ضربة جديدة للنظام الجزائري.. جمهورية بنما تعمق عزلة البوليساريو    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    وهبي يشارك في انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب    كأس إفريقيا للسيدات... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة الكونغو والسنغال وزامبيا    الصحف الصينية تصف زيارة الرئيس الصيني للمغرب بالمحطة التاريخية    نشرة إنذارية.. طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المملكة    التعادل يحسم ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    يوم دراسي حول تدبير مياه السقي وأفاق تطوير الإنتاج الحيواني    MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بؤس الكتابة الهانية (4)
نشر في هسبريس يوم 23 - 03 - 2012

انتهينا في الجزء الثالث عن الحديث عن بعض تجليات التفيهق التي عبرت عن نفسها بشكل ناصع في منطوق اللغة الزئبقية ، و نواصل معكم جرد أبعادها و تمظهراتها لأجل رفع المستور في محمول الكلام لتتضح الصورة للعموم ، و قد أنهينا الحديث عن صيغته الأولى مشخصة في جملته " فنحن أهل للآداب مع أهلها " و نستمر إن شاء الله في رصد باقي الصيغ بتعبيراتها المختلفة :
- صيغ الأنا الفرعونية : من عادة مُستنَقعات المتفيهقين أن يكثروا من خطاب الذات باستعلاء و تغوّل يتحدثون بأسلوب عمودي في توضيحاتهم العنيفة كما لو أنهم ناطقون رسميون باسم الحقيقة ، ثم لا يخجل الرجل فيدبج ترهات حول الجماعة و يصفها بكونها " ترسل خطابها إرسالا عموديا يتنزّل فوق الرؤوس ولا يخلق مساحة أفقية تستدعي قدرا من التّواصل السّويّ والفكر النقدي الجذري " ، ما قرأنا شيئا للرجل يتهم الآخر إلا و القاعدة تحيل مباشرة بأزمتهِ المستديمة في تعويض نقصِه ، ما من شيء يتهم به الغير إلا و هو انعكاس لسوء شخصيته الفاشلة . اتهام الآخر بالجدل و هو مجادل ، اتهام بالعناد و هو أشهر من أن يُعرَّفَ بلجاجته ، اتهام بالإطناب و الحشو و جريدتُه تُجيبه ، اتهام بعدم الرد النقدي و ديباجاته فكر لولبي ،اتهام بعجز نقد الشيخ و انصياعه لعمائم التكفير يتحدى ،اتهام بالأخلاقوية و عشرات المعلقين يشيرون بقبح الرد الزَّبدي ، اتهام بالتحشيد تفضحهُ اصطفافات كلمات مكررة و عناوين سرابية ...و لا خجل . صيغ المتفيهقين أطياف شتى تجتمع في مصاف النزعة الكبريائية لتجعل من صاحبها مرجعا يُنزِلُ الحقائق عموديا فيحسبهُ العامي مُنظِّرًا وما هو بأكثر مِن مُخرج مسرحية يضعُ عناوينها المختارة ينتظر تصفيق الحاضرين ليس إلا ، " وهو وإن كان يتمثّل ثقافتنا في الاختلاف ويتهجّى فلسفتنا " " ولقد أدركنا من تلك الآفات ما خفي معظمه" " ولا يعلم أن الكاتب يراقبه منذ عقود" " ليس من عادتي أن أردّ على المريد"(و الفرق شاسع بينها و بين كلام السَّد زقاقي" ليس من عادتي أن أرد على ما يُكتب أو يُنشر") " أبينا إلاّ أن نفضحه بما يليق بمستواه" " الذي اطلعنا عليه قبل أن يفيق المريد من سبات الدّروشة" " لم يفهم المريد قصدي" " وقد بارزني المريد بنقد يقوم على فهم ساذج" " ولن يزايد علينا الروكي"...تلكم هي غيض من فيض تجليات نزعة التكبر ، تلكم هي لغة مثقف معقد امتلأ قلبه قيحا بشعا من سوء الأدب و قلة التواضع و غرور المعرفة المجردة التي طوّح بها شرفه و كياسته فحسِب نفسه فيها فارسا يفكك و يهجم و يبارز و ما هو بالمحصلة بأكثر من دونكشوطي حلمَ يوما بأسطورة فقامَ بدورته الكشكولية . لغة عنكبوتية رخوة يصيد بها عقول عصافير الطائفية و يخدعُ بها طلاب المجادلات في ساحات الحوزات الأفلاطونية ، أفلا يطالع الرجل كم استقبح شيوخهم العُجْب و ذموه في كتبهم فليقرأ إذن لعلي بن بابويه يقول لأمثال هؤلاء الطينة " ... و لا جهل أضر من العُجب " في (فقه الرضا) !
