المكتب الوطني للسياحة يفعل إجراءات مهمة استعدادا ل"الكان"    ولي العهد السعودي يؤكد العمل على تطبيع العلاقات مع إسرائيل "في أقرب وقت ممكن"    أشبال الأطلس إلى ربع نهائي كأس العالم بعد فوز مثير على مالي    حموشي يترأس حفل "التميز السنوي"    مبحوث عنه في ترويج الكوكايين يسقط في يد الدرك الملكي بإمزورن    مهرجان الدوحة السينمائي يحتفي بالعام الثقافي قطر – الأرجنتين – تشيلي 2025 بعرض برنامج من الأفلامٍ الملهمة    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يتأهل إلى ربع نهائي كأس العالم على حساب مالي    مهدي اغويركات يفوز بجائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 من الأكاديمية الفرنسية    يهم المغرب .. البرازيل تهزم فرنسا    أمن أكادير يطلق مركز القيادة والتنسيق    ندوة تستحضر روابط المغرب والإمارات    سيدات الجيش يبلغن نهائي دوري أبطال إفريقيا    اتحاد طنجة ينفصل عن مدربه هلال الطير        الدولي المغربي أشرف حكيمي يظفر بجائزة الأسد الذهبي لعام 2025    سلمى رشيد تحيي حفلا خيريا لإعادة النور لأعين المحتاجين بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    سعيد التدلاوي يندد بغياب التشاور بين وزارة الفلاحة والغرف الفلاحية    شلل رقمي يضرب الإنترنت عالميا.. والمنصات المغربية ضمن المتضررين    مصر تلغي نتائج التصويت في 19 دائرة    تشكيلة "أشبال U17" أمام منتخب مالي    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    يوسف وقسو من خريبكة.. حصيلة الحكومة لايمكن أن تغطيها مناورات المعارضة    "دينوس ألايف".. المعرض التفاعلي المخصص لعالم ما قبل التاريخ يصل الدار البيضاء    التساقطات المطرية تُنعش آمال الفلاحين بجهة طنجة    سبتة تترقّب زيارة سانشيز هذا الأسبوع بعد إلغاء الزيارة السابقة    الصناعة التقليدية المغربية تتألق في إشبيلية... انطلاق فعاليات الأسبوع الثقافي «We Love Morocco»    دراسة: المغرب من الدول الأكثر تأثرا بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الصادرة من مكبات النفايات    الجزائر تبرر التصويت على قرار أمريكا    الناظور .. ندوة دولية تصدر "إعلان الناظور للسلام والعدالة الانتقالية"    الملك يتوصل بتهنئة رئيس الإمارات    المعارضة النيابية تنسق من أجل تشكيل لجنة تقصي الحقائق في اقتناء الأدوية    عمر هلال يترأس المؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وباقي أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط    جرد ببعض ما اكتشفه في الكهف الحاضر القديم    المنظمون يوقفون بيع تذاكر كأس العرب    طرح 20% من أسهم "الشركة العامة للأشغال بالمغرب" في البورصة بهدف جمع 5.04 مليار درهم    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الماء والبنية التحتية..محور مباحثات بين وزير التجهيز والماء وسفيرة الصين    الإعلان عن الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في دورتها ال23 بالرباط    الشعب المغربي يحتفل غدا الأربعاء بذكرى ميلاد الأميرة للا حسناء    خفض المساعدات الأمريكية والأوروبية قد يتسبب ب22,6 مليون حالة وفاة بحسب دراسة    طنجة: انهيار منزل مهجور بطنجة يخلف إصابات في صفوف المارة + صور +    ألمانيا تسجّل 930 جريمة إسلاموفوبيا خلال 9 أشهر من العام 2025    مروحيات جديدة تعزز قدرات البحث والإنقاذ القتالي لدى القوات المغربية    الذهب يواصل انخفاضه متأثرا بصعود الدولار    حجيرة: طاقات تصديرية "غير مستغلة"    مشاركة مغربية في ندوة للجيش الإسرائيلي لاستخلاص الدروس من "حرب الإبادة" في غزة    جمارك ميناء طنجة المتوسط تحبط محاولة تهريب الذهب    الأكاديمية والناقدة حورية الخمليشي بمعرض الشارقة للكتاب .. مشروعي يروم قراءة موسعة للنص الشعري تنفتح على مشاريع اشتغال مستقبلية    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنصاف من النفس .. انتهاج طيب الأعراق وارتسام مكارم الأخلاق
نشر في هسبريس يوم 13 - 05 - 2020

يعتبر شهر رمضان الفضيل وأجواء الحجر الصحي فرصة سانحة للتعرف على العديد من نخب المغرب العلمية من خلال كتاباتها واجتهاداتها، خصوصا وأن المتلقي متلهف لقراءة الكلمة العالمة الموجهة والصادقة والصادرة عن أئمة العلم ورموزه.
