قررت الجزائر إبقاء حدودها البرية ومطاراتها وموانئها مغلقة إلى إشعار آخر، بعد تسجيل ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد، بسبب التراخي في احترام إجراءات الوقاية. وستكون لهذا الارتفاع عواقب على حياة الجزائريين وآثار اقتصادية واجتماعية على أكبر دولة في إفريقيا. ما هو الوضع الحالي لانتشار الفيروس؟ سجّلت الجزائر 13273 إصابة ونحو 900 وفاة جراء كوفيد-19. والأحد تم تسجيل 305 حالات مؤكدة في 24 ساعة، وهو رقم قياسي منذ رصد أول إصابة في 25 فبراير. كان ذلك "متوقعا" حسب مدير المعهد الوطني للصحة العمومية وعضو لجنة رصد تفشي فيروس كورونا المستجد إلياس رحال، بعد "تخفيف إجراءات الحجر وكذلك تراخي المواطنين في الالتزام بالإجراءات والتدابير الوقائية". وأوضح المدير في تصريح للإذاعة أن "المؤشرين الحقيقيين والمهمين بالنسبة للجنة هما أن عدد الوفيات في تراجع والمرضى الموجودين في الإنعاش لا يستخدمون أجهزة التنفس". ما مدى استجابة المواطنين لإجراءات الحجر والوقاية؟ منذ الحالات الأولى للوباء أغلقت الحكومة المدارس والجامعات والمساجد ومنعت التجمعات وكل أشكال التظاهرات السياسية والدينية والثقافية. كما توقفت المنافسات الرياضية، وخصوصا بطولة كرة القدم، التي مازالت تنتظر الضوء الأخضر لعودتها، إلا أن ذلك لا يبدو سهل التحقيق. ورغم فرض الكمامة في الأماكن العامة منذ 24 مايو إلا أن الحكومة ووسائل الإعلام رصدتا في شوارع المدن الجزائرية وأسواقها عدم احترام هذا الإجراء، كما لا يتم احترام التباعد الاجتماعي. اضطرت الشرطة إلى التدخل في عدة حالات لوقف حفلات زفاف تجمع فيها عشرات الأشخاص، كما في سطيف التي أصبحت تسجل أكبر عدد إصابات. والسبب في رأي الرئيس عبد المجيد تبون أن بعض المواطنين "يريدون إيهام غيرهم بأنّ الوباء مجرد خرافة مختلقة لأغراض سياسية"، في إشارة إلى الحراك الاحتجاجي المتوقف منذ منتصف مارس بسبب الجائحة. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، عبر البعض عن خشيته من الآثار الاقتصادية لمواصلة غلق البلد، لكن هناك من أخذ الأمر بسخرية قائلا: "البلد مغلق منذ 1962 (تاريخ الاستقلال) ولا شيء تغير". ما آثار الغلق على الاقتصاد وعلى حياة الجزائريين؟ تساءل رواد مواقع التواصل الاجتماعي لماذا تغلق الجزائر حدودها وتغلق موانئها ومطاراتها في وجه المسافرين، في حين أن أوروبا المتضررة أكثر بالوباء تستأنف أنشطتها. يخشى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر2 نور الدين بكيس من أن "الغلق سيؤدي في مرحلة أولى إلى تمرد الأفراد، لكنه إذا طال فسيتحول إلى تمرد جماعي ستحاول الحكومة مواجهته بإجراءات فئوية"، كما فعلت مع بعض القطاعات الاقتصادية "التي اختنقت من الحجر، مثل التجار الصغار البالغ عددهم نحو مليون تاجر تضرروا من وقف نشاطهم حسب نقابتهم. وشمل الغلق أيضا الشواطئ في بلد مناخه شبه جاف تبلغ درجات الحرارة في بعض مناطقه أكثر من 40 بين يونيو وسبتمبر. وتمتد آثار الغلق إلى الجارة تونس، حيث ستحرم من مداخيل حوالي مليوني سائح جزائري يعبرون الحدود خلال فترة الصيف لقضاء عطلهم هناك. وقدرت شركة الخطوط الجوية الجزائرية خسائرها من توقف الرحلات منذ 19 مارس ب38 مليار دينار (حوالي 273 مليون أورو) كما أكد أمين اندلسي المتحدث باسم الشركة لوكالة فرنس برس. واعتبر عبد الرحمن بن خالفة، الوزير الجزائري الأسبق والمبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي لمحاربة كوفيد-19، أن "الوضع الاقتصادي والمالي في الجزائر صعب، بل إنه معقد، لأننا خرجنا من عام 2019 بوضعية لم يكن فيها أي أداء اقتصادي بغض النظر عن الأسباب(...) وفي 2020 داهمنا فيروس كورونا (المستجد) لينقص من قوة الاقتصاد، خصوصًا أنه مازال معتمدا على المداخيل العمومية وعلى تدخل الدولة المباشر". وأضاف المتحدث في تصريح لصحيفة الشروق: "لكن مع ذلك تبقى الجزائر من البلدان المطالبة بأن يكون إقلاعها الاقتصادي بعد كورونا أكثر قوة (...) يجب أن نستدرك ما ضاع العام الفائت، وهو ما يقتضي جرعة كبيرة في الإصلاح الاقتصادي (بهدف) الخروج من الحوكمة العمومية". ما التفسير الذي يمكن إعطاؤه لقرار الحكومة مواصلة الغلق التام للحدود، وإلى متى يمكن أن يستمر؟ جواب الرئيس تبون عن المدة اللازمة لإعادة فتح الحدود، كما فعلت العديد من الدول، كان "إلى أن يرفع الله عنا هذا البلاء"، كما جاء في بيان مجلس الوزراء مساء الأحد؛ لكن ذلك "ستكون له تكلفة غالية من الناحية الاقتصادية على مداخيل الأفراد وميزانية الدولة ومن الناحية الاجتماعية برفض المنظومة القانونية" على المدى البعيد، كما أورد بكيس. وأوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي و صاحب كتاب "كيف تصبح مواطنا سيئا" أن هذا "يترك الانطباع بأن الحكومة لا تملك إستراتيجية واضحة ومؤسسات قادرة على إدارة الأزمة؛ وكأنها اختارت الهروب إلى الأمام ريثما يتم توفير حد أدنى من التنظيم المؤسساتي" لمواجهة الوضع. أ.ف.ب