في ظل ما حققته الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية، سواء تعلق الأمر باتساع دائرة الإجماع الدولي حول مقترح الحكم الذاتي، أو بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي التي ما فتئت تقر بواقعية ومصداقية المقترح المغربي، أو من خلال ما يعرفه الكيان الوهمي من نزيف وانتكاسات متوالية في ظل تزايد مسلسل سحب الاعترافات، أو بتزايد عدد الدول الإفريقية والعربية التي أقامت قنصليات عامة لها بجهات الصحراء، أو من خلال حجم الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية التي أبرمها المغرب مع عدد من الشركاء والتي تسري مقتضياتها على كافة التراب الوطني بما فيها جهات الصحراء المغربية، أو عبر ما شهدته وتشهده الأقاليم الجنوبية من تحولات تنموية في جميع المستويات، وما تشهده العلاقات المغربية والإفريقية من دينامية اقتصادية ومالية وتنموية وتضامنية، قوت وتقوي من موقع المغرب في القارة الإفريقية. بدا واضحا أن جبهة الوهم دخلت في مرحلة من الموت الصامت وفي حالة من البؤس والعزلة الإقليمية والدولية، وتحريك مليشياتها نحو معبر الكركرات، بقطع الطريق الدولي بين المغرب وموريتانيا وبلدان غرب إفريقيا، والتخريب العمدي للطريق وتنصيب الخيام، هو تحرك يائس تحكمت فيه الرغبة الجامحة للمرتزقة في إثارة الانتباه وإعادة "أوهامهم المزعومة" إلى دائرة الضوء، وفي الوقت نفسه، استفزاز المغرب والتحرش بوحدته الترابية وأمنه القومي والاستراتيجي، بالنظر إلى البعد الاستراتيجي للمعبر الحدودي كمعبر دولي يربط المغرب بعمقه الإفريقي، وكهمزة وصل بين أوروبا وإفريقيا بالنظر إلى حجم السلع والبضائع التي تمر عبره كل يوم، مما يعني أن عرقلة حركية الرواج التجاري بالكركرات، هو عمل من أعمال اللصوصية وقطاع الطرق وتهديد مباشر للأمن الاقتصادي لعدد من البلدان الإفريقية، وأمام هذا الوضع المقلق الذي حاول الكيان المزعوم إحداثه بالمنطقة العازلة، وبعد أن استنفذ المغرب حدود الصبر وضبط النفس، تدخلت القوات المسلحة الملكية بتعليمات ملكية، وباشرت عملية مهنية مسؤولة ومتبصرة، تمكنت من إبعاد وإجلاء مليشيات البوليساريو عن المعبر الحدودي وأعادته إلى وضعه الطبيعي. لم يكن أمام جبهة الوهم وصنيعتها الجزائر إلا تعبئة الآلة الإعلامية بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، للتغطية على فشلها الذريع وانتكاستها المذلة بعد طرد مليشياتها من معبر الكركرات، والترويج لنجاحات عسكرية مزعومة مدعمة في ذلك من قبل الإعلام الرسمي الجزائري، وهي دعاية إعلامية وتواصلية تعددت مستوياتها، بين نشر صور تظهر قصف مواقع تابعة للقوات المسلحة الملكية، وأخرى تدعي إسقاط طائرة اطلاع عن قرب مسيرة من قبل القوات المسلحة الملكية قرب الشريط العازل، وثالثة تروج لمقطع فيديو يفيد بقصف قواعد عسكرية مغربية بالصواريخ، فضلا عن التلويح بالإعلان عن إلغاء العمل بوقف إطلاق النار. وكلها مزاعم إعلامية من ضمن أخرى، تم إثبات علاقاتها بنزاعات وحروب خارجية، لم تجد مرتزقة الوهم ومن يتحكم في حركاتها وسكناتها، بدا من الاستعانة بها لتسخيرها في حرب إعلامية تقدم معطيات وصور يكذبها الواقع بالحجة والبرهان، بهدف التغطية على انتكاسة الكركرات، ومحاولة جبانة للتحكم في الرأي العام بالمخيمات بالترويج لانتصارات مزعومة، من شأنها كبح جماح أية