أفلح سدنة "الحرية الجنسية" في استدراج الشيخ والداعية الغيور على دينه ووطنه السيد عبد الله النهاري إلى أجندتهم السياسية ومخططهم الهادف للتشويش على مسار التحول الديمقراطي والإشغال عن الأولويات الحقيقية للمرحلة. نجاح هؤلاء في جر الشيخ إلى المربع الذين يتقنون منه التهجم على الشعب المغربي وممارسة وصايتهم عليه بوصفه "منافقا" و"غير ناضج" لاستيعاب حداثتهم حسب تعبيرهم، يتمثل في الضجة المفتعلة التي قادتها كتائب الإستبداد المتمترسة في قناة 2M أو المنتشرة في بعض الصحف المأجورة . فأيا كان موقف الشيخ من موضوع "الديوتية" والتجاسر على قيم المغاربة، إلا أن توقيت وشكل وصيغة التعبير عن هذا الرأي قد ساهم في تقيدم فرصة إستثنائية لهلاء لكي يصرفوا الإنظار عن مطلب محاربة الفساد والإستبداد. ومن يحميهما ويحولو الرأي العام إلى الإنشغال بمن مع "حرية ممارسة الأخت أو الأم للجنس خارج مؤسسة الزواج" وهو التعبير الملطف "لاقتراف الأخت لجريمة الفساد أو ارتكاب الأم لجريمة الخيانة الزوجي"ة وبالتعبير الأكثر وضوحا "ارتكاب فاحشة الزنى خاصة بالنسبة للمحصنة". ليس من مهام هذا المقال الدخول في مناقشة هل الزنا من الحريات الشخصية وهل يندرج الدفاع عن إلغاء تجريم الفساد والخيانة الزوجة المنصوص على عقوبتيهما في الفصل 490 من القانون الجنائي في صميم المنظور الديمقراطي لحقوق الإنسان أم لا يعدو كونه جزء في اجندة للتوظيف الإديلوجي لمبادئ وقم حقوق الإنسان واستغلالها في الصراع السياسي، لأن ذلك منتهي عند غالبية المغاربة التي حسمت أمرها يوم فاتح يوليوز بتصويتها على دستور ينحاز على ثوابت الأمة ومقوماتها الدينية ويجعل أحكام الدين الإسلامي تسمو فوق المواثيق الدولية وعنصر الإحتكام الأول للأمة في حياتها العامة ويبوؤ أحكام هذا الدين مكان الصدارة ضمن مكونات الهوية الوطنية للمغرب. بيد أن مقالي سينصب حول مناقشة هل ما صرح به الشيخ النهاري يندرج في إطار التحريض على القتل أو في إطار حرية الرأي والتعبير. ثم هل ما قامت به الضابطة القضائية بمسارعتها إلى التحقيق في المنسوب إلى الشيخ مباشرة بعد حملة تحريض مبرمجة ضد الشيخ من قبل صحف وقنوات عمومية يعتبر مجرد ممارسة عادية للصلاحيات القانونية المخولة للنيابة العامة؟ أم أنه يمكن أن يرقى على السقوط ضحية أعمال التأثير على القضاء ومحاولة تويظيفه لأغراض إديلوجية وسياسية؟ إذا سلمنا لمن يقول بأن الصحفي لم يمارس سوى حريته في التعبير عن رأيه وأنه اتخذ كل الإحتياطات لعدم السقوط في جرائم التحريض على الفساد واستثارة العامة والتحريض على الفتنة والتعصب وأزدراء المشاعر الدينية وذلك من خلال الجواب المبني للمجهول على سؤال واضح في قناة تبث للجمهور يتعلق "بهل يرضى ممارسة الجنس لأمه وأخته"؟، فإننا نحاجج هؤلاء بكون الشيخ النهاري، الذي لا نواقفه على ما ذهب إليه لا في مضمونه ولا في توقيته، هو الآخر لم يقم ، بشكل مجرد ودونما تشخيص او تعيين خاصة، سوى بالتعبير عن رأيه واستدعاء مقولة دينية مبثوثة في الكتب الدينية أيا كانت درجة صحتها وما إذا كان مناسبا الإستدلال بها ام لا. لا احد يجادل في كون الشيخ النهاري ضد "الإفتئات" حسبما هو وارد في خطبه ودروسه خاصة التي كان يعالج فيها قضايا العنف والإرهاب خاصة ولموضوعات فقه تغيير المنكر الذي يجعل التغيير باليد من صلاحيات السلطات المختصة والتغيير باللسان من مهام العلماء والتغيير بالقلب لعموم الناس، كما هو مبين في الحديث الشريف " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان". ومن هنا يتبين أن السعي إلى تلفيق تهم التحريض على القتل للشيخ يعتبر تحريفا للنقاش وعملا ينطوي على كثير من الخفة و لا يقدر عواقب التعسف في تحميل الخطاب ما لا يحتمل إلا إذا كان هنالك من يعتبر مجرد تلاوة آيات قرأنية أو أحاديث نبوية أو نصوص دينية يعتبر بمثابة تحريض على القتل وليس بيان لحكم ديني بالقول واللسان وايا كانت درجحة اتفاتقنا أو اختلافنا حول مدلول هذه النصوص الدينية فوحدها الحجة والبرهان والنقاش الكفيلة بضحض التفسيرات الخاطئة وليس توريط القضاء والإستقاوء بإعلام ركيك ورتيب يتطلع المغاربة لكي يطاله رياح الربيع العربي . نعم لقد أخطأ الشيخ النهاري في مضمون هذا الرأي الذي عبر عنه حسب وجهة نظري، وأخطأ في توقيت التعبير عنه وفقد البوصلة في التعاطي مع مخطط فلول الإستبداد، لكنه بالقطع لم يرتكب ما يدخل في عداد جريمة التحريض على القتل لانعدام جميع أركانها ولغياب أي قرينة يمكن ان تكيف الرأي الديني الذي عبر عنه على انها تحريض على الإعتداء على الحرية الجسدية لهذا الصحفي. وإذا كانت النيابة العامة من صلاحياتها تلقائيا او بناء على شكاية التقصي والبحث في ما تدعيه وسائل الإعلام من تهم تنسبها إلى هذا الشخص أو ذاك، على الأقل بغاية منع الإنزلاق، فإنها بفعلها الأحادي اتجاه أحد الأطراف فقط، يخشى منه أن تسقط في الإنحياز والإنتقائية وممارسة الإزدواجية مما يضعها في مواجهة تهمة الإستجابة لضغوط وتأثيرات الجهات النافذة والإئتمار بأوامر أطراف خارجية عن القضاء وهذا ما سيشكل سابقة خطيرة منذ دخول دستور فاتح يليوز حيز التنفيذ. وانتهاكا صريحا للفصل 109 من الدستور الذي "يمنع القاضي بشان مهمته من تلقي أي أوامر أو تعليمات ومن الخضوع لي ضغوط" كما ينص في ذات الفصل على معاقبة القانون لكل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة".