إذا كنا تطرقنا في الجزء الأول من هذا المقال إلى استمرارية المرفق العام باعتباره حاجة للدولة، ووضحنا هذا الأمر من خلال مجموعة من الآراء التي اعتبرت استمرارية المرفق العام من استمرارية الدولة والتي تم استخدامها في تبرير العديد من النظريات القانونية، أو باعتبار استمرارية اشتغال المرفق العام جانبا من استمرارية الحياة الاجتماعية. وإذا كانت هذه المرافق العامة تهدف إلى إشباع حاجات عامة أساسية يصعب على جمهور المواطنين الاستغناء عنها، ولما كانت هذه الحاجيات باقية ومستمرة، لذلك كان من الضروري استمرار المرافق العامة في إشباعها لهذه الحاجات ومن ثم تحقيق استمرارية المرفق العام بانتظام واضطراد. وارتكازا إلى هذا التحليل يمكن اعتبار هذا المبدأ من أهم القواعد التي تحكم سير المرافق، سواء كانت إدارية أو اقتصادية التي تستند إلى أهمية وحيوية الخدمات التي تؤديها المرافق العمومية، ومدى جسامة الأضرار التي تصيب الدولة والأفراد جراء توقف مرفق حيوي أو تعطيله لفترة وجيزة، ولنا أن نتصور ما يمكن أن يصيب المجتمع من خلل واضطراب وشلل إذا توقف مرفق المياه، أو الكهرباء، أو غيرها من المرافق العامة الحيوية الأخرى. لهذا نجد الفقه والقضاء يحرصان دائما على تأكيد أهمية قاعدة أو مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، لذلك فإن المرفق العام لم ينشأ أصلا إلا لإشباع حاجات عامة بلغت من الأهمية درجة، جعلت السلطة العامة تعتبرها مرفقا عاما بصورة مستمرة ومنتظمة، نظرا للانعكاسات الخطيرة التي تترتب على انقطاعه والتي تتمثل في الاضطراب الذي يصيب حياة الأفراد في المجتمع. لذا نجد المواطنات والمواطنين نظموا حياتهم على أساس هذه المرافق العامة، ويعلقون أهمية كبيرة على دوام سيرها بانتظام، بحيث يصاب المواطنون بانزعاج كبير إذا ما شلت هذه المرافق أو توقفت عن مواصلة خدماتها، لذا كان من الضروري واللازم أن يؤخذ بعين الاعتبار ضمان المقتضيات القانونية خصوصا في حالة الأزمة مثل أزمة فيروس كورونا – كوفيد 19 خاصة النصوص التي تصد في إطار هذه الأزمة يجب أن تضمن استمرارية المرافق الحيوية للبلاد، كما يجب أن تواكب هذه المقتضيات باجتهادات قضائية تشرح وتبين هذا الأمر. وانطلاقا من هذا سنحاول التطرق في هذا الجزء الثاني من المقال إلى الحماية القانونية والقضائية لاستمرارية المرفق العام. أولا: الحماية القانونية لمبدأ استمرارية المرفق العام في زمن كورونا إذا كنا قلما نجد مقتضيات دستورية تنص صراحة على استمرارية المرفق العام خلال فترة الأزمات في مجموعة من دساتير مجموعة من الدول، كذلك نجد الدساتير المغربية السابقة على دستور 2011، لم تكن تنص صراحة كما هو الحال بالنسبة لدستور 2011 على ضمان استمرارية المرفق العام، بحيث كان دائما يرجع في مثل هذه الحالات للقضاء في أحكامه، حيث أصبح من حق السلطة الإدارية بل من واجبها أن تعمل في كل وقت على ضمان دوام سير المرافق العامة، بناء على أحكام تصدرها الجهات القضائية المختصة، وإلا فإنها تكون قد أخلت بواجباتها إزاء الأفراد. فإذا رجعنا إلى التشريعات المغربية ورجعنا إلى الدستور المغربي الجديد دستور 2011، فإننا نجده جاء بمقتضيات مهمة وأساسية في هذا المجال وجد متقدمة على مجموعة من الدساتير