تستمرّ مؤسّسة محمد عابد الجابري للفكر والثّقافة في سلسلة محاضراتها حول "الهوية والمواطنة"، في لقاء رقميّ نظّمَتْهُ بحضور الأكاديميّين بنسالم حميش وامحمد طلابي وعبد الحفيظ اليونسي. نحو تنوّع خلّاق يقول بنسالم حمّيش، روائي أكاديميّ ووزير ثقافة سابق، إنّ "من لا هُويّة له لا حياة له ولا مواطنَة له، ولا وجود"، ويزيد: "هناك من يستورد هويّات الغير ويتبنّاها ويصير مكتريا للهوية لا مالكا لها"؛ ثم استحضر الأكاديميّ محمد عابد الجابري وجوابه عندما سُئل: "لِمَ لا تدافع عن أصلِك البربري أو الأمازيغي؟"، قائلا: "كوني ولدت في فكيك.. هذا عرَض وليس جوهرا". ويشرح حميش معنى العرَض هنا بالقول: "كما أنّ ابن خلدون وُلِدَ في تونس عرَضا لكن وُلِدَ للعلم بفاس، ولد للكتابة في قلعة بني سلامة، وولد للقضاء في مصر"، ثم يسترسل: "لا يليق بجماعات وشعوب إذا كانت قائمة بتاريخها وحضارتها التطبيع مع الوجود التَّبَعِيِّ، فستصير كيانا مفعولا به لا أقلّ ولا أكثر. ويقول الجابري أنا عربي اللسان عربي الثقافة عربي الإنتاج، فمن حيث الجوهر أنا عربي، ومن حيث العرَض وُلِدتُ في فجيج، والفلاسفة المشاؤون المسلمون باستثناء الكِندي كانوا إما عربا أو تركا، ولكن كتاباتهم وفكرهم وعلاقتهم بالثقافة كانت تمر بالضرورة عبر لغة الضاد، وهذا واقع لا يمكن أن ننكره". وينتقد حميش "التّأثيم الذاتي"، و"النزوع الإمبريالي لخلق حرب داحس والغبراء داخل البلاد العربية"، ويزيد: "يتجلى هذا في الخلافات ما بين الإخوان في الخليج وإيران، وداعش التي نشيطنها إلى أبعد حدّ وهي صناعة أمريكية بامتياز، وأقرّ بذلك مفكرون إستراتيجيون كبار، فيما نعتبرها نحن من صلب الإسلام وثقافته، وإلا سنقول الإرجون والهاجاناه أنجبتهما الديانة العبرية، ولا يقول أحد بهذا؛ إنّما تبخيس الإسلام وحضارته يكون بقول إن ما يخرج من دياركم دليل على أنّكم لا تساوون شيئا". وينتقد حميش من يعتبرهم "عرب الاسم والخدمة"، الذين "يسهِمون في هذا التيار ويزكّونه"، وذكر في هذا السياق أنّه خصصّ "فصولا من كتابه في الإسلام الثقافي لبعضهم، ممن يكتبون تحت الطلب، مع البقاء في سكة واحدة، وإلا أتاهم العداء من دور النشر والإشهار". ويزيد وزير الثقافة المغربي الأسبق منتقدا مجموعة من المثقفين الذين لم يحضروا في المظاهرة الكبيرة التي نظّمت بالعاصمة الرباط ضد "صفعة القرن" مطلع السنة الجارية، قائلا: "بحثت عن المثقفين وكتابنا، وهي مظاهرة لها رمزية وكان لا بد من أن ننزل إلى الشّارع"؛ في حين هدى الله عددا لا بأس به من المثقفين ممن يدخلون في سياق التأثيم والازدراء الذاتي، فيضرب بعضهم "حمار الليل" فينهض قائلا: الحداثة قدرنا، أو العلمانية هي الحلّ، هكذا، أو العرب سينقرضون، وهذا كلّه يخدم ما يُنتظَر منّا من أعدائنا التاريخيين، واللوبيات الصهيونية والمتصهيِنة بفرنسا ومجموعة من الدول الأوروبية". وفي السياق ذاته دعا حميش إلى "حلّ مجلس الجالية المغربية بالخارج"، قائلا إنّه "كان بؤرة للخطاب الفرانكفوني في عهد إدريس اليزمي"، الذي يقول الأكاديمي إنّه "لم يكن يتوانى في التعبير عن العداء لكلّ ما هو مرتبط بالعربية والإسلام". كما تحدّث حميش عن قطيعته مع المؤرخ المغربي حسن أوريد، "بسبب ما نشره في مجلة "تيلكيل" حين قال إنّه لو خُيِّر بين المقيم العام الجنرال ليوطي وموسى بن نصير لاختار ليوطي دون تردّد، علما أنّ هذا المقيم العام كانت له يد من حديد، بعيدا عن سياسة التقرب"، وزاد: "رددت عليه في المجلّة قائلا إنّه مثقف فاقد للوجهة والبوصلة". ويدعو حميش إلى التنوع الهوياتي الخلّاق، منتقدا "التنوّع الخرّاق"؛ لأنّ "التعدّد دون إرساء قواعد التواصل هو والعدم على حد سواء"، ويضيف: "حتى دستور 2011 يرتكب هذه الزّلّة، فنحن، بتعريفه عبرانيون ويهود وصحراويون وأوروبيون..