دعا الملك محمد السادس البلدان الإسلامية إلى اعتماد خارطة طريق جديدة تمكن من الاستفادة من الثروات البشرية والطبيعية في هذه البلدان، بما يساهم في إحداث نقلة نوعية في مؤشرات جودة الحياة في البلدان الإسلامية. جاء ذلك في رسالة وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في الذكرى الخمسين لإنشاء منظمة التعاون الإسلامي تحت شعار "المغرب .. تجديد وعمل"، تنظمها المملكة المغربية اليوم الخميس في العاصمة الرباط، بمناسبة مرور نصف قرن على إنشاء منظمة التعاون الإسلامي. وشدد الملك على أنه "إذا كانت الخطط والبرامج السابقة والحالية قد أسهمت في مضاعفة المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء في منظمتنا، فإننا نثمن كل المبادرات التي تروم تطوير تكتلاتنا الاقتصادية، في أفق إنشاء منطقة للتبادل الحر داخل فضائنا الإسلامي". وأكدت الرسالة الملكية، التي تلاها وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، أن منطقة التبادل الحر داخل الفضاء الإسلامي "ينبغي أن تترجم روح التضامن، وتؤسس للتنمية الشاملة والمستدامة التي يكون عمادها العنصر البشري". وللوصول إلى هذه الأهداف، طالب الملك محمد السادس ببلورة توجه جديد للمقاربات التنموية المعتمدة، "يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات ومحددات النظام الاقتصادي العالمي، والاستفادة من التجارب الناجحة التي راهنت بشكل أساسي على تنمية العنصر البشري وتأهيله لتحقيق الطفرة التنموية والحضارية المنشودة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية". القضية الفلسطينية وخصص الملك محمد السادس جزءا من كلمته لتجديد التأكيد على مواقف المملكة المغربية، مشيرا إلى أن "أهم مصدر لقوتنا واتحادنا، وأكبر محفز لنا على بذل المزيد من الجهود، هو إيماننا الثابت بعدالة قضيتنا الأولى، قضية القدس وفلسطين". وأضاف قائلاً: "من منطلق مسؤولياتنا كملك للمغرب، وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا نجدد التزام المغرب الدائم، ملكا وحكومة وشعبا، بالدفاع عن القدس الشريف وفلسطين، على مختلف الأصعدة، السياسية والدبلوماسية والقانونية والميدانية، لصون الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني". وأوضحت رسالة الملك أن سعيه لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وقضية القدس، "نابع من قناعتنا الراسخة بأن السلام في منطقة الشرق الأوسط يمر حتما عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية". ودعا الملك المنتظم الدولي إلى الانخراط الجاد في بلورة خارطة طريق جديدة "تمكن من تطبيق قرارات الشرعية الدولية واتفاقات السلام المبرمة، وإيجاد حلول عملية للوضع المتأزم في الشرق الأوسط، من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وذلك وفق جدول زمني محدد، وفي إطار حل الدولتين، وبتطابق تام مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية". وذكّر الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، بالعمل الميداني الملموس للمملكة المغربية، من خلال "مشاريع ميدانية تشرف على إنجازها وكالة بيت مال القدس الشريف، لمساندة المقدسيين ودعم صمودهم ضد سياسات التهويد الممنهجة الهادفة لتغيير الوضع القانوني والتاريخي والديمغرافي للمدينة المقدسة، ومواكبة أولويات المقدسيين واحتياجاتهم المتجددة". التصدي للانفصال استحضر الملك محمد السادس سياق تخليد الذكرى الخمسينية لمنظمة التعاون الإسلامي، "في ظل ظرفية دولية دقيقة وجد معقدة، تطغى عليها الأزمات التي اندلعت في بعض الدول الأعضاء في المنظمة، والتي تفاقمت تداعياتها إقليميا، وتصاعدت بفعلها نعرات الانقسام والطائفية المقيتة، وتنامت فيها ظاهرة التطرف والإرهاب". "لذلك، فقد أصبح من الملح معالجة الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذا الوضع المنذر بالعديد من المخاطر، والعمل الصادق على حل الخلافات البينية، واعتماد الآليات الكفيلة بتحصين منظمتنا من مخاطر التجزئة والانقسام"، تضيف الرسالة الملكية. وشدد الملك محمد السادس على ضرورة "التصدي لمحاولات بعض الجهات استغلال هذا الوضع المتأزم لإذكاء نعرات الانفصال، أو إعادة رسم خريطة عالمنا الإسلامي، على أسس تتجاهل حقائق التاريخ والهويات، والتدخل في مصائر الأمم، وتهديد الأمن والاستقرار الدوليين". وختم الملك محمد السادس رسالته بتوجيه دعوة صريحة "لتعزيز الوحدة والتعاون بين الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، والانخراط القوي والفعال في صناعة القرار السياسي والاقتصادي الدولي للدفاع عن مصالح دولنا وشعوبنا". وأبرز ملك المغرب أن هذه الدعوة "ملحة لاستقراء استباقي للمستقبل، ووضع الاستراتيجيات والخطط الملائمة للأجيال القادمة من أجل رفع التحديات الجسام المقبلة، وفي مقدمتها توطيد الاستقرار السياسي، والنهوض بالتنمية المستدامة، وضمان الأمن والغذاء، وحماية البيئة، وغيرها".