تحولات مجتمعية متسارعة، خلال السنوات الأخيرة، أفضت إلى بروز ظواهر جديدة كانت إلى وقت قريب "غريبة" عن الهوية المغربية، لكنها طفت على السطح بعد "واقعة طنجة"، التي أسالت الكثير من المداد. يتعلق الأمر بالجرائم الجنسية التي تسارعت وتيرتها منذ اغتصاب وقتل الطفل عدنان. وقد أثارت هذه الظاهرة المجتمعية جدلا متجددا بشأن إدماج التربية الجنسية في المقررات الدراسية، وتشجيع الأسر على مناقشة مضامينها في الأوساط العائلية، حيث يرى الأكاديمي سعيد بنيس أنها "نوع من التدابير الاحترازية ضد بعض الظواهر مثل الجريمة الجنسية والتحرش والاغتصاب". لذلك أكد بنيس، خلال مداخلة رقمية ضمن ندوة نظمتها جريدة هسبريس الإلكترونية حول موضوع إشكاليات إدماج التربية الجنسية في المناهج التعليمية، أنه "يجب تجميع المواد المختلفة التي تتطرق إلى التربية الجنسية حتى يتم ضبط المسار، حيث نجدها متفرقة في مقررات دراسية متنوعة". وأضاف الباحث في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس أن "التربية الجنسية موقعها البيت قبل المدرسة، ومن ثمّ وجب على الأسر الانخراط في توعية أبنائها، عكس الثقافة الجنسية التي يأخذها الطفل من أي مكان"، مشددا على أنها "ليست انحرافاً، بل تأطيرا لبعض الأشياء العلمية". وأبرز بنيس أن "هناك مقاومة مجتمعية لتدريس التربية الجنسية، حيث يسود الاعتقاد بأن مضامينها ستزعزع السلم القيمي والمجتمعي"، مشيرا إلى أنه "يجب إبداء خطة تواصلية لإقناع الآباء بأن التربية الجنسية تدخل في نفس مصفوفة التعليمات، مثل التربية البدنية والتربية الإسلامية، وهنا يجب التفاوض حول المسألة". "نحن في أمس الحاجة إلى وعي جنسي، فالتثقيف الجنسي يبدأ منذ سن السادسة، لكن إن وصل الابن إلى سن ال 14 دون الحديث معه في الموضوع، فإنه سيعيش تيهاً جنسياً"، يقول الأستاذ الجامعي، الذي أكد أن "التحدي هو خلق ثقافة جنسية متجانسة عوض إدخال مضامين جنسية إلى المدرسة". ولفت بنيس الانتباه إلى أنه "يجب توعية الطفل منذ سن الرابعة حتى يقتنع بأن الجسم هو حرمة مِلكية"، مشيرا إلى "الاحتباس القيمي الذي سيرهن الأجيال القادمة"، ومحملا، في الآن عينه، الأسرة المسؤولية لأنها النواة الأساسية في نظره. كما نبه إلى أن التربية الجنسية ليست ترفاً. وخلص الباحث في علم الاجتماع إلى أن "جميع إصلاحات التعليم ربطت المدرسة والجامعة بسوق الشغل، بينما تم إغفال سوق القيم، فجميع الدول لها نقاش عميق حول التربية الجنسية"، ضارباً المثل ب"كندا التي أقرت بكون الأسرة هي فضاء التربية الجنسية، بينما ألمانيا نصت على مناقشتها منذ أربع سنوات، في حين ارتأت بريطانيا أن يكون التدريس اختياريا لدى أولياء التلاميذ، فيما تدرس هولندا كل شيء عن الجنس، أما فرنسا فتعطي حبوب منع الحمل والواقي الذكري للتلاميذ بدءاً من المستوى التاسع، في الوقت الذي انضبطت 22 ولاية أمريكية لتدريسها، ومُنحت مسؤولية تعليم المضامين الجنسية في تونس لوزارة الصحة".