نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الإثنين المقبلين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    "البام" يشيد بمقترحات مدونة الأسرة    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    حكام سوريا يقاتلون "ميليشيات الأسد"    الحكم موقوف التنفيذ لمناهضين ضد التطبيع    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    "منتدى الزهراء" يطالب باعتماد منهجية تشاركية في إعداد مشروع تعديل مدونة الأسرة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



10 قيم تحدد درجة تقدم وتحضر المجتمع
نشر في هسبريس يوم 25 - 11 - 2012

لا يملك الملاحظ للفوارق الفظيعة بين مجتمعات وشعوب الكرة الأرضية في طريقة عيشها وطريقة حلها لمشاكلها إلا أن يصاب بالذهول والحيرة. فالناس في أميريكا يستمتعون بالكماليات السخيفة بينما لا يجد ملايين الإثيوبيين والصوماليين لقمة عيش ويموتون ميتة أسخف، منسيين مجهولين. ويسافر الأوروبيون في القطارات السريعة وينزلون في الفنادق المريحة ويستمتعون بالمأكولات اللذيذة بينما تنفق ربة بيت في تشاد أو في المغرب المنسي يوما كاملا تحمل فيه جرة ماء أو كومة حطب على ظهرها لعشرات الكيلومترات تحت الشمس الحارقة أو البرد القاتل. وبينما تستخدم الدولة في إسبانيا المقاربة الحوارية الهادئة لحل مشاكل البلد تفضل الدولة السورية مناقشة شعبها ومعارضيها بالمقاربة الرصاصية وتقنية الحوار بالدبابات والقتل العشوائي. وبينما تعتبر بلجيكا التصويت في الإنتخابات واجبا إجباريا على كل مواطن يعتبر السعوديون انتقاد ولي الأمر والمطالبة بالحرية والديموقراطية فسادا وانحلالا وكفرا.
هذه الفوارق الشاسعة بين كل هذه المجتمعات لا يمكن تفسيرها إلا باختلاف المنظومات القيمية الشائعة لديها. وهذه القيم هي التي تنتج سلوكات الدول والشعوب. فما هي القيم التي تحدد درجة تقدم وتحضر المجتمع؟
الحياة Tudert
الحياة هي أثمن ما يملكه الإنسان. والطريقة التي تعاملت بها المجتمعات القديمة والحديثة مع قيمة الحياة حددت بشكل مصيري درجة تحضرها وتقدمها واستمراريتها.
المجتمعات التي لا تقيم وزنا لحياة الأفراد تعاني دائما من الأمراض الإجتماعية والعنف والتخلف والإنحطاط على عدة مستويات. وذلك بسبب انشغال الناس ب"القتال" من أجل البقاء ومن أجل الدفاع عن النفس باستخدام التهديد ضد التهديد والعنف ضد العنف والقتل ضد القتل والفساد ضد الفساد. وعدم إقامة وزن للحياة يتمثل في القتل أو التحريض عليه، والتعذيب والإعتداء الجسدي، والإعتقال التعسفي، والعقوبات الجسدية، والإعدام، وإشاعة ثقافة حل الخلافات حول الرأي بالعنف والقتل.
لماذا يلجأ الناس للعنف والقتل؟ اللجوء للعنف المتعمد تعبير عن عدم القدرة على إقناع الآخر والرغبة في إبعاده أو إرغامه أو إسكاته. أما اللجوء للقتل العمد فهو تعبير عن الرغبة في إلغاء وجود الآخر وأفكاره نهائيا، أي إلغاء المنافسة وإلغاء الحوار بشكل نهائي. لذلك فالعنف والقتل وتدمير الحياة هو فشل عارم للفاعل ودليل على إفلاسه الفكري والأخلاقي وعدم قدرته على حل مشاكله بشكل عقلاني.
المجتمع الذي يقدس الموت لن يقدر على العيش بكرامة ولن يبني حضارة. وهذا المجتمع ميت أو شبه ميت. ضعيف. مهزوز. مشلول. لا ينتج ولا يتقدم ومآله الفشل الذريع.
أما المجتمع الذي يقدس الحياة ويقدر قيمتها فهو الأقدر على العيش بكرامة أكبر ورفاهية أكبر وبناء حضارة. وهو الأقدر على العناية بأفراده وحمايتهم. وهذا يؤدي إلى إنتاج مجتمع قوي، أي: مجتمع حي.
