نزار بركة: تعبئة شاملة لحزب الاستقلال من أجل الوطن والمواطن    انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا ورياح بعدد من الجهات    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السجن الافتراضي .. مال وشهرة ولا معنى!
نشر في هسبريس يوم 01 - 01 - 2020

عندما تتمنى مراهقة العثور على فارس أحلامها في العالم الأزرق، وتمضي معظم وقتها في دراسة عدد "اللايكات" والتعليقات على منشوراتها علها تجد ضالتها؛
وعندما تكتشف أن لا أحد بين تلاميذك المراهقين يملك حلما واحدا لحياته الواقعية، وأن قدواتهم في الحياة مشاهير أفرزهم العالم الافتراضي، وكل اهتمامهم حول ما قد يرفع أسهمهم في العالم الافتراضي؛
وعندما تصبح كل الأحاديث والأخبار حولك عن تفاهات الأبطال الوهميين لعالمنا المعاصر؛
عندما يحدث هذا كله، فإن كل هذه الصور حولك تشي بأن العالم بات فاقدا للمعنى، وأنه بات يعيش اليوم أحلك أوقاته منذ وجد، عصرا يملك فيه الإنسان كل شيء إلا نفسه، فالحياة صارت ركضا خلف المظاهر، ولم نعد نتابع جديد العلم ولا الأدب، لأن ذلك لن ينقص من إعجابات الناس بنا على صفحاتنا بقدر ما قد ينقصها جهلنا بجديد الموضة.
وعندما تتجلى لك كل مظاهر اللامعنى، ستدرك أن وسائل التواصل الاجتماعي اعتلت العرش بلا منازع، فوحدها تستطيع أن تغير بضغطة زر الرأي العام العالمي، وتنسج ثقافات جديدة، وتغير الميولات والقناعات، وتختار الأعلى والأدنى تقييما، وتجعل المتابعين رهينة بيد من يصنع الفرجة ويفرغ المعنى من محتواه، في عصر أصبح فيه كل فرد -تقريبا- يملك حسابا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي إن لم يكن أكثر.
يؤكد ذلك ارتفاع عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى 3.48 مليار شخص في 2019، وفق إحصاء لمؤسسة دولية، يمثلون 45 في المائة من سكان العالم من مختلف الأجيال، بمن فيهم جيل الأجداد (مواليد ما بين الأربعينيات والستينيات) الذي يملك حوالي نصفهم حسابا خاصا، علما أن جيل الألفية (مواليد ما بين الثمانينيات والتسعينيات) هو الأكثر انتشاراً بنسبة 90.4 بالمائة، يليه الجيل "إكس" (مواليد ما بين الستينيات والثمانينيات) ب77.5 في المائة.
ويقضي هؤلاء المستخدمون على شبكة الأنترنت حوالي 6.5 ساعات يوميا، ما يعني أن المجتمع الرقمي العالمي قضى أزيد من 2.2 مليار سنة على الأنترنت هذا العام، علما أن عدد المستخدمين يزداد بمليون شخص كل يوم منذ يناير 2018.
ومع التحولات المجتمعية السريعة أصبحت هذه التغيرات ضرورة من ضروريات عصرنا، فأولئك القليلون الذين لا يتفقدون حساباتهم كل ساعة، ويجلسون بيننا دون أن يختلسوا النظر لهواتفهم كلما سنحت لهم الفرصة، ويقرؤون كتابا بانتظار الحافلة، أو يتأملون الطبيعة ببساطة من نافذة القطار في رحلة طويلة، أصبح ينظر إليهم ككائنات فضائية غريبة بمقابل العاديين الذين يشعرون أن الأكسجين يسحب بعيدا عنهم كلما انقطعت النت حولهم، والذين جعلوا من حساباتهم فضاء يعج بكل ما قد يخطر أو لا يخطر لك حتى على البال.
حفلة تنكرية !
قبل حوالي عشر سنوات هل كان أحد منا ليتصور أن رجلا بسيط الفكر والعقل سيغدو صحافيا وفنانا ومشهورا، تتسابق الصحف للقائه والمارة لالتقاط صوره لمجرد أنه لم يستطع ذكر الاسم الصحيح لمرض أثناء حوار عابر تم صدفة معه، فتناسى الناس المرض وأصبح الرجل الذي عجز حتى عن نطقه بشكل صحيح موضوع كل حوار سيأتي في ما بعد، لدرجة أنه أحب متابعة الجماهير له ومضى يرد على منتقديه وكارهيه ويشكر معجبيه ومتابعيه، وأسس قناته وصار ينقل للناس أفكاره وفلسفته في الحياة وطرقه في مجابهة الأمراض، وآلاف الناس داخل وخارج الوطن سيعرفون في فترة قصيرة كل تفاصيل حياة الرجل الذي كان قبل أيام معدودة مجهولا تماما.
أتخيلت يوما حتى في أكثر في المرات التي أطلقت فيها العنان لخيالك عجوزا تجاوزت على الأغلب ستينياتها تحدثك على قناة خاصة بها، عن كل تفاصيل حياتها اليومية البسيطة في دوار بعيد يعاني من نقائص لا يمكن حصرها، ولكن شبكة الأنترنت لحسن الحظ على ما يبدو ليست ضمنها، وكل من حولها زوجها وأبناؤها وزوج ابنتها يشاركونها عروضها التي تحصد آلاف المتابعين كأنها بطلة إحدى برامج تلفزيون الواقع الذي يحمل توقيع أشهر المخرجين.
وهل لاحظت طبيعة النجوم الذين يملؤون ذلك الفضاء الافتراضي؟ الكل يصبح كاملا ومثاليا وناصحا أمينا على "إنستغرام" و"فايسبوك" و"سناب شات". الجميع هناك يفهم أسرار الحياة وقواعد الفوز، ويلعب بتفوق أدوار المشاهير، ويملأ مساحاته الافتراضية بصور بلا عيوب، وتعاليق تفيض حبا، وتدين افتراضي، وديمقراطية كاذبة، وحداثة مستوردة، وجلهم يعشقون شرب القهوة في فنجان بجانب كتاب لا يفتح إلا لالتقاط صورة، ومعظمهم يسافرون لأجمل الأماكن ويأكلون أشهى الأطباق ويقصدون أرقى المقاهي، ويجيدون تنسيق الملابس، ويوما بعد يوم يفقدون أنفسهم ويصبحون مجرد نسخ مقلدة لبعضهم في تمثيلية سخيفة كلما كانوا أمام الكاميرات.
وكثيرة هي المشاكل النفسية التي تحدث عنها الخبراء بسبب هذا الانفصام بين النفس الحقيقية والنفس الافتراضية، فكم من خجول يغدو وقحا، وكم من مؤدبة ترمي بعيدا بستار الحياء، وكم من ذئب يدعي أنه حمل يرجو أن يصاحب الخرفان، وفي أحسن الأحوال كلبا يبتغي حمايتها من الذئاب، وكم من فتاة تكره القراءة التقطت صورا لها في كل الوضعيات بجانب "في قلبي أنثى عبرية".
وربما تعرف في حياتك أختا تغرق شقيقتها أو شقيقها مديحا على مواقع التواصل وهما بالكاد يلقيان التحية على بعضهما مرة في الأسبوع في المنزل؛ وزوجة تستعرض كل يوم هدايا زوجها ورومانسيته وحبهما المثالي، وهما في الحقيقة كثيرا ما فكرا في الطلاق وربما تعاني من العنف في صمت؛ وابنة تضع صورة لها تحتضن أمها في عيد الأم دون أن تهنئها في الواقع.
ولكننا مازلنا ندرس منشورات الآخرين لنعرفهم من خلالها، وننسى أنها بطاقة شخصية صاغوها بأنفسهم لأنفسهم وكثيرا ما يملؤها الزيف والخداع، وكثيرا ما تبدو مبهرة فقط لأن صاحبها يجيد مهارة التسويق لنفسه.
