بإمكان الشاعر أحمد مطر أن يعد نفسه من الذين وضعوا البذور الفكرية للثورة في عالمنا العربي عبر إنتاجه الشعري الغزير الذي تمحور جله حول الدعوة إلى التخلص من استبداد الطغاة والمستبدين الذين تسلطوا على رقاب العباد وأكثروا في الأرض الفساد فصبت عليهم الشعوب سوط عذاب وكانت لهم بالمرصاد،وأدرج مطر العناوين الفرعية لقصائده تحت عنوان مركزي هو"لافتات" لتتخذ شعارات لمظاهرات لا مجرد تذوُّق ساكن وبليد لإبداع شعري محلق في الفضاء،وتُعتبر قصيدة "خمسة أشرار" أحدث ما سطَّره يراع أحمد مطر،تناول فيها بلغة الشعر قصة خمسة مستبدين مع شعوبهم:بن علي تونس ومبارك مصر وقذافي ليبيا وصالح اليمن وبشار سوريا،وقبل أن نوردها ونعلق عليها،نأتي على ذكر نماذج من قصائد الشاعر التي ألفها على نحو يمتزج فيه التحريض بالسخرية،والتصريح بالكناية والإيحاء والتورية والتعريض والاستعارة،ومنتهى البغية ومرمى الطرف أن تثور الشعوب على حكامها المتألهين الذين أوجدوا أوضاعا غير طبيعية غابت فيها الحرية وتحكمت الدولة الأمنية وانتشر التعذيب 1. ومن المشين في رأي مطر أن يطوي أي شاعر كشحا عن تلك الأوضاع وينخرط في جوقة المادحين والمصفقين والوصوليين والمتملقين والمتسلقين: كفرتُ بالأقلامِ والدفاتِر../.. كفرتُ بالفُصحى التي../.. تحبلُ وهيَ عاقِرْ../.. كَفَرتُ بالشِّعرِ الذي../.. لا يُوقِفُ الظُّلمَ ولا يُحرِّكُ الضمائرْ../.. لَعَنتُ كُلَّ كِلْمَةٍ../.. لمْ تنطَلِقْ من بعدها مسيره../.. ولمْ يخُطِّ الشعبُ في آثارِها مَصيرهْ../.. لعنتُ كلّ شاعِرْ../.. يُغازِلُ الشّفاهَ والأثداءَ والضفائِرْ../.. في زمَنِ الكلابِ والمخافِرْ.. 2. نحن أمام صنف من الحكام نسبوا الكثير من خصائص الألوهية لأنفسهم،وحاكوا القول الفرعوني "مأريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد": هو من يبتدئ الخلق../.. وهم من يخلقون الخاتمات../.. هو يعفو عن خطايانا../.. وهم لا يغفرون الحسنات../.. هو يعطينا الحياة../.. دون إذلال../.. وهم، إن فاتنا القتل،../.. يمنون علينا بالوفاة 3. وعرَّج على التعريض بالدولة البوليسية التي تتحكم فيها أجهزة الأمن والمخابرات: كلب والينا المعظم../.. عضني اليوم ومات../.. فدعاني حارس الأمن لأعدم../.. عندما اثبت تقرير الوفاة../.. أن كلب السيد الوالي تسمم../.. مُخبرٌ يسكنُ جنبي../.. مُخبرٌ يلهو بجيبي../.. مُخبرٌ يفحصُ عقلي../.. مُخبرٌ ينبشُ قلبي../.. مُخبرٌ يدرسُ جلدي../.. مُخبرٌ يزرعُ خوفي../.. مُخبرٌ يحصدُ رعبي../.. 4. ويتكشف الاستبداد عن تَحكُّم رهيب في وسائل الإعلام للدعاية وتزوير الحقائق وتغميض الأحوال على الناس: لي صديق بتر الوالي ذراعه../..