لمجموعة من الدول المتقدمة، بحيث خصص بابا للحكامة وهو الباب الثاني عشر، وضمن المبادئ العامة لهذا الباب تطرق إلى تنظيم المرافق العامة، بحيث نجد من بين هذه المقتضيات ما يتعلق ب "تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات" وهو ما نص عليه الفصل 154 من الدستور، ويتضح لنا جليا من خلال هذه المقتضيات أن دستور 2011 نص صراحة على استمرارية المرفق العام، ومن ثمة أصبح هذا المبدأ الذي عادة ما كان يرجع فيه لتأكيد ضمانه إلى الاجتهادات القضائية وإلى القواعد العامة للقانون، لكنه أصبح اليوم منصوصا عليه في الدستور ومتضمنا في النصوص المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية وفي مشروع القانون المتعلق بميثاق المرافق العمومية. ولضمان استمرارية المرافق العمومية وضمان خدماتها وتوضيح هذا الأمر، تم إصدار مشروع ميثاق المرافق العمومية، هذا الميثاق الذي نجد الفصل 157 من الدستور يؤكد على إصداره حينما نص على أنه "يحدد ميثاق للمرافق العمومية قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية والأجهزة العمومية". وفي هذا الإطار تم إصدار، مشروع قانون 54.19 الذي صادق عليه مجلس النواب وهو الآن معروض أمام مجلس المستشارين، وهذا المشروع عمل على تحديد تعريف للمرافق العامة التي كانت دائما تتعرض للخلط ما بين المرفق العام واعتبرها "أي المرافق العمومية"، الإدارات العمومية والمحاكم والجهات والجماعات الترابية، ومجموعاتها والهيئات التابعة لها، والأجهزة العمومية. وعرف المرفق العام كذلك واعتبره كل نشاط تقوم به المرافق العمومية طبقا للنصوص التشريعية والتطبيقية الجاري بها العمل من أجل تلبية حاجيات المرتفق وتحقيق المصلحة العامة. كما نص هذا المشروع في مادته الخامسة على مبادئ المرافق العمومية وأكد في فقرته الرابعة على "الاستمرارية في أداء الخدمات، من خلال انتظام سير المرفق العام" وما يمكن أن نستنتجه من هذا المشروع الذي صادق عليه مجلس النواب وهو الآن معروض على مجلس المستشارين للمصادقة، أنه بين لنا ذلك الخلط الذي كان يقع ما بين المرافق العامة باعتبارها مؤسسات وأجهزة تؤدي نشاطا معينا وخدمة العمومية وما بين المرفق العام باعتباره نشاطا وخدمة عمومية. وتجدر الإشارة إلى كون ضمان استمرارية المرفق العام التي أشار إليها الدستور وأكدها مشروع ميثاق المرافق العمومية ضمن مقتضياته، ولم يتم تحديدها استمرارية المرفق العام هل في الظروف العادية أو في الظروف غير العادية، ونحن نعتقد أن الأمر يخص جميع الظروف بل إن الظروف غير العادية مثل الظروف التي نعيشها بسبب تفشي فيروس كورونا تتطلب إبداع آليات بديلة لضمان مبدأ استمرارية المرفق العام. وباستقرائنا كذلك للنصوص القانونية المتعلقة بحالة الطوارئ، ونخص بالذكر مرسوم بقانون رقم 2.20.293 صادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ثم مرسوم رقم 293 .20. 