الحرية Tilelli
الحرية مفهوم واضح للجميع تقريبا.
والحياة بدون حرية لا معنى لها.
ولا تقدم ولا رفاهية ولا حضارة بدون حرية الإنسان الفرد.
أما تقييد الحريات فليس إلا وصفة جاهزة للإستبداد والتخلف والإنحطاط.
المساواة Tagadda
المساواة (وتطبيقها المباشر: العدالة الإجتماعية) هي أحد ركائز تطور وازدهار المجتمع. ولا شك في أن أكبر سبب في تدهور المجتمع وشيوع العنف والفقر فيه هو: انعدام المساواة. المجتمعات الطبقية والنخبوية والإقطاعية محكوم عليها بالخراب والإنحطاط.
لا يوجد ما يدمر نفسية الإنسان وانتماءه للمجتمع أكثر من شعوره بالحرمان واللامساواة والدونية والباب المسدود في وجهه ونظرات الإحتقار من طرف المجتمع، في نفس الوقت الذي يرى فيه الآخرين (المحظوظين) وهم يستمتعون بمباهج العيش الكريم ويعيشون حياتهم كيفما يريدون ويحظون بالإحترام في المجتمع. لا داعي لشرح النتائج السايكولوجية والإجتماعية المدمرة للشعور بالحرمان واللامساواة والإقصاء والإحتقار (الحقرة) فهي واضحة للعيان في المجتمعات الفقيرة والعنيفة. زيادة على ذلك فهناك أبحاث سايكولوجية وسوسيولوجية شملت معظم مجتمعات العالم وتؤكد تأكيدا قاطعا على أن اللامساواة والحرمان والحقرة هي أكبر الأسباب التي تدفع الناس إلى العنف أو الإجرام. فالبديل منعدم. ولأن المجتمع لا يرحمهم فإنهم يقررون بدورهم أن لا يرحموه.
اللامساواة تنتج دائما مجتمعا متوترا وعنيفا تنتقم فيه الفئة المحرومة المحگورة الفقيرة من الفئة المحمية المحظوظة الفاحشة الثراء شر انتقام، سواء بالعنف المباشر أو بطرق غير مباشرة. وحينما لا تقدر الفئة الفقيرة المحرومة على الإنتقام من الفئة الغنية المحظوظة (المحمية بالدولة مثلا) فإن الفقراء والمحرومين والمطحونين يضطرون إلى الإنتقام من بعضهم البعض. وهكذا يمارس المحگور العنف على أخيه المحگور ويحوله إلى "كيس ملاكمة" يفرغ فيه كبته وغضبه، ريثما تسنح له الفرصة للإنتقام من المجتمع ككل.
إلا أن الشعور باللامساواة والحرمان والإحتقار ينعدم تماما حينما يكون الناس فقراء جميعا أو أغنياء جميعا (أي حينما تكون الفوارق بينهم ضئيلة ودرجة المساواة مرتفعة). لذلك فطن العلماء والمفكرون ومن بعدهم الساسة في البلدان المتقدمة إلى الأهمية القاتلة لمسألة المساواة، فجعلوها تتصدر برامجهم الإقتصادية والإجتماعية.
وبنظرة فاحصة إلى الأرقام والإحصائيات سنستنتج أن أقل بلدان العالم عنفا وإجراما وأكثرها تقدما وتحضرا وازدهارا هي تلك التي تسود فيها المساواة (بأنواعها الحقوقية والإجتماعية والإقتصادية)، وهي بلدان أوروبا الغربية واليابان وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا. أما الولايات المتحدة فتعاني (في بعض مناطقها) من ارتفاع نسبة العنف والإجرام والفقر، بسبب ضعف المساواة الإقتصادية والإجتماعية والفوارق الهائلة بين الأغنياء والفقراء، رغم وجود المساواة الحقوقية.
المجتمع اللامتساوي كالرجل الأعرج المعوج المضعضع نفسيا وجسديا، غير قادر على السير الطبيعي ولا على الجري ولا على مسابقة الآخرين. أما المجتمع الذي يقدر قيمة المساواة ويطبقها فهو كالرجل المتوازن جسمانيا ونفسيا: متزن، قوي، متماسك، وقادر على التقدم والإنتاج.
