المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية يقلب بعض المسلمات رأسا على عقب    أسعار النفط تهبط لأدنى مستوى لها في أربع سنوات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    3 دول إفريقية تستدعي سفراءها في الجزائر بعد اتهامها بالعدوان على مالي    تراجع حاد في أسعار النفط مع تصاعد النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة    مهمّة حاسمة للركراكي.. جولة أوروبية لتفقد مواهب المهجر استعداداً لتعزيز صفوف المنتخب    توقيف أربعيني متهم بتزوير الأوراق المالية الوطنية بإنزكان    "لكم" ينشر رسالة المهندسة ابتهال إلى زملائها في "مايكروسوفت": نحن متواطئون في الإبادة    الرئيس البرازيلي السابق "بولسونارو" يتظاهر في الشارع    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    "الاثنين الأسود".. حرب الرسوم الجمركية تُفقد بورصة وول ستريت 5 تريليونات دولار    طقس الإثنين .. أجواء قليلة السحب مع تشكل كتل ضبابية    مقابل 120 ألف يورو.. عناصر أمنية إسبانية سهلت عبور أطنان من الحشيش    القاهرة ترفع ستار مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة    نبيل باها: من أجل التتويج باللقب لابد من بذل مجهودات أكثر    المغرب.. قوة معدنية صاعدة تفتح شهية المستثمرين الأجانب    ابتهال أبو السعد.. مهندسة مغربية تهز العالم بشجاعتها وتنتصر لفلسطين    رئيس مجلس المستشارين يشارك بطشقند في أشغال الجمعية العامة ال150 للاتحاد البرلماني الدولي    ماراثون مكناس الدولي "الأبواب العتيقة" ينعقد في ماي المقبل    الولايات المتحدة الأمريكية تحظر منتوج ملاحة في كوريا    النظام الجزائري.. تحولات السياسة الروسية من حليف إلى خصم في مواجهة الساحل الإفريقي    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    تفاعلا مع الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية.. مهنيو الصحة 'الأحرار' يناقشون مواكبتهم لإصلاح القطاع    تحطم طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي.. التحقيقات تكشف إسقاطها بهجوم صاروخي من الجيش الجزائري    أمم إفريقيا : منتخب U17 يضرب موعدا مع جنوب إفريقيا في ربع النهائي بعد فوزه على تنزانيا    توقيف شخص بإنزكان بشبهة السكر العلني البين وإلحاق خسائر مادية بممتلكات الغير    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية خلال المؤتمر 23 لجمعية مكافحة الأمراض المعدية    رولينغ ستونز إفريقيا في قلب صحراء امحاميد الغزلان    الإيطالي 'لوتشيانو دارديري' يتوج بلقب النسخة 39 من جائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس    وقفة تضامنية حاشدة في الحسيمة نصرة لفل سطين وتنديداً بالعدوان على غ زة    جدل الساعة الإضافية : كلفة نفسية على حساب اقتصاد طاقي غير مبرر    "أساتذة الزنزانة 10" يعلنون الإضراب    الرصاص يوقف هائجا ويشل حركة كلبه    تأجيل تجمع "مواليد 2000 فما فوق"    بوزنيقة: المكتب الوطني المغربي للسياحة: افتتاح أشغال مؤتمر Welcom' Travel Group'    لاف دياز: حكومات الجنوب تستبعد القضايا الثقافية من قائمة الأولويات    وزان تحتضن الدورة الأولي لمهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي    الجسد في الثقافة الغربية 11- الجسد: لغة تتحدثنا    العربية للطيران تطلق خطا جويا جديدا بين الناظور ومورسيا    سجل عشاق الراكليت يحطم رقمًا قياسيًا في مدينة مارتيني السويسرية    دش الأنف يخفف أعراض التهاب الأنف التحسسي ويعزز التنفس    "قافلة أعصاب" تحل بالقصر الكبير    الرباط تصدح بصوت الشعب: لا للتطبيع..نعم لفلسطين    أوبك بلس تؤكد عدم إجراء أي تغيير على سياسة إنتاج النفط    أمن طنجة يوقف أربعينيا روج لعمليات اختطاف فتيات وهمية    لسعد الشابي: الثقة الزائدة وراء إقصاء الرجاء من كأس العرش    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السجن الافتراضي .. مال وشهرة ولا معنى!
