بالفيديو: جزائري يفضح مقر الذباب الإلكتروني الذي يحركه تبون    مصر تدين قرار إسرائيل تعليق المساعدات وتعتبره انتهاكا لاتفاق غزة    وكالة بيت مال القدس تطلق كرسي الدراسات المغربية في جامعة القدس    بسبب رفضها التعاون في مجال الهجرة.. السلطات الفرنسية تمنع دخول بعض المسؤولين الجزائريين    برباعية نظيفة.. برشلونة يعتلي القمة مستفيدًا من تعثر ريال مدريد    نشرة انذارية : تساقطات ثلجية مرتقبة على المرتفعات التي تتجاوز 1800 متر    إبنة الحسيمة أمينة لبحر تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة "مشرف جدًا"    المغرب.. تأسيس شركة عسكرية رائدة جديدة لتصنيع وتطوير المعدات الدفاعية    الملك محمد السادس يتوصل ببرقية تهنئة من الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي بمناسبة حلول شهر رمضان    الهمهمات اللغوية.. أكثر من مجرد أصوات عشوائية    البوتان يقتل 4 أشخاص بأزغنغان    وكالة بيت مال القدس تطلق كرسي الدراسات المغربية في جامعة المدينة    المغرب يشهد "ماراثون السينما"    التنسيق النقابي الصحي يدق ناقوس الخطر ويحذر من شل القطاع    أسعار مرتفعة للأسماك بالسوق المركزي لشفشاون في أول أيام رمضان    الخبير الاقتصادي محمد الشرقي: المغرب يعتمد على نفسه في تمويل المونديال -فيديو-    في أول أيام رمضان.. سوق الجملة الهراويين يستقبل أطنانا من الأسماك    بوريطة: العلاقات المغربية الألبانية متينة وتاريخية لكنها بحاجة إلى تنشيط آلياتها    مسلسل "رحمة".. رحلة في أعماق الدراما المغربية على MBC5 في رمضان    مأساة في أول أيام رمضان.. العثور على جثة شاب مشنوق بغابة طنجة البالية    سوق الجملة للهراويين يستقبل 720 طناً من الأسماك في أول أيام رمضان    "رمضانيات طنجة الكبرى" تقترح برنامجا غنيا ومتنوعا في دورتها الرابعة    حلفاء أوكرانيا يلتقون في لندن لبحث الضمانات الأمنية بأوروبا في ظل المخاوف من تقارب أمريكي-روسي    السعودية تحظر تواصل الأبناك مع الزبائن عبر "واتساب"    "خليه عندك".. حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة المنتجات ذات الأسعار المرتفعة    القضاء المغربي يدين "راقيا شرعيا" تسبب في وفاة سيدة    هبوط ناجح لمركبة فضائية أمريكية تابعة لشركة خاصة على سطح القمر    أبرز الترشيحات لجوائز الأوسكار بنسختها السابعة والتسعين    غلال الفلاحة المغربية تبهر باريس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    90 ثانية لكسر اللاعبين المسلمين صيامهم بالدوري الأسترالي    إحباط محاولة تهريب 26 كيلوغراما من "الشيرا" بميناء الناظور    استطلاع: الألمان يمتنعون عن شراء السيارات الكهربائية    حجب الثقة يقيل وزير مالية إيران    رافينيا على رادار الهلال.. الشرط الجزائي قد يسهل الصفقة    فليك يراهن على هذه الخطة للحفاظ على صدارة برشلونة    المغرب يراهن على تحقيق 52% من الطاقة المتجددة بحلول 2030 والتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 42%    أموريم يفرض عقوبة "غريبة" على نجم مانشستر يونايتد    تنصيب ياماندو أورسي رئيسا جديدا للأوروغواي    اتفاق نهائي بين المغرب الفاسي والألماني توميسلاف لقيادة الفريق خلال الفترة المقبلة    "فيفا" يمنح القنوات التليفزيونية حق استغلال الكاميرات الخاصة بالحكام في مونديال الأندية    صدور عدد جديد من مجلة "القوات المسلحة الملكية"    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي الكزاز يقود مباراة بوروندي وكوت ديفوار    المغرب والعرش العلوي .. بيعة راسخة ودعاء موصول    "دكاترة العدل" يكرمون الوزير وهبي    الوقاية المدنية تنفذ أزيد من 61 ألف تدخل بجهة بني ملال-خنيفرة خلال سنة 2024    كلية الحقوق بطنجة تحتضن يوماً دراسياً حول المنهجية القانونية وأخلاقيات البحث العلمي    عمالة شفشاون تحدث خلال رمضان ديمومة لتلقي شكايات حول المس بالقدرة الشرائية    أكرد بخصوص كيفية الحفاظ على لياقته: "رمضان شهر مقدس بالنسبة لنا ومع خبراء التغذية فإنه يسير بشكل جيد للغاية"    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    شبكة صحية تدعو إلى تكثيف الحملات التطعيمية ضد "بوحمرون"    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رموز سلفية منسية في تاريخ المغرب الحديث
نشر في هسبريس يوم 14 - 07 - 2012

هناك اسمان سجل لهما التاريخ إضافة مهمة للنشاط الدعوي بمغرب ما قبل السبعينيات وقليلا ما تنتبه إليهما الأقلام الأكاديمية والصحفية، أحدهما داعية سجل له التاريخ بعض المبادرات العملية في حقل الدعوة وهو سيدي أحمد بن محمد أكرام (1884 -1956)، وثانيهما مصلح اشتهر بإسهامه النظري في محاربة البدع ونبذ التقليد وهو سيدي محمد بن محمد بن عبد الله المؤقت(1894- 1949).
