قال أيت الرايس نور الدين، أستاذ باحث وعضو بفريق البحث في اقتصاديات التنمية بجامعة ابن زهر، إن "التعامل مع أزمة فيروس كورونا وعواقبها قد يكون مصدر قلق في حياتنا اليومية، فهذا الوباء لا يهدد النظم الصحية فحسب، بل يهدد بشكل عام الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لبلداننا". وأضاف أيت الرايس، في مقالة بعث بها إلى الجريدة، تحت عنوان "توقعات ما بعد جائحة فيروس كورونا"، أنه "لهذا السبب كان تركيز الدولة المغربية حتى الآن ينْصَبُّ، من جهة، على إنقاذ الأرواح ووضع حد لتفشي الفيروس، وذلك عن طريق الحجر الصحي، والتباعد الجسدي، وارتداء الأقنعة الطبية، وإجراء الاختبارات والتشخيص المبكر". كما انصب تركيز الدولة أيضا على الحد من الآثار الاقتصادية للفيروس من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات، وفق الجامعي، يذكر منها على وجه الخصوص إنشاء صندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا، وتمديد المواعيد النهائية، وتوزيع المساعدات المالية على الأسر الأكثر حرمانًا، واستخدام خط الوقاية والسيولة (LPL) لصندوق النقد الدولي". وتابع: "بهذا، فإن الدولة المغربية تعمل على جبهتين في نفس الوقت من أجل تحقيق أهدافها، من ناحية، عن طريق حماية الأرواح من تبعات الفيروس، ومن ناحية أخرى، بالتخفيف من الآثار السلبية للأزمة من خلال خلق الاستقرار الاقتصادي وحماية سبل العيش، لكن مع ذلك، لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن فعالية كل هذه الإجراءات المتخذة". وتبقى أسئلة عديدة مطروحة، يؤكد المتحدث، مثل: هل يجب أن نمدد الحجر الصحي؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإلى متى؟ هل يجب أن يكون الحجر الصحي عاما أو انتقائيا؟ من وجهة نظر اقتصادية، هل يجب التعامل مع جميع القطاعات بنفس الطريقة؟ كيف يمكن إنعاش اقتصاد الأقاليم مع اختلافها؟ ما هي البروتوكولات التي يجب اتباعها لإعادة تشغيل القطاعات بأمان؟. وأردف كاتب المقالة: "الإجابة عن هذه الأسئلة ستسمح للفاعلين في القطاع العام والخاص بالتفكير في كيفية إنعاش الاقتصاد والوقت المناسب لذلك، وسيعتمد ذلك على عاملين اثنين؛ العامل الأول هو درجة انتشار الفيروس. فلقياس هذا العامل، يوصي الباحثون باستخدام معدل انتقال المرض، ولكن هذا يفترض توفر ما يكفي من الاختبارات السريعة لتشخيص فيروس كورونا". وأورد أنه "في هذه الحالة، يمكن لعدد الحالات المصابة في منطقة ما أن يسد هذه الفجوة ويشكل مؤشرًا مرضيًا، وهذا يختلف من منطقة إلى أخرى، بحيث تستطيع بعض المناطق مكافحة الفيروس والبعض الآخر لا يستطيع ذلك، ومن ثمة يمكن أن تتوقع المناطق التي يكون فيها عدد المصابين مرتفعًا ومتزايدًا تأجيل استئناف النشاط الاقتصادي، لأنه بخلاف ذلك، فسيكون الوضع أكثر سوءا". أما العامل الثاني فهو مدى فاعلية وتماسك تدابير الدولة للكشف عن الحالات الجديدة وإدارتها ومنعها، ويحدد هذا المؤشر قوة النظام الصحي الحالي في البلد ويتضمن عدة عوامل، تبعا للمقالة، يجمعها الجامعي في: ·الرصد والمراقبة الوبائية والطبية؛ ·إنشاء وحدات كافية للعناية المركزة لإنقاذ حياة مرضى فيروس كورونا؛ ·القدرة على إجراء الاختبارات السريعة للكشف المبكر عن الفيروس؛ ·نظام العزل الصحي العام؛ ·الموارد الطبية المتاحة: الأطباء، المُمرضات، الأسِرَّة والمُعِدات؛ ·تنسيق وتنظيم المشاورات بين جميع أصحاب المصلحة الوطنيين؛ · تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية المحافظة على العادات والسلوكيات الصحية السليمة لتفادي مختلف الأمراض بما فيها فيروس كورونا المستجد، ومنها غسل اليدين المتكرر، والتباعد الاجتماعي، وارتداء الأقنعة الإجباري. ويوضح أيت الرايس أنه "إذا جمعنا هذين العاملين، درجة انتشار الفيروس ومدى فاعلية تدابير الدولة، فإننا سنحصل على أربعة سيناريوهات محتملة لفترة ما بعد كورونا، وصفناها بحروف لاتينية: "L" و "U" و "W" و "V"، موردا أن سيناريو الانتعاش على شكل حرف "v" (السيناريو المتوقع) يفيد العودة السريعة إلى أساسيات وديناميكيات ما قبل الأزمة، ثم المراقبة السريعة والفعالة لانتشار الفيروس، ونجاح النظام الصحي في السيطرة على الفيروس، وتجنب الضرر الاقتصادي والاجتماعي. أما سيناريو الانتعاش على شكل حرف "w" (السيناريو المخيف)، فيصف المتحدث المرحلة بأنها ستمتاز باستئناف النشاط، لكن اليقظة ضد الفيروس تتلاشى والوباء يظهر من جديد، فيغرق الاقتصاد في الركود، فضلا عن نجاح الإجراءات الصحية، لكن إجراءات الدولة ليست كافية لمنع ظهور الفيروس". وفيما يخص سيناريو النمو على شكل حرف "u" (سيناريو محتمل)، فيلخصه الأكاديمي في انكماش الاقتصاد والتوقف عن العمل لبعض الوقت، إلى جانب تعديل التقديرات؛ حيث سيتضح أن الخروج من الأزمة بسرعة لن يكون سهلا، فضلا عن مواجهة الشركات مشاكل في التوريد والمستهلكون قلقون من المستقبل رغم السيطرة على الفيروس، كما أن مستويات التعافي معتدلة، وتعوض القرارات السياسية جزئيا الأضرار الاقتصادية. ويتجسد السيناريو على شكل حرف "L" (السيناريو الواجب تجنبه) في فشل البلاد باحتواء الأزمة، والتباطؤ الطويل الأمد للاقتصاد، ثم تدخل الدولة غير الفعال، بحيث إن الركود يعزز نفسه، والإفلاس والتخلف عن السداد منتشر جداً بين الفاعلين الاقتصاديين، والأزمة المصرفية محتملة جدا يمكن تصورها، وتفشل تدخلات الصحة العامة في السيطرة على الفيروس. ويقترح كاتب المقالة على صانعي القرار مصفوفة ستساعد على فهم استعداد البلاد للتعافي من الفيروس وتحديد متى يمكن لكل منطقة إعادة تشغيل نشاطها الاقتصادي؛ ذلك أنه لن تكون جميع مداخل المصفوفة ثابتة؛ بحيث سيحاول كل إقليم الانتقال إلى الوضع (L) شريطة أن يكون لديه نظام صحي متين وأن يكون هناك انخفاض في عدد حالات الإصابة بالفيروس. بذلك، أكد أيت الرايس أن الانتقال من مرحلة "L" إلى "u" يستدعي الامتثال للحجر الصحي والمبادئ التوجيهية الصحية التي ستعوض نقاط الضعف في النظام الصحي وتبطئ انتشار الفيروس، ما سيسمح للبلدان أو الأقاليم بإعادة فتح اقتصادها تدريجياً. أما الانتقال من "u" إلى "v" فيعني أن المنطقة ستصل إلى الوضع الطبيعي، حيث سيتم تطوير قدرتها على الرعاية الصحية بشكل كافٍ، وسيتم التحكم في انتشار الفيروس، وسيتم نشر مقاييس السيناريو "v"، لكن مع ذلك يمكن أن تعود الحالة"u" إلى السيناريو "w" إذا عاود الفيروس الانتشار مرة أخرى بعد رفع الحجر الصحي الإجباري. وبشأن الانتقال من سيناريو "w" إلى "v"، ففي هذه الحالة يجب تشديد إجراءات الدولة لتعزيز قدرة النظام الصحي وتجنب تكرار انتشار الفيروس، ما يجعل من الممكن الانتقال إلى تدابير "v". بذلك، لفت المتحدث إلى أن "هذا التعليل لا يقدم إرشادات مطلقة، ولكن يمكن أن يكون أداة مفيدة للمساعدة في صنع القرار من خلال تحديثه باستمرار". واستطرد: "في الواقع، ومع مرور الوقت، قد تنشأ أحداث جديدة قد تغير من هذه الديناميكية؛ لقاح جديد مكتشف، علاجات جديدة...