فهذا الفضاء بات بمثابة حفلة تنكرية لا تنام، جل من يحضرها يرتدي قناعا وربما أكثر، وعلى صفحاته يوزع الجميع بسخاء "اللايكات" على بعضهم، ويتبادلون التهنئة في الأعياد والمناسبات دون أن يفعلوا ذلك بالمباشر ولو كانوا يقابلون بعضهم يوميا، وكثيرا ما نعرف الحالة النفسية لصديق عبر تحديثه للحالة، ونفاجأ بآخر يغير وضعيته كل يوم من أعزب إلى مرتبط إلى علاقة معقدّة فأعزب من جديد، ثم نعرف أن صاحب الحساب كان يتسلى لا أكثر للحصول على مزيد من المتابعين.
وأحيانا تعرف أن ابنتك التي كنت تتحدث إليها منذ قليل تعاني من صداع حاد في الرأس من خلال ما نشرته على حسابها وتجد نفسك بين الغرباء تتمنى لها شفاء عاجلا من مرض عرفه الآخرون قبلك. كما لن تكتشف فريق ابنك المفضل وما يحب وما يكره وطبيعة أصدقائه ومختلف نشاطات يومه إلا إن سمح لك بمتابعة صفحاته، وهناك فقط تستطيع أن تبوح له بفخرك ويبادلك بوجه ضاحك نادرا ما تراه منه على أرض الواقع.
وكثيرا ما تتحول نزهاتنا العائلية لخرجات لالتقاط صور الطعام والطبيعة والمقهى والمطعم وابتساماتنا المصطنعة، قبل أن نغرق في عوالمنا الافتراضية نرد على معجبينا وننسى تبادل الحديث مع بعضنا كعائلة وعيش اللحظة.
وليست هذه الأمثلة على بساطتهما إلا غيضا من فيض ما نراه كل يوم، فالافتراضي الذي كان يرمز في وقت مضى إلى شيء غير موجود، أصبح اليوم يسيطر بالكامل على الواقع، ضاربا عرض الحائط بكل أنواع الحدود والخصوصيات، وأصبحت السلطة الأكبر في عالم اليوم هي سلطة امتلاك المتابعين التي من شأنها أن ترفعك إلى أعلى عليين ولو لم تمتلك أي فكر أو ثقافة أو رأي سديد أو برنامج لإنقاذ الأمة ولو على المدى الطويل، ومن شأنها أن تسقطك من برجك العاجي لأسفل سافلين ولو كنت كاتبا أو مفكرا أو عالما أو أديبا.
سلاح "الفولورز" الفتاك
شيئا فشيئا ساهمت هذه الوسائل في رسم سمات جديدة للناس ومعالم متغيرة لمجتمعات لم تعد تعرف حتى نفسها، فالجماعات الافتراضية التي تظهر كل يوم لا تعترف بالحدود ولا تنظمها قوانين مجتمع دون غيره، ولا تعترف بقوة أكبر من قوة حشود المعجبين والمتابعين.
ولأجل نيل هذه القوة قد يقدم كثيرون كل شيء، وغالبا ما يصبح الأمر بمثابة عقد مع الشيطان قد يحقق بفضله صاحبه النجاح ولكنه يبيع روحه بالمقابل، إذ يغدو مع الأيام عبدا لجماهيره ينشر فقط ما يحبونه، ويحبط إذا قلت عدد الإعجابات فيبحث عن المزيد لأجلهم، يقيم نفسه من خلال تعليقاتهم، وينهار عالمه إذا أفل نجمه الوهمي. فهؤلاء الأتباع أو "الفولورز" هم السلاح الأقوى لنجم العالم الافتراضي، يهجمون كحشد غاضب على من يعاديه، وكلما زاد عددهم زادت قوته حتى يتحول إلى معيار مؤثر في ذوق الآخرين، لا يناقش رأيه مادام على عرش اللعبة، وربما تتوافد عليها لإعلانات ويصبح وجها معروفا لماركة مشهورة، ويوقفه الناس في الشارع لالتقاط سيلفي معه.