فإلى جانب نشاطه العلمي في المدرسة الحرة التي أسسها بسيدي بوحربة بمراكش وتدريسه بجامع ابن يوسف، كان محمد أكرام يخصص بعض الوقت للطبقات الشعبية فقد كان له درس أسبوعي في صحيح مسلم والتفسير1 ، و سرعان ما استهوته هذه الطبقة التي أصبحت تتقاطر على مجالسه وغدا له جمهور كبير يلازم دروسه التي تقام بمسجد بن يوسف و مسجد حارة الصورة و المواسين، وقد اكتسب هذه الشهرة نظرا لمواقفه الشديدة والصارمة تجاه البدع، وتنديده البالغ بالطرقيين. فكانت دروسه دعوة سلفية إصلاحية تروم تصفية العقيدة من شوائب البدع والخرافات متأثرا في ذلك بأفكار ابن تيمية ومناصرا للوهابية التي تأثر بها أثناء المرتين اللتان أدى فيهما فريضة الحج. ومما يروى عنه، أنه كثيرا ما كان يتراشق مع علماء ابن يوسف بالكلمات فوق المنابر خصوصا مع العلامة محمد بن الحسن الدباغ. ومن مواقفه الإصلاحية، أنه عمد مع ثلة من أتباعه إلى شجرة كانت بحارة باب دكالة بمراكش فقطعها، بعد أن كانت النساء يعقدن بها التمائم والحروز، وغير ذلك مما تعتقد انه يسعف في درء الأذى وجلب الخير.
وقد تولى أكرام الخطابة بمسجد بريمة وتخلى عنها في أواخر حياته تورعا، كما عرض عليه تولي القضاء فرفض، ولما أسس النظام بجامع ابن يوسف عام 1935 رفض التدريس به اعتقادا منه بأن الصندوق الذي يؤدى منه رواتب العلماء مصدره حرام، ولذلك كان يسميه الصندوق الأسود، مع أن حالته المادية يومها كانت ضيقة، بحيث لم يكن له من السعة ما يجعله يرفض مثل هذه العروض2.
أما عبد الله ابن المؤقت، فقد اشتهر بدعوته الصريحة إلى نبذ التقليد وإصلاح الممارسات الدينية بالرجوع بها إلى صيغها الأولى، مما أكسبه شهرة في الثلاثينيات من هذا القرن، وكان ابن المؤقت قد نشأ في بيئة علمية، من أسرة صوفية بزاوية الحضر بمراكش، وكان والده من كبار علماء التوقيت ممن اشتهروا بالتصوف، وقد قضى فترة طويلة من عمره بمسجد بن يوسف آخدا على علمائها، وقد اندمج في بداية شبابه في الطريقة الفتحية مندمجا فيها اندماجا كاملا، واضعا مؤلفا خاصا في مناقب شيخها أحمد الباني سماه "معرج المنى والأماني في مناقب القطب الرباني شيخنا فتح الله أحمد الباني". كما ألف رسالته المسماة "إرشاد أهل السعادة لسلوك كمال السادة" دافع فيها عن وجوب اتخاذ شيخ حي يهتدي به المريد إلى طريق الحق والخير.
لكن انفتاح ابن المؤقت على كتابات معاصريه من الشيوخ كمحمد عبده والعلامة رشيد رضا، كان سببا مباشرا في تغيير توجهه الديني، فقد نمى حسه النقدي وبدأ يقوم بنقد شديد شامل للأوضاع من حوله، كان من اهتماماته الجديدة انتقاد الطريقة الفتحية التي كان انسحب منها، فبدأ يهاجم كل الطرق والزوايا والعديد من الممارسات الدينية التي أصبح يراها بدعة ليست من الدين في شيء.
