بطموح وحماس كبيرين، استطاعت بوشرائيل الشاوي، التي تعد واحدة من النساء ذات المواهب المتعددة، أن تفرض حضورها بفضل مهارتها، وخصوصا بفضل قدرتها الكبيرة على تجسيد فعل المثابرة والصمود على أرض الواقع في أعمال ومبادرات وإبداعات تشع بالحيوية وتعكس بشكل واضح الصورة الحقيقية والمشعة لأفراد الجالية المغربية المقيمين في إسبانيا. وتمكنت الشاوي، التي هي فنانة متعددة المواهب ومناضلة تكرس وقتها لتحقيق اندماج سلس لأفراد الجالية المغربية المقيمين في إسبانيا، من أن تبرهن عبر العديد من المبادرات والأنشطة والإصدارات على التزامها الثابت في الدفاع ومناصرة قضية حقوق النساء المهاجرات. فبعد حصول الشاوي، التي ازدادت عام 1974، على شهادة البكالوريا من ثانوية زينب النفزاوية بمدينة طنجة عام 1991، انتقلت إلى تونس لمتابعة دراساتها العليا والحصول على شهادة في علوم البيولوجيا، إلا أنها لم تقطع حتى الآن رغم مرور السنوات صلتها بذلك الشغف الطفولي المتمثل في تعلم اللغات واستكشاف الثقافات ومكونات الحضارات وعادات وتقاليد الشعوب الأخرى. ولتحقيق طموحاتها، انتقلت الشاوي عام 2012 إلى جمهورية التشيك وبالضبط إلى براغ لتعلم اللغة الإنجليزية، وفي نفس الوقت التحقت بمعهد (سرفانتيس) لتقترب أكثر من الثقافة الإيبيرية، بالإضافة إلى مواصلة صقل مواهبها الفنية المرتبطة أساسا بقرض الشعر والتصوير الفوتوغرافي والفنون التشكيلية. وأعقب هذا التحصيل والنهل من معارف وروافد ثقافية وفنية مختلفة، رحلة طويلة من أجل ما تسميه "التجديد الثقافي والفني" مكنتها من زيارة مجموعة من بلدان العالم وعرض لوحاتها الفنية وصورها في أكبر المعارض من مدريد إلى بروكسيل وبيروت وبكين وغيرها قبل أن تقرر الاستقرار بشكل دائم في العاصمة الإسبانية مدريد منذ عام 2015. وتقول الشاوي في تصريح صحافي: "منذ الصغر وأنا لدي إحساس فني كبير وشغف بالصناعة التقليدية وبالرسم والفنون والثقافة بمختلف تجلياتها، حيث كان الشعر والفن لهما حضور كبير في منزل العائلة لأن أبي كان شاعرا وكاتبا"، وموازاة مع هذا الشغف بالفن والثقافة، فإنها لا تخفي انجذابها للعلوم الطبيعية البحثة وللمعرفة في مفهومها الشامل. وتؤكد "كل هذه الحقول المعرفية هي مكملة لبعضها البعض ولا تنافر بينها على الإطلاق، فأنا أكتب الشعر لأعبر عن حبي لبلدي وافتخاري بالانتماء إلى ثقافة غنية ومتنوعة، في حين تعالج لوحاتي الفنية ومقالاتي أسئلة وقضايا ترتبط أساسا بالمساواة بين الجنسين ومكافحة التطرف والتعصب والغلو". وحسب الشاوي، التي ازدادت بمدينة القصر الكبير، فإن الأمر يتعلق بمساهمة مني في تثمين وإعلاء قيم التسامح والتعايش وفن العيش المشترك، "وهي القيم والمبادئ التي طبعت على الدوام الهوية المغربية". وبالفعل، فإن الشاوي تأخذ على محمل الجد عملها ومبادراتها لتشجيع قيم ومبادئ الحوار والتعددية الثقافية والعيش المشترك، وذلك من خلال مساهمتها في تنظيم العديد من اللقاءات والتظاهرات التي تسلط الضوء على المشاكل التي تواجهها المرأة المغربية المهاجرة، كما تنظم نقاشات وحلقات حول الأدوار التي يلعبها أفراد الجالية المغربية المقيمين بإسبانيا في تنمية وتطوير بلد الاستقبال ودعم وتعزيز التقارب الثقافي والحضاري بين البلدين الجارين. كما تركز هذه الناشطة بشكل خاص في كل المبادرات التي تنخرط فيها، خاصة التي تنظم في إطار الشراكة مع (دار النساء) وبلدية أغويلاس بمورسيا على أهمية تحسيس النساء المغربيات اللواتي يقمن بإسبانيا، وتحفيزهن على التعلم، الذي حسب رأيها يلعب دورا كبيرا في دعم وتعزيز المساواة بين الجنسين. ولا يمنعها نشاطها وتحركاتها المتعددة من الانغماس في حقول الثقافة والفن والمعرفة عبر إصدار مجموعة من الدواوين الشعرية، إنتاج لوحات إبداعية وفنية، ما أهلها للفوز بالعديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة الاستحقاق "المرأة المجنحة للجدارة" التي منحت لها في مدريد عام 2016 من قبل الحركة الدولية للنساء الشاعرات، وكذا الميدالية الذهبية في الدورة ال 15 للمعرض الدولي للفن الحديث ببرشلونة (2014) ثم جائزة " السلام والتسامح" التي يمنحها المركز المتوسطي للسلام والحوار بين الحضارات (2017). ومن بين الأعمال الإبداعية التي صدرت للشاوي ديوانان باللغة الإسبانية (أجزاء من روحي) عام 2009، و(همسات في العشق) 2019، بالإضافة إلى مشاركتها في كتابة أشعار ديوان "الزهور الصحراوية" الذي أصدرته الحركة الدولية للنساء الشاعرات، وكذا مساهمتها في تأليف كتاب "المرأة المغربية من خلال شعرها" لآنا ماريا رودريغيز وعدة إبداعات ومؤلفات أخرى. وتبدو الشاوي مصممة على مواصلة مسارها في عالم الفن والكتابة والإبداع من أجل تعزيز حضورها في الحياة العامة والحياة السياسية في إسبانيا، وتشجيع أفراد الجالية على الرفع من إسهاماتهم في تنمية بلد الإقامة، وكذا في وطنهم الأم ليشكلوا مرجعية للاندماج السلس ونموذجا لاحترام الآخر والتسامح والعيش المشترك. *و.م.ع