احتجاجات محتملة، ولم تكتف المرتزقة بالرهان على الآلة الإعلامية للترويج لمغالطاتها ومزاعمها، بل حاولت تجييش انفصاليي الداخل والخارج لدفعهم إلى القيام باحتجاجات أو أعمال شغب أو استفزازات أو تحرشات بالوحدة الترابية، كما حدث بالنسبة للانفصالية التي قادت الهجوم قبل أيام، على القنصلية العامة للمملكة المغربية بمدينة فلانسيا الإسبانية، في تحد واضح للأعراف والقوانين الدولية التي تحمي البعثات الدبلوماسية والقنصليات العامة للدول، مع ضرورة التنصيص على أن هذه الحرب الإعلامية الموجهة ضد المغرب ووحدته الترابية، انخرط فيها الإعلام الرسمي الجزائري بكل منابره، عبر تزكية أكاذيب ومزاعم البوليساريو والترويج لها، في انتهاك واضح وجبان لمهنة الصحافة وأخلاقياتها، وهي ممارسات غير مسؤولة تؤكد أن الجزائر هي جزء لا يتجزأ من مشكلة الصحراء، بل هي الطرف الأساس في النزاع المفتعل ومحركه ومغذيه، لأسباب لا يمكن فهمها إلا في ظل ما يكنه حكام الجزائر من حقد وكراهية وعداء للمغرب... وفي هذا الإطار، فوسائل الإعلام الوطنية بكل انتماءاتها ومستوياتها، مطالبة اليوم بالتصدي لهذه الآلة الإعلامية البائسة المغردة خارج السرب، بالكشف عن أكاذيبها الجبانة وادعاءاتها المزعومة، ورصد ما وصلت إليه جبهة العار من بؤس وعزلة وانتكاسات متوالية، ومواكبة وتتبع ما تحقق ويتحقق في جهات الصحراء من دينامية تنموية متعددة الزوايا، وما تعيش فيه مخيمات الذل من بؤس وتهميش ويأس وانسداد أفق، كما أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي مدعوون بدورهم للانخراط في ما يشنه أعداء الوحدة الترابية من حرب إعلامية جبانة ويائسة وجبانة، من باب الإسهام الفردي والجماعي في خدمة القضية الوطنية الأولى، وإذا كان المغرب قد تصدى للمرتزقة في الميدان وأرغمها على التراجع والفرار، وتصدى ويتصدى لكل المناورات والتحرشات، بالمزيد من التنمية في جهات الأقاليم الجنوبية للمملكة في إطار "النموذج التنموي للصحراء"، وبالمزيد من التأييد الإفريقي والعربي والدولي لمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ذي مصداقية، فهو مطالب اليوم، بوضع استراتيجية إعلامية واضحة رصينة ومتبصرة، للتصدي للحرب الإعلامية التي تقودها البوليساريو وصنيعتها الجزائر ضد المغرب ومصالحه الترابية، بالكشف عن سوءة مزاعمها وفضح أكاذيبها بالحجة والبرهان أمام المنتظم الإفريقي والعربي والدولي... إعلام الدل والعار، لم يستطع أن يحجب "انتكاسة الكركرات" ولم يقو على تزييف واقع المعبر الحدودي الذي عاد إلى وضعه السابق، ولا إخفاء الجدار الرملي الذي أقامته القوات المسلحة الملكية لتأمين حركية النقل الدولي من المعبر المغربي إلى نقطة الحدود الموريتانية، ووقف - رغم أكاذيبه ومزاعمه - عاجزا أمام التأييد العربي والخليجي والإفريقي والدولي لتدخل القوات المسلحة الملكية بالكركرات وما رافقه من مهنية ومسؤولية واتزان، ووقف صامتا أمام ما صدر عن القضاء الإسباني من حكم إدانة في حق الانفصالية المتورطة في الهجوم على مقر القنصلية العامة للمملكة بفلانسيا، حيث تم الحكم عليها بالطرد من إسبانيا وسحب جنسيتها الإسبانية والعودة إلى مخيمات تندوف بمعية انفصالي آخر، لم يستطع هذا الإعلام البائس، أن يوقف الرغبة التي أبداها الأردن في فتح قنصلية عامة بمدينة العيون، سيرا على نهج الإمارات العربية