الشعب المغربي حزين وحُقّ له أن يحزن ، فأداء منتخبه الكروي في النهائيات الحالية للدورة الثامنة والعشرين لكأس الأمم الإفريقية لم يكن مشرفا ولا في مستوى السمعة الطيبة التي يحظى بها على الصعيدين الإفريقي والعربي . فالآمال العريضة التي كانت معلقة عليه تبخرت منذ البداية وبكيفية غير متوقعة ، وتحول الحلم بالفوز بالكأس فجأة إلى كابوس إقصاء مبكر غير مقبول ، ولو وصفناه بالإقصاء المذل لما كنا بعيدين عن الصواب. والواقع أن الإقصاء في حد ذاته ليس عيبا طالما أن عجلة المنافسات الكروية لا تتوقف أبدا ، والفائز لا ينتشي بانتصاره إلا لحظات قليلة قبل أن يجد أمامه برامج منافسات أخرى يبدأ فيها مرة أخرى من الصفر بدون ضمان التتويج من جديد . فالأمل الذي يحدوه في الانتصار يحدو غيره ، والاستعداد الجيد لديه يقابله استعداد مماثل لدى الآخرين . وفي خضم كل ذلك هناك ظروف وصروف قد تحول دون المرء ومبتغاه . وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن كرة القدم مرتع خصب للحظ يصول فيه ويجول . فهذه اللعبة الجميلة إذا لم تكن تمتح من العلوم الدقيقة البحتة التي تضمن نتيجة معينة لقاء مجهود مبذول ، فهي على الأقل لا تهدر ثمار الجهد هدرا ، ولا تلغي القاعدة العامة التي تجعل لكل مجتهد نصيبا مفروضا . وهنا مربط الفرس . فالغصة التي اعترت المغاربة لا تعود إلى الإقصاء المبكر في حد ذاته بقدر ما تعود إلى الكيفية المهينة التي تم فيها هذا الإقصاء . ونحن إذ نقول هذا لا يغيب عن بالنا طبعا أن المنتخب المغربي سبق له أن أقصي في الدور الأول أكثر من مرة ، كانت إحداها سنة 1978 وهو حامل وقتها للقب الوحيد الذي كان قد فاز به سنتين قبل ذلك . بل أكثر من هذا فهو مرات عدة لم يتأهل حتى للنهائيات ، ولكن ذلك لم يوقف عجلة الزمن ، فواصل المنتخب سيره ، مرة يُفْرِح ومرة يُتْرِح ، وبين الفرح والترح تستمر سنّة الحياة إلى يوم الدين . الجديد في الأمر إذن أن المنتخب الحالي ، حتى لو أنستنا مرارة الإقصاء الاعتراف بذلك ، يتوفر على لاعبين متميزين كان من شأن التعهد الجيد أن يجعلهم يتقدمون بنا أشواطا بعيدة في هذه المنافسات ، إن لم يكن حتى الفوز باللقب فعلى الأقل حتى الاقتراب من ثغوره . فلا يجب أن ننسى أن كثيرا من المتتبعين في الأوساط الرياضية الإفريقية والدولية كانوا يجعلونه من بين المرشحين للفوز باللقب . في سؤال واضح ما الذي يجعل منتخبنا لا يستقر بهذه الطريقة على حال ؟ ما الذي يجعله يتعاظم في حالة المد إلى درجة تجعلك تقول إن أعتى المنتخبات لن تصمد في وجهه ، ويتضاءل في حالة الجزر إلى مستوى مخيف يشكك حتى في قدرته على مجابهة فريق من فرق الأحياء ؟ وما الذي يجعل منتخباتنا عموما تجد صعوبات جمة في مواجهة الكرة الإفريقية ولا تتأهل إلا بعد مخاض عسير تنفلت معه المشاعر وينفد معه صبر أيوب ؟ قرارات وخلفيات إن الجواب عن هذا السؤال طويل ومتشعب ولكنه يتلخص في سوء التسيير والتقدير ، مرورا بارتجال مزمن في العمل وإسناد للأمور إلى غير أهلها وحرص بعض المسئولين على أن تكون لديهم وحدهم اليد الطولى في كل شيء ، كما لو كانت المغربيات عواقر عن أن يلدن مثلهم !. فصعوباتنا على المستوى الإفريقي ناتجة أساسا عن تراكمات وتداعيات اختيار خاطئ سابق وسوء تقدير لبعدنا الإفريقي ولحتمية النهوض بكرتنا في مستنبت القارة التي ننتمي إليها عضويا وفي علاقة تنافسية مع أبنائها بظروفهم المناخية ومنشآتهم الرياضية وطبيعتهم البشرية . فنحن بصراحة الصرحاء كنا نعتقد ، في خطإ قاتل ، أننا أرقى مستوى منهم في المجال الرياضي وأن المضي قدما لن يكون إلا بالاحتكاك مع الأمم العريقة في كرة القدم والاستفادة من خبرتها هي وحدها دون غيرها . وقد فاتنا لسوء الحظ أن أعناقنا المشرئبة إلى أوروبا لا تجعل أقدامنا أقل التصاقا بالتربة الإفريقية وأن التقسيم الإقليمي والجهوي في التنافس الكروي قاريا وعالميا لن يجعلنا في تنافس مع فرق جزيرة واق الواق بل مع فرق عناصرها إفريقية لحما وشحما ودما . ولما انتبهنا إلى هذا الخلل الناتج عن سوء التقدير وأردنا تدارك الموقف كانت مياه كثيرة قد انسابت تحت الجسور واستفاد منها غيرنا في غفلة منا . ومن طبيعة الأخطاء الإستراتيجية أنها تجعلك تدفع الثمن غاليا في كل الأحوال وتجعل قابلية الاستدراك لديك بطيئة المفعول إن لم تكن منعدمة الأثر . فالذي ينطلق قبلك في السير يظل سابقا لك بمراحل ، وقد لا تلتحق به حتى مع استعمال السرعة القصوى لأنه في الوقت الذي كان فيه محركه يشتغل بطاقته القصوى كنت أنت في حالة سكون . وليس من الغريب أن تكون مصر ، وهي ندّ لنا كرويا وتنتمي لمنطقتنا توزيعا ، البلد الأكثر فوزا بكأس الأمم الإفريقية ( 7 مرات ) بينما لم نفز نحن بها إلا مرة واحدة وبشق الأنفس . كما ليس من قبيل الصدف أن تكون البلد الذي فاز بها خلال الدورات الثلاث المتتالية الأخيرة في سابقة تاريخية يبدو من الصعب جدا ، إن لم يكن من المستحيل في ظل التنافس الإفريقي المحموم الحالي ، أن يحقق بلد آخر مثلها قبل مرور وقت طويل . وإقصاؤها من المشاركة حاليا هو مجرد حادثة مرور لن تلبث بعده أن تعود إلى الواجهة كأقوى ما تكون . وكما يقال إذا ظهر السبب بطل العجب . فمصر كانت - إلى جانب إثيوبيا والسودان وجنوب إفريقيا - سباقة إلى تأسيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم سنة 1957 ، مما جعلها محتضنة لمقر المنظمة ومهيمنة على هياكلها ومؤثرة فيها لمدة طويلة . وقد ظلت كأس الاتحاد تحمل اسم المصري عبد العزيز عبد الله سالم من 1957 إلى 1978 حتى بعد انتهاء مهامه بصفته أول رئيس للاتحاد ، على غرار ما كان عليه الشأن بالنسبة لكأس العالم التي حملت اسم الفرنسي جول ريمي الرئيس الأول لمنظمة ال "فيفا " من 1930 إلى 1970 . بل إن تونس التي تزامن حصولها على الاستقلال مع تاريخ استقلال المغرب كان لها من بعد النظر