نشر في هسبريس يوم 01 - 01 - 2020

عندما تتمنى مراهقة العثور على فارس أحلامها في العالم الأزرق، وتمضي معظم وقتها في دراسة عدد "اللايكات" والتعليقات على منشوراتها علها تجد ضالتها؛
وعندما تكتشف أن لا أحد بين تلاميذك المراهقين يملك حلما واحدا لحياته الواقعية، وأن قدواتهم في الحياة مشاهير أفرزهم العالم الافتراضي، وكل اهتمامهم حول ما قد يرفع أسهمهم في العالم الافتراضي؛
وعندما تصبح كل الأحاديث والأخبار حولك عن تفاهات الأبطال الوهميين لعالمنا المعاصر؛
عندما يحدث هذا كله، فإن كل هذه الصور حولك تشي بأن العالم بات فاقدا للمعنى، وأنه بات يعيش اليوم أحلك أوقاته منذ وجد، عصرا يملك فيه الإنسان كل شيء إلا نفسه، فالحياة صارت ركضا خلف المظاهر، ولم نعد نتابع جديد العلم ولا الأدب، لأن ذلك لن ينقص من إعجابات الناس بنا على صفحاتنا بقدر ما قد ينقصها جهلنا بجديد الموضة.
وعندما تتجلى لك كل مظاهر اللامعنى، ستدرك أن وسائل التواصل الاجتماعي اعتلت العرش بلا منازع، فوحدها تستطيع أن تغير بضغطة زر الرأي العام العالمي، وتنسج ثقافات جديدة، وتغير الميولات والقناعات، وتختار الأعلى والأدنى تقييما، وتجعل المتابعين رهينة بيد من يصنع الفرجة ويفرغ المعنى من محتواه، في عصر أصبح فيه كل فرد -تقريبا- يملك حسابا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي إن لم يكن أكثر.
يؤكد ذلك ارتفاع عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى 3.48 مليار شخص في 2019، وفق إحصاء لمؤسسة دولية، يمثلون 45 في المائة من سكان العالم من مختلف الأجيال، بمن فيهم جيل الأجداد (مواليد ما بين الأربعينيات والستينيات) الذي يملك حوالي نصفهم حسابا خاصا، علما أن جيل الألفية (مواليد ما بين الثمانينيات والتسعينيات) هو الأكثر انتشاراً بنسبة 90.4 بالمائة، يليه الجيل "إكس" (مواليد ما بين الستينيات والثمانينيات) ب77.5 في المائة.
ويقضي هؤلاء المستخدمون على شبكة الأنترنت حوالي 6.5 ساعات يوميا، ما يعني أن المجتمع الرقمي العالمي قضى أزيد من 2.2 مليار سنة على الأنترنت هذا العام، علما أن عدد المستخدمين يزداد بمليون شخص كل يوم منذ يناير 2018.
ومع التحولات المجتمعية السريعة أصبحت هذه التغيرات ضرورة من ضروريات عصرنا، فأولئك القليلون الذين لا يتفقدون حساباتهم كل ساعة، ويجلسون بيننا دون أن يختلسوا النظر لهواتفهم كلما سنحت لهم الفرصة، ويقرؤون كتابا بانتظار الحافلة، أو يتأملون الطبيعة ببساطة من نافذة القطار في رحلة طويلة، أصبح ينظر إليهم ككائنات فضائية غريبة بمقابل العاديين الذين يشعرون أن الأكسجين يسحب بعيدا عنهم كلما انقطعت النت حولهم، والذين جعلوا من حساباتهم فضاء يعج بكل ما قد يخطر أو لا يخطر لك حتى على البال.
حفلة تنكرية !