قد يبدو الأمر مبالغا فيه، ولكن طفلا اشتهر ب"فتح علب المفاجآت" بات اليوم مؤثرا في عالم صناعة الألعاب، رغم أنه في الثامنة من عمره فقط، ذلك أن الصغير المعروف ب"ريان كاجي" يتمتع بشعبية كبيرة لدرجة أن كبريات شركات ألعاب الأطفال وقعت معه عقودا لإنتاج ألعاب وملابس وسلع منزلية تحمل توقيعه، يجري بيعها في آلاف المتاجر وعلى المواقع الإلكترونية.
أما شعبيته فيرجع الفضل فيها لقناته التي جعلت منه الأول في ترتيب "فوربس" لعامي 2018 و2019 لمستخدمي منصة "اليوتيوب" الذين يكسبون أكبر قدر من المال، حيث بلغ دخله 22 مليون دولار سنة 2018 و26 مليون دولار في عام 2019، متفوقا بذلك على الدخل السنوي لنجم الساحرة المستديرة المصري "محمد صلاح" والذي حقق فقط 25.1 مليون دولار أمريكي سنة 2019، وهذا يعني أن الطفل ريان يكسب حوالي 72 ألف دولار في اليوم، أي حوالي 3000 دولار في الساعة وتقريبا 50 دولارا في الدقيقة.
وتضم قناته اليوم 23 مليون مشترك، وتمت مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بها أزيد من 34 مليار مرة بعد أربع سنوات فقط من وجودها، وهي قناة تقوم على مفهوم بسيط يتمثل في فتح الطفل بصحبة والديه صناديق هدايا واختبار أطعمة وألعاب، لكن الفكرة على بساطتها كانت قادرة على شد ملايين المتابعين في مثل سنه عبر العالم، ليتحول الطفل الصغير إلى قدوة لأعداد لا تحصى من الأطفال بمن فيهم أبناؤنا. ويمتلك ريان الآن تسع قنوات على "يوتيوب"، بالإضافة إلى برنامج تلفزيوني منفصل على قناة "Nickelodeon"، وعقد صفقة مع (Hulu) لإعادة إنتاج فيديوهاته ونشرها على موقعها.
وربما يزداد العجب، عندما تعلم أن صاحبة المركز الثالث للأعلى دخلا من "اليوتيوب" هي "ناستيا" طفلة في الخامسة بلغت عائداتها 18 مليون دولار هذا العام، تنشر مقاطع لعبها مع والدها، ولدى هذه النجمة التي ولدت بشلل دماغي 107 ملايين مشترك على قنواتها السبعة، وشوهدت فيديوهاتها 42 مليار مرة.
كل هذه الإيرادات الخيالية للأطفال الذين يتابعهم على الأغلب أطفال بمثل سنهم، تؤكد أن "اليوتيوب" غدا الجليس الأول للأطفال بلا منازع، فكثيرا ما نصادف صغارا لم يصلوا حتى سن الكلام يعبثون بمهارة بهواتف آبائهم، أما حاراتنا فنادرا ما تحتضن تلك الألعاب الطفولية الجماعية التي تختزل أجمل الذكريات التي عشناها في صغرنا، لأن معظم أطفال اليوم سجناء بالعالم الافتراضي، بحسب دراسة مركز "بيو" الأمريكي لأبحاث الحياة العامة، التي أكدت أن 81 في المائة من الآباء يسمحون لأطفالهم في عمر 11 عاما أو أقل بمشاهدة "يوتيوب".
اكتساح الأطفال لمنصة اليوتيوب ليس آخر المفاجآت التي يخفيها على ما يبدو، فعشرات القنوات الهادفة التي تعرض محتويات علمية وفكرية مهمة لا تحقق الكثير من المشاهدات، ولم تجد لها مكانا بين القنوات العشرة الأكثر تحقيقا للأرباح على "يوتيوب"، حيث عاد المركز الثاني لفريق (Perfect Dude) برصيد 20 مليون دولار، وهو فريقٌ يضم خمسة أصدقاءٍ في الثلاثينيات يسجلون أنفسهم أثناء ممارستهم رياضات وألعابا شهيرة.
