أثار قرار وزارة الثقافة، القاضي بتخصيص مليار و400 مليون سنتيم كمنح دعم للفنانين المغاربة، غضبا عارما واستياء شديدا على منصات التواصل الاجتماعي ولدى فنانين ومثقفين ومهنيين بقطاع الصحة. المطربة لطيفة رأفت والفنان الشعبي عبد العزيز الستاتي صبّا جام غضبهما على وزير الثقافة والشباب والرياضة، بعد استثناء فنانين من هذا الدعم وإدراج آخرين لا علاقة لهم بالقطاع، واستفادة شركات بعيدة عن المجال الفني، حسب صاحبة أغنية "خويي". الكاتب والناقد والمترجم محمد آيت العميم أكد "أن الفنان ينبغي أن يدعم بشكل عقلاني وحكيم، لأن الفن مهم للمجتمع شأنه شأن التعليم والصحة والأمن والصحافة؛ لكن يلزم اعتماد معايير شفافة في ذلك، والدفاع عن حق كل فنان يعيش وضعا صعبا للحصول على دعم مستحق لمشاريعه الفنية إن لم تكن لديه مداخيل أخرى. وأضاف آيت العميم، في تصريح لهسبريس، قائلا إن "وزارة الثقافة غبية، لأن الدعم لا ينبغي أن يكون في مرحلة تمر منها البلاد بأزمة خانقة، بسبب جائحة وباء "كوفيد 19" كقوة قاهرة، وإن كان ولا بد فيجب أن يستفيد منه جميع الفنانين بدون استثناء، ولا يمكن حرمان أنواع عديدة من الفنون الجميلة، خاصة في هذه الظرفية الصعبة"، لافتا في هذا الصدد إلى أن "قطاع الثقافة والفن يضم أشكالا ثقافية وفنية متنوعة، ولا ينحصر في مجال الغناء فقط؛ فهناك الفنان الشعبي ومنشطو الحلقة الذين تضرروا بشكل كبير. أما المستفيدون فهم في غنى عن هذا الدعم؛ لأنهم يحيون حفلات بأسعار غالية". الكاتب والناقد والمترجم ذاته استطرد قائلا: "باستثناء نعمان لحلو، فإن الباقي نكرات لا تستحق الدعم"، منبها إلى أن "من يجب أن يستفيد من الدعم هم "جنود البذلة البيضاء"، الذين يواجهون العدوى وضحوا من أجل مواجهة الجائحة؛ ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من لا يزال يقاوم بوسائل بسيطة". أما محمد أقديم، المتخصص في مجال التاريخ، فاستحضر نصا تاريخيا لمحمد الصغير الإفراني في "نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي"، يشير فيه إلى أن السلطان السعدي أحمد المنصور كان يولي اهتماما كبيرا بالمغنين والموسيقيين، وكانوا يحظون في بلاطه بمكانة كبيرة؛ فهذا السلطان كان يكرم أهل الغناء والموسيقى بالهدايا والأعطيات والجوائز أكثر من الفقهاء والطلبة، ما جعلهم يتوافدون على قصر أحمد المنصور بمراكش، من مدينة فاس على وجه الخصوص، ما أثار غيرة بعض الفقهاء والطلبة التي بلغت إلى حد أن بعضهم كان يتمنى لو كان موسيقيا، لينال لدى السلطان ما نال أرباب الموسيقى وأصحاب الأغاني. وأوضح صلاح الدين غزالي، الممرض والحارس العام بمستشفى محمد السادس بمراكش، أن المهنيين بقطاع الصحة الذين يشتغلون بمصالح خصصت لوباء "كوفيد 19" وصلوا إلى درجة لا تتصور من العياء والإنهاك، مضيفا: "لم نتوصل، إلى حدود الساعة، بدعم تتحدث عنه الوزارة منذ زمان؛ فيما استفاد زملاؤنا في دول أخرى من التحفيز". فإذا كانت الأطر الصحية بدول عديدة استفادت من الدعم والتحفيز، فإن المهنيين بقطاع الصحة بالمغرب كان نصيبهم اليأس والإحباط، حين يشاهدون زملاءهم يصابون ويموتون بالوباء، "وازدادت صدمتنا حين سمعنا عن تقديم الدعم بالملايين لأناس لم يقدموا شيئا يذكر خلال هذه الجائحة"، وفق تعبير غزالي. الممرض والحارس العام بمستشفى محمد السادس بمراكش أوضح أن جنود "الجيش الأبيض"، الذين يضحون بالغالي والنفيس ويتعرضون وأسرهم وعائلاتهم لخطر العدوى، لم يتلقوا أي التفاتة تليق بمجهوداتهم في الحد من انتشار الوباء؛ ما انعكس سلبا على نفسية الأطر الصحية التي نحتاج لخدماتها في ظل الموجة الثانية من الجائحة.