قبل حوالي عشر سنوات هل كان أحد منا ليتصور أن رجلا بسيط الفكر والعقل سيغدو صحافيا وفنانا ومشهورا، تتسابق الصحف للقائه والمارة لالتقاط صوره لمجرد أنه لم يستطع ذكر الاسم الصحيح لمرض أثناء حوار عابر تم صدفة معه، فتناسى الناس المرض وأصبح الرجل الذي عجز حتى عن نطقه بشكل صحيح موضوع كل حوار سيأتي في ما بعد، لدرجة أنه أحب متابعة الجماهير له ومضى يرد على منتقديه وكارهيه ويشكر معجبيه ومتابعيه، وأسس قناته وصار ينقل للناس أفكاره وفلسفته في الحياة وطرقه في مجابهة الأمراض، وآلاف الناس داخل وخارج الوطن سيعرفون في فترة قصيرة كل تفاصيل حياة الرجل الذي كان قبل أيام معدودة مجهولا تماما.
أتخيلت يوما حتى في أكثر في المرات التي أطلقت فيها العنان لخيالك عجوزا تجاوزت على الأغلب ستينياتها تحدثك على قناة خاصة بها، عن كل تفاصيل حياتها اليومية البسيطة في دوار بعيد يعاني من نقائص لا يمكن حصرها، ولكن شبكة الأنترنت لحسن الحظ على ما يبدو ليست ضمنها، وكل من حولها زوجها وأبناؤها وزوج ابنتها يشاركونها عروضها التي تحصد آلاف المتابعين كأنها بطلة إحدى برامج تلفزيون الواقع الذي يحمل توقيع أشهر المخرجين.
وهل لاحظت طبيعة النجوم الذين يملؤون ذلك الفضاء الافتراضي؟ الكل يصبح كاملا ومثاليا وناصحا أمينا على "إنستغرام" و"فايسبوك" و"سناب شات". الجميع هناك يفهم أسرار الحياة وقواعد الفوز، ويلعب بتفوق أدوار المشاهير، ويملأ مساحاته الافتراضية بصور بلا عيوب، وتعاليق تفيض حبا، وتدين افتراضي، وديمقراطية كاذبة، وحداثة مستوردة، وجلهم يعشقون شرب القهوة في فنجان بجانب كتاب لا يفتح إلا لالتقاط صورة، ومعظمهم يسافرون لأجمل الأماكن ويأكلون أشهى الأطباق ويقصدون أرقى المقاهي، ويجيدون تنسيق الملابس، ويوما بعد يوم يفقدون أنفسهم ويصبحون مجرد نسخ مقلدة لبعضهم في تمثيلية سخيفة كلما كانوا أمام الكاميرات.
وكثيرة هي المشاكل النفسية التي تحدث عنها الخبراء بسبب هذا الانفصام بين النفس الحقيقية والنفس الافتراضية، فكم من خجول يغدو وقحا، وكم من مؤدبة ترمي بعيدا بستار الحياء، وكم من ذئب يدعي أنه حمل يرجو أن يصاحب الخرفان، وفي أحسن الأحوال كلبا يبتغي حمايتها من الذئاب، وكم من فتاة تكره القراءة التقطت صورا لها في كل الوضعيات بجانب "في قلبي أنثى عبرية".
وربما تعرف في حياتك أختا تغرق شقيقتها أو شقيقها مديحا على مواقع التواصل وهما بالكاد يلقيان التحية على بعضهما مرة في الأسبوع في المنزل؛ وزوجة تستعرض كل يوم هدايا زوجها ورومانسيته وحبهما المثالي، وهما في الحقيقة كثيرا ما فكرا في الطلاق وربما تعاني من العنف في صمت؛ وابنة تضع صورة لها تحتضن أمها في عيد الأم دون أن تهنئها في الواقع.
ولكننا مازلنا ندرس منشورات الآخرين لنعرفهم من خلالها، وننسى أنها بطاقة شخصية صاغوها بأنفسهم لأنفسهم وكثيرا ما يملؤها الزيف والخداع، وكثيرا ما تبدو مبهرة فقط لأن صاحبها يجيد مهارة التسويق لنفسه.
