حتى لا نترك أحد جانبا فعليا... في إطار سعي بلدنا لبلورة آليات تعزيز التناسق بين برامج الدعم الاجتماعي، قصد الرفع من فعاليتها ونجاعتها، وتجاوز الإشكاليات التي تعيق إيصال الاستفادة الفعلية من هذه البرامج إلى الفئات التي تستحقها فعليا، ومن أجل وضع منظومة قانونية فعالة وإحداث آليات مؤسساتية ناجعة تتوخى تصحيح الاختلالات وتجاوز الإكراهات في مجال تدبير منظومة الدعم الاجتماعي. ناقشت مؤخرا لجنة الداخلية والجماعات الترابية والبنيات الأساسية بمجلس المستشارين، مشروع القانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، وذلك بحضور الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، هذا المشروع الذي طالما ترقبه العاملون في مجال التنمية الاجتماعية ببلدنا، القانون ستحدث بموجبه "الوكالة الوطنية للسجلات" التي ستكون على هيئة مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي، من أجل تدبير السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، والسهر على ضمان حماية المعطيات الرقمية وسلامة المنظومة المعلوماتية المتعلقة بالمسجلين فيهما، وكذا مهمة منح معرف مدني واجتماعي رقمي للأشخاص المقيدين بالسجل الوطني للسكان، علما أن معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي واستغلالها في مختلف تطبيقات المنظومة الوطنية لتسجيل الأسر والأفراد، يتعين أن يتم في إطار التقيد بأحكام القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، كما شدد على ذلك الوزير المنتدب خلال مناقشات اللجنة، ويهدف السجل الوطني للسكان، إحدى آليات منظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي، إلى إتاحة إمكانية التعرف على الأشخاص الراغبين في التقييد في السجل الاجتماعي الموحد من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، بما في ذلك التأكد من هويتهم والتثبت من صدقية المعلومات والمعطيات المتعلقة بهم. وتتجلى أهمية هذا القانون في كونه يشكل لبنة أساسية في تعزيز العدالة الاجتماعية وكونه سيعمل على بلورة آليات التناسق بين برامج الدعم الاجتماعي، والرفع من فعاليتها ونجاعتها. وفي إطار طموحنا كأشخاص في وضعية إعاقة إلى سياسات عمومية محلية دامجة تضمن ولوج الأشخاص في وضعية إعاقة لحقوقهم الحيوية، من خلال توفير الخدمات التأهيلية الأساسية عامة، وتوفير حماية اجتماعية خاصة، فإننا نؤكد أنه إذا كان الهدف من مشروع هذا القانون هو إحداث آليات لتعزيز التناسق بين برامج الدعم الاجتماعي ووضع تصور موحد لتنفيذ هذه البرامج بشكل منصف وعادل وشفاف. وإذا كان الهدف من السجل الاجتماعي الموحد إحدى هذه الآليات هو وصول الدعم الاجتماعي إلى الفئات التي هي في أمس الحاجة إليه. فإنه لزم علينا هنا نثير الانتباه إلى أن شريحة مهمة من المغاربة يجب أن تشملها معايير هذا السجل ألا وهي فئة الأشخاص في وضعية إعاقة، هذه الفئة التي يلاحظ ضعف وتلكؤ في جعل أوضاعها ضمن سياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فالأرقام الرسمية على الرغم من تقادمها إذ يعود مصدر المعطيات المتوفرة إلى البحث الوطني الثاني حول الإعاقة، المنجز من طرف وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية سنة 2014، تشير إلى أن: معدل بطالة الأشخاص في وضعية إعاقة خفيفة إلى عميقة جدا يقدر ب 47,65 في المئة، أي 290 ألف شخص، وهو أعلى 4 مرات من المعدل الوطني للبطالة الذي يصل إلى 10,6 المسجل خلال فترة إنجاز البحث الوطني، في حين يبلغ معدل البطالة في صفوف الأشخاص في وضعية إعاقة من متوسطة إلى عميقة جدا إلى 67,75 في المئة، أي 174 ألفا و494 شخصا، وهو أعلى من المعدل الوطني للبطالة المسجل في الفترة نفسها ست مرات. كما ان97 % من الأشخاص في وضعية إعاقة لا يتوفرون على دخل. 2،4% يتقاضون تعويضات أو معاش يصرف لهم بسبب وضعهم الصحي. 