على هامش احتجاج بعض الطلبة على نتائج الفصل الخريفي 2011 ~ 2012م ، تساءلت بعض الجهات عن الحيثيات والسياقات. وقياما بواجب التنوير والتوضيح قرر الأستاذ المدرس لمادة فلسفة التاريخ ، توضيح بعض النقط الهامة ، من منطلق بيداغوجي محض ، يروم من خلاله تطوير النقاش الذي كان يجب أن ينطلق منذ سنوات ، حول البيداغوجيا الجامعية ، وأساسا دور الطالب في منظومة التعليم الجامعي. وتريد هذه الورقة ، وضع الأصبع على بعض العناصر التأسيسية المرتبطة بمعضلة التقييم ؛ نقطتان للتدبّر : 1- هوية الطالب بين الأمس واليوم. 2- موضوعية التقييم وسؤال الجودة : 1- هوية الطالب بين الأمس واليوم : كنا نجد سعادة كبيرة حين يتطرق الأستاذ ، في مادة فلسفة التاريخ ، إلى قضايا التحول التاريخي وعوامله. وإلى القوانين المتحكمة في حركة التاريخ ، واختلاف المدارس التاريخية حول مفهوم التاريخ ومفهوم الوثيقة. ولم نكن نلوم الأستاذ على التقييم ، بل نفسر ضعفنا بعدم وجود مراجع كافية لاستيعاب المادة : لم يكن هناك "علم التاريخ لإدوارد كار" ولا "مفهوم التاريخ لعبد الله العروي" ولا مقالات وجيه كوثراني في مجلة الحوار : "التاريخ والوعي التاريخي". ولم يكن عماد الدين خليل قد سطر كتابيه " مدخل إلى التاريخ الإسلامي ومدخل إلى الحضارة الإسلامية". لم نكن نقاطع الدراسة. ولم تكن السنة الجامعية تعني شيئا آخر غير الجلوس في المكتبات ، ومدارسة المحاضرات. وكانت الساحات والحدائق العمومية بالدار البيضاء مرتعا لنا كل يوم عطلة ، نعد لأنفسنا بها تصميما وتقسيما للمجال ، يحق لكل طالب منتظم ، أن يحتفظ بمجاله ، يمشي فيه ، متابعا للقراءة والحفظ. كانت المنافسة على أشدها بين من لا يرضون المرور إلى الدورة الثانية ، ومن يسعون إلى الحصول على الميزات استحقاقا لا غِلاباً. كان اليوم الدراسي يبدأ فجراً. وحين كنا نلتقي مع بعضنا ظهرا ، كان شعارُنا : "مُول لَمليح بَاعْ وُراح" وهي قولة تشير إلى حكمة الرسول (ص) الذي قال : "بُورك لأُمتي في بُكُورها". وهل يَخيب من جَدَّ واجتهد ؟ كان شظفُ العيش حافزاً لنا على الدرس. لأن وعينا كان مُنطلقا من فهم واضح لمفهوم الزمن. "تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأباً ". ليس استعمال الزمن الخاص بالجامعة إلا مؤشراً مساعداً على الانتظام في الدرس. أما التكوين ، فمجاله التواصل العلمي مع الأستاذ ، سؤالاً للفهم ، أو نقاشاً للإضافة ، من خلال العرض أو تحليل النص. كان الصبر والحلم منهجُنا في التعامل مع أساتذتنا. وكان شرطنا الوحيد ، هو فسح المجال لنا للنقاش حول محاور المادة ، من خلال عروض ، كنا نتسابق في إنجازها ، خوفا من عدم برمجة إلقائها في أوانها. وكنا نحس أثناء الإلقاء ، وأثناء النقاش ، أن أستاذ المادة مُرتاح إلى أن هناك عملا ما ، يتم إنجازه خارج المدرج ، وأن تكامل الأدوار بينه وبين طلبته يتم على أحسن وجه. ولم نكن نشتكي من توجه أستاذنا الفكري ، الذي يرفع يديه ، يدعو بالنصر "لنجيب الله" وهو رمز النظام الشيوعي بأفغنستان خلال نهاية الثمانينيات ، بل كان فكره حافزا لنا لقراءة أدبيات اليسار ، ومقارنة طروحاتها مع الأدبيات الإسلامية. كنا نبحث عن إيجابيات أساتذتنا ونغض الطرف عن سيئاتهم ، وقد بلغ بنا الأمر أحيانا إلى اعتبار الطالب الناجح هو من يستطيع كبح جماحه للحفاظ على علاقة الاحترام مع أستاذه ، لا من يتصدى معاندا ، بل له متظاهرا. نازلة شاهدة : دخل أحدهم للاختبار الشفوي. فطرح عليه الأستاذ سؤالا ذكياًّ هذا نصه : "القرن الكبير ، القرن السابع عشر ، يدير ظهره للتاريخ" حاول الطالب تقديم شرح للمقولة من خلال ما درسه في كتاب شارل أُليفيي كاربونيل حول الإسطوغرافيا. ولكنه قدم نصف الإجابة ، فنال خمسة على عشرة ، لم يتذمر الطالب كما لم يَدَّعِ بأنه صاحب ثلاث ميزات ، ولا يستحق إلا النقط العالية. ألا يتعلق الأمر ، إذن ، بأخلاقيات التحصيل ، وبدرجة الاستيعاب ؟ 