- عناوين التبخيس و الاحتقار : في مقال الجزء الأول عنوانان لا داعي للوقوف عندهما لأن كلاهما كلام يكرر بعضه البعض (النقد حق..النقد ضرورة و النقد والجماعة عدوّان ) و فيهما من الغلو الفكري و الاجترار الممل ما يجعل أي قارئ ينصرف عن قماماته الداخلية فلا جديد غير الكبرياء و التجهيل ( حوالي 176 سطرا من حجم 12 ) دون أن يلمس موضوعا طرحهُ السيد زقاقي ، مقالٌ هستيري أرادَ إفشال العملية الحوارية من أساسها من خلال قَنْبَلَةِ الآخر بمنطق تهكمي ساخر يُوَلِّدُ فقاعات خبيثة ترتطم على وجهه ، استحقَّ صاحبنا أن يُنعَتَ إذن منهجُه بمنهج التوليد و التهكم ، توليد مفردات الاحتقار وتفريخ كتاكيتها و السخرية مما عند الآخرين من ثقافة ، لا على طريقة سقراط في أسلوبه الغرائبي و إنما على طريقة سلوك دونكشوط العجائبي ، ويحَ الرَّجلِ يطمعُ أن يزيدَ غيره في حواره و لمّا يلجِ الجملُ في سمِّ الخياط ،ما أصابَ الرجلَ يحلم بحوار أفقي و هو ملوَّث القلم و العقل يذكِّرنا بقصة أفلاطون يتأمل في سماء التجريد رافعا رأسهُ فيتعثر و بجانبه جارية تضحك ، فقالت : سيدي أفلاطون يتأمل السماء و لا يدرِي ما تحته ! ويحكَ و لما تصبح مثقفا محترما لكَ أن تطلب فيأتي من صغار القوم من يدخل معكَ في حوار هادئ بعيدا عن فضاضة اللغة و قبح الكلام .
و في الجزء الثاني لم تخرج عناوينه السرابية عن معاني التسفيه و التصغير ، بحيث لم نعثر في مفاصله إلا على نقاش جانبي خاطف ارتبط بقضايا لم تكن أصلا عنوانا للنقاش المباشر مثل الحديث عن كتاب "التفكير المستقيم والتفكير الأعوج" لروبرت ثولس الذي لم يتجاوز فيه السيد زقاقي كتابة سطر و نصف و صاحبنا يدبج فيه 12 سطرا يسابق الريح ليستعرض سبقه في مطالعته مخافة أن يترك شيء لم يضع يده عليه ، هلاوس نفسية ! ومِن مثل ما عرَض عليه الرجل بالنقاش السريع ما جادت به لَغَوِياته " فقه الروكي وسلوك الحلاّج " ، فقد توجس خيفة من أن لا يقول كلمة حوله بعد ما فند الزقاقي وجه الشبه بالتاريخ القاطع فسارعَ إلى الاستقواء اللغوي عسى أن تفخخ المعاني و تزيدها طولا و عرضا فوجد نفسهُ ممثّلا ب " سقط في الحديقة" التي أعكسها ظلما على السيد زقاقي ، لا تتجاوز سطوره الخمسين بين كلام مرسل و ألفاظ إنشائية لو حذفنا منها مواضيع خارجة عنها يقحمها قسرا لما تبقى في جعبة الدونكشوط غير سلاحه الخشبي ، أما الحديث عن الخميني فسطورهُ أقزم من أن تُقارنَ بترسانة اللغو المهيمن برغم ما يحتل الرجل عندهم من مقام منزه عن الخطأ لا يقدر الدونكشوط و لا أمثاله أن يرفعوا عقيرتهم للكتابة نقدا أو حتى توجيها ، عجبا كيف يتصنعون الاجتهاد الفلسفي و بينهم مجتهد رحمه الله (فضل الله) قد لقي العنتَ و الاستئصال عندما قالَ كلمته في أساطير الفكر الشيعي فأبادوه بالفتاوى و التحريض ( فتاوى آياتهم الحائري وجواد التبريزي و الوحيد الخراساني ...) مخلصين لشيوخ التكفير المبكر ، اجتهاد مُدّعى و تقليد مُجتبى يا للمفارقة !