المتحدة وما يرتقب أن تقدم عليه دول عربية وإفريقية أخرى في قادم الأيام، ولا أن يعكر صفو العلاقات المغربية الموريتانية، التي يرتقب أن تزداد قوة ومتانة، عقب الاتصال الهاتفي الذي أجراه العاهل المغربي محمد السادس مع "محمد ولد الشيخ الغزواني" رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يوم الجمعة العشرين من الشهر الجاري، وهو الاتصال الذي أبدى من خلاله جلالة الملك استعداده لزيارة موريتانيا حسب بلاغ للديوان الملكي، ومن شأن زيارة رسمية من هذا القبيل، أن تقوي جسور التآخي والتعاون المشترك بين البلدين على جميع الأصعدة، والحرص على التقارب مع الجارة الجنوبية في هذه الظرفية الخاصة، سيكون وبدون شك خطوة مغربية أخرى من شأنها تعميق عزلة الكيان الوهمي وإدخاله عمدا في خانة البؤس والإفلاس وضربة تحت الحزام لمن يتحكم فيها من وراء حجاب، وإهانة للآلة الإعلامية التي وضفت بجبن، لتغيير حقيقة لا يمكن حجبها بالغربال، في أن "المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها"، ولم يقو أخيرا، على إخفاء ما تحقق في الصحراء المغربية من تنمية وازدهار، وما تعيش فيه ساكنة المخيمات بتندوف من بؤس ودل وعار ... وعليه، واعتبارا لما حدث في الكركرات، واستقراء لمضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 45 للمسيرة الخضراء، بدا ويبدو واضحا أن المغرب يتجه نحو تغيير استراتيجية تعامله مع التحرشات والاستفزازات التي ما فتئت تصدر عن مرتزقة البوليساريو، بالرهان على خيار الصرامة والحزم في التعامل مع أي تهديد أو مساس محتمل بالأمن القومي والوحدة الترابية للمملكة، موازاة مع التشبث الراسخ بوقف إطلاق النار، والالتزام بالقرارات الصادرة عن الأممالمتحدة بخصوص ملف قضية الصحراء المغربية، وبخيار "الحكم الذاتي" كحل واقعي ذي مصداقية لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، وهو ما أكد عليه الملك في اتصال سابق له مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش حسب بلاغ سابق للديوان الملكي، وتؤكده ما تمت مباشرته في منطقة الكركرات ومحيطها من تنظيف وتعبيد للطريق ومن تنظيف وتطهير للمنطقة المعروفة بقندهار، ومن إقامة القوات المسلحة الملكية لجدار رملي يؤمن الطريق الدولي الرابط بين الكركرات ونقطة الحدود الموريتانية حرصا على أمن وسلامة مهنيي النقل الطرقي الدولي، بشكل يقطع مع أية عودة مجددة للمرتزقة إلى المنطقة. وبقدر ما حرص المغرب على الجانب الأمني والوقائي، بقدر ما بات يراهن على البعد التنموي، بانخراطه المتبصر في الشروع في تأهيل مركز الكركرات على مستوى التجهيزات والمرافق، ونرى أن المسجد الذي سيشيد بالمنطقة بتعليمات ملكية سامية، سيكون نقطة تحول، من شأنها إعطاء دفعة قوية لتحريك عجلة التنمية بالمنطقة الحدودية، وتمكينها من كل شروط الأمن والاستقرار والرخاء، وهي تستحق ذلك، لأنها بوابة المغرب نحو إفريقيا وصورته وجسره نحو عمقه الإفريقي، ونختم بالقول، أن "المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها" مهما حسد الحاسدون وعبث إعلام البائسين والمفلسين ... ولن نترك الفرصة تمر، دون تحية الجنود المغاربة المرابطين في الحدود، والذين يضحون بالغالي والنفيس دفاعا عن وحدة المغرب وسلامة أراضيه، ويستحقون الدعم المادي والمعنوي، لأنهم جنود الوطن وعيونه التي لا تنام ...