واحتل المركز الرابع برصيد 17.5 مليون دولار الثنائي "ريت ولينك" اللذين يقدمان فيديوهاتٍ لهما أثناء تجربة تناول أطعمةٍ غريبةٍ. فيما عاد المركز الخامس ل"جفري ستار" برصيد 17 مليون دولار وينشر فيديوهاتٍ عن كيفية وضع مستحضرات التجميل.
أما بقية المراكز فحصل عليها 5 لاعبي ألعاب فيديو يسجلون أنفسهم أثناء لعب الألعاب المشهورة مثل (Minecraft) و(Fortnite) ويجنون ما بين 11.5 و13 مليون دولار، وهي كلها أرقام تفوق الثروة الكاملة للمثل العالمي "رامي مالك" الحاصل على جائزة الأوسكار في فبراير 2019، حيث تبلغ ثروته 8 ملايين دولار فقط.
وبعملية حسابية، فقد كسبت الحسابات العشرة الأكثر ربحا في "يوتيوب" عام 2019 ما قيمته 162 مليون دولار، وهو مبلغ يفوق ما كسبه في السنة نفسها الرياضي الأعلى دخلا في العالم، وهو النجم الأرجنتيني "ليونيل ميسي" الذي جمع فقط 127 مليون دولار، 35 مليون دولار منها هي قيمة عائداته الإعلانية، وهو مبلغ ضعيف نسبيا بالنظر إلى كونه نجم الرياضة الأكثر شعبية في العالم مقارنة مع ما يحصل عليه نجوم "اليوتيوب" الذين تحظى قنواتهم بالدعاية والرعاية.
ووفق إحصائيات لمجلة "فوربس" فإن 92 في المائة من المستهلكين يثقون في إعلانات المؤثرين أكثر من المشاهير التقليديين. و"المؤثرون" أو "الأنفلونسر" هم كل من يملك كحد أدنى 10 آلاف متابع على صفحاتهم، وقد ساهم هؤلاء المؤثرون في تسويق 3.7 مليون إعلان عام 2018، بزيادة 43 في المائة عن حجم تسويقهم في العام الأسبق، علما أن هذا الرقم يمثل فقط ما تم الاعتراف به كمادة إعلانية، وما خفي مما يروج له هؤلاء دون الاعتراف بكونه إعلانا قد يكون أكبر بكثير.
دجاجة تبيض ذهبا!
انطلاقا مما سبق، يظهر أن القدرة على التأثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تجارةً مربحة لمن باتوا يعرفون بالمؤثرين، إذ بات في استطاعتهم الترويج مقابل آلاف الدولارات لعلامات تجارية مختلفة، وحسب موقع "بزنس. كوم" توجد حالات يجني فيها مراهقون مبالغ تصل إلى 2600 دولار عند نشرهم فيديو إعلان لشركة لمرة واحدة على (تويتر)، أما بنشره من خلال (يوتيوب) فقد يجني منه مبلغاً يتراوح بين 800 و8000 دولار. وبحسب المقال نفسه فإن شركات كبرى أبرمت عقودا تبلغ قيمتها 150 ألف دولار سنويا مع عدد من النجوم الافتراضيين في مقابل نشر تغريدتين أسبوعيا للترويج لهذه الشركات.
وكل هذه المميزات المعنوية والمادية التي يحظى بها نجوم مواقع التواصل الاجتماعي بفضل محتويات بسيطة على الأغلب هي التي تفسر أسباب ركض الكثيرين لضمان مكان لهم فيه، ف"الأنستغرام مثلا تضاعف استخدامه 10 مرات في 5 سنوات، حيث انتقل من 100 مليون مستخدم سنة 2013 إلى مليار مستخدم في اليوم في يونيو 2018، بمقابل أخويه الأكبر YouTube مع (1.9 مليار) وFacebook مع (2.27 مليار)، وينشر مستخدموه يوميا 95 مليون صورة ومقاطع فيديو، ويحملون 400 مليون قصة جديدة، ويضغطون على زر الإعجاب 4.2 مليار مرة، أي بمعدل حوالي 3 ملايين إعجاب في الدقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.