لم يترك ابن المؤقت في كتاباته وعبر دروسه الفرصة تمر بدون سرد عيوب ومساوئ الطرق الصوفية المغربية، بحيث وضعها في سلة واحدة منبها إلى أنها أصل كل داء حل بالمجتمع، وفي ذلك قال: «ولا جدال في أن كثيرين من هذه الطوائف جناة على الأمة الإسلامية، إما بجهلهم وجمودهم، وإما بابتعادهم عن الشرع ومحاولتهم اصطياد الدنيا بشبكة الدين. وإذا أقرعهم إنسان بما جاء في الكتاب أو السنة أطلقوا فيه ألسنتهم بالسب، بل ربما كفروه وفسقوه، ورموه بكل شنيعة...»3
وكان من المؤشرات الدالة على تأثير النشاط الدعوي الذي مارسه ابن المؤقت قيام حملة ضده من قبل ثلاثة قضاة بتحالف مع بعض أقطاب الطرق الصوفية، وذلك بعد ظهور مؤلفه " الرحلة المراكشية" الذي أظهر فيه تأثرا واضحا بالعقيدة السلفية من حيث اعتباره للإصلاح الديني مدخلا لكل إصلاح اجتماعي وسياسي وثقافي، فقد رفع المتحالفون ضده شكوى إلى باشا مدينة مراكش و طالبوا من محمد الخامس التدخل للجم لسان الشيخ، كما قام قاضي سطات أحمد سكيرج، ومقدم الطائفة التيجانية آنذاك بالرد على ابن المؤقت بمؤلف أسماه " الحجارة المقيتة لكسر مرآة المساوئ الوقتية" ، إلا أن ابن المؤقت ألف بدوره كتابا يرد فيه على ما اعتبره افتراءات أحمد سكيرج، غير أن الكتاب صودر من السوق وأحرق في علامة على توثر العلاقة بين الشيخ ومحيطه الثقافي4.
من مجهوداته في مواجهة ما كان يعتبره انحرافات وأباطيل دينية تأليفه لكتاب " لبانة القارئ من صحيح البخاري"، و " السيف المسلول على المعرض عن سنة الرسول"، و" بغية المسلم من صحيح الإمام مسلم"، و بالإضافة إلى ما ألف ردا على الطريقة الفتحية التي كان يتبعها الف بهذا الخصوص أيضا " هدم الباني في كشف الغطا عن زلقات الشيخ الرباطي البناني".5
لكن الشيخين (أكرام والمؤقت) يبقيان استثناءا ولا يمكن اعتبار مجموداتهما جزءا من حركية ما في الحقل الدعوي بمراكش ما قبل السبيعنيات، وبشكل عام، فقد عانت السلفية المعبر عنها داخل الحركة الوطنية ككل من قلة الرموز المعبرة عن هذا التوجه الديني، وهذا ما يفسر لماذا ظلت الحركة الوطنية تعمل وباستمرار على تأكيد وجود رمز سلفي واحد هم محمد بن العربي العلوي، والحال أن الشيخ كان قليل الكتابة ناذر التأليف إلا ما كان من بعض التعليقات والتقاريض على كتب من كان يجهلهم من معاصريه من العلماء والكتاب6.
******
1 - على خلاف من عاصرهم من الفقهاء والذين استمروا في تقليد الاعتناء المبالغ فيه بالغة والفقه. إبراهيم الوافي: الدراسات القرآنية..م.س، ص 274-278
2 - المصدر: روايات شفوية عن أسرة الشيخ وتلامذته، جمعها أحمد متفكر في موسوعة معلمة المغرب (سلا: الجمعية المغربية للتأليف والنشر،1989 )، ص 610-611.
3 - محمد بن عبد الله المؤقت، الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية ( الدار البيضاء: النجاح الجديدة، الطبعة الثانية، 2000)، ص 11.
4 - أحمد الشقيري الديني ، في تقديمه لكتاب عبد الله ابن المؤقت: الرحلة المراكشية، المرجع نفسه، ص 5-8
5 - إبراهيم الوافي: الدراسات القرآنية..م.س، ص 254
6 - سعيد بن سعيد العلوي، الاجتهاد والتحديث: دراسة في أصول الفكر السلفي في المغرب ( مالطا: مركز دراسات العالم الإسلامي، 1992)، ص 22


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.