وسنلتقي طيلة شهر رمضان المبارك مع مقالات قاصدة وموجهة، عكف الدكتور إدريس ابن الضاوية على كتابتها بلغة علمية رصينة وبيان عربي قلما تجده اليوم، يذكرك بالأصيل من الكتب والمؤلفين.
الإنصاف من النفس ومقصد التخلق المزين للتدين (الجزء الأول)
إن أهم ما ينبغي أن نشتغل به في فترة هذه العزلة المشروعة، وأجل ما يلزم أن نرتبط به في ظرف هذه الخلوة المقطوعة، انتهاج ما تطيب به الأعراق، وارتسام حد مكارم الأخلاق التي يتحقق بها الإنصاف من النفس، ويصدق بها الوفاء بلا بخس؛ لأنها توجب عليه معرفة الله أَجَلِّ الطاعات، وتبين حقه عليه في المبرات، وتكشف له عن حقيقة نفسه وما خلقت لتنزيله، وتيسر له إدراك ما يصلح به من دينه، وأن لا يزاحم بها مالكها، ولا يضاد بها فاطرها، بأن يدعي لها الملكة والاستحقاق، ويزعم لها التقرب والانعتاق، ويغطي على ما بها من إباق وشقاق، فيزاحم بذلك مراد سيده، ويخرج بغيا عن مقتضى تعهده، ويدفعه بمراده الذي يهواه، أو يقدمه مُؤْثِرا بدعواه، أو يقسم إرادته بين مراد سيده ومراد نفسه، ويتخير مما ألزمه به حق عقده وعهده، وهي لا شك قسمة ضيزى ردية، وعقبى سوء رزية.
ولهذا جاء في الحديث الموقوف الذي له حكم المرفوع، عن سيدنا عمار بن ياسر، صاحب المَسَارِّ والبشائر، أنه قال: "ثلاث من جمعهن جمع الإيمان: الإنصاف من نفسه، والإنفاق من الإقتار، وبذل السلام للعالم".
وقد جمعت هذه الكلمات الثلاث خيرات الآخرة والدنيا، ومسالك الحيوان الحقيقية العليا؛ فإن الإنصاف يقتضي أن يؤدي إلى الله تعالى جميع حقوقه، ويأتي ما أوجبه منطوق مرسوله، ويجتنب جميع ما نهاه عنه صحيح البرهان، ويؤدي إلى الناس جميع حقوقهم بإذعان وإِهْوَاٍن، ولا يطلب ما ليس له يحق، وينتصف من نفسه بلا خرق، حتى لا يوقعها في القبيح المرذول، أو يوصلها إلى الذل الرذي المَهُول.
وأما بذل السلام للعالم فيتضمن ألا يتكبر على أحد، ولا يدعي أنه ذو عدد، وألا يكون بينه وبين غيره أي جفاء، ولا يجري بينه وبين سواه اعتداء، يمتنع من السلام عليه بسببه، ويحول بينه وبين واجب ولايته وحبه.
وأما الإنفاق من الإقتار، والجود مع وجود الإعسار، فيقتضي كمال الوثوق بالله والاعتماد عليه، والرجاء فيه وابتغاء ما لديه، والتوكل عليه وحده بالتوجه إليه، والاستغناء الكلي عمن دونه، والاستعلاء عنهم محسنا فعله، والشفقة على المسلمين، والرقة للمؤمنين، وسد حاجات الناس أجمعين موافقين كانوا أو مخالفين، استجلابا لرحمة أرحم الراحمين، واستمطارا لفضل رب العالمين، واستحلابا لفوائد الكتاب المستبين، في أفق الاندراج في صنف الفائزين، والدخول في طبقات خلص المفلحين الذين مدحهم الله تعالى في قوله المبين: "والذين تبوؤوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".
إن خلق الإنصاف أيها الأحبة الذي لا تضيع معه الحقوق، ولا يجر إلى أي صدوف أو مروق، يتأسس عليه جوهر التخلق العملي الذي يجمل التواصل مع الناس، وينبني عليه الاحتماء من شر الوسواس الخناس، ويضبط به الانسجام المطلوب في أنواع المعاشرات، والائتلاف المنشود في سائر العلاقات، ليرتفع بذلك عن حياة الناس هذا التناقض النكد بين صحيح المعتقد وبين ما يجب أن يعتمد، اتباعا لأنصار مبدأ الإنسان الطبيعي المتحرر، والتفاتا إلى صيحة إطلاق حرية من لا يصطبر، الذي يتصرف خارج الحدود الدينية، ويتقلب بعيدا عن الرسوم الأخلاقية، ويتمطى نائيا عن القيم الحضارية، والآداب الاجتماعية، كالذين يستغلون جهائل بعض الجهال، بأضاليل فريق من الضُّلال، لإفساد جمال التقنين، وتفريق جماعة المومنين، والتشغيب على ما اتحدوا عليه من ثوابت الدين، والتشويش على ما اختاروه للتوحد في مجتمع اليقين، الذين ورد فيهم قول أحكم الحاكمين: "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما".
