يجمع كل المفكرين والباحثين والكهنة أن العالم سيتغير، وأن دفة القيادة ستتحول من الغرب إلى الشرق. وانخرط في ذلك حتى كبار المفكرين المعاصرين من أمثال نعوم تشومسكي وستيفان وولت، وأن الولاياتالمتحدة ستفقد زعامتها للعالم الحر، وستصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى عالميا في المستقبل القريب والقريب جدا، على اعتبار أن كل المؤشرات الحالية والمتزامنة مع الآثار الاقتصادية المدمرة لفيروس كورونا، والتي بالتأكيد ستكون لها تبعات سياسية، توحي بذلك، بل وتؤكد هذا الأمر. منذ سنوات كثيرة والكل يجمع أن الهوة الفاصلة بين الولاياتالمتحدةوالصين اقتصاديا بدأت تتقلص شيئا فشيئا لصالح هذه الأخيرة التي أصبحت بالمناسبة مصنع العالم، ثم تلى ذلك مشروع طريق الحرير الذي بدأ يمكن الصين من إرسال بضائعها مباشرة إلى أوربا دون الحاجة إلى المرور عبر البحار الدولية أو القنوات المائية. أما أزمة كورونا والتي لازالت تداعياتها في كل المجالات لم تحصر بعد، فأثبتت للعالم أن الصين بؤرة الوباء الأولى بدأت تتعافى منه تدريجيا بل إنها لم تصل في عدد ضحاياها ما وصلت اليه بعض البلدان الأوربية، بل إن أمريكا التي لطالما اعتبر رئيسها أن الفيروس هو صيني بامتياز، بدأت تعاني من المأساة أكثر من غيرها. وبعيدا عمن هو مصدر الفيروس القاتل هل تجارب معملية صينية، أو تجارب أمريكية – أوربية بالنظر لبراءة الاختراع المتداولة، وهل الأمر مجرد خطا مختبري تسبب في تسرب الوباء أم الأمر هو بفعل فاعل للتقليص من عدد المسنين في أوربا وأمريكا لضمان توازن صناديق الضمان الاجتماعي، أو لضرب الاقتصاد الصيني ومعه إيران؟ فإن الحقيقة أن الجميع متضرر من هذا الوباء بدرجات مختلفة. وهاهي امريكا تتصدر المشهد الاعلامي والصحي بعدد مصابيها، وكذا وفياتها بسبب هذا الفيروس، وهي التي طالما اعتبرت أن محصنة منه لتطور نظامها الصحي ومعها إيطاليا وبريطانيا واسبانيا. فالكل سواء في عجزهم ضد فيروس كورونا. السؤال الرئيس والذي يطرح نفسه بحدة، رغم كل ما سبق، وخصوصا بعد اقتناعنا بتغير النظام الدولي، هو هل ستسمح الولاياتالمتحدة بحدوث هذا التغيير؟ وهل سيتعايش الرئيس الأمريكي مع هذه الحقيقة وهو الذي رفع شعار أمريكا قوية مجددا؟ ثم هل يتوفر على القدرة وعلى الجرأة للسماح بتحقق هذه النبوءة؟ بالنظر لعوامل كثيرة أهمها الشخصية النرجسية لدونالد ترامب، وتصرفاته ليس فقط المفاجئة بل المتهورة جهلا وغرورا، وكذا المعاناة الصينية ليس فقط مع تبعات الفيروس، بل كذلك مع تدهور الاقتصاد العالمي الذي تحتاج الصين، أكثر من أي دولة أخرى في العالم، ضرورة تعافيه وبسرعة لتصريف بضائعها، ودوران عجلة الاستهلاك لتدور عجلة التصنيع، وتغير معطيات التحالف والبناء الموحد داخل أوربا خصوصا بعد الانسحاب البريطاني. لعل هذه العوامل، إلى جانب الأدوار التي قد تلعبها روسيا في حالة تقوية تحالفاتها مع الصين وتركيا وإيران وبعض بلدان شرق آسيا، وخروجها بأقل الخسائر من المستنقع السوري، قد تعجل بهذا التغيير. لكننا نهمل معطى أساس وهو أن الولاياتالمتحدة بنت مكانتها خصوصا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، على اعتماد الدولار كعملة وحيدة وأساسية للتداول العالمي، وكل محاولات الاستغناء عنها حاليا تبوء بالفشل، أو إن صح التعبير تعمل الولاياتالمتحدة على إفشالها بالاعتماد على حلفائها خصوصا في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، وهي بالنسبة لها مسألة حياة أو موت. وهنا يمكن ان نستحضر المثال الليبي الفرنسي، والعلاقات القوية بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والعقيد الليبي، وكيف أن الأخير في ظل فترة التوافق ساعد الرئيس الفرنسي في حملته الانتخابية بأزيد من 50 مليون أورو، لكن عندما تيقنت فرنسا وبمساعدة أمريكية مهمة (يرجى مطالعة مقال ويليام ايغندال، "هيلاري كلنتون والدينار الذهبي والموارد العربية"، بموقع نيو ايسترن اوتلوك 17/03/2016) من الطموحات الليبية لتغيير النظام النقدي الأفريقي بشكل يسمح بإنشاء تحالف نقدي يجعل من الدينار الذهبي الوسيلة الأساسية لدفع ثمن النفط والموارد الأخرى، ومن ثمة القطع مع نظام الفرنك الافريقي الذي أسسته وتستفيد منه فرنسا منذ دجنبر 1945، بل حتى عندما تم تغييره حاليا إلى الايكو سيظل تحت سلطة البنك المركزي الفرنسي، قامت فرنسا ساركوزي بتسليم القذافي للثوار الليبيين الذين قتلوه شر قتلة. وبالمقابل كيف سيتصرف رئيس من نوع ترامب، إذا ما تبين له أن الأمور تسير في نفس منحى العقيد الليبي، وان الصين او غيرها بصدد الاستغناء عن الدولار في تعاملاتها؟ وكيف سيكون رد فعله وهو على أبواب إعادة ترشيح نفسه لولاية ثانية؟ صحيح أن التغيير لا محالة قادم، لأن سنة التاريخ علمتنا أن الامبراطوريات لا محالة زائلة، لكن في ظل ما سبق هل ستسمح الولاياتالمتحدة بحدوث ذلك قريبا حتى مع القضاء على فيروس كورونا، وفي ظل رهانها على تكنولوجيا الخدمات التي تتوفر فيها على قصب السبق على باقي الدول بما فيها الصين. وخصوصا في ظل ولاية رئيس قد يكون جريحا في كبريائه وغروره، لن يتردد في استعمال كل ما لديه للحفاظ على شعاره ببقاء أمريكا قوية، حتى ولو لجأ إلى أساليب دنيئة لعل أقلها ضررا فيروسات وعقوبات ولما لا أسلحة لم نعهدها من قبل.