ما مكنها من أن تسبقنا إلى الحلبة الإفريقية بتسجيل حضورها المبكر والوازن فيها وحصلت على الرتبة الثالثة في نهائيات الكأس الإفريقية لسنة 1962 ، ثم على الرتبة الثانية سنة 1965 التي احتضنت خلالها نهائياتها فوق ذلك . وقد يكون من المفاجئ أن نعلم أن الجزائر نفسها المستقلة بعدنا بسنوات ، التحقت بالركب قبلنا ، إذ كانت موجودة في المنافسات النهائية بإثيوبيا سنة 1968 . كل هذا والمغرب غائب عن منافسات الاتحاد الإفريقي التي لم يسجل حضوره فيها إلا عام 1970 في الأدوار التمهيدية قبل أن يحصل على الكأس الوحيدة بعد سبع سنوات من ذلك التاريخ البعيد ، ليسطع نجمه نسبيا مرة واحدة في المباراة النهائية للكأس التي جمعته مع تونس سنة 2004 دون الحصول عليها كما هو معروف . كل هذه العوامل جعلت احتكاكنا بالكرة الإفريقية دون المستوى المطلوب وعرّضنا لصعوبات شتى لاسيما بعد أن أصبح إشعاعنا الكروي الدولي رهين المرور ب " الأدغال " الإفريقية ، فوجدنا أنفسنا بالتالي أمام واقع تنافسي رهيب بعد أن جرف حب كرة القدم قلوب ملايين الأفارقة وتبين أن مستقبل هذه الرياضة بدأ يتشكل في القارة السمراء . بل منذ الآن يمكن أن نجزم بأنه لم يعد هناك بإفريقيا بلد وطيء القامة في هذه الرياضة لأن السيقان الإفريقية "كروية" بالسليقة ، وعندما يتم ترويضها تفاجئك بطاقاتها الهائلة . وما هو من قبيل الصدف البتة أن تحصل إحدى هذه السيقان المروضة (سامويل إيطو) على راتب خيالي لا يكاد يصدقه عقل . لكن ، إلى جانب الانعكاسات السلبية المترتبة عن الاختيار الخاطئ لعدم ركوب القطار الإفريقي في الوقت المناسب وضبط حركية كرتنا على حركية محيطنا القاري هناك أيضا ، كما قلنا من قبل ، سوء التسيير والتدبير وتفشي الارتجالية لدينا في هذه الرياضة . جامعة الكرة وجامعة السياسة فعلى مستوى جامعة كرة القدم لا زلنا مستمرين في فرض أشخاص بأعيانهم مقربين من الدوائر العليا ، يتولون أصلا مسؤوليات أخرى رفيعة لكنها بعيدة كل البعد عن كرة القدم . ومع ذلك فهم يحشرون حشرا في الجسم الرياضي بصلاحيات اتخاذ قرارات حاسمة غالبا ما ترهن مستقبل الكرة المغربية لسنوات عديدة. فإذا انكشفت عوراتهم ومحدودية مؤهلاتهم أو تسبب أحدهم في كارثة كروية فالحل جاهز ، وهو إقالته ( بدون محاسبة ) لإسكات الجماهير ثم اللجوء إلى الوسط ذاته الذي أخرج منه الشخص المقال لاستبدال قطع الغيار!. صحيح أن كرة القدم امتزجت بالسياسة منذ وقت غير قصير وأصبحت لها انعاكاسات قد تؤثر على الأمن والنظام العامين في بعض الحالات ، ولكن النهوض بشؤونها والاستفادة سياسيا من جناها لا يتأتيان إلا بإسناد مهمة الإشراف عليها والتخطيط لمنجزاتها ، حالا واستقبالا ، إلى المتخصص المتمكن من عمله والمتفرغ الذي لا تتشتت جهوده بين قطاعات لا يجمع بينها جامع . فلدينا كفاءات لا يمكن إنكارها ولكنها مغيبة بكيفية رهيبة لأننا غارقون حتى الأذن في تسيير دواليب