عندما امتدت إلى مائدة الشبعان../.. أيام المجاعه../.. فمضى يشكو الى الناس../.. ولكن../.. أعلن المذياع فوراً../.. أن شكواه إشاعه../.. فازدراه الناس وانفضوا../.. ولم يحتملوا حتى سماعه../.. وصديقي مثلهم .. كذب شكواه../.. وأبدى بالبيانات أقتناعه 5. ولا تسأل عن قضاء المستبد فقد هجرته العدالة والاستقلالية: الخراطيمُ وأيدي ونعالُ المخبرينْ../.. أثبتتْ أنَّ السجينْ../.. كانَ من عشرةِ أعوامٍ ../.. شريكاً للذينْ../.. حاولوا نَسْفَ مَواخيرِ أميرِ المؤمنين../.. نَظرَ القاضي طَويلاً في مَلفَّاتِ القضية../.. بهدوءٍ ورويهْ../.. ثُمَّ لمّا أدْبَرَ الشَّكُّ ووافاهُ اليقينْ../.. أصدرَ الحُكمَ بأنْ يُعْدَمَ شنقاً../.. عِبْرَةً للمجرمينْ 6. فأي شعب هذا الذي استمرأ الخضوع وبَرَّز في التلذذ به،ولم يعد يُحسن غير الثغاء في قطيع الحاكم: يتهادى في مراعيه القطيع../.. خلفه راعٍ ، و في أعقابه كلبٌ مطيع../.. مشهد يغفو بعيني و يصحو في فؤادي../.. هل أسميه بلادي ؟ حي على الثورة 7. يجد المرء في قصائد أحمد مطر إيمانا مبكرا بإمكانية وقوع الثورة رغم قتامة الصورة التي كان يرسمها للمشهد السياسي العربي: قطفوا الزهرة.. قالت من ورائي برعم سوف يثور../.. قطعوا البرعم.. قال غيره ينبض في رحم الجذور../.. قلعوا الجذر من التربة.. قال إنني من أجل هذا اليوم خبأت البذور../.. كامن ثأري بأعماق الثرى../.. وغداً سوف يرى كل الورى../.. كيف تأتي صرخة الميلاد من صمت القبور../.. تبرد الشمس ولا تبرد ثارات الزهور../.. 8. وعلى وقع الثورة استيقظ مطر(لأنه كان قد دعا إلى إيقاظه بشروط) أيقظُوني عندما يمتلكُ الشعبُ زِمامَه../.. عندما ينبسِطُ العدلُ بلا حَدٍّ أمامهْ../.. عندما ينطقُ بالحقِ ولا يَخشى المَلامَةْ../.. عندما لا يستحي منْ لُبْسِ ثوبِ ألا ستقامةْ../.. ويرى كلَ كُنوزِ الأرضِ../.. لا تَعْدِلُ في الميزانِ مثقالَ كَرامهْ 9. ولقد استيقظ ليلج بشعره مرحلة جديدة تواكب الحراك الثوري،ويخاطب فيها الثوار،ويحكي قصة المستبدين الخمسة "خمسة أشرار"،بعد أن كان قد خص أشرَّهم "بشار" بقصيدة كاملة "الطبيب والقصاب" لأنه فاقهم في النذالة والسادية والوحشية والمكر،وقصيدة "خمسة أشرار" من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى من يفك لغزها ويتعقبها بالتعليق والشرح: عندي لغز يا ثوار يحكي عن خمسة أشرار ... الأول يبدو سباكاً والثاني ساقٍ في بار والثالث يعمل مجنوناً في حوش من غير جدار والرابع في الصورة بشرٌ لكنْ في الواقع بشار أما الخامس يا للخامس شيء مختلف الأطوار سباك؟ كلا..مجنونٌ؟ كلا..سَقَّاءٌ؟ بشار؟ لا أعرفُ، لكني أعرفُ أنَّكَ تعرِفُهُ مَكَّار جاء الخمسة من صحراءٍ سكنوا بيتاً بالإيجار جاءوا عطشى جوعى هلكى كلٌّ منهم حافٍ عار يكسوهم بؤسُ الفقراءِ يعلوهم قَتَرٌ وغُبَار رَبُّ البيتِ لطيفٌ جِدّاً أسَكّنهم في أعلى الدار واختار البَدْرُومَ الأسفل والمنزلُ عَشْرَةُ أَدْوَار هو يملك أَرْبَعَ بَقَرَاتٍ ولديه ثلاثةُ آبار أسرتُهُ: الأمُّ، مع الزوجةِ وله أطفالٌ قُصّار مرتاحٌ جداً، وكريمٌ وعليه بهاء ووقار مرّتْ عَشَرَاتُ السنواتِ لم يطلبْ منهم دينار طلبوا منه الماءَ الباردَ واللحمَ مع الخبز الحارّْ أعطاهم كَرَماً؛ فأرادوا ال آبارَ، وَحَلْبَ الأبقار أعطاهم؛ فأرادوا الْمِنْخَلَ والسِّكِّينةَ والعَصَّارْ أعطاهم حتى لم يتركْ إلا أوعيةَ الفخَّار طلبوا الفخارَ، فأعطاهم طلبوه أيضاً؛ فاحتار خجِلَ المالكُ أنْ يُحرِجَهم فاستأذنهم في مِشْوار خرج المالكُ من منزله ومضى يعمل عند الجار ليوفر للضيفِ الساكنِ والأسرةِ ثَمَنَ الإفطار سَرَقَ الخمْسَةُ قُوتَ الأسرةِ واتَّهَمُوا الطِّفْلَةَ {أبرار} ثم رأَوْا أن تُنْفَى الأسرةُ واتخذوا في الأمرِ قرارْ طردوا الأسرة من منزلها ثم أقاموا حفلةَ زَارْ أكلوا شرِبوا سَكِرُوا رَقَصُوا ضربوا الطَّبْلَةَ والمزمار باعوا الماءَ وغازَ المنزلِ وابتاعوا جُزُراً وبِحَار وأقاموا مدناً وقُصُوراً وحدائقَ فيها أنهار وتنامَتْ ثرْوَتُهم حتى صاروا تُجَّارَ التُّجَّار حَزِنَ المالكُ مِنْ فِعْلَتِهِمْ وَشَكَا لِلْجِيرَةِ ما صَار قالوا :{أَنْتَ أَحَقُّ بِبَيْتَكَ والأُسْرَةُ أَوْلَى بالدار} فمضى نحو المنزل يسعى واستدعى الخمسةَ وَأَشَارْ خاطَبَهُمْ بِاللُّطْفِ: {كَفَاكُمْ في المنزل فوضى ودمار أحسنت إليكم فأسأتم}؛ فأجابوا: {أُسْكُتْ يا مهذار لا تفتحْ موضوعَ المنزلِ أوْ نَفْتَحَ في رأسِكَ غارْ} فانتفضَ المالكُ إعصاراً وانفجرُ البركانُ وثار أمَّا الأَوَّلُ: فَهِمَ الْقِصَّة؛َ فاستسلَمَ للريح وطار والثاني: فكَّرَ أنْ يبقَى وتحدَّى الثورةَ؛ فانْهَارْ فاستقبَلَهُ السِّجْنُ بِشَوْقٍ فِذٍّ هُوَ والإبِنْ البارّْ والثالثُ: مجنونٌ طَبْعاً قال بِزَهْوٍ واسْتِهْتَارْ: {أنا خَالِقُكُمْ وسَأَتْبَعُكُمْ زَنْقَهْ زنقه .. دارْ دارْ} أَرْغَى أَزْبَدَ هَدَّدَ أَوْعَدَ وَأَخِيراً: يُقْبَضُ كالفار ولقدْ ظَهَرَتْ في مَقْتَلِهِ آياتٌ لأولي الأبصار والرابع والخامس أيضاً دَوْرُ الشُّؤْمِ عَلَيْهِمْ دَارْ لم يَعْتَبِرُوا، لَكِنْ صَارُوا فيها كَجُحَا والمسمار اُخْرُجْ يا هذا من داري! {لنْ أخرجَ إلا بحوار} إرْحَلْ هذي داري إِرْحَلْ!! لن أرحلَ إلا بالدَّار إمَّا أنْ تَتْبَعَ مِسْماري أوْ أنْ أُضْرِمَ فيها النار فاللغزُ إذنْ يا إخوتنا عقلي في مُشْكِلِهِ حَارْ هل نعطي الدارَ لمالكها؟! أم نعطي رَبَّ المسمار؟! هل لوْ قُتِلَ المالِكُ فيها هُوَ في الجنةِ، أم في النار؟! هل في قول المالك: {إرحَلْ يا غاصبُ} عَيْبٌ أوْ عار!؟ هل لُغْزِي هذا مَفْهُومٌ؟! مَنْ لم يفهمْ فهو.........!! ...............................