العدالة Tanezzarfut
لا يزدهر المجتمع إلا إذا طور نظام عدالة أخلاقي. العدالة تعطي الناس إيمانا بالجدوى. جدوى الحياة وجدوى النضال. أما انعدام العدالة فمعناه نهاية المجتمع وبداية "شريعة الغاب" وما يتبعها من انحطاط.
العدالة لا تعني فقط عزل المجرمين والمختلين ورد الإعتبار للضحايا وتعويضهم عن الأضرار. العدالة تعكس قدرة المجتمع على إصلاح ذاته وتدارك نواقصه والإعتراف بأخطائه.
هناك نوعان أو مدرستان في العدالة: العدالة الإصلاحية/التصحيحية والعدالة العقابية/الردعية. مهما كان ميل الناس إلى مدرسة أو أخرى فإنهما ضروريتان بمقدار معين حسب الحالة الموضوعية.
العقلانية Tinuẓa
العقلانية لا تعني فقط استخدام العقل والمنطق في الحياة، ولكن تعني أيضا نقد الأفكار ونقد المنهج نفسه بشكل مستمر. السبيل الوحيد للتعامل مع الآخرين المختلفين عنا هو الحوار العقلاني، مع ضمان حق جميع الأفراد في الإختلاف. الحوار العقلاني مبني على المنطق والحقائق العلمية والبراهين العقلية. وإذا كانت الدول المتحاربة والجيوش المتقاتلة تتفاوض وتتحاور فيما بينها حول الهدنة أو السلم باستعمال العقلانية (رغم عدائها الشديد لبعضها البعض)، فالمجتمع المتآخي أولى وأجدر بتبني منهج العقلانية في تسيير شؤونه وتدبير اختلافات أفراده.
المنهج العلمي Tarrayt tussnant
المنهج العلمي (في العلوم والتكنولوجيا) هو الطريقة الوحيدة للبحث عن الحقائق وتحسين مستوى عيش الإنسان. كل المجتمعات والحضارات المزدهرة قديما وحديثا تبنت المنهج العلمي واهتمت بالبحث العلمي وبالتطبيقات التكنولوجية. هذا ينطبق على حضارات أفريقيا وبلاد الرافدين منذ آلاف السنين وعلى أميريكا واليابان وأوروبا في هذا العصر. بدأت تطورات التكنولوجيا باستعمال الأدوات الحجرية والسيطرة على النار، ووصلت اليوم إلى استعمال الطائرات والجراحة الطبية الدقيقة والسيطرة على الذرات وغزو الفضاء.
كل المجتمعات المتقدمة المزدهرة هي بالضرورة مجتمعات تتبنى المنهج العلمي وتضع البحث العلمي على رأس أولوياتها، وتبني برامجها التنموية على أساس الحقائق العلمية والتطبيقات التكنولوجية.
العَلمانية Tameddanit
العَلمانية هي فصل الأديان عن الدولة والإدارة والسياسة، وإدارة كل شؤون المجتمع بلا تمييز بين المواطنين مهما تطابقت أو اختلفت آراؤهم الدينية والعقدية والمذهبية والفكرية والفلسفية. العَلمانية تعطي الأولوية القصوى للإنسان وحياته الدنيوية الآنية وتجعل حريته وكرامته ورفاهيته أهدافا نهائية في حد ذاتها. أما إذا أراد الإنسان أن يجعل لنفسه أهدافا سامية أخرى (روحانية، دينية، فلسفية، فنية...) فذلك خارج عن مجال الدولة العَلمانية لأنه يدخل في دائرة حرياته واختياراته وقناعاته الشخصية التي لا يحق للدولة ولا للمجتمع التدخل فيها. الدولة العَلمانية لا تتدخل في المعتقدات الدينية والفكرية للمواطنين وإنما تتركهم يقولون ويمارسون ما يشاؤون في حرية تامة.
وظيفة الدولة العَلمانية تنحصر في ضمان الحريات للجميع (بما فيها الحريات الدينية والعقدية) وردع الإعتداءات على حياة وحريات الأفراد. الدولة العَلمانية لا تعادي الأديان ولا تساندها، وإنما تعاملها كمنظومات فكرية مثل غيرها من المنظومات الفكرية والفلسفية، يقبلها من يشاء ويرفضها من يشاء.
لا يوجد في العالم بلد مزدهر غير عَلماني. و"الإزدهار" المقصود هنا ليس المداخيل الريعية والمالية، وإنما المقصود هو الإنتاج الصناعي والتكنولوجي والثقافي والفني والعلمي والحضاري.
ولا يوجد مجتمع حر غير عَلماني. كما أنه لا توجد دولة ديموقراطية حرة غير عَلمانية.
وقد يقول البعض بأنه كانت هناك "دكتاتوريات عَلمانية" فصلت الأديان تماما عن الدولة والسياسة وسحقت مواطنيها شر السحق، مثل الإتحاد السوفياتي وألمانيا النازية وكوريا الشمالية والصين الشيوعية والعراق الصّدّامي وسوريا الأسدية وليبيا القذافية. ولكن إذا تأملنا جيدا في هذه الأنظمة الدكتاتورية فسنجد أنها ليست عَلمانية حقا. فكل ما فعلته هو تعويض الأديان التقليدية بأديان جديدة مثل "الشيوعية الإجبارية" و"النازية" و"الإشتراكية الإجبارية" و"القومية العربية الإشتراكية" و"النظرية القذافية الثالثة". حيث كانت هذه الأيديولوجات تلعب دور "دين الدولة الرسمي" وتعامَل بتقديس ديني أسطوري لا يختلف أبدا عن تقديس الأديان التقليدية.
وتملك تلك الأيديولوجيات "كتبها المقدسة" ("البيان الشيوعي"، "الكتاب الأخضر"، "ميثاق حزب البعث"، "دستور الحزب الشيوعي الصيني"...إلخ). ولديها أيضا شعاراتها السحرية وأناشيدها وطقوسها وتقاليدها ورموزها ونظام حياتها. ويتعلمها الأطفال في المدارس كحقائق مقدسة لا تناقش. ويقتل كل من يرفضها أو ينتقدها أو يسخر منها. ويقدس "أنبياؤها" تقديسا عظيما (هتلر، ستالين، ماو تسي تونغ، صدام، القذافي، الأسد...) وتقام لهم التماثيل والتصاوير في كل مدينة وقرية.
إذن ما هي الدولة العَلمانية الديموقراطية الحقيقية؟
إنها الدولة التي لا تتبنى دينا رسميا أو أيديولوجيا رسمية، وتفصل بين الدين ومؤسسات الدولة وبين الأيديولوجيا ومؤسسات الدولة. الدولة العَلمانية الديموقراطية هي التي تترك للناس حرية التفكير والتعبير وحرية اختيار أيديولوجياتهم وأديانهم وعقائدهم وأنماط حياتهم، ويقتصر دورها على إدارة شؤون المجتمع المادية والإقتصادية والإجتماعية بدون أجندة دينية أو أيديولوجية.
الديموقراطية Tugdut
وظيفة الديموقراطية في المجتمع هي تطبيق برنامج الأغلبية مع حفظ الحقوق الإنسانية للأقلية والأغلبية. الديموقراطية لكي تكون عادلة يجب أن تكون مبنية على مبادئ الحرية وحقوق الإنسان، وإلا تحولت إلى نوع من شريعة الغاب تسحق فيها الأغلبيةُ الأقليةَ، ويأكل فيها القويُّ الضعيفَ. الديموقراطية ميكانيزم (آلية) لتطبيق مبادئ حقوق الإنسان في المجتمع ولتدبير الإختلاف في الآراء والمصالح بين الأفراد.
حينما يختلف الناس حول مصلحة عمومية (تدخل في مجال الشأن العام وليس الخاص) يتم اللجوء إلى المنهج الديموقراطي (أي إفساح المجال لكل الآراء والمقترحات)، ثم إلى الميكانيزم الإنتخابي الديموقراطي لإختيار الحل التي تريده الأغلبية بشرط أن لا يعتدي على الحقوق الإنسانية للأقلية أو الأغلبية. حينما تنتهك الدولة أو الحكومة حقوقَ الإنسان فهذا يعني بأنها دولة/حكومة استبدادية حتى لو كانت مبنية على أصوات الأغلبية. فحقوق الإنسان غير معنية بآراء الأغلبية أو الأقلية، وإنما هي معنية بحقوق وحريات الإنسان الفرد.
التضامن Tawiza
كل المجتمعات التي تسود فيها قيم الحرية الفردية والمصلحة الشخصية (وهي قيم أخلاقية ما دامت لا تعتدي على حياة وحرية الإنسان) تحتاج دائما إلى شيء مهم وأساسي:
التضامن، ومشتقاته كالتعاون والتكافل والتراحم والتآخي والتآزر.