الرياضة من قبل أبناء الذوات كما لو كانوا وحدهم الأوتاد والنسيج في الخيمة المغربية . وليس من طبع كاتب هذه السطور أن يسئ إلى أحد لمجرد كونه ابن زيد أو عمرو لأن المواطنة تصهرنا جميعا في البوتقة الواحدة ، ومن كان ذا فضل فنرجو من الله أن يزيده فضلا ، لكن هذا لا يمنع من القول إن المغاربة كلهم حريصون على خدمة وطنهم ولن يتحقق لهم ذلك إلا بتقاسم أعباء هذا الواجب ، على أن تكون الكفاءة هي الفيصل وليس الاتكاء على رنة الاسم ومواقع السلطة لدى العائلة وإعمال سحر خطوط الهاتف بدون دفع حتى ثمنها . فمن المؤسف أنك تجد أسماء بعينها حيثما وجهت وجهك في دواليب المسئولية إلى الحد الذي تتعثر معه في كل وقت وحين في جذورها وخيوطها العنكبوتية الممتدة في الخفاء والعلن كما لو كانت قدرا مقدورا . بعبارة واحدة نقول بدون مواربة إن المغاربة سئموا من أناس يفرضون عليهم في كل شيء ويجدونهم في العير كما في النفير. فإذا كانوا أكفاء حقا فمرحبا بهم ، بشرط الخضوع كغيرهم لدفتر تحملات واضح وشفاف لا ينأى عن تخصصاتهم الأصلية ويحاسبون عليه كما يحاسب غيرهم ممن لا يجدون رِدْءا يسند أزرهم وظهرهم . مدربون للحسم والمشورة وآخرون للضرورة فهذه اليد الطولى لدى من يتولى مسئولية الإشراف على كرة القدم في المغرب بدون حسيب ولا رقيب هي التي جعلتنا نكتوي بقراراتهم المرتجلة واختياراتهم المزاجية التي عرضتنا للابتلاء بمدربين أجانب لا يقف في وجوههم أحد . من كان يستطيع أن يفرض شيئا على هنري ميشيل في فترته الأولى مع المنتخب ( 1995-2000) على صعيد الجامعة والوزارة ؟ ونحن إذ نقول هذا لا ننكر أنه حقق نتيجة جيدة مع الأسود بالوصول إلى الدور الأول من نهائيات كأس العالم سنة 1998 ولكن إنجازه يبقى دون إنجاز مدرب مثل المهدي فاريا الذي قضى فترة مماثلة واستطاع أن يوصل المنتخب الوطني إلى ثمن نهاية كأس العالم سنة 1986 في سابقة مغربية وإفريقية . إلا أن الفارق هو أن فاريا تمغرب روحا حتى أصبح من الصعب اعتباره مدربا أجنبيا . نحن لا ننكر أيضا أن بعض المدربين الأجانب أدوا خدمات طيبة للكرة المغربية غير أن عددا غير قليل منهم لم يكن في المستوى ، بل ربما أدى عمل مثل هؤلاء إلى إرباك وزعزعة خطة اللعب قبل أن يغادرونا منتفخي الجيوب بأموال دافعي الضرائب . وبالرغم من أن المدرب المغربي هو الذي رسم ملامح الكرة الوطنية وخاصة خلال العشر سنوات الأولى من الاستقلال على يدي العربي بن مبارك ومحمد ماسون فإن الملاحظة العامة هي أن اللجوء إلى الإطار الوطني بعد تلك المرحلة لم يكن يتم إلا عند الضرورة عندما يتعذر العثور أو التعاقد مع مدرب أجنبي . وحتى لو اختير عن اقتناع فإنه يواجه بتدخل سافر في عمله يجعله متذبذبا في اختياراته كسمة عامة باستثناء حالة بادو الزاكي الذي فرض نفسه وأبان عن كفاءة عالية مكنته من الوصول بالمنتخب إلى نهائي الكأس الإفريقية سنة 2004 . وإذا كان عدد المدربين الذين تناوبوا على الإشراف على المنتخب المغربي على مدى ال 55 سنة الماضية عددا كبيرا نسبيا على اعتبار أنه تجاوز الثلاثين فإنه يمكن عدم التوقف طويلا عند هذا الجانب لأنه يأتي في سياق ظاهرة مغاربية قد نكون فيها أحسن حالا من تونس ومن الجزائر على الخصوص التي اقتربت من السبعين مدربا في مدة أقل . ومع ذلك يجب الاعتراف بأن البلدين كليهما اعتمدا على خدمات أطرهما أكثر من اعتمادهما على الإطار الأجنبي في تصرف لا يمكن إلا الثناء عليه وقراءته قراءة إيجابية من حيث بعده الإستراتيجي ، لاسيما وأن تغليبنا نحن للمدرب الأجنبي لم يجعلنا في النتيجة العامة أحسن مستوى منهما . فنحن الثلاثة نظل في الأداء العام كفرسان رهان لا يتغلب أحدنا على الآخر هذه المرة إلا ليتضاءل أمامه في المرة الأخرى . ولست أريد هنا أن يفهم من كلامي أن دفاعي عن الإطار الوطني هو من باب التعصب الأعمى . وإنما الذي أعنيه هو أن المغربي في وطنه له من الحقوق أكثر من الأجنبي إذا تساويا في الكفاءة . بل حتى لو قلت كفاءة المغربي عن نظيره الأجنبي بعض الشيء فالأسبقية تبقى له وحده لأنه يعوض ما فاته بالقتالية كما يقال وبالغيرة الشديدة على ما يرمز إليه القميص الوطني . والشعب المغربي يعي ذلك جيدا . فبادو الزاكي عندما أخفق سنة 2004 في الحصول على الكأس الإفريقية بعد بذل قصارى جهده بكى وأبكى معه المغاربة الذين أكبروا فيه مشاعره الوطنية واستقبلوه ولاعبيه استقبال الأبطال عند العودة . وصدقوني فإن الصورة تكون دائما صادمة لنفسية المغربي عندما ينهزم المنتخب ولا يرى على محيا مدربه الأجنبي مشاعر ألم يذكر كما لو كان وجهه قُدّ من صخر أو خشب الصنوبر . إن هذا ليحز في النفس والبشر يظل بشرا على كل حال . غيريتس وما أدراك ما غيريتس ويبقى الأمر الصادم أكثر حالة المدرب الحالي إيريك غيريتس الذي تم التعاقد معه بكيفية أقرب إلى الفضيحة منها إلى التعامل الاحترافي مع شخص لا يخرج عن كونه مدرب كرة قدم ، لا هو في صدارة المدربين الذين يشار إليهم بالبنان ولا هو في ذيلهم . وأحسن ما يقال عنه أنه في منزلة بين المنزلتين ! ومع ذلك تم التعامل معه كما لو كان الأمر يتعلق بسر خطير من أسرار الدولة غير القابلة للكشف عنها إلا بعد انقراض الجيل الحالي من المغاربة الأحياء ! نفخوا فيه حتى خيل للبعض أن المغرب سيصبح بفضله طوفانا كرويا لن يقف في وجهه حاجز ولا مناجز. والنتيجة يعرفها الجميع ويتجرعها الشعب المغربي وحده لأنه دافع الحساب في النهاية . ترددت أصداء في الخارج وفي أوساط بلجيكية مقربة من هذا المدرب حول كون راتبه في المغرب يفوق ال 250 مليونا في الشهر الواحد بالتمام والكمال . ولكن مسئولي الجامعة المحترمين كذبوا ذلك ! طيب ، نورونا ياسادة فالمبلغ من جيوبنا سيؤدى ! قالوا بعد تجهم وتلعثم إن المبلغ أقل من ذلك وكفى وأنه لا يمكن الكشف عن تفاصيله لأن بندا في الاتفاق يمنع ذلك ! ونقول لهم بملء الفم : على من تضحكون ؟ إن رياضة كرة القدم حسب علمنا ليست فرعا من فروع الطاقة الذرية ، فأدنى شاب مغربي قد يفاجئكم بمعلومات دقيقة عما يجري في الأوساط الرياضية الوطنية والعالمية ! وعلى كل لن نطيل أكثر في هذا السجال ولنكتف بالقول الصريح المريح إن هذه الصفقة خاسرة كاسدة لاعتبارات عقلية وتقنية بينة . فمن حيث المبلغ سواء أعلنتم أو أسررتم فلا يخطر ببال عاقل أن يحل بديارنا مدرب أوروبي يريد لنا الخير لوجه الله الكريم ويقبل بمبلغ أقل من المبلغ الذي كان يتلقاه من ناديه الأصلي ، اللهم إلا إذا كانت هناك استفادة مبطنة من امتيازات أخرى تعوض ما تخلى عنه ظاهريا ! والنتيجة في النهاية واحدة ! أما من حيث الكفاءة ، فنحن نقول نعم هو كفء ولكن كفاءته لم تثبت إلا مع الأندية وشتان ما بين العمل مع الأندية التي ينشط فيها لاعبون يمارسون مع بعضهم البعض طوال المواسم ، وبين المنتخبات التي تتوزع عناصرها بين أندية شتى قد لا يجمع بينها لا أسلوب لعب ولا حتى مناخ قاري . وقد يتعقد الأمر أكثر عندما نعلم أن غيريتس لا خبرة له في مجال كرة القدم الإفريقية التي نحن مجبرون على طهو أكلاتنا في طنجرتها الضاغطة. وعلى كل حال فقد أثبت تواضع أداء منتخبنا في الغابون أن الخلل مرتبط باختيارات المدرب . فهو لم يحسن قراءة مجريات المقابلات ولم يتدخل في الوقت الحاسم لسد الثغرات ولم يضع اللاعب المناسب في المكان المناسب ، ولم تكن ردود فعله سريعة عندما يتطلب الأمر التدخل الفوري لمواجهة خطة الخصم . هذا عن الكفاءة " فلا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا " ! ثم ألم تؤكد التجربة المغربية مع المدربين الأجانب أن الكفاءة وحدها – حتى مع توفرها - ليست دائما نقدا ناجزا في نجاح التدريب إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار عناصر إضافية أخرى ، وهي العناصر التي يتعين على مسئولي الجامعة قبل غيرهم أن يفكروا فيها لأنهم يتلقون مقابلا سخيا عن ذلك ؟ هل هناك حاجة إلى التذكير بأن كفاءة روجي لومير واطلاعه الواسع على أحراش وتضاريس الكرة الإفريقة والمغاربية واللذين صنع بفضلهما المجد الكروي التونسي ، لم يفيداه في شيء في المغرب . ألم يفشل فشلا ذريعا عندما استنجدنا به سنة 2008 ؟. وما قلناه عن لومير نقوله أيضا عن فيليب تروسي (2005) وعن هنري ميشيل في عودته الثانية الميمونة (2007) ، وهما معا بالرغم من كفاءتهما ومعرفتهما العميقة بالكرة المغربية والإفريقية أكثر من غيريتس بأشواط بعيدة ، لاكا فشلهما المرير وانصرفا بعد وقت وجيز. ومع ذلك فالمزية مع هذين المدربين وحتى مع لومير هي أنهم على الأقل " تكرموا " علينا وتخلوا عن بعض مستحقاتهم التي يفرضها إنهاء الخدمة قبل حلول الأجل ، فكيف ستتعامل الجامعة الآن مع المدرب البلجيكي الألمعي الذي وقعت معه عقدا على مدى أربع سنوات لم تمض منها لحد الآن إلا سنة أو تكاد ؟. نبئوني بعلم إن كنتم صادقين .