و في متون العناوين المختارة تشهد على صاحبه بنزعة التعالي و التجهيل (في نقد المزايدة بالعلم بالآخر وتجهيله ، من جهالات المريد) يكرر المعاني المبْتَسرة و يحشد لها أساطيل الكلمات المنمقة بعقلانية فيلسوف أرداهُ كبرهُ صريعا يبحث عن مفاتيح تُهدّئ من فوران عُقدِه ، فكل كلمة تحتاج عندهُ بالضرورة لتمطيط و كل عبارة مُصنَّعة تُغذيها أشباهها تُكوِّن في مجموعها نصوصا يستحق صاحبها أن يكون معدودا في سلك المداحين للسلاطين أو في أسواق التهريج للمنتجات الجديدة يسخرُ منهُ العاقل من ثرثرته و هيجان عاطفته ،و هو مع عُجبهِ المفتون لا ينسى أن يمارس مهنتهُ "الشريفة" في النيل من المخالفين بأدوات جرثومية تسمم المناخ الفكري العام و تبني عالما من التوترات في دنيا العلاقات الإنسانية ، و كم من إشارة يحتاجُ الأحمقُ ليفهم ! يتحدث دونكشوط عن المريد و يصفه بكونه " في حكم العوام و الأميين " جزاءً لهُ على مناقشة أوهامه و يأبى أن يقول ولو كلمة رقيقة قد تشفع لهُ عند طلاب الحق في التعبير، يأبى ! أما في عنوانه الوقح (من جهالات المريد) فقد أعطى أكثر من دليل على خواء جعبة الفيلسوف كشفتهُ غرابة الرد الهزيل في مضمونه ، فكانَ لِزاما على الرجل أن يستنجد بقواميس السفسطة و إقحامات " سقطَ في الحديقة " فتمثل ب"أوسكور" عندهُ قولا و عملا ! يتحرك من موضوع لآخر بلا رابط و لا إشعار كما يفعلُ اللص حينما يسرقُ بضاعة يرتجف خوفا من انكشاف أمره(من فقه الروكي وسلوك الحلاّج إلى حركة 20 فبراير إلى برهان غليون فعرعور ...) ، أنحن أمامَ ناقد أم حاطب ليل همهُ نفخ الروح في مقالهِ الهيكلي ؟ و في" سلوك الحلاّج " لم يقدِّم الدونكشوط أكثر من 7 أسطر لإثبات أوهامه فانكشف عُواره و تلاشت انتقاداته مع بقاء حشوياته شامخة تشهد على الرجل بالكِبرياء .
و لو شئتَ أن تمعن في عجائب الرجل و سعة كِبره فقد حوى جزئه الثالث من فيروسات العُجب ما يُندى له جبين كل مثقف أصيل ،طوفان من الشتائم القبيحة مودعة في مقال من 7 صفحات من حجم 12 لا يكادُ يمثل إلا هيكلا منخورا من داخله ، نخرتهُ الكتابة الماراطونية الضائعة بتلاعبات مفرداتها و قبح كلماتها ، ما كنا نعرف يوما بوجود مُعقَّد احتاجَ إلى كل تلك الزخارف القذرة و السفسطة البليدة ليناقِشَ رجل أرادَ أن يوجهَ مسارَ رجل كِبريائيٍّ متعجرف بالأنا ، ما كنا نتوقع من دونكشوط كل هذا الهذيان اللغوي و الشرود المعرفي و النزوع الطائفي في مواجهة رجل اختار الأدب أسلوبا إلا أن يكون إنسانا مريضا بوسواس الهزيمة النفسية تُداعِبُ خياله كلما تشخصت صورته في أعين المثقفين . لكن و الحق يُقال فالرجل بارعٌ في تسويق ميكروبات الجدل و تفاهات المماحكة يتقنها إتقان من لا يملك غيرها قط ، و قد تسمعُ لهُ يوما يقول : "هاني مقياس الأشياء جميعا هو مقياس وجود ما يوجد منها و مقياس لا وجود ما لا يوجد " فقوة نغمات أوهامه تفوق المعقول و الممكن و إشارات ألفاظه البائسة تُجاوز حتى أقرانه السفاسطة ممن التزموا الأدب و مارسوا التوهيم ، و لربما يسعد دونكشوط بخطابه بمثل ما يكره المخلصون من فحشه و لربما وجدناهُ يوما و هو يُعلِّم تلاميذته في الحوزات معالم البلاغة التناقضية و يقبض منهم كما قبض أجداده ثراسيماخوس و ازقراط و ليقافرون . لكننا احترنا فعلا في هذا العقل الغريب عن الوجدان المسلم ، فهو