2 الصادر في 29 من رجب 1441 (24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19، حيث أكدت المادة الثالثة من هذا المرسوم أنه "على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم. ولا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها. ما نستنتجه كذلك من هذه النصوص المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية، أنها كانت صريحة في تأمين وضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية رغم الإجراءات والتدابير التي تم اتخاذها للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض وحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم، وضمان استمرارية المرفق العام على مستوى النص القانوني يعكسه على مستوى الواقع، استمرارية المرافق العمومية في تقديم خدماتها للمواطنين سواء كانت مرافق عمومية للدولة أو للجماعات الترابية، وانطلاقا من المقتضيات الدستورية ومقتضيات المراسيم المتعلقة بحالة الطوارئ، ترسخت الحماية القانونية لضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية في تأدية خدماتها. ثانيا: الحماية القضائية لمبدأ استمرارية المرفق العام لقد واكب الاجتهاد القضائي المشرع في ما يتعلق بضمان استمرارية المرفق العام، وقد كان مجلس الدولة الفرنسي سباقا لهذا الأمر ويتضح لنا ذلك من خلال مجموعة من الأحكام. رأي مجلس الدولة الفرنسي لقد استقر القضاء والفقه الإداريين على أهمية وضرورة هذا المبدأ، وقد عرَّفت السلطة القضائية منذ فترة طويلة الاستمرارية كمبدأ عام للقانون ملزم للسلطة التنظيمية، قبل وصفها كمبدأ أساسي دون مزيد من التفاصيل، في حكم Bonjean المؤرخ 13 يونيو 1980. حيث سمحت الدولة بشأن الحق في الإضراب ولكن استثنت المرافق العامة الحيوية للبلاد، وهذا يبين لنا فهم أفضل لتطور المفهوم منذ بداية القرن العشرين. والخلاصات التي يمكن استخلاصها - من قرار 7 غشت Winkell du الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي- تكشف عن رغبة في رفض الإضراب في الخدمة العامة لأسباب تتعلق قبل كل شيء باستمرارية الخدمات العامة التي يجب تزويد جميع المقيمين بها في فرنسا، و في أقصى المناطق النائية من الأقاليم، من خلال تلبية الاحتياجات العامة التي لا يمكن للمبادرة الخاصة أن تضمن تحقيق هذه الخدمات، وذلك بوضع تدابير تؤمن تقديم هذه الخدمات الضرورية للمواطنين. (...) والاستمرارية هي جوهر الخدمة العامة التي تحدد من قبل النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية. وما نستخلصه من الحكم Dehaene الصادر في 7 يوليو 1950، أنه لم تعد الاستمرارية تبرر الحظر التام للإضرابات من قبل موظفي الخدمة المدنية. بمجرد أن اعترفت ديباجة دستور 27 أكتوبر 1946 "الحق في الإضراب في إطار القوانين التي كانت تنظمها "(الفقرة 7) كان على الإدارة الامتثال لها. وقد أنشأ قانون 21 عشت 2007 بشأن الحوار الاجتماعي استمرارية الخدمة العامة في حدها الأدنى. ويتوخى الإضراب كحالة "تعطيل مروري متوقع" يلزم شركة النقل بتحديد "مستويات الخدمة المختلفة حسب الأهمية والحاجة والضرورة". ولهذا نجد أن مجلس الدولة الفرنسي قضى في بعض أحكامه بعدم مشروعية إضراب موظفي بعض المرافق العامة، كما أكد على مقاومته والتضييق من نطاقه ما أمكن.. كما وضع المجلس أيضا بعض الضوابط الخاصة بتنظيم إضراب موظفي المرافق العامة، مراعيا التوفيق بين مبدأ حق الإضراب، ومبدأ استمرار سير المرفق العام بانتظام واضطراد، وأهم هذه الضوابط: الأخذ في الاعتبار عند حظر الإضراب مبدأ استمرار سير المرفق العام بانتظام واطراد، ومن هذه الضوابط كذلك: الأخذ في الاعتبار عند حظر الإضراب نوعية المرفق العام الذي يتأثر بالإضراب (فاضطراب الخبازين مثلا يمس حياة المواطنين أكثر من إضراب حراس ومراقبي المتاحف).. ورفض الاعتراف بحق الإضراب إلا لحماية مصالح مهنية وليس لتحقيق أهداف سياسية.. وإقرار شرعية حظر الإضراب على فئات معينة من الموظفين كموظفي مرافق البريد والهاتف، الذين لا غنى عنهم لأمن الأشخاص والمحافظة على الأشياء وتشغيل الاتصالات، والتي لا تتحقق إلا بدوام سير هذا المرفق بانتظام، والعاملين في النقل العام سواء كان النقل بالحافلات أو السكك الحديدية. وتجدر الإشارة علاوة على ذلك، إلى أنه لا يمكن استيعاب الحد الأدنى من خدمة استقبال طلاب المدارس في غياب المعلمين لسبب إضراب بموجب القانون في 20 غشت 2008 وهي خدمة دقيقة في موعد قريب، وليست بديلاً مهنيًا يتم توفيره بالضرورة من قبل أعضاء هيئة التدريس. ومع ذلك ليس من المناسب دائمًا مساواة مفاهيم الحد الأدنى من الخدمة، والخدمة الممنوحة: الأولى تتعلق بنشاط مطلوب من الموظف العمومي لصالح الخدمة، في حين أن الثانية - الذي يلتزم به الموظف - يجب أن يسمح له بإنجاز ''نشاط على الهامش وبموارد محدودة. هذه بعض النماذج التي أصدر فيها مجلس الدولة الفرنسي قرارته 001 بخصوص استمرارية المرفق العام وهي قرارات تتعلق في غالبيتها بفترة الإضراب والتي كانت تتعطل فيها المرافق العامة مما فتح نقاشا فقهيا وقضائيا، وهو ما جعل مجلس الدولة يتخذ مجموعة من القرارات في هذا الإطار. وهو نفس الاتجاه الذي ذهب فيه المجلس الأعلى المغربي سابقا محكمة النقض بخصوص موقفه من الإضراب والتشبث بمبدأ الاستمرارية في تقديم الخدمات للجمهور. نذكر قرار المجلس الأعلى، الغرفة الإدارية بتاريخ 17 أبريل 1961، قضية الحيحي محمد ضد وزير التربية الوطنية. وقرار مجلس الأعلى بتاريخ 22 أبريل 1963، قضية عبد الله عبد القهار. وكذلك القرار الصادر عن المجلس الأعلى تحت رقم 161 بتاريخ 1/7/1983 بعد إضرابات 1979، حيث يستنتج من هذا القرار أن ممارسة الإضراب تحكمها نفس المقتضيات التي كانت مطبقة قبل دستور 1946 في فرنسا. فمعظم القرارات التي صدرت عن المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا ومجلس الدولة الفرنسي، جلها كانت تتعلق إما بالإضراب أو استقالة الموظف أو نظرية الظروف الطارئة. لكن ما أثارني بخصوص الاجتهادات القضائية في ظل حالة الطوارئ الصحية هو القرار الذي أصدره مجلس الدولة الفرنسي مؤخرا يتعلق بالحجر الصحي الذي تم فرضه بسبب انتشار فيروس كورونا – كوفيد 19، وهو القرار رقم 436674 الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 22 مارس 2020، يتعلق بضرورة تطبيق الحجر الشامل، وهذا القرار صدر بشأن دعوة تقدمت بها نقابة الأطباء الشباب بفرنسا والنقابة الوطنية للأطباء الداخليين والسيد M. Renaud Le Mailloux والمجلس الوطني لهيئة الأطباء. ومن بين المطالب التي تقدمت بها هذه الهيئات، إلزام رئيس الوزراء ووزير الصحة والتضامن بأخذ تدابير لضمان الإنتاج في المجال الصناعي وكذا الزيادة في اختبارات الفحص واتخاذ التدابير التنظيمية لضمان فحص العاملين في المجال الطبي. والمنع التام للخروج إلا بترخيص يمنح من طبيب بتعليل صحي، توقيف النقل الجماعي، توقيف المرافق المهنية باستثناء الحيوية منها، التدابير الغير الكافية المنصوص عليها في مرسوم 16 مارس 2020، الأمر الذي يعتبر مدمرا وخطيرا بشكل واضح وغير قانوني ولها تأثير على الحق في احترام الحياة، وغيرها من المطالب الأخرى، وقد اعتبر مجلس الدولة الفرنسي في هذا القرار أنه يمكن لرئيس الوزراء، بحكم صلاحياته، سن تدابير الشرطة المطبقة على كامل التراب الفرنسي، ولا سيما في الظروف الاستثنائية، مثل الوباء المؤكد، كوفيد 19 الذي تعاني منه فرنسا حاليًا. بالإضافة، إلى أحكام المادة 3131-1 من قانون الصحة العامة: "التي تؤكد على أنه في حالة وجود تهديد صحي خطير يجب اتخاذ تدابير طارئة، لا سيما في حالة وجود خطر وبائي". فالوزير المسؤول عن الصحة يمكنه أن ينص بمرسوم للحفاظ على الصحة العامة على مجموعة من التدابير التي تتناسب مع المخاطر الجارية، ومناسبة لظروف الزمان والمكان، من أجل منع والحد من عواقب التهديدات المحتملة على صحة السكان. ويجوز للوزير تخويل ممثل الدولة المختصة إقليمياً أن يأخذ كل التدابير التي يراها مناسبة لتنفيذ هذه الأحكام، بما في ذلك التدابير الفردية، وبناء على هذه الأسس، تم اتخاذ مرسوم في 16 مارس 2020 م الذي تضمن العديد من التدابير والأوامر لممثل الدولة على المستوى الترابي منها منع السفر كجزء من المعركة ضد انتشار فيروس كوفيد 19، في ظل الشروط المستجدة واستنادا إلى مجموعة من الأساليب المحددة بصفة خاصة في مدونة الجماعات الترابية وتحديد السلطات، أي سلطة اتخاذ التدابير التي تدخل في اختصاص العمالات والأقاليم والجماعات، هذه التدابير الأكثر ضمانا للسلامة والصحة العامة والأمن الصحي على وجه الخصوص في حالة حدوث وباء مع مراعاة السياق المحلي. بالإضافة إلى هذه المستويات القانونية التي أشرنا إليها هناك مستويات قانونية أخرى أسس عليها مجلس الدولة قراره لا يسع المجال لذكرها كلها. فبعدما قام مجلس الدولة بدراسة الطلبات التي تقدمت بها الهيئات السالفة الذكر والسيد M. Renaud Le Mailloux في مواجهة السيد وزير الأول والسيد وزير الصحة والتضامن قرر مجلس الدولة ما يلي: قبول طلبات النقابة الوطنية للأطباء الداخليين والمجلس الوطني لهيئات الأطباء الفرنسي والسيد M. Renaud Le Mailloux قرر مجلس الدولة ما يلي: حث رئيس الوزراء ووزير الصحة والتضامن على اتخاذ داخل ثمانية وأربعين ساعة الإجراءات التالية: - تحديد نطاق الإعفاء من الحجر الصحي لأسباب صحية؛ - إعادة النظر في الحفاظ على إعفاء "الرحلات القصيرة بالقرب من المنزل" مراعاة قضايا الصحة العامة الرئيسية وتوجيهات الحجر الصحي؛ - تقييم المخاطر على الصحة العامة للتشغيل المستمر للأسواق المفتوحة، نظرا لحجمها ومستوى حضورها. وقد ختم مجلس الدولة الفرنسي قراره بأنه سيتم إبلاغ هذا الأمر إلى نقابة الأطباء الشباب وإلى النقابة الوطنية للأطباء الداخليين، وإلى المجلس الوطني لنقابة الأطباء وإلى السيد الحدود الوطنية، إلى المجلس الوطني لنقابة الأطباء، إلى السيد M. Renaud Le Mailloux وإلى السيد الوزير الأول والسيد وزير الصحة والتضامن ب- رأي المجلس الدستوري لقد دفعت مجموعة من العوامل المجلس الدستوري بفرنسا إلى اتخاذ قرار بشأن استمرارية الخدمات