فهذا الفضاء بات بمثابة حفلة تنكرية لا تنام، جل من يحضرها يرتدي قناعا وربما أكثر، وعلى صفحاته يوزع الجميع بسخاء "اللايكات" على بعضهم، ويتبادلون التهنئة في الأعياد والمناسبات دون أن يفعلوا ذلك بالمباشر ولو كانوا يقابلون بعضهم يوميا، وكثيرا ما نعرف الحالة النفسية لصديق عبر تحديثه للحالة، ونفاجأ بآخر يغير وضعيته كل يوم من أعزب إلى مرتبط إلى علاقة معقدّة فأعزب من جديد، ثم نعرف أن صاحب الحساب كان يتسلى لا أكثر للحصول على مزيد من المتابعين.
وأحيانا تعرف أن ابنتك التي كنت تتحدث إليها منذ قليل تعاني من صداع حاد في الرأس من خلال ما نشرته على حسابها وتجد نفسك بين الغرباء تتمنى لها شفاء عاجلا من مرض عرفه الآخرون قبلك. كما لن تكتشف فريق ابنك المفضل وما يحب وما يكره وطبيعة أصدقائه ومختلف نشاطات يومه إلا إن سمح لك بمتابعة صفحاته، وهناك فقط تستطيع أن تبوح له بفخرك ويبادلك بوجه ضاحك نادرا ما تراه منه على أرض الواقع.
وكثيرا ما تتحول نزهاتنا العائلية لخرجات لالتقاط صور الطعام والطبيعة والمقهى والمطعم وابتساماتنا المصطنعة، قبل أن نغرق في عوالمنا الافتراضية نرد على معجبينا وننسى تبادل الحديث مع بعضنا كعائلة وعيش اللحظة.
وليست هذه الأمثلة على بساطتهما إلا غيضا من فيض ما نراه كل يوم، فالافتراضي الذي كان يرمز في وقت مضى إلى شيء غير موجود، أصبح اليوم يسيطر بالكامل على الواقع، ضاربا عرض الحائط بكل أنواع الحدود والخصوصيات، وأصبحت السلطة الأكبر في عالم اليوم هي سلطة امتلاك المتابعين التي من شأنها أن ترفعك إلى أعلى عليين ولو لم تمتلك أي فكر أو ثقافة أو رأي سديد أو برنامج لإنقاذ الأمة ولو على المدى الطويل، ومن شأنها أن تسقطك من برجك العاجي لأسفل سافلين ولو كنت كاتبا أو مفكرا أو عالما أو أديبا.
سلاح "الفولورز" الفتاك
شيئا فشيئا ساهمت هذه الوسائل في رسم سمات جديدة للناس ومعالم متغيرة لمجتمعات لم تعد تعرف حتى نفسها، فالجماعات الافتراضية التي تظهر كل يوم لا تعترف بالحدود ولا تنظمها قوانين مجتمع دون غيره، ولا تعترف بقوة أكبر من قوة حشود المعجبين والمتابعين.
ولأجل نيل هذه القوة قد يقدم كثيرون كل شيء، وغالبا ما يصبح الأمر بمثابة عقد مع الشيطان قد يحقق بفضله صاحبه النجاح ولكنه يبيع روحه بالمقابل، إذ يغدو مع الأيام عبدا لجماهيره ينشر فقط ما يحبونه، ويحبط إذا قلت عدد الإعجابات فيبحث عن المزيد لأجلهم، يقيم نفسه من خلال تعليقاتهم، وينهار عالمه إذا أفل نجمه الوهمي. فهؤلاء الأتباع أو "الفولورز" هم السلاح الأقوى لنجم العالم الافتراضي، يهجمون كحشد غاضب على من يعاديه، وكلما زاد عددهم زادت قوته حتى يتحول إلى معيار مؤثر في ذوق الآخرين، لا يناقش رأيه مادام على عرش اللعبة، وربما تتوافد عليها لإعلانات ويصبح وجها معروفا لماركة مشهورة، ويوقفه الناس في الشارع لالتقاط سيلفي معه.