وحسب المؤمن من شواهد عظم قدر الخلق أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله غاية بعثته، وعده رأس مهامه، وأظهره علامة على كمال اصطناعه عندما قال في طبيعة رسالاته: "إنما بعثت لأتمم حُسْنَ الأخلاق"، أو صالح الأخلاق، أو مكارم الأخلاق، أو محاسن الأخلاق. وقوله شرفه الله وعظم في حق المتحقق به قولا وعملا، والمستند إليه حجة ومثلا: "أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طُعمة" أي في وجه المكسب.
وقد جمع الله تعالى أصول التخلق المثمر لمن أراد أن يكون كالمستبصر في قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"، التي نقل ابن عبد البر عمن يعلم من أهل العلم أنها أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق؛ لأن أصولها في عشرة خصال حصرتها أم المومنين عائشة رضي الله عنها في قولها: "مكارم الأخلاق عشرة تكون في الرجل ولا تكون في ابنه، وتكون في ابنه ولا تكون فيه، وتكون في السيد ولا تكون في عبده، وتكون في العبد ولا تكون في سيده، صدق الحديث، وصدق البأس في طاعة الله، وإعطاء السائل، ومكافأة الصنيع، وصلة الرحم، وأداء الأمانة، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، وقرى الضيف، ورأسهن الحياء".
وهي وسيلة بلوغ الكمال البشري في باب الأخلاق، وصراط استحصال المَلْكِ الأبدي لأعظم الأرزاق بإطلاق، الذي يقضي بالتميز في الاستقامة، ويشهد بالتحقق بالسلامة المشار إليها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخيركم خيركم لنسائهم، وألطفهم بأهله"؛ لأنه ذهب بخير الدنيا والآخرة، وتفرد بتطييب الحياة العاجلة، وهو أفضل شعب الإيمان، وأثقل شيء في كفة الميزان، وأيسر طريق موصل إلى الجنان، وأشرف ما تزين به الإنسان، به يسع المستجيب جميع الناس، ويثبت به خيريته بينهم بلا باس، وتظهر مروءته خلالهم، ويعظم شرفه عندهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق".
فصار لزاما في التدين المقيد بخلق الإنصاف الذي لا يخطئ شيئا من الحقوق الثقال والخفاف، أن يكون الداخل في السلم كافة، والمستسلم للأحكام عامة، عاقلا، تقيا، أمينا، صادقا، صابرا، محتسبا، رحيما، متواضعا، وصولا، عفوا، حليما، عفيفا، متحملا، متجاوزا، كريما، سمحا، عدلا، برا، أمينا، حييا، متحفظا، كريما، جوادا، شجاعا، في أفق أن يكون مصلحا لدينه، مخموما في قلبه، متحققا برشده، مخلصا في نصحه، قائما بقسطه، وفيا بعهده، كافا لشره، حافظا لفرجه، حاكما في بطنه، واقيا لعرضه، رفيقا بأهله، ملابسا لبِشْرِه، مراعيا لوعده، لطيفا بحلمه، محاسبا لنفسه، تائبا من ذنبه، صائنا لنطقه، صائبا في نضله، سليما في طعمه، ورعا في كسبه، غاضا من بصره، زَامّاً لسمعه، كاظما لغيظه، قائما بوصله، لاويا لبأسه، باذلا لسلمه، لينا بجانبه، خازنا للسانه، حليما عند استجهاله، خافضا لجناحه، مصلحا لماله، مؤديا لدَيْنه، مثمرا لوده، موثرا لآخرته، مقدما لوقاره، فاشيا لسلامه، مكرما لجاره، صادقا في إخائه في شدته ورخائه، تاركا لمرائه، أَتِيّاً لجيرانه، موطئا لأكنافه، حريصا على إحسانه، مُفْضِلا على إخوانه وأحبائه، مثيبا بإهدائه، مجيدا في تدبيره، كريما في ضريبته، سليما في سريرته، محسنا لضيفه، مؤديا لحقه، مؤتمنا على سره، لا يمنع تقتيرا، ولا يعطي تبذيرا، صانعا للمعروف، كافا عن كل مخوف.
إن الخلق الحسن القائم على هذه المكارم، والمحمي بما فيها من سمات عواصم، يورث إكرام الله تعالى له بود خلقه، ويثمر القبول في فِنَاء كونه، الذي ضمنه لمن آمن واستقام، وكتبه لمن هداه من خلص الأنام في قوله: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا".
وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبدا، دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء، إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.