في حين لا يوجد شعب يُعَرِّفُ هويته بإحالات متكثّرة، وهذا موجود للأسف في الدستور، ونحن في حاجة إلى تنقيحه، ولو كان الدستور مقدَّسا لما غيّرناه منذ الأوّل"، وزاد: "أعتقد أن الملك محمدا السادس سبق أن قال لست ملكا مقدسا، ولا قدسية إلا لله، ولا يلزمنا بالتالي تقديس الدستور...". الديمقراطية ثابت هويّاتي يعتبر امحمّد طلابي، كاتب وباحث، أنّ "إشكاليتنا في الصفوة ربما أكثر من الأمة"، ثم يعرّف الهوية بوصفها "كل شيء فيه ثبات مطلق كالجغرافية والدين بالنسبة للمسلمين، أو فيه حدّ أدنى من الثبات في سيرورة التاريخ". ويرى طلابي أنّ كلّ حضارة "يجب أن تتوفر على خمس قضايا كبرى هي أدوات الإنتاج الحضاريّ العملاقة، لا نهوض بدونها، هي: الدولة والأمة والوطن واللسان والرسالة"، ويزيد: "ما كان للمسلمين أن ينهضوا إلا بعد العمل على إنشاء هذه الأدوات، وهي في نظري ثوابت، بعضها مطلق وبعضها نسبي، لأي كيان سواء كان كيان حضارة أو كيان أمّة. والهوية دون هذه الثوابت التي يجب أن تستمرّ في سيرورة تاريخ أمّة ما لا توجد". ويتحدّث الفاعل الإسلامي اليساري عن وجود "رافعات ثابتة في الهوية، مثل الجغرافية واللسان العامّ، ورافعات أخرى مثل الدول والرسالة يمكن أن تسقط وتضمحلّ"، ثم استدرك قائلا: "الثابت هو الوطن، ولو تباينت الهويات الدينية، وفي الآية "الذين آمنوا ولم يهاجِروا" الوطنية واضحة، فالمؤمنون ممّن لم يذهبوا للوطن الجديد لا ولاء لكم عليهم، ودستور المدينة كان دستور المواطنة الجديدة، والوطن من ثوابت العقيدة في الإسلام ففيه يُعبَد الله وإن ضاع ضاعت عبادة الله، والانتماء إليه قضية مركزيّة في الهوية". ويشدّد طلابي على وجوب أن نعي اليوم "ذاتَنا والثوابت التي قد تجر علينا مؤامرات مثل التقسيم والتّشظي الجارية في القرن العشرين والقرن الحادي العشرين مع صفقة القرن الثانية"، ويزيد رابطا هذه المؤامرات، وفق قراءته، بِمَا ل"أمتنا من أشياء نادرة هي ثوابت في الهوية، كأمّة وسط جغرافيا، لا عقديا فقط، وتمتلك المادة الاقتصادية والعقيدة والمقاومة النادرة". ويضيف المتحدّث: "نستوطن عقدة القارات القديمة في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وكل الممرات الدولية البرية والبحرية والجوية تمر عبر أمّة الوسط، ونوجد على كل مضايق العالَم التي تمثّل شرايين الاقتصاد العالَميّ إلا مضيق بنما.. وهذه الجغرافية ستجلب لنا مزيدا من المؤامرَات والتّخطيات، لأنّ السيادة عليها تعني أن نصير اللاعب الدولي رقم واحد في العقود المقبلة..