب، وله أجندات خاصة ينبغي الحذر منها، ولم يكتف بهذا الأمر، بل عمد إلى تغريدة أحد المصريين في تويتر ونقلها على حسابه الخاص في نفس الموقع ونصها : "الاسم : محمد مرسي .. المهنة : حسني مبارك". لعل القارئ يتخيل أن الأمير الذي يغرد بهذا الصوت ينتمي إلى أسرة حاكمة في دولة لها تقاليد راسخة وباع طويل في الديمقراطية والحرية وفصل السلط وحقوق الإنسان، لكن .. ليت الأمر كان كذلك. إنه بحق التنظيم العالمي لمناهضة الإخوان المسلمين، تنظيم يضم الأمراء والكتاب، القضاة والسياسيين، الإعلاميين والأمنيين، المصريين وغير المصريين. ليت معارضة الإخوان كانت سوية وقوية، لا ستفاد منها الإخوان أولا، ولعم نفعها عموم الأمة ثانيا.