قد يبدو الأمر مبالغا فيه، ولكن طفلا اشتهر ب"فتح علب المفاجآت" بات اليوم مؤثرا في عالم صناعة الألعاب، رغم أنه في الثامنة من عمره فقط، ذلك أن الصغير المعروف ب"ريان كاجي" يتمتع بشعبية كبيرة لدرجة أن كبريات شركات ألعاب الأطفال وقعت معه عقودا لإنتاج ألعاب وملابس وسلع منزلية تحمل توقيعه، يجري بيعها في آلاف المتاجر وعلى المواقع الإلكترونية.
أما شعبيته فيرجع الفضل فيها لقناته التي جعلت منه الأول في ترتيب "فوربس" لعامي 2018 و2019 لمستخدمي منصة "اليوتيوب" الذين يكسبون أكبر قدر من المال، حيث بلغ دخله 22 مليون دولار سنة 2018 و26 مليون دولار في عام 2019، متفوقا بذلك على الدخل السنوي لنجم الساحرة المستديرة المصري "محمد صلاح" والذي حقق فقط 25.1 مليون دولار أمريكي سنة 2019، وهذا يعني أن الطفل ريان يكسب حوالي 72 ألف دولار في اليوم، أي حوالي 3000 دولار في الساعة وتقريبا 50 دولارا في الدقيقة.
وتضم قناته اليوم 23 مليون مشترك، وتمت مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بها أزيد من 34 مليار مرة بعد أربع سنوات فقط من وجودها، وهي قناة تقوم على مفهوم بسيط يتمثل في فتح الطفل بصحبة والديه صناديق هدايا واختبار أطعمة وألعاب، لكن الفكرة على بساطتها كانت قادرة على شد ملايين المتابعين في مثل سنه عبر العالم، ليتحول الطفل الصغير إلى قدوة لأعداد لا تحصى من الأطفال بمن فيهم أبناؤنا. ويمتلك ريان الآن تسع قنوات على "يوتيوب"، بالإضافة إلى برنامج تلفزيوني منفصل على قناة "Nickelodeon"، وعقد صفقة مع (Hulu) لإعادة إنتاج فيديوهاته ونشرها على موقعها.
وربما يزداد العجب، عندما تعلم أن صاحبة المركز الثالث للأعلى دخلا من "اليوتيوب" هي "ناستيا" طفلة في الخامسة بلغت عائداتها 18 مليون دولار هذا العام، تنشر مقاطع لعبها مع والدها، ولدى هذه النجمة التي ولدت بشلل دماغي 107 ملايين مشترك على قنواتها السبعة، وشوهدت فيديوهاتها 42 مليار مرة.
كل هذه الإيرادات الخيالية للأطفال الذين يتابعهم على الأغلب أطفال بمثل سنهم، تؤكد أن "اليوتيوب" غدا الجليس الأول للأطفال بلا منازع، فكثيرا ما نصادف صغارا لم يصلوا حتى سن الكلام يعبثون بمهارة بهواتف آبائهم، أما حاراتنا فنادرا ما تحتضن تلك الألعاب الطفولية الجماعية التي تختزل أجمل الذكريات التي عشناها في صغرنا، لأن معظم أطفال اليوم سجناء بالعالم الافتراضي، بحسب دراسة مركز "بيو" الأمريكي لأبحاث الحياة العامة، التي أكدت أن 81 في المائة من الآباء يسمحون لأطفالهم في عمر 11 عاما أو أقل بمشاهدة "يوتيوب".
اكتساح الأطفال لمنصة اليوتيوب ليس آخر المفاجآت التي يخفيها على ما يبدو، فعشرات القنوات الهادفة التي تعرض محتويات علمية وفكرية مهمة لا تحقق الكثير من المشاهدات، ولم تجد لها مكانا بين القنوات العشرة الأكثر تحقيقا للأرباح على "يوتيوب"، حيث عاد المركز الثاني لفريق (Perfect Dude) برصيد 20 مليون دولار، وهو فريقٌ يضم خمسة أصدقاءٍ في الثلاثينيات يسجلون أنفسهم أثناء ممارستهم رياضات وألعابا شهيرة.