المجتمع غير المتضامن والمبني على الفردانية المطلقة والأنانية القصوى والرأسمالية الكاملة لا يستحق صفة "المجتمع" وإنما هو "سوق أسبوعية" أو "حلقة هزلية" أو "جمهرة عشوائية من الناس".
والدولة التي لا تقوم بواجبها في تأسيس مجتمع متضامن مبني على المساواة والحرية والعدالة الإجتماعية لا تستحق صفة "الدولة" وإنما هي "قباضة لجمع الضرائب" أو "شركة تأمين" أو "نادٍ يرعى مصالح الزبناء المشتركين".
قد يبدو للبعض أن "التضامن والتعاون والتكافل" نوع من "الأعمال الخيرية" التي "يتكرم" بها المحظوظون الأغنياء على الفقراء والضعفاء ك"منة" أو "صدقة". هذا كلام فارغ طبعا. فالموارد الطبيعية ملك لكل البشر. وجميع الناس لديهم حاجات إنسانية أساسية (كالغذاء والدواء والتعليم والسكن اللائق) يحق لهم الحصول عليها مهما كان مركزهم الإجتماعي وسواء كانوا أغنياء أو محتاجين، محظوظين أو غير محظوظين، عاملين أو معطّلين. والألقاب الطبقية مثل "غني"، "فقير"، "شخصية مهمة"، "ابن فلان"، "رئيس"...إلخ لا معنى لها ولا قيمة لها حينما يتعلق الأمر بالحاجات الأساسية للإنسان. وتوفير الحاجات الأساسية لكل إنسان بغض النظر عن مركزه الإجتماعي وحالته الإقتصادية واجب على الدولة وكل أفراد المجتمع (عبر نظام ضريبي واقتصادي عادل مثلا).
والأفراد، رغم امتلاكهم الحرية الفردية والقدرة على التميز والإغتناء والإكتفاء الذاتي والإستقلال عن الآخرين، يبقون أفرادا محدودي القوة والقدرة وقابلين للإنكسار في أية لحظة. لهذا فالمجتمع المتضامن هو بوليصة تأمين دائم وغير مشروط لجميع أفراده. والمصلحة العامة للمجتمع تصب في النهاية في المصلحة الخاصة للأفراد ولكن بشكل متوازن وعادل.
ونجد أن أوروبا الغربية واليابان وأستراليا وأميريكا الشمالية هي أكثر المجتمعات تضامنا وتكافلا على الإطلاق. حيث تملك نظاما اجتماعيا يحمي ويساعد الفقراء والمرضى والمعطلين إلى حد ما، وتملك أكبر عدد من منظمات التضامن الإجتماعي والعمل الخيري والتعاوني. وهذا كله ينعكس على ارتفاع معدلات التنمية البشرية لديها بالمقارنة مع بقية بلدان العالم. بل إن حتى "أسعد الناس" نسبيا في العالم يعيشون في تلك المجتمعات، حسب عدد كبير من الإستطلاعات.
الإنسانية Tiffugna
وهي اتجاه فكري أو فلسفي أو أخلاقي يركز على قيمة الإنسان وحياته وأفكاره الحرة. الإنسانية تركز على محورة الحضارة حول الإنسان وتجعل الأخلاقيات منبثقة من العقل والعلم ومسايرة للطبيعة الإنسانية وغير محاربة لها. الإنسانية تحترم الحاجات الجسدية والنفسية للإنسان وتفتح المجال لإهتماماته الفكرية وتشجعه على توسيع قدراته العلمية. المقصود هنا ليست فقط تلك "الحركة الإنسانية" التي ظهرت في أوروبا في عصر النهضة، وإنما المقصود هو مجموع الأفكار الإنسانية البناءة التي طورتها الحضارات في كل بقاع العالم، وأوروبا ليست أولها ولا آخرها. ف"الإنسانية" أو "حقوق الإنسان" ليست اختراعات أوروبية أو أمريكية. فكل ما في الأمر هو أن الأوروبيين والأمريكيين استفادوا من إنجازات وتراكمات الحضارات الأخرى وأضافوها إلى إنجازات وتراكمات حضارتهم فتمكنوا من بناء حضارة إنسانية حديثة راقية نسبيا، مازالت تتطور وتتحسن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.