، فمن خلال مراعاة الأهمية الاقتصادية النسبية لكل إقليم، فإنه يمكن للسلطات الدفع بعجلة الجهود المبذولة لاحتواء الجائحة وكبح انتشارها وذلك بتحديد الأولويات وبناء القدرات الصحية من خلال، على سبيل المثال، رفع الحجر عن بعض القطاعات الاقتصادية وتأخير أخرى". بهذا المعنى، يمكننا أن نميز ثلاث مراحل في التحضير لإعادة فتح اقتصاد البلاد، في كل مستوى، يمكن للسلطات أن تقرر التدابير التي يجب اتخاذها، وتحديد القطاعات الجاهزة للتشغيل، وبالتالي تعديل سياساتها وإجراءاتها، ما سيسمح بالتنسيق بين المناطق وتجنب الحلول المتضاربة، ويمكنه أيضًا إعلام المواطنين بالمستقبل الذي ينتظرهم"، بتعبيره. وفي كل مرحلة، يمكن للسلطات تنفيذ سياسات وخطط اقتصادية تضمن استعداد البلاد للعمل ولتجاوز المخاطر بسرعة، فبالنسبة إلى المرحلة الأولى التي تهم السيناريو "L"، فيجب تقييد حركة الدخول والخروج، وفرض الحجر الصحي الإجباري على السكان، فضلا عن التباعد الجسدي/الاجتماعي والارتداء الإجباري للأقنعة الطبية، والسماح بالتنقل المحدود داخل الأقاليم وغيرها. أما المرحلة الثانية فتخص السيناريو "U"، من خلال الرفع الجزئي للحجر الصحي على السكان، وتشجيع العمل عن بعد، وتشديد القيود على التنقل داخل الإقليم، والسماح لمجموعات من عشرين شخص كحد أقصى مع إلزامية ارتداء القناع، ثم السماح بالعمل لقطاعات قليلة مع تشديد السلطات على إجراءات الوقاية. وفيما يخص المرحلة الثالثة في علاقتها بالسيناريو "v"، فينبغي رفع القيود على التنقل في مناطق معينة، وفي أيام معينة من الأسبوع، وجميع سلاسل التوريد الرئيسية ستعمل على أساس اقتصاد السوق، وجميع القطاعات مرخصة للعمل، لكن يوصى بتفضيل العمل عن بعد، والسماح بتجمعات تصل إلى 100 شخص في الأماكن العامة والخاصة، وينصح بارتداء القناع. ومع ذلك، يجب أن تظل بعض القطاعات الاستراتيجية مشتغلة حتى في حالة الجمود، يذكر منها الباحث على وجه الخصوص الصحة والدفاع والأمن، وتوريد السلع والخدمات (خاصة المواد الغذائية)، والأدوية والمياه والكهرباء والغاز، في حين، يمكن إعادة إطلاق القطاعات الأخرى تدريجياً، فبعضها سيبدأ بمجرد وصول الإقليم إلى المرحلة 2، والبعض الآخر سيكون في المرحلة 3، وهذا يعتمد على حالات انتقال المرض وصلابة النظام الصحي في كل منطقة. وأردف: "فإننا مثلا نستبعد سماح السلطات المغربية بالتنقل بين الجهات، أو حتى المدن، بعد 20 ماي (التاريخ الرسمي لرفع الحجر الصحي)، ونرى كذلك أن رفع الحجر الصحي لن يشمل جهات الدارالبيضاءسطات، ومراكش أسفي، وطنجة تطوانالحسيمة، بسبب ارتفاع عدد الإصابات فيها، وإنما قد يشمل الجهات الجنوبية من سوس ماسة إلى الداخلة واد الذهب، وكذلك المغرب الشرقي حيث الأرقام منخفضة". وزاد: "حتى بعد انتهاء الأزمة، سيظل خطر ظهور الفيروس موجودًا لفترة معينة (من 2 إلى 6 أشهر)، لهذا السبب، يجب على القادة منذ الآن التفكير في اعتماد بروتوكولات صحية وسلوكية واضحة للحد من هذا الخطر، من خلال التباعد الجسدي، اتباع إرشادات النظافة والتنظيف، إجبارية ارتداء الأقنعة الطبية، المراقبة المتكررة لدرجات حرارة العمال للكشف المبكر عن الحالات المحتملة، الحفاظ على اتصال دائم مع السلطات الصحية"..