يقدم نفسهُ بقوله " ولقد استشعرنا الحاجة إلى الله منذ الصبا ولا زلنا على باب الله نكدح ونرجو رحمته ولا نمنّ على الله إسلامنا، نسقط ونعود لنتمسّك من جديد "، و لكنهُ يمارس الفضفاضة فيرسلها كما يرسل الولد المُشرد كلامه القبيح في الشوارع العامة على ما بينهما من فارق في التعقل ، يمارسُ هواية الصيد في مستنقعات اللغة الشاذة و بِِركات قاموس الصعالكة فيكسوها بياضا و ما هي إلا طائفية تتصنع بلا خجل ، يحاولُ أن يُخفي الرجل طائفيته فيضع لها إسما زاهيا : "مسلم إنساني" يا للمفارقة! مسلم إنساني مَن يستُر حقده الدفين في جلباب فكره التاريخي يُخرجُ لكَ قراءة طائفية مشدودة قسرا لأفكار المتعصبين البويهيين ، مسلم إنساني مَن يضيق بنقد الآخرين لهُ فيمطرهم بقذائف الكلام الساقط و صواريخ القذارة الشارعية ، مسلم إنساني مَن ينحط أسلوبه و يتبلد عقله فلا يقيم احتراما لعورات الناس و كراماتهم ، مسلم إنساني مَن تأسره النزعة الخمينية فلا يستطيع عنه محيدا ، عن أي إنسانية يتحدث الرجل و قد نصبَ نفسهُ مهدويا معصوما لا يُردُّ عليه بسيف ، عن أي إنسانية يا هذا و أنتَ مشارك في جرائم القتل و الإبادة تتمنى لو انسحِقَ الثوار في سوريا لتعود عفلقية طائفية وكأن لسانَ حالك يقول : "إنهُ يهون قتل ثلاث أرباع العالم ليبقى الربع الآخر شيعيا " أي إنسانية تختلج صدركَ و عقلك مسكون بطائفية الثورة البحرينية تكتبُ تُناصِر و تناطح لمُعَمْعَمٍ قُبِضَ عليه و تسكتُ عن وديان الدماء الطاهرة التي تسفكها كل يوم طائفيات خارجة فلا يُسْمَعُ منكَ لوما ، هل بإمكان الشيعي المتطرف أن يقنِعَ غيره بإنسانيته إلا أن يمارس تقية أنزلها شيوخكَ الأجداد منزلة الفريضة ، بهذا المنطق فالرجل "حاضر ولا يحتاج إلى من يعرّف بأفكاره" لا يحتاجُ لمن يكشف لهُ هويتهُ الصلبة أمامَ صور اليوتوب و أقواله الغرائبية .
في هذا الجزء الفاضح للذات سيتعرف القارئ أعمدة الإطناب و مظاهر العقد النفسية و سيلاحظ سيكولوجية المهزوم كيف تحشد الأباطيل لتدفع عنها النقد الثاقب ،فقد بدا لي الرجل كأفعى هُشِّمَ عقلهُ فظل شواظه ينزوي على ذاته يمينا و شمالا يستجمع قواهُ للمواجهة و هو صريع ، بنى ترسانة مقاله كما الأول و الثاني على مزاعم و تقولات و استنطاقات صورية تُسهِّلُ له عملية المحاكمة العلنية و تعينهُ في المقابل على بعث الحياة الفكرية في المقال الهزيل لإعطاء وهم امتلاك القدرة النقدية ، لقد ساعدَ ذلك فعلا في تشكيل هذا الركام الهائل من الكلمات المقالية و أعطت له الصفة الزخرفية المشوهة استقامَ أخيرا ليصير في صورة عملاق أعمى لا يميز بين المنكر و المعروف ، وقف المقال المارد ليُخرج للقارئ خلاصة الجنون الكلامي فهيهاتَ لمن جُرِّدَ من حس النقد و لباقة الفكر أن تُغطيه ثرثرة الكلام و صناعة الأوهام ، ويحكَ تُكثر من البهلوانية و الرقص البلاغي و التزحلق الفوضوي فتنحشر في زمرة "حضارة القول" كما سماها طه عبد الرحمان . أيمتلكُ صاحبنا حسا باطنيا مجهول الأثر يجعلهُ يقرأ الآخرين فيستنتج المضمون الخفي داخل النص ، ما نوع عبقرية الرجل و هو يستخلص من نصوص الآخرين أحكاما أرادَ أن تعكسَ أسلوبه العقيم ؟ يقول الرجل و كأنهُ صارَ كاهنا أو عرافا أو قارئ فنجان : " إن المفكّك لنصوص هؤلاء يستطيع أن يستنتج أحكاما مهما حجبوها ببرودة الألفاظ فهي تقول: إن كاتب السطور جاهل، منفعل، حاقد ، كاذب، طائفي، مرتزق ، مخزني ، صفوي، مجوسي، غير متخلّق، غير متّقي، متعصّب، متكبّر، عدوّ ، علماني، جبان، علقمي، مناصر للديكتاتورية، خنفشاري، عميل، رويبضة،خرافي،و..و.. " . العقلاء حينما يناقشون الآخرين يختارون المنصوص عليه داخل المكتوب و ليس خارجه ، أما صاحبنا فيأبى إلا أن يصنع مقالا جرائديا بمزايدات لا أخلاقية تستوحي النقد من خارج المطلوب فتعينهُ على نقض الآخرين ، عجبا أليسَ هذا عين السفسطة اللغوية ، الأوْلى بالرجل أن يقرأ بعقل حيادي ما كتبه السيد زقاقي لا بعقل طائفي أعمى يسبق حِقدهُ عقلَهُ ، الأولى أن يتجرد من هلاوس العقد فيعرض نفسه على أطباء القلوب ليتخلص من آفاته المَوّارة و سَقمات عقله الغريب . و لئن كانَ بوسعِ الحاذف الفطن أن يدلس بضاعتهُ ليعلي السلعة تمويهاً في أسواق العوام فإن اللبيب الخبير لا يمكن أن يُلدغَ من جحر مرتين ، لا يمكن البتة من طائفي مُؤنْسَن مُدجَّنٍ بأخلاط المعارف الإنسانية أن يخفي تجاعيد وجهه التاريخي مهما استأنسَ بمساحيق التزوير و التنميق ، يفضحهُ انزلاق قلمه نحو اللعبة المفضلة لعبة الحديث عن العصبيات القديمة و اقتتال الصحابة رضي الله عنهم و افتعال صراعات صنعوا منها نظرية كهنوتية بلا منازع ، ثم لا يخجل الرجل يبرئ نفسهُ منها كما لو أنهُ يخاطب جماهير لا تفهم في فنون الحِيل الغوغائية و لا تدركُ ما تحت سطور "المسلم الإنساني" ، يدفع عن نفسه تهمة الانزوائية و الطائفية و المذهبية بشكل يوحي كما لو أننا أمامَ سينمائيٍّ احترف خُدَع الحجب و ألاعيب التمويه، قالَ المذهبية ؟ ! و للقارئين واسع النظر . ألا يستحي الرجل إطلاقا و هو يجر في عقله تاريخا طائفيا رسمهُ لهُ أباطرة التكفير المبكر يتتلمذّ بإخلاص يحفظ مفاصل التاريخ الشيعي فيثور له ثورانَ من لا يرى غيره في عداد الصحاح ؟ أتَستطيع السفسطة أن تخفي المذهبية التي صنعت ولاءات لا أخلاقية اختارت أن تنحازَ لمنطق العمائم و ولاية فقيه جاثمة على رقاب مثقفين أسرى لديه يوزع لهم صكوك غفران النجاة ؟ ثم يهز الرجل جمجمته ليضع تهمتهُ في أغلال الآخرين جريا على مثل " أحسن الدفاع الهجوم " يرمي ما عجز عن الاعتراف به على مُناقِشهِ و كأنهُ ظفر بملاذهِ الأخير :طائفية و مذهبية المريد ، و منذ متى أصبح دفع أباطيل السفسطائي مؤشرا على الطائفية ، منذ متى غدت حماية الجماعة أو الحركة الإسلامية من مُعلَبات الفكر الجاهز طائفية أو مذهبية ؟ إذن فكل التنظيمات الإسلامية طائفية بالأساس بحكم ما تفرضه عليها قناعاتها من التزامات رد الأحكام المعادية !. إن الطائفية لا تحجبها قط الانفتاح على الآخرين فكم من طائفي دفعتهُ خلفيتهُ المذهبية للنظر في ما لدى الغير من معارف و أفكار لتسخيرها في معارك تاريخية ، تماما كما انفتحَ المفيد و الصدوق و الطوسي و ادريس الحلي ...على ما عندَ المخالفين لتثبيت نزعة الاستقلالية المذهبية و بناء الطائفة ، و ما يفعلهُ الرجل لا يخرج عن مسار التاريخ المغلق و لا يقدر بالأحرى أن يتقبل أكثر مما أنتجهُ أجدادهُ التكفيريون و إلا فليسأل دونكشوط نفسهُ : هل يستطيع أن يخالف نظريات التشيع في التاريخ الراشدي بما حوتها من نزعات التفسيق و التكفير ؟ قطعا لا و إن لبس رداء المثقف .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.