واحتل المركز الرابع برصيد 17.5 مليون دولار الثنائي "ريت ولينك" اللذين يقدمان فيديوهاتٍ لهما أثناء تجربة تناول أطعمةٍ غريبةٍ. فيما عاد المركز الخامس ل"جفري ستار" برصيد 17 مليون دولار وينشر فيديوهاتٍ عن كيفية وضع مستحضرات التجميل.
أما بقية المراكز فحصل عليها 5 لاعبي ألعاب فيديو يسجلون أنفسهم أثناء لعب الألعاب المشهورة مثل (Minecraft) و(Fortnite) ويجنون ما بين 11.5 و13 مليون دولار، وهي كلها أرقام تفوق الثروة الكاملة للمثل العالمي "رامي مالك" الحاصل على جائزة الأوسكار في فبراير 2019، حيث تبلغ ثروته 8 ملايين دولار فقط.
وبعملية حسابية، فقد كسبت الحسابات العشرة الأكثر ربحا في "يوتيوب" عام 2019 ما قيمته 162 مليون دولار، وهو مبلغ يفوق ما كسبه في السنة نفسها الرياضي الأعلى دخلا في العالم، وهو النجم الأرجنتيني "ليونيل ميسي" الذي جمع فقط 127 مليون دولار، 35 مليون دولار منها هي قيمة عائداته الإعلانية، وهو مبلغ ضعيف نسبيا بالنظر إلى كونه نجم الرياضة الأكثر شعبية في العالم مقارنة مع ما يحصل عليه نجوم "اليوتيوب" الذين تحظى قنواتهم بالدعاية والرعاية.
ووفق إحصائيات لمجلة "فوربس" فإن 92 في المائة من المستهلكين يثقون في إعلانات المؤثرين أكثر من المشاهير التقليديين. و"المؤثرون" أو "الأنفلونسر" هم كل من يملك كحد أدنى 10 آلاف متابع على صفحاتهم، وقد ساهم هؤلاء المؤثرون في تسويق 3.7 مليون إعلان عام 2018، بزيادة 43 في المائة عن حجم تسويقهم في العام الأسبق، علما أن هذا الرقم يمثل فقط ما تم الاعتراف به كمادة إعلانية، وما خفي مما يروج له هؤلاء دون الاعتراف بكونه إعلانا قد يكون أكبر بكثير.
دجاجة تبيض ذهبا!
انطلاقا مما سبق، يظهر أن القدرة على التأثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تجارةً مربحة لمن باتوا يعرفون بالمؤثرين، إذ بات في استطاعتهم الترويج مقابل آلاف الدولارات لعلامات تجارية مختلفة، وحسب موقع "بزنس. كوم" توجد حالات يجني فيها مراهقون مبالغ تصل إلى 2600 دولار عند نشرهم فيديو إعلان لشركة لمرة واحدة على (تويتر)، أما بنشره من خلال (يوتيوب) فقد يجني منه مبلغاً يتراوح بين 800 و8000 دولار. وبحسب المقال نفسه فإن شركات كبرى أبرمت عقودا تبلغ قيمتها 150 ألف دولار سنويا مع عدد من النجوم الافتراضيين في مقابل نشر تغريدتين أسبوعيا للترويج لهذه الشركات.
وكل هذه المميزات المعنوية والمادية التي يحظى بها نجوم مواقع التواصل الاجتماعي بفضل محتويات بسيطة على الأغلب هي التي تفسر أسباب ركض الكثيرين لضمان مكان لهم فيه، ف"الأنستغرام مثلا تضاعف استخدامه 10 مرات في 5 سنوات، حيث انتقل من 100 مليون مستخدم سنة 2013 إلى مليار مستخدم في اليوم في يونيو 2018، بمقابل أخويه الأكبر YouTube مع (1.9 مليار) وFacebook مع (2.27 مليار)، وينشر مستخدموه يوميا 95 مليون صورة ومقاطع فيديو، ويحملون 400 مليون قصة جديدة، ويضغطون على زر الإعجاب 4.2 مليار مرة، أي بمعدل حوالي 3 ملايين إعجاب في الدقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.