إلى جانب الطاقة الأحفورية من غاز وبترول التي حتى حين استنفادها نمتلك ثمانين في المائة من صحاري العالم لتزويد العالَم بالطّاقة النظيفة، والفوسفاط". ويؤكّد طلابي على أهميّة "الحداثة" ويزيد: "يجب أن نصون كلّ إيجابي فيها، لكن مع إحداثها رفاها ماديا أحدثت مجاعة روحية، وبالتالي يجب أن نعيد التوازن بين الإشباع المادي للبشر والإشباع الروحي بسكينة وطمأنينة البشرية". وعن امتلاك "المقاومة النادرة" يستحضر المتدخّل "النموذج الفلسطيني المعبّر عن هذه المقاومة التي جاءت بها عقيدتنا". ويذكر طلابي أنّه "لا يؤمن بالتحليل المؤامراتي"، ثم استدرك قائلا: "ولو أن المؤامرة قائمة لإجهاض أي مشروع لسيادة أمتنا وقرارها، لأنّ هذا يعارض المصالح الإستراتيجية للاستعمار"، مميّزا بين هذه الأخيرة وبين المصالح القومية للدّول "التي لا تنفي مصالح الآخرين". ويرى المتدخّل أنّ التشظي ليس في الجغرافيا فقط، "بل في اللسان أيضا مع الدوارج، لأنّ التشظي اللساني يؤدي إلى تشظ سياسي، فتشظّ جغرافيّ، وتفكيك اللسان الجامع للأمّة تمزيق للأمّة نفسها، وتشجيع التيار الأمازيغيّ المتطرّف يقصد تفكيك المغرب الكبير من مدخلين لسانيّ وعقيديّ". ويقدّر طلابي بأنّ "إحدى سنن النّصف الثاني من القرن العشرين التحول نحو الدولة العابرة للأوطان، والصحوة الدينية والعودة للأديان، والربيع الديمقراطي الذي اجتاح المنطقة وسيجتاحها في موجات وموجات مقبِلَة"، ويزيد: "لا مجال لأقزام الدول في القرن الواحد والعشرين، وبالتالي تُفَكَّك دول المنطقة، فالكيان الصّهيونيّ قزم جغرافيّ وسكاني، ونجاح الربيع الديمقراطي وتشكّل دول عابرة للقوميات يعني اختناقَه". ويشدّد المتحدّث على وجوب الكفاح من أجل "تنزيل الديمقراطية كثابت جديد من الثوابت كهويّة"، وضرورة جعلها "ثابتنا المركزي؛ لأنّ من مصلحتنا استرجاع سيادتنا على القرار السياسي في المستقبل". ويربط طلابي نجاح "المؤامرات ضد أمّتنا" ب"توفّر شروط التسرّب"، ويضيف شارحا: "في جسمنا أنفاق وثقوب، والصراع السني الشيعي، والكردي العربي الأمازيغي، والعلماني الإسلامي، أنفاق نحتاج إلى ردمها وإعادة بناء الهوية من جديد على الانتماء إلى الوطن والديمقراطية، والعودة إلى الانتماء إلى الأخوة في الدين بدل العرق والانتماءات الصغيرة؛ فهل كان في تاريخنا صراع بين العرب والأكراد والأمازيغ؟". ويذكر المتحدّث في هذا السياق أنّ "الغزوات الاستعمارية والقوميين العرب عاملان شجّعا النعرات القومية العرقية الأمازيغية والكرديّة"، ثم يزيد داعيا إلى "استئناف ربيع آخر، ومعركة للربيع الديمقراطي..فرغم أنّنا قد ننكسر في الموجة الأولى والثانية ستتوالى الموجات". ويعتبر طلابي أنّ مدخل الكيانات العابرة للأقطار في العالم الإسلامي بناء "المجتمع المدنيّ العابر للقوميات"، ونبّه في هذا السياق إلى ما في هذا من "تقوية للدّولة القُطريّة"، وإلى الحاجة إلى الانتباه إلى أعداء الخارج وطغاة الداخل وغُلاته من "غزاة، واستبداد سياسي، والمتطرّفين الإسلاميين من مكفّري الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرهما، والمتطرّفين العَلمانيّين ممن كفَروا بالديمقراطية عندما جاءت بالإسلاميّين". التشظّي الخطِر يعود عبد الحفيظ اليونسي، أكاديمي رئيس الرابطة المغربية للأمازيغيّة، إلى صدمة الاستعمار في العالم العربي الإسلامي وتأثيرها في بناء الدولة، وإحلال بنية تنظيمية جديدة محلّ البنى القديمة، مميّزا بين مفهوم الشعب ومفهوم الأمة، "الذي هو محاولة خلق كيان سياسي يبحث عن التجانس بين الحدود الجغرافية والشعب والتجانس السياسي الديني والثقافي". ويزيد