2- موضوعية التقييم وسؤال الجودة : أول سؤال يُطرح بعد نشر النتائج ، مُرتبط ٌبموضوعية التقييم. هُنا ينطلق الطلبة في تقديم تفسيراتهم المختلفة. وتسود مشاعر التذمر السلبي بين عدد منهم. وغالبا ما يميل البعض ، بسبب ضعف المعرفة وقلة الخبرة ، إلى حصر السبب في عامل واحد ، يتعلق بالأستاذ لا بالطالب. ويركز على الثغرات مهما صغُرت. لا يمكن التطرق إلى موضوع الجودة في التحصيل الجامعي ، دون الإشارة إلى مسار الطالب في مرحلة ما قبل الجامعة. ذلك أن الخيط الرفيع للتفوق الدراسي ، غالبا ما يتشكل في مرحلة التعليم ما قبل الجامعة. على مستوى الحافز ، وعلى مستوى القدرة على تنظيم الوقت. وأيضا على مستوى القدرة على الاستيعاب ، ومهارات القراءة والمطالعة. ما هي مستويات التقييم الموضوعي في مادة فلسفة التاريخ ؟ أولا : التقييم عند الأستاذ شهادة : وخاصة حين يمتلك الوعي بالمسؤولية القانونية وقواعد العمل البيداغوجي ، فإن استحضار النزاهة يكون مسلكا محدِّداً للتقييم ، وذلك من منطلق الإيمان بأن دوره لا ينحصر في تدريس المعارف والمعلومات ، مجردة من حمولتها القيمية ، بل يمتد ليترجم الالتزام بأخلاقيات الجامعة. يتحول الطلبة من هذا المنظور إلى أبناء ، يستحيل التخلي عن دعمهم وترشيدهم خاصة في المجال المنهجي والمهاراتي. ثانيا : التزام الطالب بمسؤوليته في التحصيل المنتظم ، والحضور الفاعل في المدرج والفصل ، مشاركا بالاستماع الجيد ، والمشاركة بإلقاء العروض ومُدارسة مَحاور المادة. دون أن ننسى المطالعة المنتظمة في المكتبة أو خارجها. ألم تنجح كوريا الجنوبية في رفع التحدي التنموي ، من خلال برامج المطالعة المكثفة ، ومن خلال نشر شبكات القراءة عبر ربوع الوطن ؟ ولا يمكن للأستاذ أن ينسى نشاط الطالب داخل الفصل حين تحين لحظة التقييم. ثالثا : ورقة المراقبة (الامتحان) : حينما تكون أسئلة الامتحان منسجمة مع ما درسه الطالب خلال الفصل الجامعي ، وحين يكون الطالب قد حرص على قراءة المراجع المعتمدة في المادة ، وحين يثبت قدرته على الإجابة بوضوح على كل الأسئلة أو معظمها ، يكون الطالب مستحقا لنُقطة التشجيع والتنويه ، أياًّ كان هذا الطالب. ورقة الامتحان هي الوثيقة المرجعية في التقييم والتقييم المضاد : "اقرأ كتابك ، كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ". ولا تقييم بدون وثيقة. أما حين تجتمع عوامل الرداءة في الورقة ، من ضعف في الإجابة ، وخلط بين المعطيات والأفكار ، وخروج على الموضوع ، فكيف تكون النتيجة ؟ هل تعلمون ماذا تعني الدورة الاستدراكية بالنسبة للأستاذ ؟ مزيداً من العمل ، ومن التصحيح. فما هي مصلحة الأستاذ في هذا العمل الإضافي ؟ لو أن الأستاذ كان يتهرب من مسؤوليته ، لبادر إلى تقييم مزاجي سهل ، يوزع فيه النقط على الطلبة ، ويُجْزل العطاء حتى لا تعلم شِمالُه ما أنفقت يمينُه. كلاَّ وألف كَلاَّ . ما هكذا تورد الإبل. لا يملك الأستاذ من النقطة إلا أن يضعها في ورقة المستحقين المجتهدين. أما الضعفاء فلهم أن يُعيدوا الكَرَّةَ دورةً استدراكيةً أو فصلاً آخر ، يكونون فيه على أتم الاستعداد ، تحضيرا للمادة ، واستيعابا لمعطياتها وإشكالاتها. إنها المسؤولية أمام الله وأمام القانون. قضية النقطة في فلسفة التاريخ وفي غيرها ، مرتبطة بمدى حرص الطالب على المطالعة والمناقشة بوضوح الأهداف ، وبطبيعة البرنامج المعتمد في التحصيل العلمي بالجامعة. كم حصة حضرتَ في المجزوءة ؟ وما طبيعة حضورك : هل كان حضورا بالقلب وبالجوارج أم حضورا "حضَّاراً" كما يقول أهلُ تطوان ؟ حضورٌ للتباهي بالملابس ونوع "التسريحات" : " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". الحضورُ الفاعلُ مدخلٌ للتفوق الدراسي. بقي السؤال المغرض : لماذا هذا الأستاذ دون غيره من الأساتذة ؟ وهو سؤال يستوجب الجواب من خلال سؤال مضاد : لماذا الطلبة القاعديون دون غيرهم ؟ ولماذا اليوم ، بعد تصريح وزير التعليم العالي، عن الوضع في الجامعة ؟ هل هي حرب استباقيةٌ هدفها تشويه سمعة الأستاذ ؟ الجامعة للحوار لا للحروب، وللتواصل وتلاقح الأفكار لا لنصب الكمائن.