41،2% يعانون من صعوبات مالية بسبب الإعاقة، وفي 82،5% من الحالات أثقلت كلفة الإعاقة كاهل الأسرة، وفي حالات أخرى فقدت الأسرة مصدرا من مصادر دخلها (19،9% فقدان دخل الشخص في وضعية إعاقة) (10،1% فقدان عضو آخر من الأسرة لدخله). إن الوضعية السسيو اقتصادية للأشخاص في وضعية إعاقة تطرح تحديات كبيرة على مجتمعنا بكافة مكوناته، وبالأخص على المؤسسات الدستورية المخول لها وضع وتدبير السياسات العمومية وسن التشريعات ومراقبة تطبيقها، بالشكل الذي يتيح فرص التمتع بكافة الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين والمواطنات بدون إقصاء أو تمييز. إذ انه من واجب المشرع المغربي، حاليا في خضم وضع منظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي أن يأخذ الإعاقة بكل تجليات إشكالاتها وتأثيراتها، السلبية على مستوى عيش الشخص أو الأسرة بالاعتبار، أثناء إعداد السجل الاجتماعي الموحد وخلال وضع النصوص التنظيمية المتعلقة بإنفاذ ما تنص عليه المواد: من المادة 10 إلى المادة 18 من الباب الرابع من مشروع القانون خاصة في ما يتعلق ب: شروط تسجيل الأسر قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية. معايير تنقيط الأسر بناء على المعطيات المرتبطة بظروفها الاجتماعية والاقتصادية. بحكم تكاليف العناية والخدمات التأهيلية التي يحتاج إليها الشخص المعاق والتي تتحمل الأسر وحدها عبئها في غياب تغطية صحية شاملة لذوي الإعاقة كما أسلفنا من قبل، مما يفقر الأسر ويجرها مهما كانت وضعيتها المالية إلى الوراء و يفاقم وضعها الاقتصادي، حيث تخصص الأسر لأبنائها في وضعية إعاقة موارد أكبر مما تخصص لبقية أفرادها، إضافة إلى ما يؤدي إليه وجود طفل معاق في الأسرة من وجوب تفرغ أحد أعضائها "الأم غالبا" لرعاية الطفل، مما يمنع ممارستها أي نشاط اقتصادي يمكن أن يسهم في رفع مستوى الأسر المعيشي، إذ هناك العديد من الأمهات اللواتي ضحين بمستقبلهن المهني ومهامهن الوظيفية للتفرغ لرعاية أطفالهن . وقد سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2012 في إطار مشروع الرأي الذي تقدم به حول مشروع القانون الإطار 13/97 المتعلق بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، والذي تقدم به خلال انعقاد دورته السابعة والأربعين العادية، أن أوصى بإحداث آلية للتعويض عن الإعاقة ومحاربة الهشاشة. مشيرا إلى أن المغرب يفتقرُ إلى آلية محدّدة ومنظمة للتعويض عن الإعاقة، وإنشاء صندوق وطنيّ مخصص لتمويل المبادرات الموجّهة لتحسين شروط الحياة بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة، ولمحاربة استغلالهم في التسوّل وفي الأنشطة المهينة واعتبرَ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنَّ تخصيص تعويض للأشخاص في وضعيّة إعاقة أضْحى ضروريا. إن حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العيش الكريم الذي لا يمكن فصله طبعا عن الحقوق الإنسانية غير القابلة للتجزيء والحماية الاجتماعية لهم، خصوصا في غياب الأسرة والوالدين وما ينتج عن وفاتهما من مواجهة الشخص في وضعية إعاقة وحيدا لصروف الحياة ونوائبها. فتحمل الدولة لكلفة الإعاقة وضمان العيش الكريم للمواطن في وضعية إعاقة أضحى مطلبا ملحا يجب الاشتغال علية بعجل، لتدارك التأخر الكبير لبلدنا في هذا الجانب احتراما لموقع وطننا والتزاماته الحقوقية، وعلى كافة جمعيات الأشخاص في وضعية إعاقة ومناصريهم العمل بشراكة مع جميع الأطراف المعنية جهويا ووطنيا والمؤسسات المختصة والهيئات المنتخبة وكافة مكونات المجتمع المدني. في اتجاه تحقيق نهوض فعلي بحقوق هذه الفئة من المواطنين في التنمية الاجتماعية والخروج من براثن الفقر، من خلال سياسات وخطط إنماء تحترم وتستحضر حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى إذكاء الوعي لدى المعنيين وأصحاب القضية والمجتمعات المحلية بحقوق هذه الفئة، والفئات المهمشة الأخرى في المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وحماية وتعزيز احترام كرامتهم وتمتعهم بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية أسوة ببقية المواطنين. *ناشط حقوقي في مجال الإعاقة