اليونسي: "هذا ما صاحب الدولة الحديثة، وتسبب في حربين عالميّتين مدمرتين، وهو وقود للحركة العنصرية بالغرب، وما شكل أول مطب لاستنبات الدولة الحديثة في العالَم العربي الإسلامي، وشكلّ منطلقا لاستمرار التشظي داخل الدولة الواحدة، وبروز الأبعاد الانفصالية والتجزيئية، سواء أخذت بعدا إثنيا أو عرقيا أو طائفيا أو مذهبيا". ويضبط اليونسي مفاهيميا "المجال العربي الإسلامي" بوصفه "معطى حضاريا بعيدا عن مفاهيم القانون الدولي العام وبعيدا عن المفهوم الإثني والعرقي، له تجربته الخاصة وأسسه المعرفية والنظرية، وخطّ لنفسه واقعا ثقافيا ومؤسّساتيا". ويضيف المتحدّث أنّ الفرق الأساسي بين الشعب والأمة هو أنّ هذه الأخيرة "تشكل حقلا لاشتغال الدولة لخلق ظروف الاندماج الاجتماعي للأفراد، بغض النظر عن أصولهم وإثنيتهم ولغتهم، فتصير، بهذا المعنى، معبرة عن كيان فوق القبيلة والعشيرة والعائلة"، وتمارس الدولة سيادة على الإقليم "معنويا وماديا ومركزيا، سواء كبر ذلك أم صغر، وهو ما يجعله وطنا لا مجرّد قطعة جغرافيّة"؛ وينبّه في هذا الإطار إلى أنّ العديد من "حروب وطننا العربي الإسلامي، الذي ورث حدود الاستعمار، اضطرابات في العمق بين الجغرافية والخصوصية المعتدّ بها دينيا ولغويا ومذهبيا". ويذكر اليونسي أنّ الدول الكبرى "تحاول استغلال تعدد وتنوع هذه الدول في اتجاه إضعاف محاولات انعتاقها السياسي والاقتصادي، بلجان ذات طبيعة حقوقية، تعتبِرنا كأمازيغ شعوبا أصلية يترافع عنا البعض ونحتاج حماية من هذا الآخر الذي قد يكون عربيا أو صحراويا، دولة أو حزبا، وهي في الحقيقة بذرات إنتاج تحكّم مستقبَليّ في القرار الوطنيّ"، مردفا: "تتحوّل هذه الآليات الحقوقية الدولية إلى نوع من التحكم وإجهاض أي محاولة نهوض سياسي أو اقتصادي أو ثقافي". ويسلّط المتدخّل الضوء على ما يعتبره "الهوس نحو البحث عن وطن وحيّز جغرافيّ نقيّ يجمع هذا التّجانس، في ظلّ البحث عنه كمُتَخَيَّل، تقوم محاولات عديدة بتأسيس كيان الدّولة السياسي لكونه الوحيد لممارسة السيادة، بعيدا عن هذا الآخر الذي هو خطر مستمرّ ضد الخصوصيات"، ويضيف: "الخطاب الأمازيغي المتطرِّف يبحث عن هذا الآخر، هذا العدوّ، الذي ورثه من ثنائيّات السوسيولوجيا الكولونيالية التي تفرق بين الأمازيغي والعربي، وبين الحضري والعروبيّ القروي". ويذكر المتحدّث أنّ "الدولة الحديثة عملت على تنميط المجتمع، وجعلت من سؤال الهوية سؤالا مؤجَّلا في البحث عن نسيج هوياتي مُوَحَّد بعد الاستقلال، ثم مرحلة التواصل مع الجماعات المتعدّدة في أفق الاعتراف بها، وهو ما يبدو السؤال المؤرق الذي تحاول الدولة الموروثة بعد الاستعمار الإجابة عنه بعيدا عن مآسي الحروب والمحظور من التطهير العرقي الذي صاحب تجربة عديد من الدول". وينتقد اليونسي "أسطرة مسألة الهوية، وأن تتحوّل الطائفة والجماعة إلى بنية فوق الدولة، علما أنّ كثيرا من النزاعات الوحشية في العالَم تنطلق من هوية مزعومَةِ السيادة والهيمنة"، ويؤكّد على "محورية الدولة في تدبير مختلف مناحي حياة المجتمع، في ما هو مادي وما هو رمزي". ويزيد الأكاديمي متتبّعا ما قاد إلى المشهد الهوياتي الحالي مِن "فشل دول ما بعد الاستقلال في صياغة سياسة للهوية تثمّن الثراء والتّعدّد، وإدماجها إيّاه في تدبيرها التسلطي الاستبدادي من خلال تخويف الأقليات