نعم يعد الحصول على شهادة علمية جديدة في جل قطاعات الوظيفة العمومية وسيلة للترقي المهني بشكل آلي بغض النظر عن مدى الفعالية المباشرة لتلك الشهادة في الرفع من مردودية الموظف، لكن الآن ومع سياسة التقشف الحكومية بدأ التضيق على هذا الامتياز في وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي تحت مبررات متعددة ظاهرها تربوي في الغالب الأعم، فالترقية بالشهادة لهذا الفوج أو ذاك تعني أوتوماتيكيا تشجيع مدرسين آخرين على الالتحاق بالجامعات للمواظبة على متابعة تعليمهم وترك تلاميذهم في المقابل دون تعليم. وزارة التعليم العالي صارت تسن قوانين تجبر الطلاب الباحثين على الحضور وإلا ضاع منهم كل شيء لا كما كان الأمر قديما حيث كانت صرامة الامتحانات النهائية هي الفيصل، وفي المقابل نفس الجسم الوزاري وهنا باسم وزارة التربية الوطنية يجبر المدرسون على الحضور وفق استعمالات الزمن المحددة إلى أقسامهم دون أن يكون لهم حق في المطالبة بتكييفها مع متطلبات دراستهم، إذن هنا نصير أمام تصادم بين الحق والواجب، حق المدرس في مواصلة التعلم وواجب تعليم التلاميذ. هو تصادم كان في الإمكان تجنبه منطقيا بمرسوم واحد يعفي الطلاب الأساتذة من إجبارية الحضور إلى الجامعات ليوفر عنهم من جهة عناء وتكاليف التنقلات، وليوفر من جهة أخرى عن تلاميذهم مصائب غيابهم المتكرر، إذن وإلى حد الآن المشكل قد حل بمثل هذا المرسوم، الأساتذة يركزون على بحوثهم وهي دون عناء التنقلات لا محالة أجود، والتلاميذ يستفيدون من زمنهم المدرسي المحدد، وهم مع أساتذة باحثين لا محالة سيكون تعلمهم أفضل أو على الأقل سيجدون أساتذة كلهم ارتياح لأنهم لم يحرموا من حقهم الطبيعي في مزيد التعلم ومزيد من الترقي المالي والاجتماعي. لكن مثل هذا المرسوم ستكون نتيجته بالتأكيد أفواج وأفواج من الأساتذة الحاملين للشواهد العليا مما سيكلف ميزانية الدولة أموالا كثيرة لترقيتهم، لذلك لا تجد الجهات المسؤولة إلا حلين وهما: إما التضييق على حق متابعة الموظفين لدراستهم الجامعية وذلك ما كان في وقت سابق وإما إنهاء حق الترقية بالشهادات أو على الأقل التضييق عليه بإجراءات من قبيل اعتماد مباريات انتقائية قبل الترقية. إذن فالهاجس الحكومي في هذا الباب هاجس مالي بامتياز، أما الهاجس التربوي المتمثل في التخوف من التشجيع على غياب الأساتذة فقد كان في الإمكان حله ببساطة بمثل المرسوم المقترح، وأما الذين يقولون إنه لا علاقة مباشرة بين الشهادة والمردودية في الميدان، فنقول لهم قد نتفق في بعض الحالات، لكن لماذا تمت ترقية الأفواج السابقة بالشهادة؟ ولماذا الترقية بالشهادة في قطاعات أخرى دون مشاكل، بل الأكثر من كل هذا وذاك لماذا كان حتى التوظيف المباشر بالشهادات يعطيها قيمتها المالية المستحقة دون نقاش؟ لماذا ولماذا أسئلة مقارنات لا تنتهي تجعل الأستاذ في غليان نفسي لا يؤدي به في الغالب إلا إلى الإهمال ولا ينتج بسببه سوى خطاب الشكوى والتذمر، إذن فبغض النظر عن المردودية المباشرة للشهادة ينبغي ترقية الجميع بها عملا بمبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور إلى أن يتم إصدار نظام أساسي عادل يقنن المسألة بشروط واضحة تعلن للجميع مسبقا قبل أن يفكر المدرس في المكابدة الفكرية والمادية من أجل متابعة تعليمه العالي ابتغاء وجه العلم أو ابتغاء وجه الدرجة المالية المنشودة. وبالتالي يبقى الحل الأمثل سواء كان الأمر حقا مكتسبا أو ريعا مستشريا هو مساواة الجميع وتبني خطاب الصراحة مع الموظفين بالقول: "الترقية بالشهادة حقكم ومن الظلم ألا نساويكم مع زملائكم، فقط أمهلونا بعض الوقت لتسوية وضعيتكم ولو على مراحل"، أي الاعتراف بمظلومية الفئة مع حل المشكل بصيغ معقولة تعطي الأولوية للأكثر أقدمية وللحالات الاجتماعية الأصعب، في انتظار استفادة الجميع بأثر رجعي. وهكذا سيسود بالتأكيد جو من الوضوح والاطمئنان وتتعزز في القطاع قيم الإنصاف والمساواة، لينصرف الأساتذة إلى التركيز على التعليم والبحث العلمي عوض انشغالهم المتواصل بالإضرابات والاحتجاجات.