العامة، وإن كان المجلس لم يشر إلى استمرارية الدولة "فقد أطلق مع ذلك مبدأ استمرارية حياة الأمة". واستخدمت عبارة "استمرارية الخدمة العامة" سنة - 1979 - تعليقا على الحق في الإضراب في الإذاعة والتلفزيون: حيث جاء في قرار المجلس الدستوري "إن الاعتراف بالحق في الإضراب لا يمكن أن يؤدي إلى عرقلة سلطة المشرع في جلب هذا الحق القيود الضرورية لاستمرارية المرفق العام، التي تعتبر مثلها مثل الحق في الإضراب باعتباره مبدأ دستوريا. ولم يحدد المجلس الدستوري بشكل صريح المصادر القانونية لمبدأ الاستمرارية، وقد أرجع ذلك إلى المادتين 5 و6 من دستور 4 أكتوبر الذي يفرض سير عمل منتظم للسلطات العامة والذي يفترض استمرار عمل المرافق العامة الأساسية وتأدية خدماتها. ومن خلال قراءتنا للمقتضيات القانونية وكذلك الاجتهادات القضائية فيما يتعلق بحماية المرفق العام أثناء الحجر الصحي نستخلص ما يلي: أن المشرع المغربي كان دقيقا ومتوازنا في ما يتعلق بالنصوص القانونية المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية، سواء على مستوى التأطير القانوني لمجموعة من التدابير والإجراءات وكذا بخصوص ضمان استمرارية المرفق العام حينما استثنى المرسوم رقم 293 .20. 2 صادر في 29 من رجب 1441 (24 مارس 2020) المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19 من الإجراءات والتدابير التي تضمنها، استمرارية المرافق العامة الحيوية في تأدية خدماتها، ويتضح لنا ذلك من خلال الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة حينما أكدت على أنه "لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها". وهذه الإجراءات والتدابير الدقيقة هي التي جعلت المغرب ينجح على مستوى تطبيق الحجر الصحي بحيث اعتبر نموذجا في هذا المجال. عكس المشرع الفرنسي الذي كان متساهلا ومتأنيا في القيام بمجموعة من الإجراءات الاستباقية، الأمر الذي جعل الحكومة الفرنسية تتعرض لانتقادات كبيرة، وحتى مرسوم 16 مارس 2020، اعتبرته مجموعة من الهيئات التي تقدمت برفع دعوى أمام مجلس الدولة الفرنسي من أجل مراجعته، وكانت هذه الدعوى سجلت ضد الوزير الأول ووزير الصحة والتضامن، بكون التدابير التي تضمنها هذا المرسوم كانت غير كافية، وعدم كفايتها كان مدمرا وخطيرا بل كان له تأثير على حياة المواطنين الفرنسيين، وذلك من خلال ارتفاع حالات الوفيات وكذلك الإصابات بفيروس كورونا –كوفيد 19، وهو الأمر الذي جعل تلك الهيئات التي أشرنا إليها سلفا من رفع دعوى أمام مجلس الدولة الفرنسي، من أجل إلزام الوزير الأول ووزير الصحة والتضامن من تطبيق مجموعة من التدابير داخل 48 يوما، وقد أكد فيها مجلس الدولة على ضمان استمرارية المرافق العامة في تأدية خدماتها في حالة الطوارئ الصحية بسبب تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19 مع ضرورة تنظيم هذه المرافق. ونخلص من خلال قراءتنا لمجموعة من النصوص التشريعية وتحليل مجموعة من القرارات القضائية، أنه ثمة بالفعل حماية قانونية وقضائية لاستمرارية المرفق العام في فترات الطوارئ خاصة حالة الطارئ الصحية بسبب تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19. *رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بتطوان