من الطائفة ذات الأغلبية العددية، أو من خلال تخويف لسنيات مقارنة بلسنيات أخرى، الذي هو تخويف يبرّر اتخاذ إجراءات وقرارات وسياسات تضع البعد الأمني بمعناه الضيق في مقدّمة اهتمامات الأنظمة الحاكمة؛ بل إنّ بعض الدول أذكت الاختلاف في اتجاه الخلاف للتغطية على الحكم الفردي والفئوي". ويرى المتدخّل أنّ هذا "يعبر عن عجز الدولة الحديثة عن توليد دينامية التوحيد والتّجانس في النسيج الاجتماعي، مع احتكار التسلط للنظام العام، والحكم الفئوي والأقلويّ، ما أدى إلى تمترس الجماعات الأقلياتية خلف أناها الهوياتي، وانعزالها عن بقية المجتمع"، منبّها إلى أنّ مسارات الإبعاد "قد تأخذ مسارات ضدّ الدولة في بعد انفصالي، أو بعد مادي ورمزي". وبعد الحديث عن إسهام "التدخل الأجنبي في تفكيك الأواصر التقليدية، وضرب المشترك الذي يجمع هذه الشّعوب"، تحدّث المتدخّل عن "مسألة التهميش والإقصاء والوظيفة التوزيعية للدولة لإيصال الخيرات لآخر منطقة جغرافية تمارس عليها سيادتها، التي هي القدرة التي تجعل رابطة الولاء بين الحيز الجغرافي والمركز، وإلا فتُذكى النزوعات الانفصالية أو يسهم الأمر في إرخاء رابطة الولاء؛ وبالتالي نجاح الدولة في القيام بواجباتها في بعدها الخدمي يؤدّي إلى تقويتها في مواجهة المطالب التجزيئية وغيرها". ويستحضر اليونسي ما يحدث في المغرب من "إذكاء نزاعات معينة، بتصوير إنسان على أنّه غاز والآخر على أنّه بطل"، ويضيف: "هذه الأسطرة فيها إضعاف للدّولة، علما أنّها تسمح لبعض هؤلاء الأشخاص بالحضور في مؤسساتها التي تنتج السياسات العمومية، والتي تنتج الأفكار من خلال وسائل الإعلام وغيرها، وهؤلاء يستثمرون في إضعاف قدرتها على إنتاج القيم الجامعة؛ في حين براغماتيا يجب أن تكون الدّولة حريصة على أداء هذه الوظيفة، عبر وسائل التّنشئة المعروفة". ويشدّد المتحدّث على ضرورة أن يكون في قضايا الهوية "نوع من التوافق وتدبير المشترك وتقبّل الاختلاف، لا نوع من الغلَبَة"، ويضيف: "أقصى ما كان يطالب به البعض داخل التيار الأمازيغي بمختلف تلاوينه أنجزته الدولة وهو ترسيم اللغة الأمازيغية، وبالتالي ما النقطة المطلبية الأساسية لدى الحركة الثقافية الأمازيغية؟. ونرى اليوم من يريد تأسيس حزب سياسي على أساس عرقيّ أو أساس لغوي، أو الاستثمار في بعض القضايا ذات الطّبيعة الاجتماعية، وتصويرها على أنّها اضطهاد لشعب أصلي، مثل سوس، في حين هذا مثله مثل ما يعانيه المواطن في منطقة الغرب عندما يتمّ الاستيلاء على أراضي الجموع من طرف أشخاص نافذين داخل الدّولة، أو في قبيلة أيت مسعود عندما يأتي مستثمر ليدمّر الحيّز الطّبيعي والجغرافيّ لسكّان آمنين". ويستشكل المتدخل "استمرار التمكين الاقتصادي والإداري للغة غير مدسترة، على حساب اللغتين المدستَرَتين"، ويضيف: "حضور الفرنسية في الاقتصاد والثقافة يضعف الهوية الوطنية". وأنهى اليونسي مداخلته محذّرا من "خطورة التشظي الهوياتي المرتكز على الدين أو اللغة أو العرق، لأنّه يقلّص مساحة التداول والنّقاش الحر، أي يقضي على أي فضاء عمومي نحاول تنظيمه في المغرب بالدستور والقانون والثقافة المجتمعية المستندة على إرث حضاري"، ويجمل قائلا: "لا بد للمغرب من الوضوح في تدبير المسألة الهوياتية وفي صلبها اللغوية، لينحو نحو هوية جامعة كما هي مذكورة في الدستور".